2014/04/30

"الحق شهيد" قصة بقلم: خيري عبدالعزيز



الحق شهيد 

خيري عبدالعزيز
   "أيه يا سيد... دا أنا لسه سيباك يا ضنايا... دا مفتش سنه على الفراق يا حبيبي؟!.."
     يغمض سيد عينيه المنهكتين, ويضع رأسه الصاخب ببقايا طنين - ظنه لن ينقطع - بين كفيه, ويطرق إلى الأرض ..
    "إرادة الله يا أمه ..."
   ترفع الأم وجه ابنها, لتقرأ في عينيه – كعادتها– خبر ما يخفيه, فيهلها أن ترى ملامحه ضائعة بين زخم من الكدمات الحمراء والزرقاء..
    تحتضن رأسه ملتاعة..
   "أيه إلي في وشك ده يا سيد؟!"
    يربت سيد على ظهرها حانيا, ويقبل رأسها..
   "خلاص يا أمه ... كل شيء انتهى.. معدش تعب.."
    يبرق في رأسه مشهد جلاديه, وهي تتحسس أثار السياط على ظهره؛ فتشهق, ويرتفع نحيبها.. يمسك يدها ويقبلها..
  "قلتلك خلاص.."
  وبصوت خرج مشروخا متحشرجا:
" من عمل فيك كده يا حبيبي؟!.."
   يجيب:
   "الظلمه يا أمه.."
   تتحسس لحيته المرسلة وهي تنتحب, وتشعر بوجع في قلبها يكاد يفطره..
 "مش قلتلك خلينا جنب الحيط يا سيد"
   يرنو سيد بنظره إلي السماء ويتمتم:
"الحق غريب يا أمه .. شريد يا أمه .. طريد يا أمه.."
تزيد الأم من ضمه إلى صدرها وتقبل رأسه..
"وشهيد يا حبيبي.."
تنير وجهه ابتسامة فيما يلثم جبهتها..
"طيب .. وهو فيه بعد الشهادة يا أمه"
*   *   *
     تنتفض الزوجة من نومها, وتتحسس مكان زوجها الشاغر, فلا تجد سوى وليدها ذو الأعوام الثلاثة.. تشعر بغصة ألم الوحدة والفراق تسد حلقها, فتبتلعها مع حبات الدموع المالحة.. تضم وليدها إلى صدرها المتاع, وترنو ببصرها إلى السماء... تتمتم:
    "الله يرحمك يا سيد .. الله يرحمك يا أمه "

 

سمر إبراهيم في حوار مع الفنان علي الصهبي



حوار مع الفنان:أ.د/علي الصهبي
سمر إبراهيم

اللقاء مع النحات وأستاذ النحت:أ.د/ علي الصهبي كان لقاء طويلا استم بالحيويّة،  حيث إن حياته الفنية تتفرع فرعين، فرع أكاديمي يتصل بالحياة الجامعية، وعمل الأبحاث وحضور المؤتمرات، والإشراف على الرسائل الجامعية، والفرع الآخر ممارسة العمل النحتي في مجال خاص ألا وهو النحت الملون، مما فرع الحوار ما بين محاولة تنظيرية سهلة مبسطة عن فن النحت والنحت الملون وتوظيف اللون في النحت بشكل خاص ثم خصوصية هذا التوظيف في أعماله النحتية، وكذلك معالجة قضايا تخص الفن التشكيلي بصفة عامة، والنحت بصفة خاصة: كدور الصنعة، وإشكاليات تلقي الفنون التشكيلية في الوطن العربي.. إلخ.

 تتضمن أعمال النحات المصري الأستاذ الدكتور علي الصهبي النحت الملون بنوعية التمثيللي واللاتمثيلي، حيث قام بالعديد من المعارض الخاصة (الفردية) بالإضافة إلى اشتراكه في بعض المعارض العامة، وعددها 27 معرضًا. وكذلك حصل على العديد من الجوائز، وله العديد من الأبحاث العلمية المتعلقة بمجال النحت الحديث والنحت المعاصر، وقد شارك في كثير من المؤتمرات العلمية.
بدأ النحات أ.د/ علي الصهبي نشاطه الفني عام 1977 بالاشتراك في بعض المعارض الجماعية، وقد برز فيها تميزه الفني منذ الوهلة الأولى، ونال فيها بعض الجوائز، كان أولها في العام ذاته، وهي شهادة امتياز في مجال "التشكيل الفني" عام 1977م، ثم شهادة امتياز في مجالات النحت معادن عام 1978، ثم مركز أول في مجال "النحت" من جمعية الفنون الجميلة  عام 1979م، مما يظهر تميزه منذ الوهلة الأولى.
وكان أول معارضه الفردية في مجال النحت عام 1993، وكان بعنوان: جدليات اللون في التشكيل المجسم "طيور مصرية ملونة، وقد استقبل هذا المعرض بحفاء بالغ وكتبت عنه بعض المقالات في الصحف الجارية، حيث قالت عنه الناقدة: ناهد السيد:" أضفى الفنان علي الصهبي على خامته جمالا مميزًا حتى لا يمكن التفريق بين كونها خزفًا أو خشبًا، حيث جرد خامة البوليستر من خواصها الأساسية وحملها معاني أخرى، واختار أنسب الكائنات للتعبير عن الجماليات الطبيعية، مضافًا إليها بعض الصفات التي تتشابه مع التكوين الاجتماعي والنفسي للشخصية الإنسانية".

          وتوالت معارض الفنان: توازن الرؤى بين الانغلاق والانطلاق فراغيا في النحت الملون 1996، رسومات نحتية في الفراغ 2004، ، بناءات نحتية متسلسة وملونة 1997، ثقوب في النحت الملون 2001، تراكيب نحتية ملونة، من وجه فتاة 2004..إلخ. وجميعها استقبلت باحتفاء رائع في الأوساط الفنية المصرية والعربية، ويتجلى هذا الاحتفاء في صفحات الفنان الإلكترونية وتعليقات الجمهور على أعماله، وكذلك تعليقات المتخصصين، وكذلك تكريمه أكثر من مرة كان آخرها في صالون البورتريه الدولي الثامن بالإسماعيلية.
وكذلك في الدراسات والمقالات التي كتبت عن معارضه أو عن مجمل أعماله الفنية، حيث يقول عنه الناقد كمال عبيد:"فكر جديد في ثوب نحتي قشيب يضم إحساسًا متفردًا بالشكل والكتلة واللون من خلال شكل الوجه الإنساني الذي يتشكل ويعاد تركيبه وصياغته ليفاجئ الرائي بحس جديد غير مألوف وهذا هو سر جماله وإبداعه".

ويقول الناقد عبد القادر خليل:" الأشكال التجريدية عند الناحت علي الصهبي لها طابع عاطفي ولو كانت تجريدية الصنع أشكال تجذب الإحساس البصري، ولها لغة فنية تنطق ولو أنها صامته, نجد هذا في منجزاته: حنان، الى اللقاء احتواء، تفكير.. الخ. أما التعبيرية فهي لغة الفنان العظمى، يستعمل الجمال المنظري لإدخال الفكرة، ويعطي للوجوه أبعاد لغوية، منها يأخذ الناظر الأشياء البديهية، وتبقى أشياء لا يقف عندها إلا المهتم في الفن، غطاء العين للمرأة هو تعبير واضح، هو تعبير ممكن أن يفهمه أكثرية المجتمع، لكن مع هذا يقول الفنان، نعم إنه مفهوم واضح لكن ما زلنا نُقيد جزء كبير من الإنسانية كي لا يرى شيئًاً".
وكان آخر تلك التفاعلات النقدية مع أعمال النحات: أ.د/علي الصهبي اختفاء  ارت مولدس ARTMOLDS JOURNAL في عددها الأخير أكتوبر-ديسمبر وهي مجلة فنية تهتم بالنحت وتقنياته خاصة وتصدر في نيويرك - كاليفورنيا، بالفنان المصري أ.د علي الصهبي أستاذ فن النحت. وذلك بنشر مقالة عن أعماله النحتية الملونة بعنوان: الدور المدهش لللون في النحت" للكاتب إد ماكورميك  وهو مدير النشر للمجلة ومحررها حيث تناولت المقالة مسيرة الفنان بجانبيها كنحات وكأستاذ فن النحت. وقد عرضت باستفاضة رؤيته لدور اللون في النحت الملون، وأهم تقنيات استخدام اللون في النحت وعلاقة اللون بالعناصر التشكيلية النحتية الأخرى.وكذلك عرضت المجلة اللينكات الخاصة بالفنان، وأهم معارضه، وأهم الجوائز التي حصل عليها.
وأهم ما تتناوله هذه المقالة التي تصدرت غلاف المجلة تقينيات العمل النحتي وعلاقة الفنان بالنحت فالكاتب إد ماكورميك:"إن أعمال النحتية عند الفنان علي الصهبي بمثابة طفله الذي يرعاه ويغذيه ويطوره دائمًا، وحيث يلعب اللون دورًا خاصًّا لديه يتفاعل فيه مع الخامة ويغير منها، ومع الفراغ فيكسبه أبعادًا جديدة، ومع الكتلة فيعيد تشكيلها من جديد".
هذا هو النحات أ.د/علي الصهبي الذي تجد نفسك دائمًا تسعى إليه لتلقاه فتنال من ابتسامته الرائقة ثقة، وتنال من كرمه في إرشادك وتعليمك الكثير؛ فتشعر بالطمأنينة واكتساب المعرفة، وترى أعماله النحتية فتشعر أنك تحلق في سماء من الفن والإبداع واللامحدود من الرؤى فأعماله تسمح لذاتية المتلقي بالتداخل والتفاعل مع العمل وبالتفسير اللامحدود فيرى نفسه مبدعًا آخر لهذه الأعمال.
ولمزيد من المعلومات عن الفنان انظر سيرته الذاتية، ولينكات أعماله:
سيرته الذاتية:
أهم المعارض
1-  صالون البورتريه  (مجموعة 6×6) الدولي الثامن - الإسماعيلية-  في الفترة من 27/12/2012 حتى 15/1/2013(ضيف شرف وتكريم ومشاركة).
2-  صالون الشرق الأوسط الدولي الأول للفنون التشكيلية- أتيليه القاهرة- في الفترة من 15/7/2012 حتى 20/7/2012.
3- معرض خاص في النحت بالقاعة المستديرة – نقابة الفنانين التشكيليين - الجزيرة - بعنوان: "رسومات نحتية في الفراغ" - في الفترة من 15/7/2004 حتى 22/7/2004.
4-   معرض خاص في النحت بالقاعة المستديرة – نقابة الفنانين التشكيليين – الجزيرة - بعنوان: "تراكيب نحتية ملونة من وجه فتاة" - في الفترة من 14/1/2004 
   حتى 25/1/2004.
5-   صالون الأتيليه الرابع والخمسون – "نحت ملون" – أتيليه القاهرة – قاعة أتيليه القاهرة - في الفترة من 5 مايو 2002 إلى 17 مايو 2002.
6-   صالون الأعمال الصغيرة الخامس - "نحت ملون" – مجمع الفنون – قاعات أخناتون - في الفترة من  12 يناير  2002 حتى  1 فبراير  2002.
7-   معرض خاص في النحت بالقاعة المستديرة – نقابة الفنانين التشكيليين- الجزيرة - بعنوان "ثقوب في النحت الملون" - في الفترة من 10/6/2001 حتى 21/6/2001.
8-   صالون الأتيليه السنوي الثالث والخمسون- "نحت ملون" – أتيليه القاهرة – قاعة أتيليه القاهرة - في الفترة من 29/4/2001 حتى 19/5/2001.
9-   صالون الأعمال الفنية الصغيرة الثالث – "نحت ملون"- مجمع الفنون – قاعات أخناتون - في الفترة من 27/12/1991 حتى 20/1/2000.
10-   معرض خاص في النحت بقاعة "محمد ناجي" - أتيليه القاهرة - بعنوان: "بناءات نحتية متسلسلة وملونة" - في الفترة من 19/10/1997 حتى 24/10/1997.
11-   معرض خاص في النحت بقاعة "العرض الصغرى" - أتيليه القاهرة - بعنوان:  "توازن الرؤى بين الانغلاق والانطلاق فراغيّا في النحت الملون" - في الفترة من 11/7/1996 حتى 19/7/1996.
12-   معرض خاص في النحت بقاعة "محمد ناجي" - أتيليه القاهرة – بعنوان [ جدليات اللون في التشكيل المجسم "طيور مصرية ملونة"[ - في الفترة من 3/10/1993
     حتى 15/10/1993.
13- معرض الفن التشكيلي حول "النيل ... ماضينا؟ حاضرنا؟ مستقبلنا" بمناسبة الاحتفال بعيد "وفاء النيل" بقاعة "النيل لوبي" - فندق المريديان 25/8/1993.
14- المعرض السنوي الثالث والأربعون للفنون التشكيلية بقاعة المعارض - كلية التربية الفنية - عام 1992.
15-  المعرض السنوي الثاني لصالون الشباب بالأوبرا - عام 1990.
16- المعرض السنوي الرابع والعشرون لجمعية محبي الفنون الجميلة - عام 1984.
17-  المعرض السنوي الثاني والعشرون لجمعية محبي الفنون الجميلة - عام 1982.
18-  المعرض الحادي والعشرون لجمعية محبي الفنون الجميلة - عام 1981.
19- المعرض السنوي (32) للفنون التشكيلية - عام 1980.
20-  المعرض العشرون لجمعية محبي الفنون الجميلة - عام 1980.
21-  المعرض التاسع عشر لجمعية محبي الفنون الجميلة - عام 1979.
22- المعرض الثامن عشر لجمعية محبي الفنون الجميلة - عام 1978.
23-  معرض 15 مايو للفنون التشكيلية - عام 1978.
24-  معرض خاص بكلية التربية الفنية - عام 1978.
25- المعرض السابع عشر لجمعية محبي الفنون الجميلة - عام 1977.
26- معرض جماعي بجامعة حلوان –عام 1977.
27-معرض 15 مايو للفنون التشكيلية - عام 1977.

الأبحاث العلمية النظرية
1-  بحث بعنوان:
"دور التعبيرية الألمانية في النحت الحديث وإثراء الرؤية التربوية". 
مجلة بحوث في التربية الفنية والفنون – مجلة ربع سنوية – كلية التربية الفنية – جامعة حلوان – المجلد الثامن – يوليه 2003.
2-  بحث بعنوان:
"توظيف فن التجميع في النحت المعاصر لإثراء الرؤية التربوية".
مجلة علوم وفنون – دراسات وبحوث – جامعة حلوان – المجلد الرابع عشر – العدد الأول – يناير 2002 .
3 - بحث بعنوان:
              "توظيف الاتجاه التعبيري التجريدي لفن التجميع في النحت الحديث لإثراء الرؤية التربوية ".
مجلة دراسات تربوية واجتماعية – كلية التربية –  جامعة حلوان يناير 1996.
4- بحث بعنوان:
"تذوق خصائص الرؤية التجريدية للطبيعة في النحت الحديث".
                 مؤتمر دور كليات التربية في تنمية المجتمع - كلية التربية - 17 مايو
                 عام 1993 حتى 18مايو 1993 .
5-  بحث بعنوان:
"اللون في منحوتات الأطفال".
مؤتمر دور كليات التربية في تنمية المجتمع - كلية التربية – جامعة المنيا –
من 17 مايو حتى 18 مايو 1993.

الأبحاث العلمية الفنية
1-   معرض خاص بعنوان:
"رسومات نحتية في الفراغ".
القاعة المستديرة – نقابة الفنانين التشكيليين- الجزيرة - في الفترة
من 15/7/2004 حتى 22/7/2004 .
2-   معرض خاص بعنوان:
             "تراكيب نحتية ملونة من وجه فتاة".
القاعة المستديرة – نقابة الفنانين التشكيليين - الجزيرة - في الفترة
من 14/1/2004 حتى 25/1/2004 .
3-   معرض خاص بعنوان:
"ثقوب في النحت الملون".
القاعة المستديرة – نقابة الفنانين التشكيليين - الجزيرة - في الفترة من 10/6/2001 حتى 21/6/2001 .
4-   معرض خاص بعنوان:
"بناءات نحتية متسلسة وملونة".
بقاعة "محمد ناجي" - أتيليه القاهرة - في الفترة من 19/10/1997
حتى 24/10/1997 .
5-   معرض خاص بعنوان:
             "توازن الرؤى بين الانغلاق والانطلاق فراغيًّا في النحت الملون".
قاعة "العرض الصغرى" - أتيليه القاهرة- في الفترة من 11/7/1996
حتى 19/7/1996.
6-   معرض خاص بعنوان:
]جدليات اللون في التشكيل المجسم  "طيور مصرية ملونة"[.
قاعة "محمد ناجي" - أتيليه القاهرة - في الفترة من 3/10/1993
حتى 15/10/1993.
أهم الجــوائز
1-  شهادة تقدير وتكريم كضيف شرف في صالون البورتريه  (مجموعة 6×6) الدولي الثامن - الإسماعيلية-  2012.
   2- شهادة تقدير، وتمثال برونزي من صالون الشرق الأوسط الدولي الأول للفنانين التشكيليين- عام 2012.
3 - شهادة تقدير من المركز القومي للفنون التشكيلية في الصالون الثاني للشباب تحت
     35 سنة - عام 1990.
4-   مركز أول في مجال "النحت" - جمعية الفنون الجميلة - عام 1979م.
5-   شهادة امتياز  في معرض 15 مايو – في مجالات "التصوير – نحت – المعادن" -  عام 1978م.
6-   شهادة امتياز في معرض 15 مايو – في مجال "التشكيل الفني" - عام 1977م.
7-    مركز أول في "الخط العربي" – معرض جماعي – جامعة حلوان - عام 1977م .
عضوية النقابات والجمعيات
1-   عضو نقابة الفنانين التشكيليين برقم قيد : 2012/  252 N .
2-   عضو أتيليه القاهرة برقم : 602.
3-   عضو نقابة المهن التعليمية.
4-   عضو في جماعة (الأنسيا).
مقتنيـــات
1-    متحف الفن الحديث – القاهرة – "نحت ملون" – "أحلام الشباب" – عام 2002م .
2-    متحف الفن الحديث – القاهرة – "نحت ملون" – " ثقوب " – عام 2002م .
3-    متحف الفن الحديث – القاهرة – "نحت ملون" – " بعد الثامنة " – عام 2002م .
4-    متحف الفن الحديث – القاهرة – "نحت ملون" – "حنان" – عام 2002م .
5-    متحف كلية التربية الفنية – جامعة حلوان – "بوليستر ملون" – "إلى اللقاء" –
عام 2000م .


ما مفهوم النحت الملون؟ وما الفرق بين فن النحت وفن النحت الملون؟
أستطيع أن أقول في البداية أنه ليس هناك لون يفترض، من حيث المبدأ، استعماله في فن النحت بصفة عامة، ولكن يمكننا القول إنه ليس هناك شكل بدون لون، وليس هناك لون بدون شكل، وقد يمكننا تتبع الشكل حتى أساسه، وهو أثر القوانين الطبيعية والملمس السطحي لمثل هذه الأشكال النحتية الملونة.
وقد عرف فن النحت منذ فجر التاريخ توظيف اللون، إما لأغراض رمزية أو لمحاكاة الواقع، وهذه الحقيقة تتضح دائمًا في بقايا الأعمال النحتية للحضارات السابقة. وبالرغم من أن فن النحت في عصر النهضة قد قدم إنجازات إبداعية، لم تحقق من قبل، وهي التي رأى فيها كثير من مؤرخو الفن إنجازات أنها تصل إلى حد الإعجاز الإبداعي، فإن تلك الفترة لم يكن لها أي دور يذكر في النحت الملون إلا في اتجاه بعض النحاتين إلى الأعمال البرونزية.
وبإعادة دراسة الفنون القديمة والبدائية اكتشف النحاتون والفنانون أن تلك الفنون امتلكت قدرًا أكثر على التعبير من الفنون الأكاديمية المستمدة من التقاليد الإغريقية الرومانية والمعتمدة على تقاليد عصر النهضة الأوربية الأمر الذي أثمر عن اكتشاف النحات الحديث كيفية توظيف اللون للتعبير عن مشاعره وانفعالاته بطرق مستقلة ومباشرة.  
كما ارتبط التلوين في هذا العصر الحديث بالتقدم العلمي والتكنولوجي سواء كان في خصائص الألوان أو فيما تعكسه على الشكل من تعبير، أو في الخامات المصنوعة التي لم تكن موجودة من قبل مثل البلاستيك واللدائن وغيرها، وهذا معناه ثورة فعالة في إمكانيات فن النحت.
ما توطيف اللون في النحت؟
يظهر توظيف اللون في النحت الحديث والمعاصر كإحدى ظواهر التعبير العريضة، حيث يستخدم النحات اللون كجانب تركيبي في الشكل النحتي لما له من قدرة على إحداث تأثيرات مختلفة على العناصر التشكيلية المتعددة للشكل النحتي بغرض الوصول إلى قيم جمالية، وكنقظة حيوية للتجديد.
ويستخدم النحات كذلك اللون كجانب تعبيري في الشكل النحتي لما له من قدرة على إضفاء تعبيرات مختلفة، ذات معانٍ ودلالات على التشكيل النحتي وبنائه، وذلك كأحد الحلول التشكيلية والتعبيرية للأشكال النحتية الملونة.
كي تتضح الرؤية للقارئ أكثر، نسألك ما علاقة فن النحت باللون؟
في البداية إذا نظرنا إلى فن النحت نجد أنه يتضمن كل التمثيلات في النحت الثنائي الأبعاد والنحت الثلاثي الأبعاد المجسم، وهناك طريقتان في فن النحت، الطريقة الأولى: عن طريق التشكيل النحتي بمعنى الإضافة إلى الشكل من خامات لينة قابلة للتشكيل، مثل: الطين الأسواني أو الصلصال أو البلاستسين، ثم يقوم النحات بعمل قالب لعمله النحتي، وبعد ذلك يقوم بصب مواد صلبة داخل القالب النحتي، مثل الجبس. أما الطريقة الثانية، فتكون بقيام الفنان بالحذف من الشكل في الخامات الصلبة، مثل: الخشب، والرخام، والحجر.. إلخ.
وفي هذين الطريقتين إما أن يتقبل النحات اللون الطبيعي للخامة فيحافظ عليها ويصقلها وينشر عليها الصبغات لإبراز الشكل، وإما ألا يتقبل اللون الطبيعي للخامة؛ فيستخدم اللون حيث يغير اللون من الصفات الظاهرية للخامة، ويجعلها متباينة عن الأصل الذي كانت عليه، إذ يصبح اللون هو الملمس، مما ييسر على النحات باتباع لهذا الأسلوب التوظيفي للون أن يصيغ تشكيلاته المبتكرة بحرية تامة دون التقيد بالصفات الأصلية للخامة المستخدمة، مستفيدًا من هذا الأسلوب في تجريد الشكل من صفات الخامة، وتحريره منها بصفة تكاد تكون تامة، الأمر الذي لم يكن بمقدروه أن يتحقق في تاريخ الفن كله لولا اكتشاف أثر ظاهرة توظيف اللون في التشكيلات النحتية المعاصرة والاستفادة منها.
حدثنا عن استخدامك للون في أعمالك النحتية الملونة؟
اشتملت أعمالي النحتية الملونة قدرة اللون على التحكم في الصفات الظاهرية للخامة، ليصبح اللون هو الملمس بدلا من سطح الخامة، مما يتيح صياغة تشكيلات نحتية ملونة، وبحرية تامة لا تقيدها الصفات المعروفة مسبقًا للخامة المستخدمة.
       وفيما يساعد توظيف اللون الواحد على إصباغ الشكل العام على العمل النحتي الملون، ومنحه وحدة في الشكل، فإن إثراء التكوين بدرجات مختلفة من اللون نفسه يزيد من فاعلية هذا الربط الجمالي لعناصر التشكيل النحتي.
أما استخدام أكثر من لون في أعمالي النحتية الملونة فيؤدي إلى فصل العناصر التي يتكون منها التكوين، وبوسع اللون، أيضًا، فصل تلك العناصر التي يتركب منها العمل إلى الحد الذي تبدو معه هذه العناصر وكأنها وحدات مستقلة، وهو ما يمكن، أيضًا، الاستفادة منه، وذلك بتعزيز تناقضات الشكل بعمل تنافرات لونية متوازية من الألوان بدرجاتها المختلفة.
       ويمكن أيضًا الاستفادة من الألوان لإبراز القيمة البعدية للألوان من حيث التأثير الأفقي للألوان المنسوب إلى المؤثرات النظرية البصرية المستخدمة في التصوير، فتبدو الأشياء البعيدة قريبة، والعكس.
       كما استخدمت اللون كذلك في أعمالي النحتية الملونة كقيمة تعبيرية تساعد على إبراز وتأكيد القوة التعبيرية للعمل النحتي الملون من خلال تأثير اللون على كل من الكتلة والحجم والفراغ النحتي، وهو ما ساعد أيضًا على استخدامي للون كامتداد للقوة التعبيرية للشكل والحجم والفراغ.
     وسعيت في أعمالي النحتية الملونة إلى الاستفادة باللون لعمل تأثيرات ملمسية متنوعة للتأكيد على السطح وإبراز الإحساس بالظل والضوء على العمل النحتي الملون، ولزيادة امتداد القوة التعبيرية للشكل النحتي الملون.
       وكان استخدام اللون، أيضًا، في أعمالي النحتية الملونة من أجل تدعيم الإحساس بالغرابة والغموض في التشكيل النحتي الملون.
       كما استخدمت اللون، أيضًا، في أعمالي النحتية الملونة كنظام رياضي صارم بالأشكال النحتية المتسلسلة والملونة، وقد اعتمد هذا النظام الرياضي على تكرار الأشكال والألوان بنسب ثابتة على هيئة متوالية رياضية تنبع من التفكير العقلي الرياضي، وذلك بوضع قانون أو نظام رياضي يحسب ويتحكم من خلاله في علاقة الجزء بالكل من حيث الشكل واللون، ويكون هذا النظام بمثابة عامل أساسي لوحدة العلاقات في التكوين، ولا تحيد عنه، إذ تكون بمثابة خطوط عمل محسوبة تساهم في حل مشاكل التكوين رياضيًّا.
       وقد استخدمت اللون كذلك في أعمالي النحتية الملونة لإظهار التناقض بين الجزء الداخلي والجزء الخارجي عن طريق التلوين، مما أضفى حيوية على الشكل النحتي الملون، الأمر الذي أدى إلى التأكيد على السطح الداخلي للعمل النحتي الملون.
ما علاقة اللون بالخامة المستخدمة في أعمالك النحتية؟ واثر الضوء والظل على رؤيتها؟
       وكان لتعدد الخامات النحتية المستخدمة في النحت الملون، مثل: الخشب، والنحاس، والبوليستر الملون، والبوليستر الممزوج بالألوان، أثره في تنوع أشكال الفراغ من ناحية، وفي معالجة سطوح الخامات من ناحية أخرى، وذلك لأن لكل خامة إمكاناتها الشكلية والتعبيرية. ومن هنا فقد ظهرت معالجات خاصة، انتشرت على سطح الخشب لتعميق خصائص اللون الطبيعي أو إبرازها، وكذلك فإن استخدام النحاس شديد اللمعان ينتج عنه انعكاس الضوء على سطح العمل النحتي، فيظهر بريق اللون الذي يساعد على وجود تأثير مزدوج للشكل الحقيقي والعاكس أضيف إلى ذلك أن استخدام اللون في الأشكال النحتية بخامة البوليستر سواء كان ذلك عن طريق التلوين أو مزج الألوان، مما يوحد العمل النحتي، كما يؤكد على السطح الداخلي لهذا العمل.
       يمكن توظيف اللون الواحد على سطح البوليستر في الأعمال النحتية الملونة في توحيد العمل النحتي، وربط عناصره من أجل استغلال الانعكاسات الضوئية الساقطة على العمل في تكوين درجات لونية مختلفة من اللون نفسه نتيجة لسقوط الضوء، وانعكاسه على سطح العمل النحتي، وكذلك الإحساس المستمر بالظل والضوء الناتج عن اختلاف لوني الخامة الفاتحة والداكنة الأمر الذي أثرى التكوين النحتي الملون بدرجات لونية من اللون نفسه.
    يمكن توظيف اللون الواحد الممزوج بالبوليستر بعد صقله لتوحيد العمل النحتي، والتأكيد على أهمية اللون في الشكل النحتي الملون من خلال سقوط الضوء وانعكاسه بدرجات لونية مختلفة، تساعد على صياغة وتشكيل الشكل من أجل توحيد وربط عناصره وأجزائه في الشكل النحتي الملون، وصياغة الشكل العام للكتل التي يتضمنها العمل النحتي وسطوحها في وحدة واحدة، وكذلك زيادة عناصر الشكل النحتي فتزداد أواصر الوحدة بين عناصره، وما استتبع ذلك من ثبات اللون من أجل استغلال الانعكاسات الضوئية على العمل النحتي في تكوين درجات لونية مختلفة من اللون نفسه، فيتحدد الظل بلون متدرج، الأمر الذي أثرى القيمة اللونية للعمل النحتي الملون، وكذلك الإحساس المستمر بالظل والضوء على سطح العمل النحتي الناتج عن اختلاف لوني الخامة الفاتحة والغامقة، بالإضافة إلى الإحساس بالملمس، وتأكيده على سطح العمل النحتي.
       ومن المعلوم أن الضوء في أغلب الأعمال النحتية يكون ساقطًا على الأشكال النحتية وسطوحها من الخارج لإبراز الإحساس بالظل والضوء على العمل النحتي، في حين نجد أن الضوء في هذه التراكيب النحتية الملونة يكون ناتجًا من داخل العمل النحتي إلى خارجه لإضفاء "نورانية" على الشكل النحتي من الداخل إلى الخارج نتيجة للتلوين، بالإضافة إلى سقوط الضوء الطبيعي على الشكل النحتي من الخارج، الأمر الذي أدى إلى الإحساس بالغرابة والغموض في العمل النحتي الملون.
       الكثير من الخامات النحتية تحوي ألوانًا طبيعية تصبح جزءًا مكملا من القطعة النحتية التي تم عملها من هذه الخامة، ومن المحتمل أن يختار النحات خامة طبيعية معينة ليحقق أشكالا خاصة منها، وهكذا فإنه من المحتمل أن يضطر إلى قبول اللون الطبيعي لهذه الخامة.
       وإذا ما اعترف الفنان وسلم بهذه القيود التي تحده فمن الممكن أن يوافق ويلائم بين التصميم واللون فينتفع به، فالعديد من الخامات يمكن أن تصنع من خلال العديد من المعالجات الخاصة بها، لتتنوع التأثيرات اللونية، فسطح الخشب يمكن أن يأخذ صبغات ومعالجات تنشر على سطحه لتعميق وإبراز اللون الطبيعي.
       إن سطح البرونز، كذلك، يمكن أن يأخذ باتينه (أثر الزمن على العمل النحتي) قاتمة عن طريق تسخينه ومعالجته بالكيماويات ليكتسب قتامة بشكل دائم ومستمر، في حين يمكن صقل سطح البرونز ليعطي لمعانًا ذا تأثير مختلف عن السطح غير المصقول للخامة نفسها، الأمر الذي يؤدي إلى انعكاسات السطح المصقول التي تصبح جزءًا من اللون الطبيعي للخامة.
       فسطح البرونز المصقول له بريقه، ويمنحنا شعورًا بمعدن جديد لم يفقده الرجوع إلى ألوان الآثار القديمة ببريقه، فمن الممكن أن ينقل لنا البرونز المصقول ظواهر الانبثاق الضوئي من أجسامنا، حيث إن الانعكاس يثري العمل النحتي، وبالتالي فالمعدن المطلي هو رمز حداثته، ويقترب من المعنى الحقيقي للأشياء.
       ونظرًا لصقل سطح الخامة لإبراز اللون الطبيعي الواحد لها، فقد ساعد ذلك على انعكاس الضوء على سطح الخامة المصقولة انعكاسًا منتظمًا، فاكتسب الشكل النحتي لمعانًا، مما ساعد على إخفاء الضوء على سطح العمل النحتي الملون.
هل نستطيع أن نقول أن اللون في أعمالك الفنية له دلالة خاصة تظهر في كافة أعمالك تختلف عن دلالته العامة، كالأحمر مثلا أو الأصفر أو الأخضرـ أم أن كل عمل يلعب فيه اللون دورًا مختلفا؟ رجاء إمدادنا بأمثلة موضحة على ذلك؟
لا أرحب بفكرة أن يكون اللون له دلالة عامة في كافة أعمالي النحتية، ولم أسعَ إلى استخدام اللون كناحية سيكولوجية، ولكنني أجد ان كل عمل نحتي من أعمالي يلعب فيه اللون دورًا مختلفًا، طبقًا لطبيعة العمل وإحساسي اتجاهه ورؤيتي له، وعلى سبيل المثال نجد أن الشكل المسمى "التواء"، يظهر فيه اللون الأصفر الداخلي في الشكل الذي يختلف عن اللون الأزرق المحيط بالشكل، حيث كان هدف اللون فيه التأكيد على الجزء الداخلي في العمل، في حين أن استخدام اللون الأصفر في البورتريه "أمل"  كان لتوحيد العمل النحتي وربط عناصره.
فن النحت من الفنون التي ترتبط بالمهارة وتقنيات الصنعة، فهل يكفي ذلك لعمل نحتي متميز؟
يتطلب فن النحت أولا أن يكون لدى الشخص الذي يمارسه استعداد فني بالإضافة إلى المهارة الفنية في مجال النحت، وأيضًا الممارسة، والاطلاع على الفنون القديمة والحديثة والمعاصرة، فإذا ما توفرت تلك العوامل جميعًا بجوار الرؤية الفنية للنحات، فإننا نستطيع أن نقدم لوطننا العربي نحتًا متميزًا.

بالنظر إلى أسماء أعمالك النحتية الملونة، نجد أن كثيرًا منها يحمل معانى رومانسية، أحلام، عناق، تلاقي، إلخ، والبعض الآخر يعكس معاني أو قيمًا اجتماعية، عدالة.. إلخ، وبعضها يتعلق بحيرة الإنسان موقفه من الحياة، كمفترق طرق،  ازدواج، البحث عن طريق، انزلاق.. إلخ فما رؤيتك الفنية التي تعكسها أعمالك الفنية ككل، أو يمكن أن يتميز بها كل معرض من معارضك الفنية؟
إن المجتمع الذي نعيش فيه يتضمن العديد من المعاني الإنسانية، قد يكون بعضها رومانسية، وبعضها يتعلق بحيرة الإنسان، وموقفه واختياراته في الحياة، وبعضها يتعلق بقيم اجتماعية، ونظرًا لطبيعة الفنان ومعايشته للبيئة من حوله وتأثره بها نجد أن الفنان مندفعًا إلى التعبير عن رؤيته الفنية اتجاه كل هذه المعاني التي قد تتناقض فيما بينها في بعض الأحيان، فالفنان يؤثر في البيئة من حوله، ويتأثر بها، ويتفاعل معها، ولا يمكنه أن ينعزل عنها، ومن هنا تشغله كافة الأسئلة والمحاور المتعلقة بالإنسان وموقفه من الحياة والبيئة من حوله.
وإلى جانب تلك الرؤية العامة هناك رؤى جزئية لكل معرض على حدة كفرع من الرؤية الكلية، وعلى سبيل المثال معرض: تراكيب نحتية ملونة من وجه فتاة الذي لاقى رواجًا وإقبالا جماهيريًّا أن التعبير الأساسي في التراكيب هو تحول من رؤية "شكل البورتريه" إلى إبداع العمل النحتي "البورتريه"، والتي تجسدت في التخلي كلية عن المفاهيم التقليدية للبورتريه، وانحصرت في إبداع نماذج جديدة مستمدة من الطبيعة، ليست بهدف نقلها أو تقليدها، إنما تتخطى هذا بتجنبها للمدى التشكيلي التقليدي واستخدام وسائل تشكيلية جديدة، مثل الخطوط، والزوايا، وتراكم السطوح، والفراغ واللون التي بفضلها جُعلت العلاقة بين الأشكال قابلة للإدراك دون الاستعانة بأية ظاهرة تشكيلية تقليدية، من أجل تحقيق الأهداف الفنية، عن طريق جعل الشكل الطبيعي "وجه فتاة" شيئًا فنيًّا.
وكمثال آخر معرض: رسومات نحتية في الفراغ، فهو محاولة لإنتاج أعمال نحتية من الخط والفراغ ترتبط بالشكل النحتي المعبر عن الانفعالات الذاتية التي تصل إلى حد البساطة والاكتمال، وتجسد رؤيتي الفنية وتلتقي مع المتلقي الواعي، ويظهر فيه دور الفراغ في إنتاج الأعمال النحتية، ويبرز من خلال الشكل المغلق والشكل المفتوح.
وهو الأمر ذاته في بقية المعارض، فلا يمكن القول إنني أتبع اتجاه فني محدد، ولكنني أتعامل مع الشكل النحتي الملون، بنوعيه التمثيلي (موضوعي أو تشخيصي)، وهو الفن الذي يمثل إنسان أو طائر أو حيوان أو نبات كما في معرض " جدليات اللون في التشكيل المجسم – طيور مصرية ملونة" حيث إحدى محاولاتي لاستنباط المعاني الإنسانية التي أطمع في التوصل إليها من خلال الرؤية الفنية لشكل الطائر، والتي قد تكون مألوفة بصريًّا بالنسبة للمشاهد، ولكنها هنا تحمل معاني إنسانية متعددة، أترك لذاتية رؤية المشاهد فرصة إثرائها حين تجتاحه فتحللها مراياه الداخلية بقدر درجة صفائها الإنساني العامر بالألوان في شفافية تداخلاتها الجدلية.
       وكذلك النحت اللاتمثيلي (اللاموضوعي أو اللاتشخيصي) الذي لا يمثل أشكالا تمثيلية أو تشخصية أو موضوعية، كما في معرض:  "ثقوب في النحت الملون"، وأحيانًا كنت أجمع بين النوعين في معرض واحد، كمعرض: توازن الرؤى بين الانغلاق والانطلاق فراغيًّا في النحت الملون وغيرها مما لا يتسع المجال للتحدث عنها باستضافة.
والآن نعود إلى البدايات: هل اتجهت إلى فن النحت منذ البداية، أم لك بدايات مع فن التصوير الزيتي، وهل تمارسه الآن؟
في البداية كان اهتمامي بفن النحت وفن التصوير الزيتي معًا، وكنت دائمًا أشارك في معارض فنية عديدة، في هذين المجالين، وذلك منذ عام 1977، غير أنني وجدت أن النحت الملون، هو علاقة تربط بين فن التصوير الزيتي وفن النحت، من حيث استخدام اللون في التشكيلات النحتية الملونة، ومن هنا كان اهتمامي الأكبر بفن النحت الملون، وقليلا ما استخدم فن التصوير الزيتي.
من المعروف أن السنوات الأولى من حياة الفنان تؤثر في عمله الفني، ما المؤثرات الأولى في حياتك التي جعلتك تتجه لفن النحت دون غيره؟
منذ طفولتي كان والدي شاعرًا رحمه الله، دائمًا كان يصحبني إلى المتحف المصري، وكنت أشاهد دائمًا في المتحف المصري القديم تمثال "رع حتب"، وزوجته "نفرت" – الدولة القديمة- وهو من خامة الحجر الجيري، وهو ملون، وكنت أنبهر به وأتساءل دائمًا لماذا استخدم الفنان أو النحات المصري القديم اللون في بعض الأعمال النحتية، وفي ذلك الوقت لم أكن أجد إجابة، وظل التساؤل عن استخدام اللون في النحت يشغلني إلى أن قمت بعمل رسالة الماجستير، وكان عنوانها: توظيف اللون في النحت الحديث عام 1985م، وأثناء بحثي في إعداد الرسالة وجدت أن الفنان المصري القديم كان يستخدم اللون في حاكاة الواقع، ومع ذلك فإنني لم أتأثر في أعمالي النحتية بتوظيفات الفن المصري القديم للون سواء كان استخدامه بهدف محاكاة للوقع أو استخدامه بهدف رمزي.
وأعتقد أن نشأتي في أسرة فنية تمارس الإبداع كان من عوامل اتجاهي للفن عامة، فقد كان عمي رحمه لله خريج فنون جميلة قسم حر، وكان يدفعني إلى الفن عن طريق عمل مسابقات بيني وبين أخي الأكبر في رسم بعض الصور، ومنها صور لميدان التحرير بالقاهرة وهو مكتظ بالناس وبالباعة، وكنت حين ذاك في المرحلة الابتدائية، وكان أخي يتفوق عليّ لكبر سنه، وحينما اتجه أخي إلى الشعر، لم يكن لي منافسًا في تلك المسابقات التي كان يعقدها عمي لي.
وفي المرحلة التالية كان يبهرني ابن عمي بأعماله في فن التصوير الزيتي، وحبه للفن، ولكنني فؤجئت بدراسته للطب، وعمل دراسات عليا به، إلا أنه عاد بعد ذلك إلى ممارسة الفن مرة أخرى، وعمل معارض تشكيلية مميزة، وهو الفنان د/ أحمد الحسيني.
وحينما حصلت على الثانوية العامة، فوجئت بأسرتي تدفعني إلى الالتحاق بكلية التربية الفنية نظرًا لموهنتي الفنية بالإضافة إلى أنه لم يكن أحد بالأسرة قد درس الفن دراسة أكاديمية، وقد كان ذلك حلمي الذي تحقق.
هل يؤثر مكان العرض في تلقي العمل الفني بصورة عامة، والنحت خاصة؟ وهل شعرت يومًا ما أن صالة العرض امتصت من قيمة أعمالك النحتية؟
بالتأكيد مكان العرض يؤثر على رؤية العمل الفني من حيث الإضاءة المسلطة على العمل النحتي التي تساعد على إبراز الشكل، ومن حيث مكان العرض نفسه فهو يؤثر على رؤية العمل النحتي، فلا يمكننا أن نرى العمل النحتي إلا من خلال البيئة المحيطة به بحيث يجب أن يُرى من جميع الزوايا، وكذلك الألوان بمكان العرض فماذا لو وضعنا تمثال أخضر اللون وسط حديقة.
فعند وضع تمثال ملون وسط أعمال نحتية أخرى فإنه يشد انتباه المشاهد، ويلتفت إليه منذ الوهلة الأولى، وعند اختياري لقاعة العرض أحاول قدر الإمكان تنظيم الأعمال لتحقيق سميفونية لونية تجذب المشاهد إلى هذه الأعمال ورؤيتها من زوايا متعددة لتحقق الفلسفة والرؤية التي أسعى لإبرازها في الأعمال النحتية.

لماذا في رأيك يعاني الفنانين التشكيليين في الوطن العربي والنحاتين خاصة من انفصال الجمهور عنهم؟ وما اقتراحاتك لتخطى هذه المعضلة؟
نلاحظ دائمًا أن جمهور معارض الفن التشكيلي، والنحت بصفة خاصة، قليلة العدد، مما يعني كما تقولين انفصال الجمهور في الوطن العربي عن الفنان التشكيلي بصفة عامة والنحات بصفة خاصة، وذلك بالرغم من جهود بعض المؤسسات في الوطن العربي في مجال الفن التشكيلي، حيث نجد أن الفنان يقدم رؤيته الفنية في مجال النحت ليرتقي بالجمهور، في حين أن الجمهور عندما يدخل القاعة وفي ذهنه رؤية متوقعة مختلفة عما يراه فيصطدم بالمعرض، ومن هنا تأتي الفجوة من الجمهور والفنان، فإذا ما أضفنا إلى ذلك أن الدعاية المصاحبة للمعرض، قليلة وسطحية في أغلب الأحيان، وكذلك نجد أن تغطيات وسائل الإعلام الخاصة بالفن التشكيلي قليلة، وغالبًا لا تتعدى الأخبار أو العروض القصيرة التي ترى الأعمال من السطح، فقط، وبالطبع هناك بعض النقاد التشكيليين ولكنهم قليلو العدد، وتتضح الفجوة خاصة عندما ننظر بعين المتفحص إلى المناهج التعليمية في المراحل الأولية ما قبل الجامعة، فنجد أنها لا تهتم بالفن التشكيلي، وإذا وجدت تقتصر على معلومات عن الفنان، وليس بها أي تفاصيل عن المدارس الفنية في الفن التشكيلي أو النحت، أو نماذج من الأعمال الفنية والنحتية، وأنها مناهج لا تسعى لتنمية التذوق الفني والرؤية الجمالية لدى الطلاب
نجد أن كل ذلك من عوامل انفصال الجمهور عن الفن التشكيلي والنحت خاصة، كي نتجاوز تلك المعضلة علينا إعادة النظر أولا في المناهج التعليمية، مما يجعلها مناهج تنمي الرؤية الجمالية لدى الطالب، وعدم التعامل مع مادة التربية الفنية كأنشطة، ولكن كمادة أساسية تنمو عبر السنوات وتسمح للموهوبين من الطلاب للالتحاق بالكليات الفنية، وكذلك التركيز على المسابقات الفنية بأشكالها المختلفة، وتخصيص درجات من درجات التقويم للطالب في رؤيته للنماذج الفنية التي يدرسها.
هذا من جانب، ومن جانب آخر يجب الاهتمام بعمل أفلام عن الفن التشكيلي والنحت، وزيادة البرامج الفنية بوسائل الإعلام، برامج تنمي قدرة المتلقي على تذوق الفنون.
وتخصيص مجال أكبر للفنون في الجرائد المجلات بحيث تتجاوز العروض السطحية إلى التعمق في آليات تذوق المعرض، فتكون مدخلا يمكن أن ينميه المتللقي عند مشاهدته المعرض.
وعلى دور العرض وصالاتها الاهتمام بالدعاية، ووصولها للجماهير، بطريقة جذابة وممتعة تجعل المشاهد يتجه إلى المعرض.