2014/09/16

تنامى مفسدى الإبداع بقلم: د. محمد مبارك البندارى




تنامى مفسدى  الإبداع
 بقلم: د. محمد مبارك البندارى

في الآونة الأخيرة تصدى المجتمع  لمجموعة من الأفلام ؛ ووقف لها بالمرصاد عبر قنواته المختلفة ؛ لأنّ مثل هذه الأفلام خير دليل على الانحطاط الأخلاقى  الذى وصل إليه الفنّ المصرى  ، والغريب أن  الرقابة الفنية ليس لها مهمة شاقة إلا مراقبة الكتب ومنعها ، وأما الأشرطة التى تحمل كلماتها كل كلمات الانحطاط والاستخفاف بالذوق العام مثل " بحبك يا حمار " و " هز يا وز "  ، ومثل هذه الأفلام التى تتكئ على صورة المرأة وإبراز مفاتنها ،   تجيزها وترخّص لتسويقها بدعوى " حرية الإبداع " .

لقد أصبحت النذالة والخسة والانحطاط الأخلاقى والإساءة للمؤسسات الدينية هى ثروة الفن المصرى ، وموهبة بعض الفنانين ، بل هى شعارات كتبت على أفلامهم  وأعمالهم .
ثمّت أَن يكون الإنسان  فاضِحاً لهذا الانحطاطِ الأخلاقىّ ولهذه النَّذالة والخسّة ليس معجزة بل المعجزة في الاندهاش ، أن يكون ذلك الإنسَان صَانع الخسة والنذالة والإسفاف الأخلاقى  يعيش في وهمِ الإبداع ويدافع بكل ما أوتى عن الباطل ، ولا يرى الفواحش إلا إبداعاً ، ولا يستسيغُ غير هذه الخسَّة والنَّذالة ، في حين أن المجتمع يرى ذلك انحطاطاً أخلاقيّاً ، وقد شكَّل الآباء والأجداد في المجتمع المصرىّ أنواع العبقرية في الأخلاقِ والمثلِ والالتزامِ  بالعاداتِ والتقاليدِ والأَدب المحترم في قولِ الحق .
حقًّا إنهم الخالدون في قاعِ الرذيلة ...  والخسّة هى أخلاقهم ، ومن الحسن أنّ المجتمع بدء يكشف أوراقهم وشخصياتهم التى تسعى لتحقيق مصالحها ومنافعها الشخصية عن طريق الرذيلة والنذالة والخسة ...
رغم أن المفروض أن يتميز الفنّان برهافة الحسّ ، والحسَاسية المفرطة ؛ لأنها تدل على صدق انفعاله ، ومن كانت هذه خليقته فليس " برجوازيا "  سطحىّ التفكير ، رَدئ الإبداع ، ميَّت الحسّ ؛ وإنّما هو فنان بمعنى الكلمة .
والفنّ قمة التفوق والعبقرية ، فإذا جاء الحقّ " عمل العقل " ،  والخير " ما ينبغى أن يكون " بوجهٍ فنى فذلك قمة الفن في المنطق والأخلاق ، فإذا أضفنا إلى ذلك جماليات الخيال ، واللغة والعاطفة ، فقد جمعنا  القيم الثلاث : الحقّ ، والخير ، والجمال ، وذلك قمة العبقرية ، وإظهار ذلك من خلال تقنيات الصورة الإشهارية "التلفاز والسينما " .
ومن المفترض أن يكون مرهف الحس " أى الفنان " متمتعاً أكثر من غيره بآيات الجمال ، ومتع الحياة .
  وأما هذه الفئة من أشباه الرجال ، وأشباه المثقفين فليسوا بفنانين ، بل مفسدين  يريدون أن يخرسوا كل من يكشف فسادهم المهنى والأخلاقى ، فهم لا يؤمنون إلا بفكرة واحدة هى : " نشر الرذيلة " ( فعل الغوغائية )  .. في كل عمل مرئى أو مسموع يفعلون ذلك بهدف نشر صورهم وكلامهم في الصحافة ، والحصول على أرباح طائة من وراء عامل الجذب والمثير " اللاأخلاقى " لشريحة كبيرة  في المجتمع  " شريحة الشباب " .
الويل لهم من المجتمع المصرى ، الذى سوف يسود التاريخ صفحاتهم السيئة ، وسيقف المثقفون لهم  بالمرصاد ، ليعيدوا  الحق لنصابه ويحموا المجتمع من أوهامهم وخيالاتهم الواهنة ، ولن يصمت العلماء ، ولن يغفل المجتمع كله  عنهم .

  وهذا الجيل من الشباب يجب حمايته من نفسه ، ثم حمايته من تحديات المرحلة الراهنة ، ثم حمايته من الانجراف وراء هذا الانحطاط ...,. ماذا يعنى الالفيلم الملئ بالبذاءات اللفظية والمرئية البكاء على فيلم ملئ بالبذاءات  وانحطاط الصورة الإشهارية ؟
إنّ السخرية المتعمدة في الإعلام المرئى من العلماء والمثقفين  عن طريق بعض ما يتصل بهم  كملبسهم ، أوسميّة كتبهم  ، ليست وليدة اليوم ، فقد عرضت في ستينيات القرن الماضى مسرحيات كثيرة كانت السخرية فيها منصبّة على رجل مثقف يلبس زيا غريبا  ، ووقف بعض العلماء لهذا الهراء حتى غاب المشهد من على خشبة المسرح ، وظلّه باق في عقول بعض الناس من المستغربين والمفسدين والمخربين .
أليست   هى دليل على التراجع الإبداعى الذى تعيشه الأمّة ، ودليل – أيضا – على انحطاط ذوق الشارع المصرى الذى يُقبل على هذه الأفلام ، وفى هذا دليل ضمنىّ على قبوله لهذا الانحطاط ؟
ماذا جرى للإبداع في مصر ؟
حين  يقبل الشباب على هذا الاسفاف " المرئى والمسموع "  ، أين عقلاء وكبار رجال ونساء الإبداع الحقيقى حتى يصمتوا عن هذا الانحطاط ، الذى يسئ لنا جميعا ، لا أخفيكم سرا أننى عندما أسافر إلى البلدان العربية أشعر بالخجل عندما يذاع مثل هذه الأفلام في القنوات ؛لأنهم ينظرون إلينا نظرة ريبة وشك ، وأقول في نفسى ربما معذرتهم أنهم يشاهدون هذه الأفلام  السيئة .
        وفى حقيقة الأمر لو سكتنا على هذا الهراء لظهر الأسوء ، وترحمنا على : بحبك يا حمار ... وكمن ننه ، والدح دح بو .... إلخ ، وعلى الأفلام التى تظهر الزانى وشارب الخمر في صورة العاشق المسكين الذى يتعاطف معه المجتمع ، وعلى الرعب المخيف الذى يدمر الأبناء ...والذى يجسد تدهور الأوضاع العربية ويا أمان الخائفين .   

   لا أعرف  كيف غفل أو تغافل أو تغابى المنتج والمخرج عن هذه البذاءات بدعوى أن  هذا واقع المجتمع ، وهذه تقنيات " الإبداع " ، إن النص الإيمانى يحتوى على تشريع منظم ومتكامل في الفكر الاجتماعى والدينى ، فمثل هذه الآراء تدفع بعض الشباب  بنزعة شيطانية أكثر من النزوع الأخلاقى ، فتتحول سلطة الإبداع إلى جريمة توقع بالمجتمع ، فعندما يقتنع بعض الشباب بهذه المشاهد ، فيسعون إلى تحقيقها وتطبيقها على الواقع ، وهذا ما رفع سقف الانحطاط الأخلاقى في المجتمع ومعدل الجريمة .
إن أعظم أداة لتحطيم الأمة خلخلت فكرها وانتكاس منطقها ،  فهل القضية هى أن تقول الرقابة  : لا ... أو نعم ... لهذه الأعمال ؟
لا ... طبعا.. . لأننا نريد من البداية ألا يصنع مثل هذا ، ولذا فإننا نتسائل كيف وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المؤسف ؟ ولا بد أن نصغى باهتمام كبير لأى صوت مرتفع أو منخفض يلعلع ويجلجل في المجتمع ، ولا سيما لو كان مصدره الأزهر الشريف .

حتى لا يسمع ذلك الصوت غيره من الأصوات المتشنجة ، ولا بد وأن نجدد السؤال مرة أخرى : ماذا حدث لكل هذا ؟ لا بد وأن يعلم الجميع أن هذا الصوت الذى خرج من الأزهر منخفضا ثم ارتفع  يدل على أن شيئا ما خطأ قد حدث ، وهو بالطبع ضد طبائع الأمور ، وضد الطبيعة الإنسانية ،  حتى لا يستيقظ المجتمع بعده على الانهيار الأخلاقى ، وهو الحصن الحصين لهذا المجتمع ، وبانهياره ينهار المجتمع .
نعم : لا بد أن يبرر كل صوت وجوده ، وارتفاع الصوت يعنى الشكوى وطلب التغير ، والثوابت لا تتغير في قيمنا ومبادئنا الإسلامية ، ويجب فجأة أن تكون هناك معركة أو قضية معلقة يجب البت فيها ، " قضية الإبداع وضوابطه " ... لأنه قد يكون الفلم وحشا صنعه  المؤلف ، وعليه ألا يتصور أنه يصنع وحشا يهدد به الخصوم ، ولا ينقضّ عليه في يوم من الأيام ، فقد يكون المبدع مقاوما للرذيلةِ ، وحدث له بعض  الأخطاء عند تفسير الحوادث ، فيقوّم من أهل الفكر والدراية بالمجتمع بأن يزيلوا تلك الألغام لحماية من وضعوها أولا ،  ومجتمعهم ثانيا ؛  لئلا يسهو أحدهم فيضع قدمه على لغم يودى بحياته ، وما أكثر الذين أودى العنف الفكرى بحياتهم ... فضلا عن العذاب الأليم الذى ينتظرهم في الآخرة " إنَّ الذينَ يُحبونَ أنْ تشيعَ الفَاحشةُ فِي الذين آمنُوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدُّنيا والآخرة والله يعلمُ وأنتم لاَ تَعلمُون " ( النور / 19) .

وفى النهاية نقرر أن مزيّة ثقافتنا أنها ملتزمة ، ولا يعنى ذلك الانطواء وترديد تراثِ الماضى ، وغلق الأبواب على الجديد ، وإنما الالتزام الذى أعنيه ، أن ثقافتنا تحكمها ثوابت ، ليست عائقا لهاومعطلة ، وإنما هى حماية من الانزلاق وراء تيارات ضررها أكثر من نفعها .
  والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض وساعة العرض ، وأثناء العرض .

ليست هناك تعليقات: