2013/04/05

الميراث الثاني للنكد بقلم: د.مصطفى عطية جمعة

مقال إسلامي : 
 الميراث الثاني للنكد
د.مصطفى عطية جمعة                                                أديب وأكاديمي
                               MOSTAFA_ATEIA123@YAHOO.COM
    الميراث الأول للنكد يتمثّل في العداء العلماني لكل ما هو ديني / إسلامي . فقد ورثت النخبة العلمانية في عالمنا العربي عداء الدين ، سائرة على درب العلمانية الأوروبية التي فصلت الدولة والدنيا عن الدين ، وحصرت المسيحية داخل جدران الكنيسة ، خاصة أن فلسفة التنوير في أوروبا نأت تدريجيا عن الدين ، بل نصّبت العقل البشري حكما على الدين ومقيّما له . وقد سار العلمانيون في العالم العربي والإسلامي على هذا النهج ، دون تفرقة بين الإسلام والمسيحية عقديا وتشريعيا وممارسة ، فانبرت مشروعات العلمانيين العرب على تسعى إلى تحجيم الدين في الكتب الصفراء ، وداخل أروقة المساجد ، ساخرة منه أنه لا يواكب العصر ، وأن التحديث ( أو الحداثة ) لابد أن تسير على الطرائق الأوروبية بإقصاء الدين والكنيسة ، وتطرّف بعضهم فاعتبر الدين اختراعا بشريا لتسكين هواجس النفس وخوفها من المجهول . واستغلوا في ذلك تمسّك المؤسسة الدينية الرسمية ( الأزهر ) – في كثير من الأحايين – بنهجها التقليدي ، ومهادنتها للسلطة ، خاصة أن شيخ الأزهر جاء بالتعيين طيلة نصف قرن من الزمان .
    أما الميراث الثاني للنكد ، فهو عداء النخبة العلمانية للتيار الإسلامي بكافة فصائلها وتياراتها وتلوناتها ، من الليبرالية إلى الاشتراكية ، من القومية إلى الوطنية ( الضيقة ) ، وهو ما أسفر عن وجهه في السنتين الأخيرتين، بهذا الكم الهائل من المعارضة والكراهية لكل أعضاء الحركات الإسلامية ، وكأن هذه العلمانيين يواصلون ما بدأته الأنظمة العربية الحاكمة التي حاربت الإسلاميين وأقصتهم عن الحياة المدنية والسياسية ، ووضعتهم في المعتقلات ، ونالوا من التعذيب والنفي والمطاردة الكثير والكثير . وصدق اليهودي " موشيه ديّان " وهو يضع قدميه في مياه قناة السويس في أعقاب هزيمة يونيو 1967م ، حيث قال:
" بعدما قهرنا الأنظمة ، فلن يستطيع قهرنا أحد إلا الإخوان المسلمون ، ولكن حكوماتهم كفيلة بهم " ، يمكن أن نقرأ في ضوء هذه المقولة دلالات كثيرة، ولكن الدلالة الأبرز أن العدو يعرف حجم التيار الإسلامي وأن أبناءه تحرّكهم العقيدة، وإخلاصهم أشد في مناهضة الصهيونية.
    وطيلة ستين عاما ، شاهدت العلمانية العربية الإسلاميين ضحية عسف الأنظمة من بدءا شمولية عبد الناصر وسعيه لاستئصال الحركة الإسلامية ، مرورا بالسادات الذي أفسح مجال العمل السياسي والفكري والدعوي لهم ليحد من تغول الناصرية واليسار في الشارع السياسي ، وقد كان حيث جاءت الصحوة الإسلامية قوية في سنوات السبعينيات ، وفي حقبة مبارك استخدمها فزاعة للغرب لتبرير استمراره في الحكم ، وممارسته للقهر والظلم ، فظهر أمام العالم أن البديل لدكتاتورية مبارك إسلاميو العنف والتطرف .
    فقد ترسّخ في وجدان العلمانيين العرب – في ضوء نخبويتهم وانعزالهم – أن هؤلاء الإسلاميين لا شرعية في الوجود لهم ، وإن مكانهم إلا لم يكن في السجون فهو في المساجد أو في المنافي أو في البيوت ، وأن لا مكان لخطابهم الإسلامي ،لأن الإسلاميين ببساطة امتداد للدين الذي يجب إقصاؤه عن الحياة وفق أبجديات العلمانية ، فالخطاب الديني خطاب متجمد متأخر نابع من الكتب الصفراء ومن ذوي العمائم واللحى ، فلا مجال لهم في عالم السياسة والنخبة المتفرنجة المتشدقة بمصطلحات برّاقة ، بمفردات أجنبية أو متعرّبة .
     وامتد هذا العداء من مصر إلى سائر الدول العربية مع تفاوت في درجة القمع ، ما بين استئصال كامل ( في ليبيا وسورية ) ، وإقصاء جزئي أو اعتراف شكلي في المغرب العربي ودول الخليج والأردن .
    وعندما سقطت الأنظمة ، وتفكك جهاز أمن الدولة ، واعتدلت بوصلة جهاز المخابرات ، ليصبح مهموما بقضايا أمن الوطن العليا ، وليس بحماية كرسي الحاكم ومحاربة معارضة الداخل ، بدأت التيارات الإسلامية تأخذ حظها من شرعية التواجد السياسي والدعوي ، وهذا كشف النخبة العلمانية التي كانت تتباهى شرعية وجودها في أحزابها الكرتونية أو عبر مناصب عليا في الثقافة ومراكز الأبحاث والجامعات نالوها من خلال خطابهم العدائي التحريضي للإسلاميين أو عبر قربهم من دوائر جهاز أمن الدولة أو ضمن لعبة المعارضة الشكلية التي دأب النظام على الترويج لها. ومن خلال تواجدهم الدائم في وسائل الإعلام ( مقروءة ومسموعة ) وزّعوا اتهاماتهم على الإسلاميين ، وعدّوهم معوّقي النهضة الحديثة ، وأن أفكارهم الرجعية سبب من أسباب تأخر الوطن ، وأن الإسلاميين ، في أحسن الأحوال ووفقا لمنظور حقوق الإنسان ؛ لهم حق الحضور الرمزي لا الشعبية الكبيرة ، حق المشاركة لا المغالبة ، لقد فوجئ العلمانيون – أو هكذا بدا لهم – بحصول الإسلاميين على أغلبية كبيرة في الانتخابات النيابية ، ونيلهم منصب رئيس الجمهورية ، وقد اعتادوا على رؤيتهم مطاردين أو معتقلين ، رغم أن المؤشرات السابقة دالة على شعبية التيار الإسلامي ( في الجامعات والنقابات وعضوية مجلس الشعب ) ، فاشتد سلوكهم العدائي وتصريحاتهم النارية مستغلين قنوات إعلامية تعمل بأموال النظام البائد.
   وختاما ، عندما نقول ميراث نكد ، وكراهية متراكمة ، فنحن نوصّف واقعا ولا نقدّم خيالا ، والحل لن يكون بتغيير القلوب لأنها بين إصبعين من أصابع الرحمن ، ولا بنسيان الميراث فهذا مبثوث في الأذهان منبت الأفكار ، وإنما – وببساطة – بقبول العلمانيين بأسس قيم الديمقراطية ، التي هي ميدانهم الفكري الأساسي، وأبرزها : قبول الآخر وإن كان إسلاميا ، الرضا بموقع المعارضة وإن جاء الحاكم إخوانيا ، الالتحام بالجماهير في العمل الشعبي وعدم الاكتفاء بالغرف المكيفة ، والجهاد من الإذاعات ، والقتال في مقاعد القنوات ، فلن تأتي المناصب بالخطاب العدائي كما درجوا

ليست هناك تعليقات: