2014/09/30

نادي حيفا الثقافي يكرّم فاطمة ذياب!بقلم: آمال عوّاد رضوان

نادي حيفا الثقافي يكرّم فاطمة ذياب! 


 آمال عوّاد رضوان

أقام نادي حيفا الثقافيّ أمسيةً تكريميّة، احتفاءً بالأديبة الروائيّة فاطمة يوسف ذياب، بتاريخ 27-9-2014 في قاعة كنيسة مار يوحنا المعمدان الأرثوذكسيّة، شارع الفرس 3، حيفا، وسط حضور نوعيّ خاصّ من أدباء وشعراء ومهتمّين بالأدب، وقد تولّى عرافة الأمسية الأستاذ رشدي الماضي، وتخللت الأمسية مداخلة فنية للكاتبة نهاي بيم، ومداخلات أدبيّة لكلّ من: عدلة شداد خشيبون، وعايدة الخطيب، ورحاب بريك، ووهيب وهبة، وجودت عيد، وآخرين، ومن ثمّ تمّ التقاط الصور التذكاريّة. جاء في كلمة رشدي الماضي بعنوان: فراشتي لك، في نعمة النوم واليقظة، وقد أوقفتني جنيّتي الزرقاء في حلم القصيدة، أنا الهابط من أبديّة الكلام، أوقفتني آمِرة، فتبعتها ولم أسألها، كي لا أعصى لها أمرًا، فأنا هو الذي قد كنت دائمًا مُدمنًا على الرحيل في لغتي مدينتي، حيث تخبّئ الأرصفةُ في عبق الضادّ سرّي.. أحفظ طعمَ الحليب، وأسافر دون أن يُضنيني السفر، مُتكئًا على زوّادة من قمح وذكريات وموال حزين.. أستأنس بعزلتي، مثل شمس تأكلها أنياب الغربة في الشتاء، أنا الذي كنت دائمًا أبحث في مسافات المدينة. وجدتني ذات صبح جديد بعد ليل طويل، أحسّ شيئًا في جوهر الشيء، رأيت فيه ما أريد، ها هي الشمس تكمن فيّ قصيدة خالدة، تحدّق لترى، لتفهم، لترسم النهار سرًّا يُفسّر السرّ، ويوقظ الحجر، ليضعَ حرفًا فوق حرف، حاولت ألّا أضيع، فاخترت شارعًا لا يخون خطاي، ومشيت تغمرني أزهار الوقت، كي أظل في نشوة مُدهشة.. ناداني فنارٌ لا يُضلّل السفن، دلفت إلى فضاء رحراح، ينتهي بباب من شعاع، فإذا بي داخل مدينة سمّتها فاطمة ذياب "مدينة الريح"، أعشاشها زلقة، مَزاريبها مُندّاة تصفع الغيوم، وتأخذ الريح إلى أعلى النافذة. وقفت أمامها طويلًا، حدّقت فرأيت وجهها في المرآة نصفَ حزين، لكن عليه براءة الضحى، أصغيت لهمس فيض الكلام، فبلّلني نهر يفيض ويمضي، ثمّ يعود أجراسَ، خلاخيلَ، وحفيفَ أقراط وخشخشة أساور.. توسّلت إلى إلهٍ، فصحّح أخطاء وجهي وأخطاء يديّ، تقدّمت وأمسكت بفاطمة، أولستُ أنا الذي لها وهي التي لي، فإذا بها لمّا تزل قلبًا مطمئنًّا بعد صراع وانتصار أمام العاصفة، ومبدعة تترك ريشتها تهتزّ، لتنتفض وتؤصّل لفرح قادم، وتهبّ لتستمدّ من الحروف المكشوفة لها إبداعًا جميلًا. فاطمة ذياب غيمة مثل اللغة، تمتلئ بالحزن والفرح، بالحبّ في أعمق معانيه، ليمرّ النمل إلى جذع شجرة واقفة، كما السراج من النهر إلى البحر.. فاطمة أيتها النسمة التي تهبّ في مدينة الريح بسمة، أنا لا أريدك شجرة وحيدة، فلتظلي أمام باب الحرف تغتسلين بالماء الذي يتدفق، قدماك الريح، وجسدك الأثر، فاطمتي، أنتِ أعلنت الحبّ في الناس، وصارعت قسوة الزمن وانتصرت، فاطلبي بسلام الرب وسلامٍ حتى مطلع الفجر، سلامَ الخروج نحو الحياة! جاء في كلمة وهيب وهبة: أقول بما يليق بهذا المكان وهذه الكنيسة، عندما أصدرت كتابي (مفاتيح السماء) تم تكفير النص وكاتب النص، فقامت الكاتبة فاطمة ذياب بكتابة مقالة رائعة، دفاعًا عن كتاب مفاتيح السماء وسيرة سيدنا المسيح، والدفاع بهذا العنفوان والإصرار عن كلمة الحق، وأن تقول من هو السيد المسيح كما أراد ان يقول وهيب وهبة تمامًا، وأنه يبعث رسالة المحبة والسلام والإخاء، هذه الإنسانية المطلقة في العالم هي رسالة السيد المسيح، فهذا الموقف بالذات جعلني أنظر إلى فاطمة بعين أخرى تمامًا، وعدت إلى جميع ما كتبته فاطمة، حقا لقد كنت قد قرأت كل ما كتبت، لكن بعد هذا الموقف بعد قراءتي لكتابات فاطمة ذياب شعرت أن حياة هذه الكاتبة والمرأة الفلسطينية يجب أن تكون فيلما سينمائيا يعرض في العالم العربي، كي تكون نموذجا للمرأة الفلسطينية الناجحة المكافحة، في خضم صراع مستمر لا ينتهي، من أجل الحياة ومن أجل أن تكون موجودة، بالرغم من العمل والترمل، ولا ،ريد ،ن أذكر المأساة والكلام الحزين، فقد كانت عنيفة في الكتابة بقدر ما كانت عنيفة في الحياة، فهي تحدت الحياة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فمن يفكر ان امرأة تستطيع إقامة كشك في المدرسة لتبيع الفلافل للطلاب ككاتبة وكإنسانة مناضلة، متحررة وتعمل في الصحافة، وتكتب لنا فكيف نظرنا اليها؟ أنا أقول بأننا مجتمع ظالم، نظلم المرأة في العمل، في الصداقة، في العلاقة، بالنظرة الدونية التي ننظر بها إليها، فهي كيان وهي وجود، وقد أرادت فاطمة أن تقول: إنني موجودة. عن أدب فاطمة المحور الثاني في حديثي أقول، أدبها كُتب ليكون ليس فقط باللغة العربية، بل ترجم إذ قامت الصحافة العبرية بمواكبة كل ما تكتب خصيصا لانها تكتب عن الانسانية والإنسان بصورة مطلقة، هذه هي الحميمية في الكتابة، أن تحمل رسالة لها مضامين وعاطفة، فهذا العالم الذي نعيش فيه يحتاج الى عاطفة، وهناك من يعتقد أن الإنسان يستطيع ان يعيش بلا حب، وانا لا أعتقد أن هناك مخلوقًا ناطقا يستطيع أن يحيا بلا حب، وفاطمة واكبت هذا الحب بالرغم من كل الصعاب، وبرغم الحياة القهرية والزواج والترمل والعمل، فأنا أبارك لها ولنا هذا الاحتفال، كونها استطاعت أن تشق طريقها بقامة عاليةأ وبخطوات ثابتة راسخة في عالم الأدب، وكل عام وانت بخير. جاء في كلمة عدلة خشيبون: أقدم لفاطمة ذياب بطاقة تهنئة لأيلول، فمساؤك خير عطر وسلام، ومساؤنا معك له نكهة التّراب المعطّر بمطر وسميّ وأحلام. سيّدتي، أيّتها المحتفى بها في ليلة خريفيّة، أبت إلّا أن تحمل الرّبيع في أحشائها، دعيني في هذه اللّيلة أعشق الحريّة، أثمل من رحيق الإنسانيّة، وأهتف لك عفوًا ليس لك الهتاف، بل لأيلول، شكرًا أيلول شكرًا من أعمق أعماق الرّوح، لإهدائك نفحة روح مميزة بفاطمتنا الغالية، ولك يا جميلة بكلّ المعاني أقول: طوبى لك يا امرأة عشقت الحرف فاحتواها، ولاذت بمفردات دافئة، تعالج صقيع الغربة بثوب نسجته على نول محبتّها، فكان الثّوب دافئًا، وانقشع ضباب الآنين. طوباك يا امرأة طوّعت طوفان الذّل بسفينة أحلامها، لتصل شاطئ الآمان، ولسان حُلمها يقول لا مستحيل أمام الإرداة. سيّدتي، أقولها ويمتلئ ثغري بالفخر، وتتزاحم معاني الإنسانيّة، يا امرأة حصدت قمح محبّتها، طحنته بمطحنة حنينها، عجنته بعرق كدّها، ونكهة مِلحهِ كانت من دموع عصيّة، وخميرتها كانت الكلمة الطّيبة، وقدمته رغيفًا تسابق إليه الجائع والفقير، شكرًا لأنّك سوّدت بياض أوراقنا، بمفردات جعلت منها للرّيح مدينة، وجعلتنا نسكن هذه المدينة العاصفة حبّا وسلامًا، ومن دفء مفرداتك نسجت لنا معاطف الأمان، حيث تقولين: (اصرخي كلّما احتجت للصراخ أصرخي بأوراق ومن غير أوراق.. كلّنا نحتاج للصراخ وصراخ الكتابة أصدق صراخ). شكرًا لأيلول الذي بارك لنا بهدية، ومن قال أنّ الخريفَ خائن، سأدعوه لأن يلقاك يا امرأة جميلة بكلّ المعاني، أيلولنا يحمل في حناياه ربيعًا، يكسر فوضى الحواس بنسيم لطيف، من رقيق الكلام وعذوبة المفردات، علامة الاستفهام التي يرسمها هذا الزّمن القاسي، يُحوّلها مدادك إلى صرخة تصل الآذان دون استئذان، كلّ عام وأيلولك ينضح بمطر وسميّ رقيق كرقتك، عذب كعذوبتك، كلّ عام وأيلولك يترجم لنا زخات الشّتاء بشقائق النعمان والرّيحان. وأخيرًا.. من قال إنّ أيلول شهر خريفي بائس، فقد ظلمه، فكيف يكون بائسًا وقد أهدانا تاريخًا زيّن لنا رزنامتنا به، هو السابع والعشرين يومك يا غالية، كلّ عامّ وأنت الخير وإلى سنين عديدة من العطاء. وجاء في كلمة رحاب بريك: قراءة في كتاب مدينة الريح للأديبة فاطمة ذياب، ابنة قرية طمرة، حين تقرأ رواية الأديبة فاطمة ذياب، لا بد أن تتفاعل مع كل صفحاتها، أحداثها وتفاصيلها الكبيرة والصغيرة، وستلاحظ منذ الوهلة الأولى أنك أمام أديبة جريئة، تتناول الحديث عن مواضيع، إن لم نقل لم يُكتب عنها من قبل، علينا أن نقول بأنه نادرًا ما كُتب عنها، كما أعتقد بأن الكثير مما كتبته عن بطلة القصة، هو واقع فاطمه ذياب، وسيرة حياة الأديبة فاطمة ذياب. شدتني أحداث روايتها، وأسلوبها الشيق في إلقاء الضوء على الكثير من قضايانا الاجتماعية والسياسية، ولم تنسَ بالتأكيد وضع المرأة العربية في مجتمع ذكوريّ، عادة وغالبًا لا يُنصفها، ويبدأ ذلك منذ اللحظة الأولى التي تولد فيها الطفلة الأنثى، التي غالبًا كانت حسب توقعات العائلة والأب بالذات (صبي). أكثر ما شدني هو أسلوبها الناقد الساخر بنفس الوقت، وهذا الأسلوب بالكتابة يشبه فاطمة بالواقع إلى حدّ بعيد، فمن يعرف فاطمة ذياب، سيكتشف امرأة كبيرة، عصامية، موجوعة، وسيشعر بمعاناتها حتى ولو كانت تلتزم الصمت، فإنّ وجهها مرآة تعكس خبايا ذاتها، ولكنها بالرغم من كل هذا، تحدثك عن هموم المرأة وهي مبتسمة. في الرواية لم تنسَ قضية الإعلام، وقد تحدثت عن بطلة القصة التي كانت تعمل كصحافية، وشرحت عن وضع الصحافيين والإعلاميين، كيف أنهم غالبًا ما يضطرون لكبت آرائهم، وتقييد حريتهم من قبل المرؤوس، وحتى من قبل زوجة المرؤوس، وهذا ليس بغريب على كاتبة، هي بالأصل صاحبة رسالة جريئة، لا تتراجع عن جعل قلمها مسنونًا، ليُلامس القضايا المركونة في زوايا نسياننا . الجميل برواية فاطمة، أنها تأخذنا أحيانا في رحلة زمنية، تتنقل بنا بين الزمن الحاضر والزمان الماضي، فتكتب عن عادات وتقاليد كانت مُتّبعة، تثور من خلال كلماتها على بعض منها، وتكتب ببساطة عن بعضها، كقصة العروس التي لم تنجح ابنة عمها أخت العريس، بإتمام تطريز شرشف السرير قبل العرس، ممّا جعل أهل العروس يقرّرون تأجيل العرس حتى يتمّ تطريزه. ومن يقرأ أحداث روايتها، لا بدّ أن يلاحظ بأنها تمتلك روح مرحة، وذلك يتجلّى بالذات من خلال قصّتها عن صينية الدجاج، حين أرسلها والدها لإحضار صينية دجاج من عند الفران، ليقدمها كوجبة غداء لضيوفه، ولكن فاطمة البنت الشقية كانت طوال طريق عودتها، تمدّ يدها إلى الصينيّة التي وضعتها فوق رأسها، وتتناول قطع الدجاج تباعًا، حتى أتت على أغلبها. في الرواية تلفت انتباهنا ثلاث شخصيات مركزية: الشخصية الأولى بطلة الرواية، التي كانت تتأرجح بين قوتها وضعفها، بين قيدها وتمرّدها على بعض العادات البالية، وقيدها الموضوع فوق لسانها قبل قلمها، وبين عشقها لحريّتها الفكريّة ورسالتها الأدبيّة، هذه كما أعتقد بالضبط هي سيرة ذاتية للكاتبة المرأة، الأم العاملة المكافحة، المناضلة في سبيل العيش الكريم فاطمة ذياب، حتى لو أدخلت وغيرت بعض التفاصيل، إلّا أنك تقرأ شخصية البطلة التي تظهر جليّا من خلال كل السطور. الشخصية الثانية: زميلها بالعمل الذي كانت تدخل معه بحواريات بين الحين والآخر، حواريات شيقة لا تخلو من بعض الحِكم والفلسفة. والشخصية الثالثة والجميلة بالرواية هي دبدوبة، الموجودة بكل امرأة فينا، فكل امرأة فينا كما لدى الكاتبة، لديها وجها تريد أن يراه الجميع، ودبدوبة أخرى طفلة صغيرة ضعيفة خائفة، أو امرأة قوية متمردة ثائرة ككل دبدوبة فينا، تريد أن تخفيه عن الجميع. كانت بطلة الرواية تجري حوارا ذاتيًّا مع دبدوبتها، فتجد دبدوبة ثائرة متمردة أكثر من بطلة القصة نفسها، وتتحدث دبدوبة عن نفسها فتقول: صحيح بأني دبدوبة متسامحة قلبي طيب، ولكني سأتحوّل خلال ثانية إلى نمِرة، ومستعدة أن تمزق كلّ من يحاول مسّ أولادها بمكروه، هنا أيضًا لم تنسَ الكاتبة فاطمة ذياب أن تعطي مكانًا ومكانة للأم، فهي كأمّ ربت أولادها لوحدها، فعكست مشاعرها، حيث عبرت عن استعدادها للتحوّل للأمّ النمرة، التي ستكون على استعداد لأن تؤذي نفسها، كي تحافظ على سلامة أولادها. أخيرًا، لا يسعني إلّا أن أقول: بأنّي شخصيّا استمتعت بقراءة الرواية، وشدتني تفاصيلها وأحداثها، وأنصح كل من يحب قراءة الروايات، أن يبحث عن رواية فاطمة ذياب (مدينة الريح)، فاطمة كياسمينة تعربشت على مدخل دارها، وتناثر عطرها مُرحّبًا بزوّارها، امرأة جميلة بملامح طفلة صغيرة، جلجلت ضحكتها البريئة فرحًا، فسمعتها ملائكة السماء، توسدت خدها المبتسم، وغفت لعلها تستريح، في مدينة عصفت فيها الريح! جاء في كلمة عايدة الخطيب: قاب قوسين أو أدنى كنت قريبة من الموت، حاصرك كأخطبوط، لفّ ذراعيه على شرفة أيامك، وأراد الانقضاض عليك، أحيانا كان يحاورك، وأحيانا أخرى كان يقفل شبابيك الحوار، حتى أحيانا عجز الطب من تشخيص حالتك، كنت مرارا أسألك: فتجيبين الفايروس اللعين، دخل جسدي الضعيف وعجز الأطباء عن تشخيصه، اقتربتِ من حافة الموت، وكانت العافية تمد لك لسانها وتلاعبك الغميضة، ومن ثم تهرب، كنت على يقين أن جسدك الضعيف لا يستطيع اللحاق بها، فتزيد من سرعتها، أما أنت كنت تنتظرين فرصة أخرى، وليس أمامك وأمامنا سوى الدعاء برجوع العافية. كنت تتأرجحين بين اليأس والتفاؤل، مشيت على طريق الشوك، وبإرادتك القوية مسحت الدماء، وبعنفوان صبرك وبإيمانك القاطع، أنك ما تزالين في دائرة الإبداع والعطاء، كنت تتحملين وتصبرين. كنت دائما أتساءل، هل ستتغلب فاطمة ذياب الزميلة والنسيبة والمحببة إلى قلبي، على وعكتها، أم ستخط كلمة النهاية المؤلمة، كنت أغوص في دائرة التشاؤم والتفاؤل، وأمنّي نفسي وأقول، فاطمة شجاعة تغلّبت على معضلات كثيرة، والمرض سيكون من إحدى المعضلات، فقمت بالدعاء لك كثيرا في صلواتي، وطلبت من الله أن يهبك الشفاء والعافية، فاستجاب لدعواتي ودعوات محبي الأديبة فاطمة ذياب، فما زال للعمر بقية، وعلى الأرض ما يستحق الحياة، ثمّ توصلت إلى مقولة تقول: الكتاب والأدباء والشعراء لا يموتون بسرعة، فإبداعهم لا يتركهم. كل عام وأنت بألف خير صديقتي وزميلتي فاطمة ، والسعادة والعافية تخيم عند أعتاب بيتك. جاء في مداخلة جودت عيد: ما أعرفه عن الكاتبة فاطمة ذياب أنها دمثة الخلق جميلة، وفي القراءات القليلة التي قرأتها لها كنت أتمتع بما تكتب، وأذكر أن مجلة الشرق خصصت لها عددا في تكريمها، وكان مثيرا لي أن أتصفح هذه الصفحات، ولكن بقي الهاجس أن أتعرف عليها شخصيا، واليوم كان قراري جميلا بأن استطعت أن أتعرف عليها عن قرب، وأشكر الله على هذا اللقاء الجميل معك ومع الحاضرين، وأعتذر منك ويجب على كل شعبنا أن يعتذر، لأنه لا ينكشف على الآخر وعلى مَن حوله، وإنما نعمل اعتبارا لكل ما ومن يأتينا من الخارج، فنتوجه لإصدار كتبنا في الخارج ولأسباب عدة، مع العلم أنّ لدينا خامات محلية مشرفة، ودائما كانت لدي نظرة جميلة ومشرفة لما تكتبين، واليوم بلورت هذه النظرة بتكريمك، فأنا لم أعلم عن نصك شيئا بسبب هذا الانحسار، والآن أعلم تفاصيل عديدة عنك، فأشكر حضورك المتميز الجميل والمتواضع هذا، والذي يخفى اليوم وللأسف عن كثيرين من المبدعين، فيحق لك هذا التكريم، فأنت كما الزهور في أمسية أيلولية الحضور.. وحاليا أكتب حوارية أيلولية بين رجل وامرأة على الساحة الافتراضية، وهي حوارية شعرية نثرية، فأيلول يعنينا كما يبدو، وأنت زينت أيلول بميلادك وبحضورك وبهذا الاحتفاء بك وبإبداعك، وإن شاء الله مزيدا من العطاء ومن الإبداع.

ثلاثة تحت المطر ! بقلم: أميرة الوصيف

ثلاثة تحت المطر !
بقلم: أميرة الوصيف 

 كنا ثلاثة ننتظر زخات مطر 
رجل نبيل القلب 
وامرأة تلوذ بمعطفها 
وطفل برىء 
من البكاء ؛ كاد قلبه أن ينفطر !
كنا ثلاثة ترضع الأقمار من ليلتنا 
تُحاور المرأة الأشجار المُتلاصقة 
ويشرب الرجل نبيذ السَحَر 
فى نَخب السَهَر 
والطفل تائه فى ظلام الليل 
لا يعرف له مُستَقَر !!

كمن يهم فى الوثوب كان الرجل 
يتوق الى إبتلاع النجوم !!
عيناه بحاجه الى بريق "لافت " 
و آدميته فى مأزق !
وحضوره الليله على مرأى الساهرين 
"باهت" !
هذا إعياء السكارى !
وما أشد قسوة ليله 
من دون عرقِ أو حرارة !
والمرأة تُنكِر المشهد العبثى 
و تُراقص حبيبها "الوهمى " !
كعادتها الساذجة 
؛ تواعد نفسها بالخروج 
وتدق الأرض بخطواتها الناقمة 
على قصص الحب التقليدية !
تهيل فوق "منطقها " الأتربة !
وتُرضى ضميرها بلقطات 
تم اقتراضها من الخيال " المُنفَلِت " !!
" تُعانق ظِلها القمري 
ويأخذها النوم القاطن عواصم "اليقظه " 
الى حيث يعيش الحبيب 
؛ الذى لم يشأ له الواقع 
الظهور !
" طاب لها طعم التمرد على 
ما يتقيىء به "الوجود" 
من أوقات عسير على اللذة تَقَبُلها !

" أشجانها الراقدة 
؛ تُقَبِل دمعات المطر 
تلك التى تتقاطر من بين سطور السماء " !

" وهذا الأسى ؛ يأخذ من الطفل اليتيم كل مأخذ 
فى سفر عجيب 
؛ يأتى الملاك المتأنق 
فيراه اليتيم "إنساناً " !
ويُلقى بجسده وروحه بين يديه الهاديتين !
 تكاد السماء تهبط على رأس اليتيم 
؛ يحيا بها لحظات خانقة 
تعصف بذهنه بقسوة يعهدها البشر !

 يقف الملاك بعيداً ؛ ينتظر الإشارة الآمره بالخير !
اشارة الملاك "كونية" 
؛ تُحَرِك شفتاها على طريقة الطبيعة !
علامة مُبَللة بماء السُحُب المُتزاحمة 
" و الآن 
هاهو الملاك يلملم آهات اليتيم 
ويصنع من الهناء طوق زَهر !
ويتوجه به 
الآن وبعد تصفيق المطر 
يقترب الملاك 
ويجفف الدمع 
ويلاطف الكون "  الآن 
يصفق المطر 
وتنقشع غيوم المرأة المسحورة 
يصفق المطر 
ويلمع جبين الرجل السِكير بيقظة لا تنمحى ! الآن يصفق المطر 
ويتسع ثغر الحياة 
؛ لإستقبال مباهج الغد 
وأقواس قزح 
وغاز الأكسجين

أسطورة الشرق .. رحلة استكشاف

Inline image 1أسطورة الشرق .. رحلة استكشاف
صادر عن هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة  مؤسسة "كلمة"..مجموعة النيل العربية موزع رئيسي معتمد
لا يتحدث هذا الكتاب عن الشرق بقدر ما يتحدث عن أوروبا والغرب، فصورة الشرق، التي يستعرض هذا الكتاب مكوناتها العديدة في المخيلة الغربية، لا تزيد عن كونها مرآة رأى فيها الغرب نفسه دائما على نحو معكوس، وأسقط عليها مخاوفه وتوقه وحرمانه، أو عززت لديه رضاه البالغ عن ذاته. ومن النادر أن نقع على كتاب في هذا الموضوع يجمع، مثلما فعل هذا الكتاب، بين الدقة العلمية وسلاسة العرض وغزارة المادة في مثل هذا الحجم الصغير. إنه كتاب جريء ومنصف في نظرته الثقافية التفكيكية للشرق، مثلما يتبدى في الصورة المؤسطرة التي صنعها له الغرب بما فيها من تنميط وثبات، على الرغم مما فيها أيضاً من تناقض شديد بين عصر وآخر.

د.هدى عطية لوكالة أنباء الشعر: الساحة الأدبية مصابة بداء عضال..ووزارة الثقافة تقاوم الانهيار

د.هدى عطية: الساحة الأدبية مصابة بداء عضال..ووزارة الثقافة تقاوم الانهيار
د.هدى عطية: الساحة الأدبية مصابة بداء عضال..ووزارة الثقافة تقاوم الانهيار
وكالة أنباء الشعر – محمد زين
معنا ومعكم اليوم ناقدة وشاعرة بلغت من العلم والثقافة ما أهلها لتكون المستشار الثقافي للجنة الثقافية العليا بجامعة عين شمس، والذي يُعد من أعلى المناصب الثقافية، بجانب كونها المشرف العام على المركز الثقافي بجامعة عين شمس، والعضو باللجان القومية المتخصصة بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيسة مؤسسة إبداع الدولية للتنمية الثقافية. هي الدكتورة هدى عطية التي تُشرفنا اليوم بحوار خاص مع الوكالة تناقش به حركة النقد المصري، ومعايير الناقد الحقيقي، والساحة الأدبية، وأمور أخرى كثيرة، فإلى الحوار:

- في البداية.. أين تقف حركة النقد المصري في تجربته على ساحة النقد العربي؟
النقد المصرى له بطبيعة الحال خصوصية وهوية لا يمكن فصلها أو بترها عن حركية وخصوصية النقد على الساحة العربية، فالسمة الغالبة على النقد العربى عموماً منذ منتصف القرن الماضى، هى محاولة استئناس القضايا الحداثية، وهو أمر نرى دلائله واضحة فى هذه الآونة سواء فيما تقدمه المجلات النقدية المتخصصة والصحف اليومية في أعمدتها الثقافية والأدبية، أو فى النقد الأكاديمي المتمثل في الرسائل الجامعية.
ورغم ذلك فإن ثمة ما يميّز حركة النقد المصرى ويمنحها طابعها الفريد؛ إذ تتمتع فى انطلاقها بقدر من الشمولية ولا محدودية الأبعاد منفلتة من سطوة التقسيم الجغرافى الذى فرض نفسه على خارطة النظرية النقدية العربية المعاصرة. فمن المعلوم أن تأثر المشرق العربى باللغة والثقافة الإنجليزية، وتأثر المغرب العربى باللغة والثقافة الفرنسية، أضفى قدرا من الاختلاف على النظرية النقدية هنا وهناك، هذا فضلاً عما تحدثه الاختلافات الثقافية والتاريخية والفكرية من تباين مرجعيات الفكر النقدي المشرقي والفكر النقدي المغاربي، ومن ثم تعددت المسافات بين اقتراب وابتعاد من مفاهيم وآليات النظريات النقدية المعاصرة، وقوعا فيما قد ندعوه بالتعصب لرؤية أحادية أحياناً.
ولكن حركة النقد المصرى - ربما أيضا بحكم وسطيتها الجغرافية- لم يعتريها شىء من هذا التضييق، فأى متابع يلحظ ثراءها بتصورات ونظريات متعددة تعتمل جميعها لاستجلاء النص الإبداعى وسبر أغواره، هذا هو المشهد الذى يبدى ذاته بوضوح.

- النقد في حد ذاته.. هل ترين أنه يحتاج إلى دراسة وأحكام مُفصلة يستند عليها أم أنه يحتاج بشكل أكبر إلى الذوق الفطري كما كان في العصر الجاهلي؟
الواقع أن النقد الأدبي وإن كان منطلقه الذوق وهو أساس العملية النقدية، إلا أنه فكر ومنهج وعلم، وبالتالي فإن الناقد بوصفه قارئاً حصيفاً عليه أن يتزود بهذه الأدوات المنهجية والعلمية التي تقتضيها القراءة المنهجية للنص الإبداعي، وإلا فإن القراءة ستصبح مجرد قراءة انطباعية فحسب.

- في رأيك الشخصي .. ما هي الأدوات اللازمة التي يجب أن يمتلكها الناقد الادبي؟
طبيعة العمل النقدى – أيا كانت التوجهات أو المنطلقات النقدية – تفرض على النقاد الأكفاء امتلاك عدة أدوات منها:
• فهم نظرية الأدب من حيث طبيعته الخاصة وعلاقته العامة بالحياة.
• أن يحيطوا بتاريخ الأدب، فالناقد لا يستطيع أن يستغنى عن التاريخ الأدبى لأن الكلمات والأشكال والأساليب الأدبية كلها لها تاريخ قد نخطىء لو أغفلناه..
• التفقه اللغوى والبلاغى الذى يمكن النقاد من سبر أغوار النص من زاوية كونه معرفة وجمال.
• والناقد الحصيف ينبغى ألا يهمل ضمن إجراءته النقدية ما تعلمه من النقد الأدبى القديم، فهو مطالب بالتوازن المطلق فى الاستعانة بالقديم والحديث وهو يصدر عن عمليات الفهم والتفسير والتأويل.
• أن يستعينوا بأسباب الثقافة التى تمكنهم من تفسير العمل الأدبى وتقديمه للقارئ، وتتوزع هذه الثقافة بين: التاريخ والفلسفة والاجتماع والاقتصاد وعلم النفس، ونحوهما، ولكن دون إفراط.
• المعرفة بفلسفة الفن وعلم الجمال.
• التمكن من المناهج، وبخاصة المنهج الذى يراه الناقد صالحا للتعامل مع النص.
• ومن الضرورى أن يكون الناقد مستوعبا كامل أعمال عصره حتى يستطيع أن ينتقى من بينها – دون تحيز – ما يأتى ملائما لمنطلقاته النقدية سواء تحرك على مستوى الشكل أو المحتوى وبذا يكون قد وزن الأعمال بميزان نزيه.
• أخيراً، هناك عنصر نفسى مهم يعد فى رأيى من أهم أدوات الناقد، وهو امتلاك طاقة الإبحار العميق داخل النص الذى يفضى إلى المكاشفة والتكشف، فعلى النقاد ألا يغفلوا الأطراف الثلاثة للعمل وهى: [المبدع، والمتلقى، والنص] بحيث لا يطغى طرف على الآخر. وعليهم أيضا أن يصدروا عن حياد كامل بالنسبة لجميع الأدباء. حقا ظهر نقاد تعصبوا لطائفة، أو نددوا بمن لا ينتمى لأيديولوجيتهم ولمبادئهم الجمالية ومع ذلك خدموا المجال النقدى، إلا أن عملهم هذا ضر بأدباء واعدين فى حين أعطى الفرصة لأن يعيش غيرهم لمجرد أنهم يتعاطفون مع الناقد أو هم من مدرسته، فيجب أن يكون حكمهم على كل إبداع جديد مستندا إلى ما فى العمل الإبداعى من قيم وعناصر جمالية مؤثرة، ذلك بإبراز ما فى العمل الإبداعى من أساليب تخلق المعنى معدولا عن التقنيات التقليدية المعروفة فى أى جنس، وتكون الطرافة فيصلا فى الحكم لصالح صاحب العمل. ولزاما على الناقد أن يدرك حقيقة المؤلَّف الذى بين يديه، هل يصدر عن قريحة إبداعية ثابتة القدم فى مضمار الأدب، أم عن قريحة بادئ – حتى وإن كان عمره الأدبى طويل.

- الثقافة المصرية بشكل عام.. هل تداخلت مع الحركة الأدبية؟ وما هي مظاهر هذا التداخل؟
من البديهي، بل من الحتمى، أن يحدث التداخل؛ فالثقافة عموماً هي التاريخ الفعلي، أو هى بتعبير آخر، مجمل المعارف الدينية والعلمية والمعيشية والفنية السائدة في مجتمعٍ ما .. والأدب منذ ظهوره الأول فى الحياة يعد بمثابة الضوء الذى ينير التاريخ الفعلى أين كان زمانه ومكانه، ويعيد قراءته وتقديمه وتأويله، وربما خلقه خلقا جماليا جديدا يزيل تشوهه ويرتق نواقصه. هذا هو مرام الأدب.
ولكن، لا يمكن لأديب أن يؤدى دوره، وأن يصيب الهدف الذى نتحدث عنه، إلا إذا تمثل بوعى تاريخ الأمة التى ينتمى إليها، ووقف على تراثها، وطموحاتها، وطبائعها الروحية والعاطفية والمادية، والأحلام العظام لعصرها. هذه الحركة التى يمكن أن نصفها بأنها حركة ارتدادية أو بالأصح بندولية هى ما تفضىى فى رأيى إلى الحراك الأدبى فى علاقته الجدلية المتداخلة دائما بالحراك الثقافى. فعندما نستعرض عصور الأدب التى نقشت في ذاكرة البشرية، والأدباء الذين أنعشت أعمالهم مشاعر الجمال في النفوس، حتى غدت إبداعاتهم معالم بارزة في تاريخ الفكر الإنساني، عندما نفعل ذلك يلفت نظرنا الارتواء الواضح من مَعين الثقافة، وعلى النقيض يبدو أن العقم الثقافي هو ذات الجسر الذى يقود إلى العقم الأدبى.
وما أقوله يصدق تماماً على الثقافة المصرية، فقد كانت ولا تزال جوهر الانسان المصرى، والمحرك الرئيس لوجدانه وعقليته، والمُشكل والجامع لخيوط منتجه وبالأخص المنتج الأدبى، فالأديب المصرى يحمل فوق كتفيه ثقافة ضاربة فى عمق التاريخ السحيق، والحكمة البسيطة أو الأحدوثة الأسطورية.
ولا شك أن متغيرات الثقافة فى الآونة الأخيرة؛ أعنى منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، قد مست في عواصفها الشديدة جذور التفكير الأدبي المصرى، فارتبط بأمور تحكمت فى التجربة الأدبية رغم كونها خارجة عنها أهمها الأيديولوجيات المختلفة التي غالباً ما أضيفت إلى الإبداع الأدبي والفني من خارجه، فاحتدمت الساحة الثقافية بمعارك وهمية، وحوكم الإبداع باسم الالتزام فى وقت، أو الشكل والمضمون أو التجديد أو التجريب، وسادت صراعات وفق تصنيفات خارجة عن عمليات الإبداع. وسط هذا الصراع تزايدت مساحة الكتابات التى تكرس لليومى والشعبى على حساب النخبوى الذى مازال يتمسك بالبقاء، ولم يكن نقل واقع التاريخ المصرى والثقافى الفعلى هو الخيار الوحيد الأثير فقد تطورت الرؤية الإبداعية لدى الكثرة الكثيرة من المبدعين الذين رأوا أن الواقعية هي ضرورة إفساد الواقع.

- من صاحب التأثير الأقوى.. الحدث السياسي أم الأعمال الأدبية المُصاحبة؟
كلمة أقوى كلمة فضفاضة ، ولكن بالطبع الحدث السياسى يكون له فى حينه تأثير كبيرعلى كل المجالات بما فيها تأثيره على الأدب وما يلبث تأثير الحدث السياسى أن يخفت حتى تتمدد طاقة التأثير المصاحبة للأعمال الأدبية الملازمة لحضوره وتتعدى وقت الحدث ذاته متمددة بلا حدود فيما تلاه من عصور.

- هل أنتِ راضية عن الساحة الأدبية والنقدية المصرية بشكل خاص والعربية بشكل عام؟
بالنسبة للساحة الأدبية أرى أنها تعانى من داء عضال، إذ تتميز مع الأسف ولعدة سنوات، بالرداءة، وبكثرة الأسماء التي أدركتها حرفة أدب القفز بالمظلات بدلا من حرفة الحفر عميقا في التجربة الذاتية والوطنية والإنسانية من أجل صياغة معمارية القصيدة أو الرواية أو المسرحية، أو القصة القصيرة إلا في حالات قليلة وربما نادرة.
فالأدب مدعو اليوم لكى يؤدي دوره أن يتزين بالقراءة، ويتأثث بالثقافة ويتدجج بالمعرفة ليفجر ينابيع الأمل في سهوب الإملاق الروحي والمحل الفكري والقحط الوجداني. فلابد له كي يكون فاعلا وفي سياقه السليم من أن يرتبط بنظرة إلى العصر ومستجداته من جهة، وإلى التراث و كوامنه التعبيرية القادرة على الاستمرار من جهة أخرى.
أما عن الساحة النقدية فإنها بحاجة أيضا إلى عدة أمور:
• فقد ظهرت مشكلات متعدد نجمت عن محاولة تطبيق القواعد الغربية فى النقد العربى تطبيقا طائشا، كما وجدت اصطلاحات تشبه فى تلبسها اصطلاحات القدماء. ولم يكن بد من ألا يعقد الأدباء أملا على ناقديهم، لا سيما بعد أن ظلوا على إصرارهم فى احتذاء الغربيين بل احتذاء طائفة معينة منهم. ومن ثم يلزمنا العودة إلى النظريات النقدية الغربية لنستفيد منها بما يتلاءم مع طبيعة الإبداع العربي دون أن نتعسف في تطبيق هذه النظريات على أنها نظريات مقدسة. ذلك أن ما لم يدركه بعض نقادنا ومفكرينا أن هذه النظريات على أهميتها المعرفية والمنهجية والمفاهيمية إلا أنها نظريات جاءت لتخدم ثقافة معينة لها خصوصيتها وهويتها..
• ويلزم أيضا القيام بحفريات عميقة في الحقول المعرفية في ثقافتنا العربية حتى نستطيع أن نكون لأنفسنا نظرية عربية في الفكر والمعرفة، ولن يتأتى ذلك إلا بتعاون كبير بين مختلف مفكرينا وعلمائنا في إطار منظم يسمح لنا بإنتاج أدوات المعرفة التي تتيح لنا بدورها إنتاج النظريات النقدية العربية الخالصة التى باتت حلما غير قريب المنال. ليس مطلوبا أن تكون لنا نظرية خاصة، لكن لابد من أن تكون لنا نظرية ناطقة بالعربية مستفيدة من نظريات ومناهج الدنيا كلها بل مستفيدة من تجارب النقد والبلاغة والفلسفة في تراثنا العربي دون أن نقع في أسر الماضي أو أسر الآخر، إنها نظرية مكتوبة بالعربية لكنها صالحة مع النص غير العربي أيضاً.
• وهناك ظاهرة ينبغى الالتفات إليها، فلعل اضطرار الأدباء إلى الكتابة عن بعضهم البعض يدعو النقاد المتخصصين إلى التضحية بجزء من طاقتهم ووقتهم لمتابعة ما يصدر من انتاج، لان من شأن عدم المتابعة ان يؤدي إلى احباط المبدعين الشباب، كما أن المتابعة تؤدي إلى فرز الجيد والرديء، لا سيما بعد ان شاع نوع من الفوضى والبلبلة بسبب دخول بعض الطفيليين إلى الساحة الادبية وهم معدومو الموهبة ويفرضون انفسهم بحكم إفساح الإعلام مساحات كبيرة لهم، ولتكوينهم جماعات فيما بينهم، وهي الآفة التي تستشري بعض مظاهرها في الميدان الأدبي الآن.
• ومن العيوب التى يجب أن تتخلص منها الساحة النقدية التفات بعض النقاد إلى نفر معين من المبدعين، وكأن القريحة الإبداعية لم تنجب غيرهم، فجاءت كتاباتهم مكرسة لشخص ما يتلائم نتاجه مع فكرهم النقدى.
• ولعل جزءاً أساسياً من دواء الساحة النقدية يتمثل فى ضرورة تأكيد الدور الفعلى للجامعة، فمن المتفق عليه عالميا هو أن الجامعات هي مصنع الفكر النظري النقدي بشكل عام، والنظرية الأدبية بصورة خاصة وهي كذلك فضاء التجريب، ومن المفترض أنه بعد إنضاج الأفكار والنظريات في الجامعات تنطلق عمليات نقلها إلى الحياة الاجتماعية وتطبيقها في البيئة الثقافية، وإلى تأويل الإنتاج الأدبي الإبداعي كالمسرح والشعر والقصة والرواية وهلمّ جرا.. ولكن حالة جامعاتنا يرثى لها حقا حيث إن التكوين في هذه المؤسسات يعاني من عدد كبير من النقائص التي تحول دون بناء أسس مناخ يولد ويترعرع فيه الفكر النقدي المتفرّد والمتطوّر، ومنه النقد الأدبي بوصفه جنسا له خصوصيته.

- هل يُفترض كون الناقد شاعراً أو كاتبا حتى يستطيع إعلان نفسه "ناقداً أدبياً"؟
ليس بالضرورة، وإن كان انصراف بعض الكتاب إلى النقد جنباً إلى جنب الإبداع أمر غير مستغرب، فمنذ جدنا القديم النابغة الذبياني الذي كان ينصب خيمته الحمراء في سوق عكاظ ويحكمه الشعراء فيما بينهم حتى الكاتب العملاق عباس العقاد وغير هؤلاء، والمجتمعات الأدبية العربية تضم شعراء نقاداً في نفس الوقت، وربما نفتقد المنهجية الأكاديمية في دراسات هؤلاء المبدعين، لكنهم يتميزون عن النقاد الأكاديميين بنضارة الأسلوب والحيوية، وبعضهم له نظرات ثاقبة تحكم ذائقته الفنية، ولا نعيب عليهم ما تتسم به مقالاتهم من انطباعية، لأن الانطباعية مذهب معترف به، إذ يقوم على الذائقة الفنية السليمة والخبرة بالإبداع. ولن أجادل كثيرا فيما يطلقه بعض المبدعين من مقولات حول التأثير السلبي الذي يحدثه الاقتراب من الأدوات النقدية بالنسبة للمبدع.
وخلاصة الأمر، أن الكاتب مبدع أما الناقد فهو عالم مبدع، الكاتب يبدع ما يحس به من أحاسيس ومشاعر ويصورها، أما الناقد فإنه بجهود عقلية كاملة وليس بشحنة عاطفية يقرأ النص فيبحث أفكاره وموضوعاته والأسلوب الذي أتبع فيه. الناقد يمارس عملية عقلية صناعية لا تخلو من إبداع من الدرجة الثانية، أما الكاتب فهو مطبوع يقول ما يحس به من أحاسيس ومشاعر.

- هل للنقد حدود مُعينة.. بمعنى هل يمكن للناقد الأدبي أن ينقد عملا فنيا والعكس؟
طبعاً يمكنه فعل هذا من أكثر من زاوية أهمها العلاقة بين النص والعرض فى فنون السينما والمسرح وغيرها. ولدينا نقاد أمثال الدكتور عبد القادر القط والدكتورعز الدين إسماعيل و الدكتور صلاح فضل.. وغيرهم، برعوا فى لعب دورهم داخل الحقلين: النقد الفنى والنقد الأدبى معاً.

- يرى البعض أن حركة النقد المصرية أصبحت ضعيفة وانعدم تأثيرها على الأعمال الأدبية.. ما رأيك؟
الأزمة ليست أزمة نقد بل هي أزمة نقاد إذ نجد المبدعين يكثرون الآن من الكتابة والنشر في الدوريات المختلفة ودور النشر الحكومية والأهلية وعدد النقاد قليل بالقياس إلي الكم الموجود ولذلك نحتاج إلي ثورة نقدية لمتابعة سيل الإبداع الحالي، لابد أن ينشط النقاد الكبار والشبان لأن العبء كبير ونحتاج إلي عمل يومي لاينقطع كما أن تفعيل الصفحات الثقافية في الدوريات واجب الآن لكي تستوعب الزخم النقدي الآتي.

- إلى أين تتجه وزارة الثقافة المصرية؟
هى باختصار تقاوم الانهيار الذى يمثل خطوة ينبغى تثمينها من أجل البناء، علاج ذلك الانهيار أخاله ممكنا بشروط بسيطة، هى:
- اختيار القيادات الثقافية المنتمية ذات الكفاءة والنزاهة.
- تعظيم الدور الرقابي.
- ربط الترقيات للقيادات غير المنتدبة بالمؤهلات المناسبة للمكان والقطاع الثقافي.
- التخطيط الطويل والمتوسط المدى.
- تفعيل دور المجلس الأعلى للثقافة أكثر مما عليه الآن وجعله يتفق ويتسع لحجم مُسماه.
- تأكيد دور المبادرات الخاصة و إتاحة فرص التعاون مع مؤسسات ثقافية لها هذه السمة ودعم مشارعها التى تمثل سندا للثقافة وهذا ما بدأته فعلا مؤسسة إبداع الدولية للتنمية والثقافة التى أشرف بتولى إدارتها.

- ما الجديد في كتابك "جماليات المكان فى الشعر المعاصر – قراءة ظاهراتية تأويلية" الذى صدر هذا العام ؟ ولماذا الرؤية الظاهراتية دون غيرها؟
دعنى أبدأ من الشق الثانى من سؤالك (الرؤية الظاهراتية). القراءة الظاهراتية تتسم بالموضوعية إذ لا تنطلق من تصورات ومقولات جاهزة بل تتوجه إلى الظاهرة المدروسة مباشرة راصدة ما يبدو للخبرة المباشرة.
إن القراءة الظاهراتية للخطاب الشعرى تؤكد أن الجمال "وجود قصدى، تشكيلى، ذو مضمون معرفى، يتأسس على الإبداع ، والنظام ، والتقويم" .والمقصود بالوجود القصدى فيما يخص موضوعنا: هو حدوث جمال المكان المتمثل شعريا نتيجة قصدية الشاعر للعالم وتشكيل عناصر المكان فيه تشكيلا يكشف عن ممكنات العالم وممكنات ذاته، ويتدخل فى صنع هذا التشكيل كل مكون الوعى الشعرى من: ادراك حسى وخيال وعاطفة وانفعالات. هذا هو المنطلق الذى أسست عليه دراسة المكان فى الشعر المعاصر.
أما عن الجديد فى العمل فكل فصل من فصوله ينطق بالجدة بدءا من المتابعة الجدلية لفعل الخيال فى صناعته وخلقه للجمال فى الصورة الشعرية المكانية، مروراً بالحقائق التى تتكشف عبر نثار الصور المكانية والتى يمكن متابعتها على كل المستويات سواء النص أوالوعى فى فرديته وشموله.

- كلمة أخيرة.. وكلمة لوكالة أنباء الشعر...
تحية تقدير للوكالة فلا يمكن لمواسم وفصول الحراك الثقافيّ والإبداع العربي أن تؤتى ثمارها إلا بجبهة إعلامية قوية تعزز وترصد تعاقب وتتابع مناخ الثقافى على امتداد الجغرافيا العربية.

2014/09/29

تناذر إسكتلندا بقلم: محمد رفعت الدومي




تناذر إسكتلندا
 
 محمد رفعت الدومي

بلادي، وإن جارت عليَّ .. عزيزةٌ / وأهلي، وإن ضنّوا عليَّ، كرامُ ..

بيتٌ من الشعر هو أحد الأبيات الكثيرة مجهولة المصدر، بمعني أدق، أحد الأبيات المختلف علي قائلها، نسبه البعض إلي "أبي فراس الحمداني"، وهو، وإن كان يشبهه من حيث طريقة التناول والبصمة الشعرية، لا يتفق أبداً من حيث الطرح مع خُلُق "أبي فراس" أحد أهم فرسان زمانه، ثم هو، بالنظر إلي مفرداته، أحدث عمراً من "أبي فراس" ..

نسب أيضاً إلي "أحمد شوقي" وهذا مضلل وغريب ..

كما ورط بعض الرواة في بيتٍ آخر قيل أن هذا البيت تحريف له، وهو :

بلادي، وأن هانت علىَّ عزيزة / ولو أننى أعـرى بها وأجوع ..

ورط الرواة في هذا البيت الأخير، "قتادة أبوعزيز بن إدريس بن مطاعن بن عبدالكريم بن موسى بن عيسى بن سليمان بن عبدالله أبى الكرم بن موسى الجون بن عبدالله بن حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب"، وعلي الرغم من جهلي التام بحياة ذلك الشاعر، لست مستريحاً لهذه الرواية، لكني مضطر إلي تصديقها، لا لشئ سوي أنه لابد في النهاية من شاعر يقف وراء هذا البيت الذي صار سئ السمعة بعد أن تردد علي لسان المخلوع "محمد حسني مبارك" أثناء إحدي جلسات محاكمته، وهي محاكمة ثورة "25" يناير في نفس الوقت!

شئ آخر يحرضني علي استبعاد نسبة هذا البيت إلي "قتادة بن إدريس"، وهو أنه لا يمكن أن يولد إلا في حواس مشبعة بقيم البادية ومسيجة بتقاليدها، حيث تفوح منه رائحة الخيمة والوتد وريح الشمال، ويعكس في الذاكرة علي الفور شعر "طرفة بن العبد" حين يقول :

فَمَا لِي أَرَانِي وَابْنَ عَمِّي مَالِكـاً / مَتَـى أَدْنُ مِنْهُ يَنْـأَ عَنِّي ويَبْعُـدِ

يَلُـوْمُ وَمَا أَدْرِي عَلامَ يَلُوْمُنِـي / كَمَا لامَنِي فِي الحَيِّ قُرْطُ بْنُ مَعْبَدِ ..

إنها الإشادة غير المبررة بالأرض التي بالصدفة حل الشباب تمائم سكانها بها، وبعبادة القبيلة، ورؤية الدنيا من خلال عيون شيوخها وإن كانت عيونهم لا تري أبعد من مواطئ أقدامهم، وهذه إحدي القيم التي الآن صار في حكم المؤكد ضررها علي مسيرة المجتمعات نحو الرقيِّ، وانسحبت إلي زوايا الماضي التي يكترث البعض لزيارتها تحت ضغط الحنين فقط ..

لكن البيت يفرض سؤالاً تعد إجابته التابو الأخير الذي لا يتجاسر أحد علي مجرد الدوران حوله، حتي الإيروسية في الكتابة لم تعد الآن من المحظورات .. 

ما هو الوطن؟

في الحقيقة، لم نعد الآن بحاجة إلي التنقيب في التراث عن تعريف للوطن، فلقد تم اجتراح هذا المفهوم وانتهي الأمر، لكني، سأؤجل الإجابة الخاصة بي عن هذا السؤال بعد قراءة سريعة في "تناذر اسكتلندا"!

الآن ..

لحسن الحظ، أصبح لدينا حدث كبير ينبه النظرية التي ولدت من رحم ثورة "25" يناير، الثورة المصرية الوحيدة، ضمرت، هذا صحيح، لكنني أسمح الآن لنفسي، وما حييت، بأن أكرز بانتصارها الحتمي في النهاية، "عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية .. كرامة انسانية"، كل هذا، أو، فليسقط الوطن!

"تناذر اسكتلندا"، يمكن أن نسميه أيضاً، "متلازمة أدنبرة"، أو، صفعة الوطن الذي يرتدي رجاله التنورة علي مؤخرات المتشدقين بحب الأوطان والقومية العربية والوحدة ما داموا هم السادة وغيرهم العبيد، ومتي حدث تبادل للمقاعد أصبح الإيمان بالوطن تعبيراً محمياً علي الحمقي وأصحاب الحد الأدني، وتصبح المنافي أوطاناً بديلة يتشدقون بحبها، وبكل بجاحة ..

"اسكتلندا" رحم لا ينضب للمفاجآت، ولقد فاجأت العالم قبل عدة أعوام بامرأة قروية في الـ "47" من عمرها، مثلها في بلادنا، لمستوي جمالها المنخفض، لا تصلح إلا هدفاً مشروعاً للنبذ والسخرية، مجرد أن وقفت أمام الميكروفون وغنت : "حلمت حلما"، أصيب العالم كله بالدهشة، إنها "سوزان بويل" طبعاً!

من الجدير بالذكر أن العالم كله مدين لباقة من العقول الاسكتلندية الممتازة، إليها يعود الفضل في كونه الآن أفضل، وهم ..

"جيمس وات" مخترع "المحرك البخاري المكثف"، كلمة السر في تفجير الثورة الصناعية ..

"ألكسندر جراهام بيل" مخترع "الهاتف"، أو كما كان رائجاً في الأوساط العلمية قبل أن يعترف "الكونجرس الأمريكي" رسمياً في عام "2002" أن الإيطالي "أنطونيو ميوتشي" هو المخترع الحقيقي للهاتف وذلك بعد مرور "113" عاماً علي وفاة الأخير ..

"روبرت واتسون وات" مخترع "الرادار" ..

السير "ألكسندر فلمنج"، مكتشف "البنسلين"، أحد النغمات المنعزلة التي تحولت إلي ما يشبه هزيم الرعد في عالم الطب ..

"جون لوجي بيرد" أول من اخترع تليفزيون عامل في العالم ..

أرجو ألا يزعجنا كل هذا الجمال، أو يورطنا في الشعور بالنقص ولا الخجل، إن لنا قصائدنا أيضاً، فإلينا وحدنا ، نحن العرب، يعود الفضل في أن يعرف العالم كله حكم بلع النخامة في رمضان، وفقه الضراط ..

لـ "اسكتلندا" أيضاً باقة من الأدباء والشعراء ذوي الأجنحة صحيحة التحليق في المطلق، استطاعوا أن يُنزلوا بتاريخ الأدب جمالاً مفرطاً وخيالاً بكراً، مثل، "جون باربر" و "وروبرت لويس ستيفنسون" و "هاري الأعمى" و "روبرت بيرنز" و السير "والتر سكوت"، كما تعد "موسيقى القِرَب" الذائعة الصيت هي المصدر الجذري للبني النظامية للموسيقى الأسكتلندية ..

وآخر مفاجآت " اسكتلندا" هي، تناذر "اسكتلندا" ..

قبل عدة وردات مضت، وقف زعيم الحزب القومي الاسكتلندي "أليكس سالموند" ليدلي للعالم بهذا الاعتراف:

"قررت اسكتلندا بالأغلبية ألا تصبح دولة مستقلة في هذه المرحلة، أقبل حكم الناس هذا، و أدعو كل اسكتلندي إلى أن يحذو حذوي في قبول القرار الديمقراطي لشعب اسكتلندا" ..

ما أجمل هؤلاء الناس، لقد ارتبطوا علي ما يبدو برقي سيدوم إلي الأبد، فهذا "المحارب السلتي"، حتي وهو يمر من تحت أقواس هزيمته، ربما في  أشدّ الأيام قتامة طوال عمره، لم ينس أن يعلي من شأن الديمقراطية كقيمة بيضاء لا يمكن أن يسير مجتمع نحو الأفضل بدون اعتمادها كقيمة مركزية ..

ولقد جاء الرد من "انجلترا" أكثر رقياً، لقد التقط "كاميرون" طرف الخيط الحريري الذي ألقاه ألد خصومه السياسيين قبل ساعات من ذلك الوقت، وما زال،  "سالموند"، وقال على حسابه على "تويتر" :

"تحدثت للتو مع زعيم الحزب القومي الاسكتلندي "أليكس سالموند" وهنأته على الحملة الشرسة، أنا سعيد لأن الحزب القومي الاسكتلندي سينضم لمحادثات نقل السلطات"!

قال أيضاً من أمام مقر إقامته في "لندن" :

"إن مسألة استقلال اسكتلندا حسمت لجيل .."

وأضاف :

"لا يمكن أن تكون هناك خلافات أو إعادة، استمعنا إلى الإرادة الراسخة للشعب الاسكتلندي .."

إنه التعاطي مع الصراع السياسي ليس بمعناه العربيِّ في إقصاء الآخر، أو حتي سحقه، بكل الوسائل الممكنة، و إن كان هذا علي حساب الوطن، وإنما بمعني تناغم العمل بين كل أطراف الصراع علي بقاء العربة خلف الحصان بصرف النظر عن أي مكاسب شخصية، هذه العقيدة السياسية، لبياضها، تورطنا في عدم الاكتراث بتلك المناطق غير المضاءة في أسلوب اللعب بين الأطراف كافة، وفي عدم التنقيب حتي عن غير المكتوب في النص ..

قال "نيك كليج " في نفس السياق :

"أنا سعيد للغاية أن الشعب الاسكتلندي اتخذ هذا القرار بالغ الأهمية للحفاظ على الأسرة التي تضم بلادنا للأجيال القادمة .."

ثم تجاوبت علي الفور في كل هواء "أوروبا" أصداء مفتوحة علي مصراعيها للترحيب بنتيجة الاستفتاء الذي رفض فيه غالبية الاسكتلنديين الاستقلال عن "بريطانيا"، كان أجمل تلك الأصداء علي الإطلاق هو تعليق المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، ومن أين؟، من "برلين" التي الآن تقوم علي أطلال "برلين" التي أمطرت الطائرات الانجليزية قبل حوالي "70" عاماً في أوجاعها :

"لم أتدخل من قبل، ولذلك فإنني لن أقول الآن سوى أنني أحترم نتيجة الاستفتاء"!

ثم أضافت:

"أقول ذلك بابتسامة .."

إنها لغة المصالح، حقي أن أحرس كراهيتك في أعماقي ما حييت، لكنني، أضع في ذاكرتي دائماً كخنجر في الذاكرة أنني سأموت ويبقي الوطن، فليس أقل من أترك وطناً لائقاً لمن سيأتون بعد موتي، وضيع النفس فقط، خسيس الجوهر فقط، هو من يقتل المؤجلين في سبيل الولاء للماضي، أو في سبيل مجد شخصي متوهم، فلا مجد والله، كل ما هنالك مجرد جرذ، بقة، رائحة العفن، وكما قال الشاعر :

وقد ينبت المرعي علي دمن الثري / وتبقي حزازات النفوس كما هيا ..

إذن ..

رفضت "إسكتلندا" الاستقلال عن "المملكة المتحدة" في استفتاء تاريخي بث الكثير من النذر السوداء حول مصير "بريطانيا" وهدد بانكماش قامتها العالمية، وتجاوز البريطانيون ذلك الكابوس، ربما لجيل قادم، كما قال "كاميرون"، الجميل في الأمر، أن الاختلاف في وجهات النظر حول استقلال "اسكتلندا" أو بقاءها ضمن دول التاج طال حتي أفراد الأسرة الواحدة، مع هذا، لم تكن هناك اتهامات متبادلة بالانتماء إلي الإنجليز، ولا تحريض من الإعلام الأسكتلندي للرجال علي قتل زوجاتهم، باعتبارهن خلايا نائمة، وقنابل موقوتة، لذلك، لقد آن لنا أن نعترف بأننا أقذر من يتنفس علي هذا الكوكب ..

وللحقيقة، الشعب الأسكتلندي واحد من الشعوب التي لم تتفق أبداً بطريقة مرضية حول قيمة واحدة أو ديانة رسمية أو لغة، حتي اللغة الإنجليزية، ينطقونها بعدة لهجات، ولعل هذا يوضح لماذا حاولت "سوزان بويل" طويلاً علي المسرح أن تتذكر مرادف كلمة "قرية"!

قصة "اسكتلندا" مع جارتها طويلة جداً، تسرد الدماء والزيجات الملكية معظم فصولها، لكن، يتخللها الحب الحذر أحياناً، وعلي غير المتوقع، كانت الحروب بين البلدين سجالاً..

عمر الوحدة بين البلدين "307" عاماً، وهي، كما قال "توم ديفاين"، وهو واحد من أكبر المؤرخين الاسكتلنديين :

إن الوحدة بين "إنجلترا" و "اسكتلندا" لم تكن زواجاً عن حب، لكنها كانت زواج عقل أملته مصلحة براجماتية" ..

وأضاف :

"من سنة "1750" إلى سنة "1980" كانت العلاقة مستقرة، اختفت الأسس التي بني عليها هذا الاستقرار أو قلت الى حد كبير" ..

من الصعب تحديد متي ظهرت "اسكتلندا"، لكن، يسود اعتقاد بأن أول استيطان لإسكتلندا حدث في عام "6000" قبل الميلاد، من قبل بعض صائدي الأسماك وبعض الصيادين المهاجرين الذين اهتدوا إليها بحرًا من جهة الجنوب، ومن المؤكد أن "اسكتلندا" استقبلت عدة موجات هجرة في العصر الحجري الحديث، هؤلاء الوافدون الجدد عملوا إلي جانب الصيد بالزراعة، وأحرزوا لوناً من ألوان الحضارة تشهد عليه بعض آثارهم من حليٍّ و فخار وعظام وأدوات زراعة ..

بنهاية هذا العصر الحجري الحديث، تعرضت سواحل "اسكتلندا" لموجة هجرة كبيرة قادمة من "ألمانيا"، وهؤلاء اشتهروا بدفن موتاهم في زجاجات كبيرة أشبه ما تكون بالكؤوس، ثم لحقت بتلك الموجة الألمانية موجة أخري قادمة من أواسط أوروبا، هؤلاء هم المعروفون ببناة الأبراج ..

عام "43 " ميلادي، غزا الرومان "بريطانيا"، ولقد وجدوا في الطريق إلي هناك أقوامًا يسكنون أجزاءً من "اسكتلندا" فأخضعوهم لسلطانهم، وأطلقوا عليهم اسم  "البكتز"، أو " البكتيين"، وهؤلاء كانوا يدهنون أجسامهم بالألوان، ولعل من أصداء هذه العادة التي لا تزال حتي الآن حية، نظام ألوان التنانير لكل قطعة "تارتان" مسجلة في سجلات "السلطات الاسكتلندية للتارتانات"، وهي مؤسسة رسمية، تقوم بحفظ عينة من كل قطعة نسيج تحمل تتابع ألوان جديدة، وتمنح اسم، ويذكر في معلوماتها عدد خيوطها وترتيبها حسب اللون، ولكل عشيرة "تارتان" خاص بها، وهذه العادة من أهم العادات التي ينقلها المهاجرون الاسكتلنديين معهم أينما ذهبوا، في "كارولاينا الشمالية" في "الولايات المتحدة الأمريكية" مثلاً، أنشأ "ماثيو نيوسوم" متحفاً للـ"تارتان" الاسكتلندي!

ربما، كان الكثيرون منا، بحكم شهرتنا في النظر إلي الأمور بسطحية، لا تستسيغ عقولهم أن يرتدي رجلٌ تنورة، هؤلاء، ماذا ستكون ردود أفعالهم حين يعلمون أنه حسب تقاليد ارتداء "التنورة"، لا يرتدى الرجال أسفل منها ملابس داخلية!

من المؤكد أن "الرومان" بنوا جدار "هادريان" - لا تزال أطلاله باقية حتي اليوم - حوالي عام "120" ميلادي لحماية انفسهم من القبائل الكلدونية وترسيم الحدود الشمالية ..

في القرن الرابع، هاجر إلى "اسكتلندا" أقوام من "ايرلندا" ونشروا لغتهم المعروفة بالجيلية، وهي لغة المرتفعات والجزر الاسكتلندية، وبانسحاب الرومان من "بريطانيا" كان التاريخ يتهيأ ليكتب بحروف من مد وجزر  قصة "اسكتلندا" و "انجلترا"..

لقد تمكن الأنجلو ـ سكسون في بداية القرن السابع الميلادي من احتلال المنطقة الواقعة حول العاصمة الحالية "أدنبرة"، كذلك، تمكن "الفايكنج" من احتلال أطرافها الشمالية  خلال القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، فوقعت فريسة للتأثيرات "الأنجلو ـ سكسونية"، و "الأنجلو ـ نورمندية" طوال "300" عام من ذلك الوقت، نجم  عن تلك التأثيرات، التأثيرات النورمندية خاصة، تحول "اسكتلندا" إلى دولة إقطاعية ..

الملك "ادوارد الأول"، ملك "انجلترا"، الملقب بـ "مطرقة الاسكتلنديين"، عندما دُعِي إلى التحكيم في خلافة المملكة الاسكتلندية، كانت "اسكتلندا" علي موعد مع صدمة شاهقة، إذ طالب بسيادته علي أراضيها، واجتاحها فعلاً عام "1296" ميلادي، ليفتح، بتصرفه ذاك، الأفق علي مصراعيه لعدة حروب من أجل الاستقلال استمرت حتى "1357"، كان "وليام والاس"، الرجل الذي كان فيلم "القلب الشجاع"، أو "Brave heart" انعكاساً لسيرته، أحد أبطال هذه المرحلة من تاريخ بلاده، تلك الحروب، في النهاية، انتهت بانتصار ساحق للجيش الاسكتلندي بقيادة "روبرت بروس" - ابن "بروس"، ذلك الرجل الذي خان "وليام والاس" وتسبب في مقتله - على الانجليز في "بانكبورن" لتستعيد "اسكتلندا" كتعقيب علي هذا الانتصار استقلالها ..

ثم، في عام "1502" ميلادي، وقع "جيمس الرابع" ملك "اسكتلندا" و "هنري السابع" ملك "انجلترا" معاهدة سلام وضعت حداً للمعارك المتقطعة بين البلدين، وكعادة الملوك في ذلك الزمان، لتثبيت تلك المعاهدة زوج "هنري السابع"، أكبر بناته، "مارجريت"، لملك "اسكتلندا" ..

تطور المشهد عام "1603 " عقب وفاة الملكة "اليزابيث الأولى" ليصبح ملك "اسكتلندا"، أقرب أقاربها، "جيمس السادس"، ملكاً لـ "انجلترا" باسم "جيمس الأول"، وكانت والدته "ماري" قد أعدمت قبل ذلك بستة عشر عاماً، فأعلن نفسه ملكاً لـ "بريطانيا العظمى" واستقر في "لندن" رغم أن البلدين بقيا مستقلين!

بعد قرن من ذلك الوقت، وعقب مفاوضات طويلة وقعت عام "1707" معاهدة الوحدة بين البلدين، لتولد "المملكة المتحدة" ..

ولقد قرر الاسكتلنديون ألا يكونوا مستقلين، لتظل قصة البلدين مفتوحة علي احتمالات مستقبلية كثيرة، مع ذلك، حتي يجد جديد، يظل "تناذر اسكتلندا" قائماً يلقي بظلاله الكبيرة علي مفهوم جديد للوطن..

قد يظن الذين لا يعلمون أن الأسكتلنديين رفضوا الانفصال لأنهم أحسن حظاً من حيث الترف تحت ظلال الوحدة، وهذا ظن خاطئ، فـ "اسكتلندا" إحدي الدول الطاردة، يهاجر الآلاف من سكانها سنويًا بسبب البطالة، وهذا نبه المملكة إلي ضرورة العمل علي الحد من هذه الظاهرة، مع ذلك، هم أحسن حظاً لأن الحرية تنهكهم، والديمقراطية تحاصرهم لدرجة الاختناق ..

سأعود إلى البيت وسأسأل في سياقه، لكن، قبل كل شئ، لابد أن نكون علي ثقة في أن أي نص كتب منذ قرون عند إعادة قراءته الآن يجب أن تتلون ايحاءاته بطريقة مختلفة عما كانت عليه في الوقت الذي كتب فيه، ذلك لأن النص، مهما كانت قوته، سوف يخضع حتماً لإسقاطات وعي المتلقي ومنظومة المعرفة في عصره التي ربما كانت بالنسبة إلي كاتب النص من الغيبيات!

لذلك، يجب أن يتخذ البيت الآن هذا الشكل :

بلادي، متي جارت عليَّ، رخيصةٌ / وأهلي، متي ضنوا عليَّ (يغوروا) ..

مرة أخري، ما هو الوطن؟

الوطن، ليس أرضاً تصادف أن ولد المرء بها، فالصدفة ليست وطناً ..

إنما، الوطن، يجب أن يكون العالم الفسيح، لكن العالم ليس طيباً إلي هذا الحد، لذلك، هكذا وطن لا يسكنه إلا رهبان "الزن"، وهي البوذية في نسختها اليابانية، فإنهم مكتشفوه، كما أن من أوائل املاءاتهم علي المبتدئين في الرهبنة، ويأتي مباشرة بعد الإملاء الأشهر عن تعريف " بوذا"، وهو : " السروة في حوش الدار"، هذا الإملاء هو :

"خلعتُ ثوبَ الأنا وأصبحتُ العالم الفسيح"، وهي عبارة مسرفة في الطوباوية لا يستطيع استيعابها إلا الذين ذابت أرواحهم حتي آخر قطرة في المطلق وبلغوا اليقظة الكاملة، بمعني، وطن رهبان "زن" في النهاية وطن ذهني بكل معني الكلمة، ثم، هو وطن لا يمكن أن يتحقق في الواقع بشكل فردي إنما من خلال خلفية جماعي، بدون هذه الخليفة يصبح الحديث عن هذا الوطن مجرد رغبة في الانتحار، تماماً كما فعل "الحلاج" و "محيي الدين بن عربي"..

وليس الوطن هو المرأة كما يقول الشعراء في طبعاً، وليس، بطبيعة الحال، حقيبة السفر فهذا وطن اللصوص والفاسدين وحدهم..

لكن، لا شك أن الحرية هي الوطن ثم يتضاءل كل شئ إلي مجرد تعليق أو إضافة، وبدون الحرية تامة الدوائر يتحول الوطن إلي مجرد نزل للإقامة، ويصبح سجناً كبيراً يجب ألا ينتمي المقيمون فيه إلا لمواطئ أقدامهم، ويصبح الخوف هو الرياضة القومية!

أنا الآن أعتقد أنه كان من الأفضل ألا أكتب كل هذا الكلام وأكتفي بكتابة بعض من قصيدة "يسقط الوطن" للشاعر الكبير "أحمد مطر"، فهي انعكاس مكثف لكل هذا الكلام الكثير ..


أبي الوطن / أمي الوطن / رائدنا حب الوطن / نموت كي يحيا الوطن ..

يا سيدي انفلقت حتى لم يعد / للفلق في رأسي وطن / ولم يعد لدى الوطن / من وطن يؤويه في هذا الوطن /

أي وطن؟

الوطن المنفي.. أم الوطن؟!

أم الرهين الممتهن؟

أم سجننا المسجون خارج الزمن ؟!

نموت كي يحيا الوطن 

كيف يموت ميت ؟

وكيف يحيا من أندفن ؟!

نموت كي يحيا الوطن

كلا .. سلمت للوطن !

خذه .. وأعطني به / صوتاً أسميه الوطن / ثقباً بلا شمع أسميه الوطن / قطرة أحساس أسميها الوطن / كسرة تفكير بلا خوف أسميها الوطن /

يا سيدي خذه بلا شيء /

فقط /

خلصني من هذا الوطن ..

نموت كي يحيا الوطن /

يحيا لمن ؟

لابن زنى

يهتكه .. ثم يقاضيه الثمن ؟!

لمن؟

لإثنين وعشرين وباء مزمناً؟

لمن؟

لإثنين وعشرين لقيطاً

يتهمون الله بالكفر وإشعال الفتن؟

ويختمون بيته بالشمع

حتى يرعوي عن غيه

ويطلب الغفران من عند الوثن؟!

تف على هذا الوطن!

وألف تف مرة أخرى!

على هذا الوطن ..

من بعدنا يبقى التراب والعفن

نحن الوطن !

من بعدنا تبقى الدواب والدمن

نحن الوطن !

إن لم يكن بنا كريماً آمناً

ولم يكن محترماً

ولم يكن حُراً

فلا عشنا..

ولا عاش الوطن!