2016/11/28

سراج يصدر "نصوص الأرص" وسلام: صوت مسرحي فريد في زمن بلا مسرح

سراج يصدر "نصوص الأرص" وسلام: صوت مسرحي فريد في زمن بلا مسرح
الراوي: "عمل بالغ التميز فى مجال استلهام سيرة بنى هلال، واختيار ذكى لمنطقة من أشد مناطق أحداث السيرة تراجيدية (مأساوية)
السعدون: "الكاتب لم ينشغل بالمادة التاريخية على حساب الإشكالية الحضارية التي أراد توظيفها"
يصدر الشاعر المسرحي أحمد سراج عن دار الأدهم كتابه المسرحي "نصوص الأرض" شاملًا مسرحيتين، مكملًا بذلك مشروعه المسرحي الذي بدأ بإصداره "زمن الحصار" 2002، ثم "القرار" 2009، ثم "فصول السنة المصرية" 2012، و"القلعة والعصفور"، وهو النص الذي تُرجم وعُرض في مهرجان "صوت العالم" بأمريكا، ثم نصوصه التي لما تنشر "زاد، فخ النعامة، رسالة إلى السجين (مونودراما)، الجميزة (مونودراما)".
وعن النص كتب الشاعر والمترجم رفعت سلام "بلا شعارات أو خطابة، يخترق أحمد سراج مسرحيًا قلب المعضلة المصيرية المزدوجة، التي تواجه راهننا المصري/ العربي، الدفاع عن الأرض/ الوطن، ومشروعية السلطة الحاكمة؛ بحنكة إبداعية فريدة، تذكر بالقامات المؤسسة للمسرح العربي الحديث: محمود دياب، سعدالله ونوس، ألفريد فرج، عزالدين المدني، وسواهم، فهو لا يبدأ من الصفر، بل من حيث انتهوا؛ ليكمل مسيرة رصينة، مؤرقة، كانت قد انقطعت برحيلهم.
وعناية واعية بتأسيس الشخصيات الدرامية والحدث المسرحي، وصولَا إلى ذروته الأخيرة، المضيئة لتضاريس العالم المتصارع، عالم متفجر بالشهوات الجامحة للغزو، وامتلاك السلطان، والتواطؤات الداخلية، والأحلام المهدرة التي لا تموت.
صوت مسرحي فريد في زمن بلا مسرح، بما يعيد الاعتبار للنص المسرحي كنص أدبي إبداعي، يقف منتصبًا - بلا معين - في مواجهة فساد العالم".
أما صلاح الراوي الشاعر وأستاذ الأدب الشعبي، الحاصل على جائزة الدولة، فكتب عن بطل الغروب: "عمل بالغ التميز فى مجال استلهام سيرة بنى هلال، واختيار ذكى لمنطقة من أشد مناطق أحداث السيرة تراجيدية (مأساوية).. هكذا يصورها مبدع السيرة الشعبية (الشاعر الشعبي).
نختيار أحمد سراج لمقتل كلٍّ من الخفاجي عامر وخليفة الزناتي اختيار مرهف، فرض تكثيفًا شديدًا جدًا فى التناول، أو بمعنى آخر أتاح هذا التكثيف (المرهف أيضًا والمرهق أيضًا).
على أن هذا الاختيار لمنطقة محددة (وهو اختيار تم بعناية وتوجُّه واضح لتحقيق الفكرة الأساسية للمسرحية ومضمون رسالتها التي قصد إليها مؤلف النص المستلهم) لا يعني أنها منطقة منتزعة من سياق السيرة أو من بدنها الحي الكبير المتشعب، بل المترامي الأطراف (مما يعرفه المتخصصون فى دراسة السير الشعبية عمومًا ومن بينها "السيرة الهلالية")، بل الماثل على نحو ساطع فى هذا العمل المسرحي المتميز هو أن المؤلف قد توفر على قراءة دقيقة للسيرة حتى نهاية ديوان "التغريبة" على الأقل/ واستوعب حركة أحداثها ودوافع وآليات الصراع فيها بعيدًا عن السطح الذى ضلل كثيرًا ممن أقدموا على استلهام هذه السيرة الشديدة التركيب، بل التعقيد.
يبقى شىء بالغ الأهمية يجب تسجيله هنا فى هذه الإطلالة السريعة (نسبيًا.. ليس على العمل، بل عن العمل)، وأرجو ألا يغيب عن قارئ هذا النص المسرحي هذا الذى أود التأكيد عليه هنا، وهو أن أحد أهم مفاتيح التعامل مع هذا النص (قراءةً أو نقدًا أو عرضًا "إخراجًا") هو المنطلق الرئيس (أو لنقل أداة التحليل الأم التى استخدمها المؤلف لتناول نص السيرة الشعبى) كان فى رأينا هو "هجرة الرمل إلى الطمي أو هجوم الرمل على الطمي"، وهي إحدى أهم أفكار، أو لنقل أهم قوانين التحليل الجغرافي/ التاريخي التي انتهى إليها نابغة علوم الجغرافيا الشهيد جمال حمدان في كتابه المسكوت عنه إلى حد كبير "استراتيجية الاستعمار والتحرر"، هذا بصرف النظر عن كون الكاتب المسرحي أحمد سراج قد اتصل بهذا الكتاب اتصالًا مباشرًا من عدمه.
وإلى أن يسمح الوقت بتقديم قراءة تفصيلية لعمل جدير بالالتفات العلمي والفني (النقدي) أود أن أقول (وهو قول المتخصص المتابع بدقة) ودون تردد: إن الاجتهاد فى قراءة السيرة والاجتهاد فى استلهامها استلهامًا أمينًا (وذكيًا ومحدد الرؤية) يرشح هذا النص المسرحي الصغير حجمًا والكبير قيمة لأن يكون أهم وأدق نص فني تعامل مع السيرة الهلالية استلهامًا لها أو توظيفًا لعالمها الإبداعي.
فيما كتبت الناقدة والأكاديمية البحرينية أنيسة السعدون عن بطل الغروب: استغلت مسرحية بطل الغروب أفقا تاريخيـا ينهض على إشكالية الأنا والآخر، أو المستعمر والمستعمر، وهذا الأفق التاريخي، بكل تجاذباته وما ولده من صراع في المسرحية منذ مشهدها الأول القلق، إلى نهايتها المستقطبة لصراعات أخرى، يمكن إسقاطه على الحاضر؛ ليتحول التاريخي إلى جدلي بغاية مساءلة الواقع الاجتماعي والسياسي. فالكاتب لم ينشغل بالمادة التاريخية على حساب الإشكالية الحضارية التي أراد توظيفها، والتي هدف من ورائها إلى التوعية بضرورة إعادة صياغة الواقع وتغييره إلى الأفضل.
الفعل الدرامي متماسك جدًا، وينهض على البناء الأرسطي المعروف؛ إذ كان الإهداء بمنزلة "مقدمة تهيئ لنا الجو العام، وتشي بأبرز المرتكزات التي تنهض عليها المسرحية، وما يمكن أن تفرزه من علاقات وتحولات"، ويمكن التقاط هذه المرتكزات من الكلمات الأولى من كل سطر من سطور الإهداء كونها تمثل أبرز أسئلة المتن المسرحي: "الفارس والطمي والحق"، ثم تنطلق الأحداث من نقطة تحول في حكم الزناتي حيث يقتحم مجلسه الهلاليون ويطالبونه بالتخلي عن الحكم والأرض لهم، وهو استهلال مشحون بالتوتر ومسكون بالصراع منذ البداية؛ مما يضع المتلقي وجهًا لوجه مع الفعل الدرامي، وهي مهارة بارعة تثير المتلقي، وتهيئه للأحداث الحاسمة لاحقًا، وتجعله مشدودًا إليها، ويبقى لهذا المشهد الاستهلالي صراعه الخاص الذي يتشابك مع الصراع العام في جميع المشاهد، والمتجسد في الصراع بين الزناتي حامي حمى تونس، والهلاليين الغزاة، وبهذا تتأزم الأحداث حتى تصل إلى ذروتها عندما فقأ دياب عين الزناتي برمح، وأسقطه على الأرض وجره إمعانًا في إذلاله، لتختتم المسرحية بصوت بطل الغروب (الزناتي) الذي يثير فينا الخوف والشفقة. أما بالنسبة إلى الشخصيات فقد أتت ضمن نمط تصويري يزودنا به الكاتب منذ مفتتح المسرحية، فالزناتي الذي تجاوز المائة لا يبدو للسن أثر فيه، وسعدى جميلة ترتدي زي القتال غالبًا، وأبو زيد الهلالي يبدو في حركته ضعف لتأثره بلدغة حية، والجازية جميلة تتحرك بوقار وتتحدث ببطء... إلخ، وهذا التقديم الموجز يعفي الكاتب من الوصف الدقيق والعميق للشخوص، ويصرف أنظارنا إلى الطابع المميز لكل شخصية، ولئن تباينت تلك الشخصيات من حيث الأدوار؛ إذ أدى كل منها مواقف دالة تؤثر في البنية الحدثية، وتكشف جوانب مختلفة من الصراع؛ فإنها جاءت نمطيـة من حيث صيغها ودلالاتها وبعض وظائفها؛ ما يجعلها تواجه قيمًا ومواقف يألفها المتلقي، ويدرك كيف سيكون تعامل الشخصيات معها.
اللغة جاءت واضحة تنسال بعفوية مبدعة، والحوار جاء مكثفًا جدًا، وفيه اقتصاد رصين بحيث لا يُنطِق الشخصية بأكثر مما ينبغي أن تنطق به، فلكل جملة ثقلها في بناء الأحداث، ونسج سدى المسرحية، وتصعيد نسقها الدرامي. كما نزعت المسرحية في بعض مشاهدها إلى توظيف لغة الشعر، وقد نجح الراوي - الذي كان في الغالب يمثل عين الكاميرا - في استعمال الشعر للتعبير عن مواقف مأزومة زادت من توتر الأحداث، مثل مشهد قتل عامر الخفاجي. كما عدل عامر نفسه إلى لغة الشعر لحظه احتضاره للبوح بأساه وأنينه وشدة حنينه إلى أرضه العراق بطريقة إيقاعية تبث الحيوية في النص، وتثير انفعالنا، نحن المتلقين، نحو أصداء فاجعة الخفاجي الفارس الضحية، وتلخص لنا أفكارًا متعددة ومتشعبة ترسم علاقة الذات (الخفاجي) بالأرض (العراق) بلغة شعرية موجزة تجنح نحو استبطان الداخل عبر حديث نفسي ذي إيقاع حزين له أبعاده الفكرية وملامحه الجمالية الدالة."

ليست هناك تعليقات: