2013/04/28

"هوزيه.. هوزيه.. هوزيه.. ما أروعك يا ساق البامبو" بقلم: خيري عبدالعزيز



"هوزيه.. هوزيه.. هوزيه.. ما أروعك يا ساق البامبو"
خيري عبدالعزيز
   منذ ما ينيف عن الأسبوع وأنا أقرأ رواية "ساق البامبو" للكاتب الكويتي "سعود السنعوسي", ولم أكن أدري, ولم يكن أحد يدري أن هذا العمل في طريقه للحصول علي أرفع جائزة عربية في الرواية؛ ألا وهي البوكر في نسختها العربية.. حصلت "ساق البامبو" علي الجائزة منذ يومين فقط, بينما أنا أحث الخُطي, أستقطع الوقت لتقليب الصفحات الشائقة..
  أكد لي الكاتب المبدع في عمله الفذ جملة أشياء, أهمها, أن من لديه ما يقول لن يعبأ باللغة كثيرا, منطلقا كالسهم اتجاه الهدف. ولا أقصد أن لغة العمل ضحلة, بالعكس, هي رشيقة كساق البامبو, يانعة مورقة مثله, ولكن فرق بين اللغة المباشرة السلسة الراقية وبين "الفزلكة اللغوية" التي تأخذك وتشتتك عن المضمون, وتتيه بك في دروب ومسالك, تأخذ من العمل ولا تضيف إليه..
    فاللغة مطية للأدب, تحمل أفكاره ومشاعرة, وهذا لا يمنع تمتعها بالجمال والقوة, غير أنها تظل مطية.. تماما كما الفرق بين الفارس والحصان, رغم تكاملهما المبهج.. وقد أفرد توفيق الحكيم في هذا الموضوع كتابا كاملا أسماه "التعادلية في الفن", مجمل مضمونه, أن العمل الفني المكتمل الأركان يجب أن يحقق تعادلية ما بين التفسير والتعبير, فلا يجور إحداهما علي الأخر, فكما ثمة ثيمة تشغل الكاتب وتساؤلات يضج بها عقله ووجدانه, فثمة أسلوب ولغة يجب أن تُطوع بشكل جمالي؛ لتصنع من تلك الثيمة فنا وإبداعا, فلا ثيمة بدون أسلوب تسمي فنا, ولا أسلوب بدون ثيمة يسمي فنا..

   وقد زادني المبدع "سعود السنعوسي" يقينا, أن الأديب الذي يمتلك الثيمة (الموضوع), والأدوات (اللغة والأسلوب) لكي يكتب ويبدع؛ يجب أيضا أن يمتلك طاقة دافعة خلاقة, مُحفزُها الشعور والألم.. فالموهبة, والثيمة, والأدوات بلا شعور لا أظنهم أبدا كافين لسطر معادلة الإبداع الخالد, ربما ينتجون أدبا ما, ولكني لا أظنه يكون فارقا أو خالدا, "ففكتور هوجو" الذي كتب "البؤساء" بل وأعمالا عديدة, كانت التعاسة والفقر هما ثيمتهم الوحيدة, لا أظنه أبدا كان إنسانا سعيدا, بل أظنه عانى من الفقر والحاجة والتعاسة وضجت نفسه بهم إلي أبعد الحدود.. نخلُص أنه لابد للكاتب من الشعور حد الألم, بل وربما حد الموت, وربما من هذا وحده, وهذا فقط, يأخذ العمل حياته وديمومته, وهذا يفسر أن أعمالا كُثر ما هي إلا تأريخ للكاتب بشكل أو بأخر, أو أنها ترتكز في نقطة محورية علي الواقع, ومن هنا, لنا أن نتأكد, أن رهافة الحس هي سمة مشتركة بين الكُتاب..
  وأخيرا أُشيد حد الانبهار بقدرة الرجل علي تطعيم السرد بالحوار, والانتقال بين الأزمنة, وحس الفكاهة السوداوي الساخر, الذي ينتزع الابتسامة من القلب انتزاعا رغم مأسوية الأحداث وقسوتها, فكلها خوارق لا توصف..
"هوزيه.. هوزيه.. هوزيه.. شكرا لك يا هوزيه.. شكرا لك يا سعود.. شكرا لك يا ساق البامبو"

ليست هناك تعليقات: