2014/09/15

أزمة الثقافة !!! بقلم: د.محمد مبارك البندارى



أزمة الثقافة  !!!

بقلم د / محمد مبارك البندارى
 حينمَا نقرأ إبداعات الأدباء ونغشى ملتقيات المُثقفين ، وتصافحُ أعيننَا تعليقات المغرِّدين وإبداعَاتِهم على صَفَحَاتِ التَّواصل الاجتمَاعىّ ، ونستمعُ للمسؤولينَ ونتابعُ المتحاورينَ تجدناَ نشعرُ بضيقٍ في التَّنفسِ ؛ لأَنَّهم يكرِّسُون في وجداننَا أنَّنا في أزمةٍ ، بل نحنُ الأزمة ذاتهَا ، وكنَّا نُعانِى مِنْ أزمةِ الثقافةِ والمثقفِ قبلَ الثورةِ ، وأصْبحنَا نُعانِى من أزمَة الثقافةِ المتخلفةِ ، التى سطت على فكرنا وثقافتنا المُترَهلة عُنوة ، وكأنَّ قدَرنا أنْ نكونَ كذلك فنُصبح ونُمسى على عبَارات : أزمَة الثقافة ،أزمة المثقف ،  أزمَة الاقتصاد ، أزمَة البطالة ، أزمَة البنزين ، أزمة الكهرباء ..... إلخ ،
وكأَنى بسائلٍ يسأل : ما المعيار الذى نَعلم به أَن ثقافةً ما قد دبَّ فيها خلل في موضع من نسيجها  ، أو في أكثر  من موضع ؟ .
إِنّ هذا المعيار المنشود بَسيط وواضح أَشد ما تكون معايير الظَّواهر بِبساطةٍ ووضوحٍ ،  أَلا وهو مدى لياقته لظروف الحياة القائمة !
ومعنَى الّلياقة هنا هو  القدرة على تسخير الأَشياء والمواقف والأَحداث تسخيراً يجعلهَا مطية لنا
نبلغ بها منازل العلم والقوة والثَّراء والكرامة والحرية ...إِلى آخر  تلك الغايات التى ينشدها كل إِنسان معافى ، ولاَ يَغفل عن طَلبها إلا إنسان مريض ،  فثقافة الفرد من الناس أو الشعب من الشعوب أو العصر من العصور إِنما يراد  لها أن تكون أداة لبلوغ ما كان في المستطاع بلوغه من درجات الصعود  فإذا وجدت إنسانًا تتعثَّر خُطاه ويأْخذه اضطراب وربكة إذ هو في موقف معين ، فاعلم أَنَّ ثقافته الَّتى تراكمت فيه قطرتها قطرة قطرة من حيث يدرى ولا يدرى !!!  لم تكن هى الثَّقافة التّى تعد صاحبها  لمثل ذلك الموقف ،  فثقافة الفرد من النَّاس أَو الشّعب من الشّعوب هى كالدفة من السفينة إِذا غابت فقد تسبح السفينة على سَطح الماء كما يشاء لها تيار الماء واتّجاه الرّيح ،  وليس كما يشاء لها صَاحبها وراكبها وإِنها لصورةٌ مأْلوفة لنا نتفكهُ بها في أَحاديثنا .

إِذن علامة الثقافة الصحيحة هى قدرتها على أن تكون أَداة لحياة قوية مزدهرة قادرة على أن تكون لها الهيمنة في الظروف المحيطة بها وبهذه الدرجة نفسها من الوضوح .



,والسؤال المهم هل كل هذه الأزمات التى نعيشها رجع لأنيين وصرخة لمعاناة وألم لشكوى حقيقية ؟
للأسف الشديد كل الذين يتحدثون عن الأزمة – بدءاً من وزير الثقافة الذى يدعى التنوير وأدباء الأقاليم - هم من الأيفاع الخلصاء الذين لا يمكن أن نزايد على رغبتهم في المشاركة في عملية الإقلاع الحضارى الذى تنشده الثورة فى القرن الواحد والعشرين   ؛ بيد أَنهم يغلبون مصالحهم الشخصية وأيدلوجيتها المخصوصة  ممّا يُؤدّى إلى تكريس ثقافة مأزومةٍ !!!
 فبعضهم يريد التّشخيص والتّحذير من تياراتٍ فكريةٍ تُخدّر المجتمع صباح مساء  ، ممَّا يتسبَّب في غشيان المجتمع  في حالة من التبرم والقلق  ، وتُصبح أَفكارنَا كطرائد البؤساء ، مكبلة بصرعى الإحباطات ،  وحينها تكون الجريرة أننا قتلنا لدينا الطموح  ، وذهلنا عن الغاية المنشودة فلا نشاط على سعى ولا سير على مبدأ ولا قراءة تأملية على ارتجاف ...
إن ثقافة الأزمة خلقت لنا أزمة الثقافة فتشكل لدينا قاموس لمفردات السّخط الحاقد ،  والنَّقد اللاذع والتعريض الممض والزراية الساخرة  على كل منبر ومن كل لسان وفى أى موقع ووسط أى شريحة مجتمعية ، سخرية سياسية واجتماعية وثقافية ، وتكاد تصل إلى الثوابت أحياناً ، بل ربما  ثوابت الدين والأخلاق  .
وإلا فأين الثقافة العربية الشرقية ، وأين المزاج العقلى الصحيح للأمة العربية  ، وما هذا الذى نحن فيه من ثقافة  لا شرقية ولا غربية- داخل وزارة الثقافة - ؛  ثم أين المثقفون الذين لا يساومون بمنصب أو مال ، ولا يطلبون بالإصلاح غرضاً من أغراض الدنيا أو باطلا من زخرفها  ، ثم أين أولئك الذين تجعلهم مبادئهم العالية القوية أولى ضحاياها ، وتروى  منهم عرق الثرى الذى يغتذى من بقايا الأجداد لينبت منه الأحقاد ؟
نعم إن ثقافة الأَزمة لم تنشأْ من عدم وإنما كرَّستها سنوات من المعاناة والترنح في ظل قيادة غير مثقفة وغياب واضح للخطط المستقبلية  - في ظلّ ترأس فاروق حسنى وزارة الثقافة حقبة من الزّمن في مِصرنَا الْحبيبة -   فجاءت مترهلة مهتزة  كباقى مؤسسات الدولة ، ونحن لا نطالب بالإصلاح الإدارى في وزارة الثقافة فهذا متروك للوزير ورؤساء الهيئات والمجالس بالوزارة ، بيد أننا نطالب بعدم تأزيم الأزمة  .
والثقافة العربية الممتدة جذورها في القدم قبل مجئ الإسلام بقرنين تقريباً   تمتاز عن بقية الثقافات الأخرى بأنهَا مصدرُ حريَّة الشُّعوب والأُمم من الخرافات والوثنيات والعصبيات، وقد مثَّل ذلك الشعر العربى الجاهلى كشعر زهير بن أبى سلمى ، وعنترة ، ودريد ابن الصمة .... إلخ ، وما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وما قامت من علوم حضارية حول رحى القرآن ...  وهذه الثقافة هى الطريق الوحيد إلى إيقاظ الروح الأصلية والوعى والوجدان وتحرير العقل والنفس كنظام للمجتمع ومنهج للحياة تجمع بين العقل والقلب والجسم والروح والدين والعلم ، والمادة والمعنى والشكل والمضمون والجوهر والمظهر والدنيا والآخرة .

وبعد هذا فانظر إلى الثقافة العربية كما هى قائمة اليوم بعد ثوراتنا كم فيها من قضبان الحديد فوق رؤوسنا ،  ومن قيود في الأرجل وأغلال في الأيدى  ؛ بحيث تسير الدنيا من حولنا ولا نَسير بل رجعنا القهقرى ، كنا نعانى من بعض الترهلات في الثقافة فأصبحنا نعانى الانهيار ؛ لأنّ الثقافة لا تنمو إلا في بيئةٍ مستقرةٍ خصبةٍ ، وقديما قيل لأحد الشعراء لماذا تركت الأدب فقال :
قالوا تركت الشعر قلت ضرورة ..... باب الدوافع والدواعى مغلق
خلت البلاد فلا جواد يرتجى    ....  منه المنال  ولا مليح يعشق
وأصبحنا نستورد ثقافتنا كما نستورد ملابسنا وطعامنا ، دون مراعاة لخصوصية هذه الثقافة الوافدة ، والثقافة السائدة ، نتسول من موائد الغرب ، ونلتقط  ما سقط منهم ، ونسميه تنويرا ، وهو تزوير لخصوصية ثقافتنا  في حقيقة الأمر ، لأن معنى التنوير هو طلب النور ، والنور الحقيقى هو القرآن المبين ، ويجلى معانيه الموروث الثقافى من الأدب العربى ويساعد على فهم بلاغته ومعانيه .
والذى أراه أن نهضة مصر الثقافية لا تعتبر قائمة على أساس وطيد إلا إذا نهض بها الركنان الخالدان : الدين الإسلامى ، واللغة العربية ، وما عداهما فعسى أن لا تكون له قيمة في حكم الزمن   الذى لا يقطع بحكمه على شئ إلا بشاهدين من المبدإ والنهاية .
  فهل لنا أن نزيل تلك  العوائق من حياتنا الثقافية  ، لأنها في الأساس من قبيل الفروض التى افترضها السابقون استجابة لظروفهم التى كانوا يعيشون فيها ، وكان لهم الحق كاملًا  ، فما الذى يلزمنا نحن بفروض افترضها آخرون لزمن آخر،  أليس لنا مثل ذلك الحق كاملًا في أنْ ننسج لأنفسنا عريشة جديدة من تعريفاتٍ حديثة للمعانى وللقيم وللمبادئ وللثورات القائمة   فنستجيب بها استجابة صحية لحياة جديدة  وثقافة مديدة ؟!!!!