2007/08/09

نص ريم

نص ريم

ـ لا
كنت أنوى كتابة قصة عظيمة عن بنت جميلة لم تتعد السادسة عشر تدعى ريم ، وولد لم يتعد الثامنة عشر يدعى شوقي .
كنت سأكتبها كحلم خافت ، كضوء شمعة وحيد ينساب ببراءة عينين تتفتحان للمرة الأولى .
الذكريات النشوى بين البلوك رقم 9 والكثير من الشوارع الجانبية كثيفة الأشجار .
القبلات البريئة ، ارتعاش جوارحيهما بالحب العنيف .
وكنت سأسترسل في وصف اللحظات المسائية الناعمة حين تفتر حماسة النهار للصمود ، وينطلقان كفرسين جامحين تحت الهواء الندي ، والسماء من فوقيهما منامة دافئة تحتضناهما .
كنت سأسترسل في اللحظات الجميلة بعد إعداد كوب من الشاي الساخن ، وأفكر في المتعة التي سأعيشها والكلمات تقطر أحاسيس فطرية بعيدا عن ثقب الأوزون وأحكام الفصلين السادس والسابع في اجتماعات مجلس الأمن ، وأفكار كونداليزا رايس عن شرق أوسط كبير أو جديد .
وأفكر في ألم الكتابة حين يعاودني ، ووخزتها اللذيذة .
لم أهتم بعقارب ساعة اليد الملقاة على إفريز النافذة العريض ، أو صوت المذيع الأجش حين قطع الخيط الحريري لصوت نجاة الصغيرة معلنا عن نشرة أخبار الواحدة والنصف من صباح اليوم الجديد . لم تشغلني أخبار المؤتمر الصحفي العالمي .. أو تصريحات رئيس الوزراء ..أو الغارات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني ..الخ .. الخ .. الخ .
فقد كانت ريم ترتسم أمامي بوجهها المثير للأحلام ، وتحاصرني بهالة من الشعاع والجاذبية وتدق بكفها الأبيض الصغير باب الطفل المسكين المتعب حتى استيقظ داخلي ، وظل يبكى بحرقة ، ولم تجد معه كل الألعاب التي أعددتها لإسكاته .
ها هي تقف أمامي ، الثوب الشفيف يعانق جسدها باشتياق ، الأرض تحت قدميها السحاب ، والعينان لؤلؤتان ، والشفاه حلو شرابها تقول هيت لك ، أتشمم فوح شعرها فيأخذني إلى جنة الخلد .
يستوقفني ذلك ألشوقي عند الباب ، صلفا ، غرورا ، عيناه تضويان بنور أحمر شرير !
بدا وكأنه في حالة عداء أبدى معي ، مما جعلني أتردد كثيرا قبل أن أصنع له ما انتويه من ذكريات جميلة وأيام طالما حلمت أن أعيشها وحدي معها .
لم أستغرق وقتا كبيرا حتى قررت أن أترك شوقي لقصة أخرى وأن أختار له فتاة أخرى أكثر مناسبة له .
أما ريم في هذه الليلة الجميلة ستكون لي وحدي ، وسيمتليء كل جزء في بها وستمتليء بي ، وسيقطع الطفل المسكين بكاءه ويضحك ويكركر .
قررت أن أبدأ .
سحبت سيجارة أولى من علبة التبغ الجديدة ، وشرعت أبحث عن القلم فلم أجده ، هم الغضب أن يتملكني .. لكنني تذكرت إن الليلة ليلة ريم ، ولا يجدر بغيرها أن يتملكني .. فشرعت أبحث عنه وأمنيه بقصة ستروي ظمأه للكتابة ، وأخذت أقص عليه من خبر ريم ما يزيد من شوقه ولهفته ووعدته أن أجد له دورا في هذه القصة وأبحث له عن حبيبة تسيل مداده شهدا يتعاطاه المحبون .
لكنه ظل على غيبته حينا ، مما جعل القلق يساورني على صديق ألفته لا يغيب عني .
لاحظت ريم انشغالي عنها ، فتورد خدها خجلا ولم تفارق ثغرها ابتسامة ودود .. همست بصوت ملائكي حنون خلع قلبي من موطنه ، وطار به في ملكوت لا نهائي :
ـ ربما كان في أحد أدراج المكتب المقفولة .
وكم ضاعف سعادتي شوقها أن تكون معي ، لهفتها أن نبدأ القصة الجميلة . فاجأت قلمي الغائب بالدرج الأسفل لمكتبي يختلي بورقة ناعمة بيضاء ، يوشوش في أذنيها بكلمات الحب والهيام وهى تقف أمامه تتمايل كغصن بان أخضر يتراقص على لحن نسمة ربيعية رطبة .
هالني ما رأيت من قلمي وجرأته الشديدة حين ضمها إلى صدره وقبل فاها .. يحوط خصرها بذراعيه وظل يراقصها على أنغام دبيب قدميه ، وتجاهل عيني حين تلاقت بعينيه وكأنني آخر لا يعرفه ، وكأنه لم ير ما في عيني من شوق لقصة انتويت كتابتها .
قررت أن أقطع عليه خلوته .
اقتربت منه وبإصبعي دققت على ظهره دقات خفيفة خافتة حتى التفت إلى متجهما وقال باندهاش وعلامات استفهام عصبية تطل من عينيه :
ـ نعم ...م ؟؟؟
بصوت خافت يحمل بين طياته الرجاء والتهديد قلت :
ـ أريدك لأمر هام .
ـ ليس الآن .
وأشاح بوجهه عنى وواصل رقصـته .
تراجعت للخلف مذهولا لعصيانه أمري .. من بعيد لمحت ريم تكتم ضحكتها ، فابتسمت لها وعدت برأسي إليه سريعا ودققت على ظهره دقات خفيفة خافته .. زعق في وقال غاضبا :
ـ أليس عندك نظر ؟؟!
لا أعرف لم شعرت بمهانة شديدة ورغبة ملحة في القيام برد فعل عدائي يرد بعضا من هيبتي المفقودة .
فكرت في أمور كثيرة ، لكنها لم تكن أفكارا مرتبة ومرضية ، واعتقدت أنني بحاجة لورقة وقلم لتنظيم أفكاري المربكة ، ووجدتني أعود لنقطة البداية من جديد وأصبح رأسي يموج بعمليات حسابية معقدة لم أعتادها .
انسحبت أدارى حرجا شديدا ألم بي ، ووجدت إنه من الأفضل أن أنتظر حتى يأتي وحده ، وأن أسلي نفسي بالاستماع إلى موسيقى هادئة أغيب معها إلى عوالم ريم الملائكية .
لكنني وجدته يتعقبني ويلكزني بقدميه فتنبهت له ، وقررت أن أحادثه بجفاء :
ـ ماذا تريد ؟؟
ـ هات ورقة
ـ لا .. ليس لي مزاج للكتابة
ـ هكذا !! .. ألا يكفيك إنك أفسدت ليلتي ؟
ـ أرجوك لا أريد المزيد .
فكرت قليلا ، ووجدت إن استمراري في العناد سيفسد ليلتي أيضا ، فأسرعت بإحضار الورقة ، وأخذته بين أصابعي وزممته بعنف وبدأت الكتابة عن ريم .
مر وقت طويل وأنا مخمور بريم حتى انتهيت من كتابة القصة التي انتويت كتابتها ، وأطلقت سراح قلمي ، وأعدت قراءتها .
لم أجد كلمة مما كتبت ، ووجدت قصة أخرى وامرأة أخرى غير ريم وشخص آخر غيري . اشتد غيظي , ونظرت إليه وجدته يسير بين الكتب منتشيا كطائر بطريق سعيد
.

"عندما لا تموءالقطط " قصة قصيرة بقلم: أحمد طوسون

عندما لا تموءالقطط

أحمد طوسون
هوت انفجارات متتالية فتراكمت سحب كثيفة من الدخان وتصاعدت ألسنة لهب ، تشتت المتظاهرون في أروقة البيوت المتهدمة يحملون جثث الشهداء وبقيت قطة صغيرة فزعة وحائرة ووحيدة بين أطلال الجحيم .
منذ أيام تهدم البيت الذى تسكنه ولم يعد صاحبها ولم تصادف قطة من بني جنسها تؤنس وحدتها ولم تجد طعاما يشبع جوعها .
تلمست بمخالبها الأرض ، بعيدا عن الدماء الساخنة والجمرات التى تتساقط من البيوت وتشممت المكان بحثا عن شىء يصلح كطعام .
سعلت من بقايا دخان ثم وقفت حائرة .
أرهفت سمعها فسمعت خربشة واهية ، تطلعت إلى صندوق قمامة مغلق ولهثت ، قالت :
- ربما أجد طعاما وسط المخلفات
أو فأرا يبحث مثلى عن طعام .
اقتربت حذرة .
رفعت غطاء الصندوق وتعلقت بحوافه ، بحلقت بعينيها البرقيتين إلى القاع المظلم فرأت عينين تلتمعان .
فرحت ، قالت :
- لابد أن كائنا حيا مازال هناك .
على الأقل لن أكون وحيدة .
قفزت إلى القاع و أثارت جلبة تردد صداها بالمكان .
تلمست الكائن المنزوى هناك وتشممت رائحته بينما سمعت مواءا متقطعا وعميقا .
نسيت جوعها ووحدتها وحيرتها وسألته :
- لِم تبكى أيها العجوز ؟؟
فتح عينيه فلمعتا فى الظلام .
- ظننت أنه لم يبق غيرى فى هذه المدينة !
ربتت على ظهره ، تلمست دمامل وجروحا قديمة ، وخزه ألم لكنه كان سعيدا بمؤانستها له .
قالت :
- أنا جائعة
قال:
- ألا يوجد طعام فى الشوارع ؟!!
قالت :
- لا يوجد إلا جثث الشهداء ..
تذكر أنه لم يذق طعاما منذ أيام نسى عددها ، فعوى .
تذكرت بيتها الذى تهدم وصاحبها الذى خرج إلى مدرسته ولم يعد ، قالت :
- أنا وحيدة ..
تذكر العجوز التى كانت تحنو عليه حين قتلها المحتلون ، رائحة شواء صغاره داخل البيت ، الشظايا التى أصابته والجحيم الذى فر منه ..
- أتخذينى أبا .
سمعا أصواتا بعيدة تقترب .
عرف إنها بشائر انتفاضة جديدة ، مظاهرات وحجارة وأزيز هليكوبتر تحلق فى السماء ومدرعات تزوم من بعيد .
قالت :
- أنا خائفة .
ضمها إلى صدره وقال :
- يمكنك الاختباء فيه
دخان كثيف كاد يخنقهما .
هرولة ، صوت حجارة ودوى مدافع وصفير طلقات فى الهواء ..
ثورة واشتعال ثم سكون .
بعدها عاد الصمت المطبق وعادت الشوارع إلى وحشتها .
فتح عينيه بعد أن أغمضهما فوجد نورا يشق ظلام القاع وظلالا لشمس بعيدة فى الأفق .
اشتاق إلى الشوارع المضيئة والأنوار الساطعة وبستان أخضر وابتسامة عجوز أو فتاة وكف طفل يداعب ظهره بأنامله .
ربت عليها بين أحضانه وقال :
ـ يبدو أنه الصباح ..
لم ترد عليه أحس بها كومة باردة فى أحشائه .
بحث عن مصدر الضوء ، لمح ثقبا صغيرا يسمح بمرور رصاصة وحيدة إلى داخل الصندوق وأحس سرسوبا من الدم يسرى تحته .
أصابته رعشة وأحس غصة فى حلقه ورغبة فى قيىء جارف ..
زام وعوى وخرج منه مواء طويل حاد ما زال يتردد فى المدينة .

أحمد طوسون.. سيرة ذاتية



سيرة ذاتية

            الاسم  : أحمد محمد طوسون عبد العزيز

      اسم الشهرة : أحمد طوسون

عضو لجنة ثقافة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة

عضو اتحاد كتاب مصر

عضو أمانة مؤتمر أدباء مصر

عضو لجنة العلاقات العربية باتحاد كتاب مصر 2011/2012

 الكتابة الإبداعية : القصة والرواية وأدب الأطفال .

    تاريخ الميلاد : 3 ديسمبر 1968

            العمل : محام حر

المؤهل الدراسي : ليسانس الحقوق – جامعة القاهرة 1990

العنوان البريدي : جمهورية مصر العربية

                     الفيوم – سنورس – شارع 6 أكتوبر

     رقم الهاتف :       0846904164

         محمول :            01002617533            


إصدارات :

    في مجال الرواية:

  * مراسم عزاء العائلة                              دار شريف للنشر والتوزيع 2006

 * تأملات رجل الغرفة                              هيئة قصور الثقافة  2011

 * رقة القتل                                        دار النسيم للنشر والتوزيع 2015 
 في مجال القصة القصيرة :

·        القصص الفائزة بجائزة جنوب المتوسط           دار ميريت الإيطالية 1997

·        مجرد بيت قديم                                        على نفقة الكاتب 1999

·        شتاء قارس                                            إبداعات – هيئة قصور الثقافة2000

·        عندما لا تموء القطط                                 هيئة قصور الثقافة 2003

·        فتاة البحر                                       دار أرابيسك للنشر والترجمة 2011

   في مجال أدب الأطفال :

   * حكاية خير البلاد                                        قطر الندى – هيئة قصور الثقافة 2003

   * حكاية صاحب الغزلان                         دائرة الثقافة والإعلام – حكومة الشارقة 2006

* أحلام السيد كتاب                                        دار روائع مجدلاوي للنشر بالأردن 2010

  * دجاجات زينب                                          دار شريف للنشر والتوزيع 2009

   * أرنوب وصاحباه                                    كتب الهلال للأولاد والبنات 2013

* الصندوق والكنز                                  قطر الندى- هيئة قصور الثقافة 2013

* جهاد تذهب إلى المدرسة                           المركز القومي لثقافة الطفل 2014

* السلاحف يمكنها أن تطير                          هيئة الكتاب 2014

* أنا البرلمان                            كتاب الهلال للأولاد والبنات 2015 

* عرائس ندى                                   مكتب التربية العربي لدول الخليج 2015                                 

الجوائز :

  في مجال الرواية :

-         جائزة المسابقة المركزية للهيئة العامة لقصور الثقافة في الرواية للعام 2001 / 2002 .

 في مجال القصة القصيرة :

-         جائزة القصة لدول جنوب البحر الأبيض المتوسط التي نظمها إقليم لجوريا الإيطالي عام 1996 / 1997 .

-         جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة في القصة القصيرة عام 1997 .

-         جائزة الانتفاضة في الإبداع التي نظمتها جريدة الأسبوع القاهرية عام 2000 .

-    جائزة أدب الحرب في القصة القصيرة التي نظمتها جريدة أخبار الأدب بالتعاون مع مجلة النصر والشئون المعنوية بالقوات المسلحة عام 1996 .

-         جائزة العقاد الأدبية في القصة بمناسبة مئوية العقاد للعام 1997 .

-         جائزة دار نعمان للثقافة للعام 2006 .

-         جائزة إذاعة BBC  ومجلة العربي 2009.

-    جائزة اتحاد كتاب مصر في المجموعة القصصية عن مجموعة "فتاة البحر" الجوائز الخاصة (جائزة الدكتور حسن البنداري في القصة القصيرة) 2014.

في مجال أدب الأطفال :

-         جائزة الدولة التشجيعية في رواية الفتيان عام 2012 عن رواية (أحلام السيد كتاب).

-         جائزة الشارقة للإبداع العربي في أدب الأطفال التي نظمتها حكومة الشارقة لعام 2005 /2006 عن قصة ( حكاية صاحب الغزلان ) .

-         منحة مؤسسة محمد بن راشد في أدب الطفل عام 2008 عن قصة (أحلام السيد كتاب).

-         جائزة دار الحدائق بلبنان في قصة الطفل عام 2009 عن قصة ( السلاحف يمكنها أن تطير)

-         جائزة المركز القومي لثقافة الطفل للعام  1998 عن قصة ( حكاية الليل والنهار ) .

-         جائزة المسابقة المركزية للهيئة العامة لقصور الثقافة للعام 1998 / 1999عن مجموعة قصص ( نم نم .. تاريخنا مهم ) .

-         جائزة أدب الحرب في أدب الأطفال التي تنظمها مجلة النصر بالتعاون مع الشئون المعنوية للقوات المسلحة لأعوام متعاقبة.

-         جائزة سلسلة الكتب الثقافية للأطفال عن مكتب التربية العربي لدول الخليج- المرحلة الخامسة عن مسرحية كتاب التاريخ

-         جائزة سلسلة الكتب الثقافية للأطفال عن مكتب التربية العربي لدول الخليج- المرحلة الخامسة عن قصة السلحفاء والعقاب

-         جائزة سلسلة الكتب الثقافية للأطفال عن مكتب التربية العربي لدول الخليج- المرحلة السادسة عن قصة عرائس ندى

-    شارك بنصين من نصوصه بمقرر التربية الوطنية للصف الرابع الابتدائي للعام الدراسي 2013/2014 بدولة ليبيا بعد فوزه بمسابقة التربية الوطنية التي أعلنت عنها الوزارة بليبيا



***

شارك بتنظيم العديد من المؤتمرات و الورش الأدبية ونشرت أعماله بأغلب الصحف والمجلات الأدبية المصرية والعربية .