2012/05/21

"الشيطان يصلي مرة واحدة: قصة بقلم: د. ثروت عكاشة السنوسي

الشيطان يصلي مرة واحدة
د/ ثروت عكاشة السنوسي
يعلن الفراغ المقابل للنافذة عن سكون كئيب، وعيون الشيخ الطيب تركت الكتاب؛ لترقب اليمام يطير ويحط في باحة الدار ، يلتقط الحب المتناثر في عجلٍ، قبل رحيل الشمس، وصورة الحاجة رحمها الله.. لا تغادره أبدا..
: سابتني وحدي وراحت.. الحمد لله..
يد "رابحة" ناصعة البياض تسحب مزلاج الباب الخشبي، وتدلف إلى الناحية الشرقية من الدار ..
: بعد اذنكـ يا مولانا .. سا الخير عليك ،
تضحكـ بميوعة، وفي خيلاء كعادتها، تملأ المياه العذبة من البئر.. وصدرها مدلوق يطل على الماء، والحاجة الله يرحمها غادرت من زمن طويل، ولم تكن تحب المياصة.. كانت تعطف كثيرا على "رابحة"..... ولم تنجب لي ولدا يؤنس وحدتي..!!
"رابحة" تتأمل مصلية الحاجة، يمكن تصلي.. لا.. لا.. دي بت نجسة .. الله يلعنها بت شياطين.. بس ربنا قادر يهيديها، قالها مترددا..(وسعت رحمة ربكـ كل شئ...) قالها وامتعض.. انت تصلي وهي صغيرة جنب الحاجة هناكـ عند البئر ، ثم ترحل في منتصف الصلاة، وهي تتقافز في دلال برئ...
أردافها الممتلئة أخذت عيونه، والتفاتتها بصدر مكتنز وناهد أودعت فوران الرغبة في جسده، فأسرع يستعيذ من الشيطان، ويعطي ظهره للنافذة، ويده تبحث سريعاً عن إذاعة القرآن الكريم، فاليوم الاثنين والشيخ رفعت يغرد (وجوه يومئذٍ... باسرة)
 "رابحة" تغني :"البحر بيضحكـ ليه واني نازله ادلع املا القلل" صوتها الناعم يحتل أذن الرجل، ورفعت يجود بما أنزلت السماء..(ترهَقُهَا قترَة...)..
:أعوذ بالله من الشيطان، صحيح الشيطان شاطر ، يحدث نفسه وتروح عيناه لليمامة التي تقترب من البئر رويدا.. و"رابحة" تصرخ وتنزلق على الأرض المبتلة شبه عارية.. والكتاب يسقط من يده على الأرض..
يسرع الرجل لنجدتها بقلب ينخلع من الهلع.. يا الله: ما هذا الجمال.. (نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة..)، "رابحة" ملقاة على الأرض، عارية إلاّ قليلاً، تعلن الحرب على قلب الرجل الطيب، إنها تشعل تلكـ النار الموقدة، والظلام الدامس يحل سريعاً، وسكون الليل يمضي بالمغرب والعشاء ، ولم يؤذن كعادته؛ فأذَّن غيره..
الرجل يهادن الشيطان لثوانٍ، ويمد يده متحسساً آلام "رابحة"، وكلما لمس جزءاً من لحمها النيرانيّ تتأوه، وتحذيرات رفعت ذابت في نيرانها المتوهجة.... الله يرحمكـ يا حاجة..
:آآآآه يا "رابحة"... تتلوى بين ذراعيّ كالحية.
تستلقي في إغماءة العصيان، يحملها، ويمضي إلى حجرة الضيوف، لا يدري لما أغلق الباب خلفه، سكن صوتها واستكانت إليه، ثم دست وجهها النيرانيّ في رقبته، حتى انتصف الليل، والقلب يشتعل مجسدا رغبة تشبه الموت..
: (جهنم يصلونها وبئس القرار).. هـمس "رابحة" بنت الجنيّة، يغلق أذن الرجل.. يغيب صوت إذاعة القرآن، بعدها يعود، ثم يغيب....، ويغيب.
: رحمكـ الله يا حاجة، لم تكن طريّة مثل "رابحة"..
الفجر أوشك على البزوغ، وصوت رفعت كان قد أنهى كل آيات العذاب، والرجل يلتهم ما حرمته الطاعةُ أياماً طوالاً.. وتأوهات "رابحة" تلهب جسد الرجل على الدوام، وتسحر هدأة الليل..(وبشر الزانية والزاني...)..
:الله أكبر.. يصيح المؤذن ، ويصيح :" الصلاة خير من النوم.."
: أي نوم يا شيخ..؟ غادرت "رابحة" المكان، ويده تمتد في بطء؛ تغلق الراديو، وعقد المسبحة انفرط، وتبعثرت الحبات كلها في قلب البئر..
***
رئيس نادي القصة بأسيوط
مصــــــــــــر


ليست هناك تعليقات: