2015/04/27

المتمرد! بقلم/ محمود سلامة الهايشة



المتمرد!
بقلم/ محمود سلامة الهايشة
تخرَّج في الجامعة، حصَل على بكالوريوس هندسة مَيْكنة الآلات الزراعيَّة، بدأ يبحث عن عمل، فظلَّ ينتَقِل من عمل إلى عمل، ومن وظيفة إلى وظيفة، عمل بورشة خراطة لم يلبَث أن تركَها، انتَقَل لمصنعٍ لتَصنِيع الآلات الزراعيَّة، لم يمكث به إلاَّ عامًا واحدًا، ثم ترَكَه، فهو شابٌّ متمرِّد على الأوضاع، لا يرغَب في العمل لدَى الغير، كلُّ ما يَمتلك تفكيره هو أنْ يكون له مشروعُه الخاصُّ، وصَل تمرُّده لحياته العائليَّة، فكان لا يسمع أيَّ نصيحةٍ من والده، لدرجة أنَّ علاقته به وصلت إلى حدِّ أنهما لا يجتمعان معًا في البيت في وقت واحد!

ظلَّ هذا التمرُّد على هذه الحال، مرَّت سنة تلوَ الأخرى، لم يُحقِّق شيئًا يفتَخِر به، إلى أنْ جاء - يومًا - فدخَل عليه والدُه غرفتَه، جلَس أمامَه ينظر إليه، تنهَّد تنهُّدًا عميقًا:
يا ولدي، أنا علَّمتك إلى أن تخرَّجت في الجامعة، كلَّما اشتَغلت في عمل لا تستمرُّ فيه طويلاً، وها أنا ذا قد تقدَّم بي العمر، زوَّجت أخواتك البنات، لم يبقَ إلا أنت، أريد أن أطمئنَّ عليك، كُنت قد ادَّخرت مائةَ ألف جنيه لتزويجك، خذهم وابدأ حياتك بالطريقة التي تُعجِبك، ولن يكون لي أيُّ سلطة عليك من تلك اللحظة.

اندَهَش هذا المتمرِّد من الحديث الذي سمعه، ولم يَنطِقْ بكلمة واحدة، غير مصدِّق أنَّ والده سيفعل ما قاله.

لم يَمُرَّ الأسبوع إلاَّ ومائة الألف بين يديه، شعر بالخوف والحَيْرة، توقَّف عقلُه وكأنَّه طفل صغير، لم يتعلَّم شيئًا في حياته، بدأ يسأل كلَّ مَن يعرفه:
- ماذا أفعَل بهذا المبلغ؟ من أين أبدأ؟

فهذا ينصَحُه، وهذا يُشِير عليه، ظلَّ على هذا الوضع عِدَّةَ أشهر، كلَّما تقدَّم خطوة، رجَع خطوتَيْن، الرُّعب من الفشل يَمتَلِكه، خائفًا أنْ يَضعَ هذا المال في مشروعٍ فيخسره، إلى أن جاء يومٌ أرشده أحدُ الأصدقاء فيه بأنْ يلتَحِق بإحدى الأكاديميَّات البحريَّة، أخَذ بالنصيحة، والتَحَق بتلك الأكاديميَّة؛ للحُصُول على دِراسات تكميليَّة، مدَّتُها ستَّة أشهر، يتخرَّج بعدَها ضابطًا ميكانيكيًّا لصِيانة وإصلاح السُّفُن البحريَّة.

وقدَّر الله له الخير، ففي الشهر الثاني من تلك الدَّورة أعلَنت الأكاديميَّة عن وجود مسابقة دوليَّة في بريطانيا للِّحام تحت الماء، تدعو فيها الدَّارِسين للمُشارَكة فيها، فتقدَّم هذا المتمرِّد لإدارة الأكاديميَّة بطلَب الاشتِراك بالمسابقة، خلال أيَّام معدودة أنهت الأكاديميَّة إجراءات سفره، دخَل المنافسة، أحرَز المركز السابع وسط 112 مشتركًا من دول مختلفة، يوم توزيع الجوائز على الفائزين تقدَّم له أحد الأشخاص، عرَّفه بنفسه، عرَض عليه عقدًا للعمل في لحام أنابيب البترول بالبحر الأحمر، لدى شركة بترول عالميَّة، وافَق على الفور، ووقَّع معه العقد، سافَر مباشرةً من بريطانيا إلى موقع العمل، رغم خطورة العمل، فكلُّ مرَّة يغطَس يكون عرضهً للموت، إلا أنَّ حياته تغيَّرت تمامًا، انقلبت أوضاعُه رأسًا على عقب، يتَقاضَى راتبًا شهريًّا يُقَدَّر بعَشَرَةِ آلاف دولار، يعمل شهرين ويأخذ راحة شهر، قبل أن يَمرَّ عليه العام الأوَّل كان ذاهبًا لأداء العُمرة، ثم الحج في العام التالي، اشتَرَى سيارة حديثة، عرَض عليه أحدُ السماسرة أرضًا كبيرة في أفضلِ مكانٍ بالمدينة، فاشتراها وبنى عليها بيتًا فخمًا، ووفَّقه الله في اختيار شريكة العمر.

ليست هناك تعليقات: