2014/09/26

جريمة في المترو.. قصة بقلم: محمد نجيب مطر



جريمة في المترو 
محمد نجيب مطر
رآه أحد رجال الشرطة السريين وهو يدخل إلى محطة المترو مسرعاً، يحاول إخفاء شئ ما تحت الجاكتة التي يحملها على يده، العرق الغزير ينضح من وجنتيه واللون الأحمر يكسي محياه، دقق الشرطي فيما يحاول اخفاءه، شئ ما شكله مستطيل بحجم البطارية ولكنه أقل ارتفاعاً، لونه أزرق، لا يظهر من شكله سوى الجزء السفلي.
الرجل شكله مريب، فكيف يرتدي بدلة في هذا الجو الحار، ربما هو محامي قادم من المحكمة، ولكن أين تلك المحكمة التي تعمل للثانية عشر مساء؟ ولماذا يحمل الجاكت على يده و لا يرتديه؟ وفيم اضطرابه وحرصه على اخفاء الشئ كلما انحسر قماش الجاكت عنه.
جلس الرجل في انتظار المترو وعيون الشرطي تتابعه، ظل جالساً حتى سمع صوت التحذير قبل اغلاق الأبواب فانفلت في سرعة واتجه إلى المترو وركبه، تعجب الشرطي من الأمر، لماذا لم يركب إلا في اللحظة الأخيرة وكان لديه الوقت الكافي للركوب.
ربما يحمل قنبلة، عندما لمعت تلك الفكرة في عقله استيقظت كل حواسه، فانتفض واقفاً وحاول أن يوقف القطار ولكن الوقت لم يسعفه، قنبله في المترو تلك مصيبة ومأساة لا يمكن التكهن بحدودها.
أسرع إلى رئيسه الذي كان في دورة المياه فاضطر لانتظاره، ثم أخبره بالأمر فلم يفهم منه شئ سوى أن رجل في عربة المترو يحمل قنبلة بحجم بطارية السيارة ولونها أزرق فسفوري يضئ ويطفئ، يحاول أخفاء القنبلة بجاكت البلدة الأزرق، فوجه إليه الشتائم واللوم والتقريع، لماذا لم تستوقفه وتتأكد مما معه؟ لماذا انتظرت حتى صعد للمترو؟
اتصل الضابط بزملائه في المحطات التالية وسألهم عن القطار فأخبروه أن القطار المطلوب على وشك الدخول إلى محطة العتبة، فأخبر رؤساءه بالأمر وصدرت التعليمات بمتابعة الرجل دون أن يدري وعدم استفزازه بأي شكل، وإطلاق النار عليه فوراً إذا بادر بأي حركة تدل على محاولة لتفجير القنبلة.
لم يكن هناك وقت لإخلاء محطة العتبة فهي دائما تكتظ بالمسافرين وخصوصاً في هذا الوقت من الليل حيث يعود الناس إلى بيوتهم، صدرت  التعليمات بأوصاف المشتبه فيه رجل أصلع الرأس تقريباً، الشيب يغزو لحيته الصغيرة وما تبقى من شعر رأسه، وجهه أبيض يميل إلى الحمرة، عيناه منجاويتا اللون، يرتجي بدلة رزقاء وكرافتة من نفس اللون، خطواته قصيرة لكنها متتابعة سريعة، يحمل جاكته على يده يحاول أن يخفي به شيئاً يشبه الصندوق الصغير، عليهم أن يتتبعوه ويحيطوا به من كل جانب، والقبض عليه في سرعة وشله عن القيام بأي حركة.
شاهده أفراد الشرطة الخاصة التي استدعيت على عجل إلى محطة العتبة وهو يندمج بحرفية داخل الكتل البشرية الصماء التي لا تترك مجالاً لأي اختراق، يستحث الخطى لا يلوي على شئ، تتبعوه وبالكاد نجحوا في ركوب المترو معه في نفس العربة.
أخيراً وصلوا إلى الرجل وأحاطوا به من كل جانب، في اللحظة التي توقف فيها القطار في محطة السادات على غير العادة، انقضوا عليه وسحبوه إلى الخارج في لحظات، وانطلق القطار سريعاً بركابه حسب الأوامر.
كانت القيادات الأمنية تعيش لحظات عصيبة في انتظار ما تسفر عنه العملية، بوغت الرجل وفغر فاه من الدهشة، وهم يطرحونه أرضاً ثم يقيدونه من الخلف ويقتادونه إلى مكان مجهول، بينما اختطف أحدهم العلبة وجرى بها إلى مكان مؤمن حيث كان ينتظره خبراء المتفجرات.
فُتِحت العلبة في حذر وترقب عن بعد، اقترب الرجال منها في وجل، نظر بعضهم إلى بعض في تعجب وصدرت من أحدهم آهة .. بينما ابتسم الآخرون، مد أحدهم يده ورفع ذلك الشئ .. لقد كان درع الفوز في مسابقة أدبية في علبة قطيفة أنيقة.
عند سؤال الرجل أخبرهم أنه عائد من حفل توزيع الجوائز من مصر الجديدة وأنه حاول أن يخفى الجائزة عن أعين الناس خجلاً من الظن أنه يتباهى بما حقق على غير الحقيقة.

ليست هناك تعليقات: