2014/09/05

مـجلة بونة للبحوث والدراسات تـحتفي بـمهرجان الجنادرية في عددها الـمزدوج(11/12)



قراءة في أوراق ثقافية
مـجلة بونة للبحوث والدراسات  تـحتفي بـمهرجان الجنادرية في   عددها الـمزدوج(11/12)
                                بقـلم:محمد سيف الإسلام بوفـلاقـة
   دأبت مؤسسة   بونة للنشر والتوزيع بعنابة – على إصدار مجلة:« بونة للبحوث والدراسات»، وهي مجلة دورية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات التراثية والأدبية واللغوية، تصـدر مرتين في السنة ،ولعل أهم ما ميز العدد المزدوج   (11/12)من المجلة،هو الاحتفاء بمهرجان الجنادرية الذي ينعقد كل سنة يقرية الجنادرية،التي تقع بالشمال الشرقي لمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية،وهي قرية معروفة بأنها مصب لأودية،ومسيلات مائية عدة،وهي تبعد ب45كيلومتراً عن العاصمة الرياض،وأقيمت بها عدة منشآت،وأضحت تضم مجمعاً يمثل الكثير من المناطق التراثية بالمملكة العربية السعودية،كما ينظم بها كل عام سباق الهجن،وحينما يقام مهرجان الجنادرية كل سنة يتم استدعاء عدد كبير من المفكرين،والعلماء،والباحثين النابهين من مختلف دول العالم،للنقاش،والحوار في مختلف القضايا الفكرية التي تواجه العصر،كما تحفل الجنادرية بالكثير من النباتات،والرياض الغناء للتنزه،والاستراحة،والاستجمام.
  ومن أبرز أهداف هذا المهرجان،وفق تحديد اللجنة التنفيذية له :
1-  التأكيد على القيم الدينية والاجتماعية التي تمتد جذورها في أعماق التاريخ لتصور البطولات الإسلامية لاسترجاع العادات و التقاليد الحميدة التي حث عليها الدين الإسلامي الحنيف.
2-  إيجاد صيغة للتلاحم بين الموروث الشعبي بجميع جوانبه وبين الإنجازات الحضارية التي تعيشها المملكة العربية السعودية والعمل على إزالة الحواجز الوهمية بين الإبداع الأدبي والفني وبين الموروث الشعبي.
3-  تشجيع اكتشاف التراث الشعبي وبلورته بالصياغة و التوظيف في أعمال أدبية وفنية ناجحة.
4-  الحث على الاهتمام بالتراث الشعبي ورعايته وصقله و التعهد بحفظه من الضياع وحمايته من الإهمال.
5-  العمل على صقل قيم الموروث الشعبي ليدفع برموزه إلى واجهة المخيلة الإبداعية ليكون في متناول المبدعين خيارات من موروثاتهم الفنية بألوان الفن و الأدب.
6-  تشجيع دراسة التراث للاستفادة من كنوز الإيجابيات كالصبر وتحمل المسؤولية ،والاعتماد على الذات لتدعيمها و البحث في وسائل الاستغلال الأمثل لمصادر البيئة المختلفة.
7-  رصد المتغيرات السريعة التي واكبت التقدم العلمي عالميا و محليا وأثر ذلك على الحياة الاجتماعية و الثقافية في المملكة العربية السعودية من خلال المعارض و الحرف التي توفر أسلوبا مميزا للمقارنة الموضوعية.
8-  العمل على التعريف بالموروث الشعبي بواسطة تمثيل الأدوار والاعتماد على المحسوس حتى تكون الصورة أوضح وأعمق، وإعطاء صورة حية عن الماضي بكل معانيه الثقافية و الفنية.
9-  تجديد تراثنا الثقافي والفكري الذي هو شاهد على أصالة هذه المنطقة ووفرة عطائها وخصوبة منبتها وعمقها الحضاري، فقد كانت المنطقة ولا زالت زاخرة بالأدب والأدباء وأئمة الدين ورواد الفكر و العلم وكانت مجالس ذويها عامرة بالشعر والشعراء والعلماء في شتى المجالات.  
    وقد كان رئيس تحرير مجلة بونة للبحوث والدراسات الدكتور سعد بوفلاقة،الأستاذ بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة عنابة أحد ضيوف هذا المهرجان العالمي،وحظي باستقبال الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود،ملك المملكة العربية السعودية،وهذا ما جعله يخصص افتتاحية العدد لهذا المهرجان،تحت عنوان:«مهرجان الجنادرية أهم مهرجان ثقافي في الوطن العربي»،وجاء فيها  :«    برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله  بن عبد العزيز آل سعود ، وعناية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، والدكتور عبد الرحمن بن سبيت السبيت ، واللجنة التحضيرية ، التي كان من أبرز عناصرها الأستاذ الدكتور حسن عبد الله آل خليل، رئيس تحرير مجلة الحرس الوطني ، ورئيس اللجنة الإعلامية للمهرجان ، وبحضور نخبة من الأساتذة والباحثين ، والعلماء و المفكرين ، ورجال الإعلام والثقافة من داخل المملكة العربية السعودية وخارجها ، افتتح خادم الحرمين الشريفين المهرجان الوطني الرابع و العشرين للثراث و الثقافة يوم الأربعاء السابع من شهر ربيع الأول 1430 هـ ، الموافق الرابع من شهر مارس 2009م  والذي ينظمه الحرس الوطني سنويا في الجنادرية بالمملكة العربية السعودية، وبدأ حفل الافتتاح  عشية بسباق الهجن السنوي الكبير بمشاركة عدد من دول مجلس التعاون الخليجي ، وقد بلغ عدد المتسابقين زهاء ستمائة متسابق ، أما الحفل الخطابي الكبير للمهرجان، فقد أقيم بعد صلاة العشاء  بالجنادرية،وتضمن إلقاء قصيدة شعرية متميزة بالفصحى للشاعر السعودي الخنذيذ عبد الله بن ادريس،و قصيدة  نبطية للشاعر اللواء خلف بن هذال ،إلى جانب تقديم أوبريت أو (ملحمة) جنادرية 24 ، بعنوان : "وطن الشموس" التي وضع كلماتها صاحب السمو الملكي الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن ، ولحنها الدكتور عبد الرب إدريس ، ومما جاء فيها :
 وين سرك ..يا كثيب الرمل .. يا سراب يرتعش
في ضلوع الرمل ..وش سر العطش ..للعطش..
اه ..احبك ..احبك حب ضاري..
يملك إحساسي وقراري ..
بين مهدي والنعش
انتي لو كنتي صحاري شابت عيوني ظما
ومات في صدري نخيل
وانتي لم كنت سحابة تعبر أطراف السما
انتهى صبرى الجميل
انا كنت في الظلما وحيد ..حطبي الفضا .. وجمري الجليد ..
والليل جارح ..وش اقول ..الله يسامح من دفني في الظلام
خبرني يا طاغي السمار ..من أي ارض يا ترى ..ومن أي دار ..’
أنا طين الأرض داري
والصحاري شرفتي
القمر والشمس داري و الخزامى زهرتي
كثر الله ألف خيرك ..يا وطنا و بارك الله ها لثرى
ما نسينا وين كنا وكيف صرنا في التقدم و الثرا
يا بو متعب وش نقول
يا عيسى عمرك يطول
احمد اللي بك حماني 
من أذى كل الفصول
أنا يالشعب السعودي
لا أضام ولا أضيم
يا بو خالد وش نقول
الغلا شرحه يطول
كلكم خير ومحبة
         وبهذه المناسبة استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في قصره بالرياض يوم السبت 10/03/1430هـ ،الموافق 07/03/2009م ضيوف المهرجان من العلماء الأدباء ،
و المفكرين، و رجال الإعلام و الثقافة، من داخل المملكة و خارجها ، كما استقبل ضيوف معرض الرياض الدولي للكتاب و المشاركين في فعالياته الثقافية ، و أقام على شرفهم  مأدبة غداء تكريما لرجالات الفكر و الثقافة ، نذكر منهم :
1-   العلاّمة السيد محمد حسن الامين من لبنان
2-   الدكتور رضوان السيد من لبنان
3-   الدكتور الطيب تيزيني من سوريا
4-   الدكتور سعد بوفلاقة من الجزائر
5-   الدكتور اياد جمال الدين من العراق
6-   الدكتور جمال سند السويدي من الإمارات العربية المتحدة
7-   الدكتور عبد الله إسحاق الفرحان من الأردن
8-   الدكتور أنيس صايغ من فلسطين
9-   الدكتور عبد الرحيم الأنصاري من قطر
10-    الدكتور عبد العزيز سعود البابطين من الكويت
11-    الدكتور محمد عبد الله من اليمن ،  
12-    الكاتب الصحفي عبد الحكيم قماز من الجزائر، و غيرهم .
    و قال خادم الحرمين الشريفين في كلمة ترحيبية بالضيوف:
«إخواني العلماء و الأدباء و المثقفين و الكتاب و الصحفيين.
أحييكم بتحية الإسلام وأرحب بكم في المملكة العربية السعودية خادمة الإسلام، و خادمة العرب ، و خادمة الإنسانية .
إ خواني انتم الآن في بلدكم و أرحب بكم  باسم شعب المملكة العربية السعودية وباسمي شخصيا ...و أتمنى لكم التوفيق و شكرا لكم» .
     وخلال الحفل ألقيت كلمة ضيوف مهرجان الجنادرية ألقاها نيابة عنهم الدكتور أسعد هرموش من الجمهورية اللبنانية، عبّر فيها باسمه و نيابة عن زملائه ضيوف المهرجان عن شكره و تقديره لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله  بن عبد العزيز آل سعود على حسن الاستقبال وكرم الضيافة خلال استضافتهم في المهرجان.
و قال: « شرف كبير لي أن ألقي كلمة ضيوف المهرجان الوطني للتراث و الثقافة ، أقول هي الرياض تزدهر في عامها هذا مرتين، مرة في ربيعها و مرة في مهرجان الكلمة و الفكر و التراث في جنادرية النور و المعرفة ... ليس غريبا على مملكة الخير و العطاء حيث تلتقي الجغرافية مع التاريخ و الماضي مع الحاضر و عبق التراث مع استشراف المستقبل ».                  
       و قد حرصت اللجنة التنظيمية للمهرجان على برمجة عدة نشاطات ثقافية هامة، و ندوات تتعلق بقضايا معاصرة تشغل الدنيا كلها،بقياداتها و حكوماتها و علمائها و مثقفيها، كقضية حوار الثقافات بين الغرب و الإسلام، التي خصصت لها ندوة علمية شارك فيها نخبة من الأساتذة نذكر منهم : الأستاذ الدكتور صالح بن حميد رئيس مجلس القضاء بالمملكة العربية السعودية، و الدكتور عبد الله بن بية ،أستاذ جامعي ، و وزير سابق ، و الأستاذ / علي تسخيري، و غيرهم، و أدار الندوة الدكتور /  علي إبراهيم النملة، وزير سابق.
      كما خصصت ندوة أخرى لقضية فلسطين ، و كانت بعنوان : فلسطين بؤر التوثر و عوائق السلام ....(فلسطين و جهة نظر غربية )، شارك فيها : الدكتور رالف سالمي ، و الأستاذ / رولان دومان، و الأستاذ / ستيفين والت، و الدكتور /مارك لافين .
      أما الندوة العلمية الثالثة ، فتناولت قضية الهوية الدينية و الوطنية والثقافات المشتركة و شارك فيها الدكتور/ إسماعيل الشطي،والأستاذ السيد علي الأمين، و الدكتور الشريف حاتم عارف العوني، و الدكتور محمد جابر الانصاري، والأستاذ مايكل هملتون مورجين .
      أما الشعر فخصصت له أمسية شعرية شارك فيها طائفة من الشعراء المعاصرين الفحول، وهم : الأستاذ أحمد فضل شبلول،  والأستاذ سيدي محمد ولد بمبا، و الدكتور عباس الجنابي، و الأستاذ / محمد إبراهيم يعقوب.
       و قد ُكرم على هامش المهرجان الأستاذ الدكتور عبد العزيز الخويطر، و هو من مواليد مدينة عنيزة بالقصيم سنة 1344 هـ،تلقى دراسته الأولى في مسقط رأسه كعادة أقرانه من الطلاب في ذلك  الوقت، ثم انتقل إلى مكة المكرمة ليكمل دراسته الابتدائية و الثانوية عام 1365 هـ ، و في عام 1371 هـ ، حصل على درجة الليسانس من دار العلوم بالجامعة المصرية، في تخصص لغة عربية و دراسات إسلامية، و بعد ذلك واصل دراسته العليا فحصل على شهادة الدكتوراه من كلية الدراسات الشرقية و الإفريقية بجامعة لندن في التاريخ.
و كانت سنة التخرج عام: 1380هـ /1960م ، فكان بذلك أول سعودي يحصل على درجة الدكتوراه.
 اشتغل بعد تخرجه في عدة وظائف أهمها :
-       أمينا عاما لجامعة الملك سعود 1380هـ .
-       وكيلا لجامعة الملك سعود 1381هـ .
-       وزيرا للصحة 1393 هـ .
-       وزيرا للمعارف 1395هـ .
-       وزير دولة، و عضو مجلس الوزراء 1416هـ.
      شارك في العديد من المؤتمرات داخل المملكة العربية السعودية و خارجها.
       له العديد من المؤلفات و البحوث منها :
-       كتاب عثمان بن بشر عام 1390هـ .
-       كتاب طرائق البحث 1395 هـ .
-       كتاب الملك الظاهر بيبرس 1396هـ .
-       كتاب من حطب الليل عام 1398هـ .
-       كتاب قراءة في ديوان محمد بن عبد الله بن عثيمين عام 1412هـ .
-       كتاب أي بني خمسة أجزاء بين عامي 1409-1414هـ .
-       كتاب إطلالة على التراث، و ظهر منه 17 جزءا.
-       كتاب نزع اليراع ، 1429هـ .
-       كتاب النساء رياحين، عام 1429هـ ... و غيرها .
 و قد تم تخصيص قناة تلفزيونية و جريدة يومية للمهرجان .
و لم يبق لي إلا أن أقول شكرا للجنادرية و القائمين على عرس الجنادرية لأن مهرجان الجنادرية يعد أهم التظاهرات الثقافية في الوطن العربي و العالم، و ما ذكرته هو غيض من فيض، فمهما حاولت أن أتتبع وقائع هذا المهرجان و ما صاحبه من فعاليات ثقافية وزيارات، و ألوان فنية من المملكة العربية السعودية ، فلن أستطيع...و إن أنس، فلن أنسى حرارة الاستقبال الذي لقيه الضيوف سواء و هم ينزلون في مطار الرياض حيث القهوة و الشاي، و حسن الاستقبال أو في الفندق أو في القصر الملكي أثناء حفل الغداء الذي أقامه – خادم الحرمين الشريفين على شرف ضيوف المهرجان... و إذن فمعذرة للجنادرية ، و معذرة للقارئ الكريم، ومحبة للجميع».
  وبعد افتتاحية العدد نقرأ مقالاً للباحث للدكتور/عبد الفتاح يوسف،الأستاذ بجامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية،معنوناً ب: « سؤال النص، وإشكالية تقاطع النزوع الإنساني مع المرجعيات الجمعية داخل نص لامية العرب»،حيث ذكر في مقدمة بحثه أن الإشكالية المعرفية التي يثيرها سؤال هذا البحث، هي مناقشة حضور النزعة الإنسانيّة في النص  الشعري، والكشف عن الجدل المعرفي بين البنية الذهنيّة للمبدع، والمرجعيات الجمعية، داخل نص لاميّة العرب، من خلال تفكيك العلاقة بين البنية الذهنيّة والبنية النصيّة على نحو يتيح لنا إمكانيات جديدة للفكر تؤهلنا لمراجعة السائد والمألوف، ومن ثمّ التمييز بين الشعر كظاهرة ثقافيّة، والشعر كظاهرة نصيّة، أي بين التقنين الثقافي الذي لا يقبل المساءلة، والنظام النصّي الذي يخضع لعمليات المراجعة والتحليل، وبناءً على ذلك يمكننا التعامل مع النصوص بتقاليدها، وعقل المبدع بمعرفته، ليس على سبيل النفي والنقض، وإنما من خلال ممارسات الإحالة والتحويل، أو التواصل والتقاطع.
وذكر أن طرحه النقدي يسعى إلى مساءلة أنشطة الخطاب الشعري، وإجراءاته الخفيّة في استقبال عناصر المخيال الجمعي، وإعادة صياغتها وتفكيكها على النحو الذي ترومه البنيّة الذهنيّة للمبدع، بهدف الكشف عن دور البنية الذهنية للمبدع في إحداث تغيّرات نوعيّة في الموضوعات التقليديّة، ومن ثمّ يمكننا تفسير التحوّلات والتغيّرات التي تطرأ على البنى التقليديّة في الشعر العربي القديم، وكذا تفسير مفاهيم النص تفسيرًا سيميائيًّا، كما يسعى الطرح الراهن إلى الكشف عن طبيعة الصراع المضمر بين البنيّة الذهنيّة للمبدع، والمخيال الجمعي في أنموذج شعري خاص هو؛ قصيدة لاميّة العرب للشنفرى، وذلك للبحث في طبيعة العلاقة بين هاتين البنيتين، ودور هذه العلاقة في إحداث تحوّلات فكريّة وإيديولوجية أعطت هذا النص بالتحديد قيمته المعرفيّة الخاصة، وأخيرًا؛ البحث في طبيعة العلاقات بين الأشياء داخل النصوص، وتفسيرها في إطار سيميائي، يكشف عن جوانب الخصوصية في هذا النمط النوعي من النصوص.
ويطمح البحث الراهن إلى الإجابة عن التساؤلات الآتية:
·        لماذا ظهر هذا النمط النوعي من النصوص على الرغم من سيادة الأنماط التقليديّة الأخرى؟
·        إلى أي حدٍّ يمكن أن يعي النوع الشعري الخاص إشكاليات المخيال الجمعي؟ وكيف يمكن لهذا الوعي الإسهام في قراءة الإيديولوجيات الظلامية؟
·        إلى أي حد يمكن للسيميائية أن تكشف عن طبيعة الحوار بين البنية الذهنيّة، والمرجعيات الجمعيّة داخل الخطابات؟
·        هل الخروج على نظام المجتمع يتطلّب بالضرورة خروجًا على نظام الشعر؟!
·        ما الفرق بين بنية الخطاب في لاميّة العرب والخطابات الأخرى، وهل هذه البنية مؤهلة لتحقيق أهداف فكرية/ جمالية خاصة؟
الشعر فعل اللغة، والنقد فعل الفكر والعقل، والفكر مهم للشعر بقدر أهمية اللغة للفكر، واللغة هي الأداة التي وصلنا بها الشعر، فاللغة قاسم مشترك بين كل هؤلاء، واللغة إشارات أو علامات تدل على معنى معيّن في سياق معيّن، من هنا تأتي أهمية الدراسة السيميائيّة للبحث في الفرضيات التي تقف خلف الإشارات أو العلامات.
وأشار إلى أن دراسته سوف تفيد   بشكل أساس من الطروحات النظرية للمنهج السيميائي في تحليل النصوص، لقدرته على الكشف عن طبيعة العلاقات ونوعيتها بين الكلمات كعلامات، وما تشير إليه من معانٍ خارجيّة، وكذا قدرته على تفسير علامات النص في ضوء علاقتها بأهداف النص، وهو ما يميّز هذا البحث؛ لأن هذا التفسير، يضع دائمًا أبنية النص المختلفة وتقاطعها مع البنية الذهنية للمبدع موضع مساءلة كما سوف نرى.
وقال آمل في هذا البحث أن يزداد وعينا لاستيعاب القضايا والإشكاليات الشعرية التي يطرحها أصحاب الثقافات المهمشة، والمرفوضة من قِبل الثقافات الجمعيّة الرافضة لكل مختلف، وكل متمرِّد، وأن تصبح قضايا هذه الفئات موضوعًا مستمرًا لدراستنا، وأن نتخلّى عن ذهنية الاصطفاء والتفضيل، وثقافة الأحكام الجاهزة في قراءة هذه النماذج، ونتحلّى بذهنيّة الأنسنة المؤمنة بقيمة الإنسان، والمعترفة بجميع حقوقه وواجباته.
البنية المعرفية المؤطرة لسؤال النص ودلالتها السيميائيّة:      
وتطرق في البدء إلى أربعة مصطلحات إشكالية يستوعبها العنوان الرئيس للبحث:
المصطلح الأول: النزوع الإنساني؛ وأقصد به مجموع الممارسات التي يقوم بها الشخص من أجل الوصل إلى أفضل وضع إنساني، بإعطاء عقل الإنسان قيمة، ومن ثم يرتبط هذا المصطلح ارتباطًا وثيقًا بالجهد الإنساني المبذول من أجل الإعلاء من قيمة الإنسان أمام الأشياء.
المصطلح الثاني: المرجعيات الجمعية؛ أقصد به مجموع الأفكار والقيم المتراكمة عبر التاريخ داخل العقل، والتي تشكِّل سلوك الإنسان، وتختلف هذه المرجعيات من عصر إلى آخر باختلاف الثقافات والأعراف، فعلى سبيل المثال تعدّ الطبيعة هي المرجع الأساس الذي يمكن أن نفسر الإنسان الذي عاش في الجاهلية من خلال علاقته بها؛ لأن الطبيعة آنذاك كانت تمثِّل مصدر القيم والسلوك والتشريع .. وهذا يختلف بالضرورة عن المرجعية في العصر الإسلامي، حيث يمكن تفسير الإنسان في إطار علاقته بالخالق عزّ وجلّ، لأنه مصدر التشريع، وفي العصر العلماني أو الحداثي، يفسر الإنسان في إطار علاقته بالمادة أو التكنولوجيا..وهكذا.
المصطلح الثالث: المخيال الجمعي: وهو مجموعة من الصور الذهنية، والقيم المحدِّدة لسلوك الأفراد، ثم يعيدون إنتاجها بشكل يضمن لهم البقاء في هذا المجتمع أو ذاك، ويحافظ هذا المخيال على انغلاق المجتمع على قناعاته ويقينه، وإشكالية هذا المخيال تتمثّل في قدرته على فرض بنية فكريّة شمولية معقّدة تحبس العقول داخل سياق ثقافي مغلق ومحدود، الأمر
الذي يجعل البني النصّية تتقوقع داخل فكر الجماعة، ومن المعروف أن المخيال الجمعي في العصر الجاهلي، كان يصوغ مجازاته الطبيعية في صورة السيِّد الحُرّ، والعَبْد التابع.
المصطلح الرابع: البنية الذهنيّة: ويقصد به مجموعة الأفكار والمعتقدات والمعارف التي تشكِّل فكر الفرد، وهي محصّلة إدراكات الفرد ووعيه لتجربته الذاتية مع الآخرين، وتكشف في جوهرها عن خصوصية الفرد واختلافه.
   رأى الدكتور عبد الفتاح يوسف أن القراءة الأولى للامية العرب، تشير إلى أننا أمام نصّ يحلِّق خارج سرب النسق الاجتماعي، سواء من الناحية البنائية، أو من الناحية الاجتماعية؛ لأن مؤلفه يقبع خارج حدود ثقافة المجتمع القائمة على التمييز العنصري، والإقصاء، والتشويه الأخلاقي للمختلف أو المغاير من فئة الصعاليك، فيحضر الشنفرى في نصّه بوصفه مدافعًا عن حقوق الإنسان في الحياة، محاولاً خلخلة ثقافة التمييز العنصري في هذا المجتمع، كما حاول أيضًا اختراق المتخيّل الجمعي الثقافي المتأسس على الاضطهاد والاستبعاد لفئة السود والعبيد، وهذه المحاولات لم تكن تقتصر في التراث العربي على الشعراء الصعاليك فحسب، بل هناك نماذج أخرى أبرزها ممارسات عنترة بن شدّاد، وسيرة بني هلال، وألف ليلة وليلة، وفي هذه الممارسات الإبداعية، يتحول المبدع إلى أداة خرق ثقافية، تقيم الحدود الجديدة في مجال العلاقات الإنسانية، وتعطي الحقوق دون تمييز عنصري، وفي هذا السياق تظل البنية الذهنية للمبدع، والمخيال الجمعي للجماعة، هما محور الصراع في النص، فالشنفرى ينحاز لحقوق الإنسان أمام المخيلة الجماعية، ونجح في نقض تلك الصورة السلبية عن الصعاليك، ومن ثمّ يمكن القول بأن هذا النص؛ يمثِّل محاولة الشنفرى المضنية من أجل التخلّص من براثن تقاليد التمييز العنصري التي لا ترحم، واللجوء إلى عالم حيواني يمنحه الحرية، ويوفر له المناخ اللازم لعرض قيم الإنسان في مواجهة ثقافة التمييز العنصري الجاهلية. وفي هذا السياق " تكشف الذات الحجب عن الثقافة المتجذِّرة في المكان، وتصبح ذاتًا رائية، بمعنى أنها تخترق البنية الاجتماعية، والثقافية، والأدبية المتخارجة منها وتتعالى بالتالي مع عالمها الخاص ورؤيتها المستقبلية، وهذا ما يشكِّل الحيِّز الأكثر أهمية في التفكير في ثنائية الحرية/ الإبداع بما ينطويان عليه من جدل يفكك الوعي السائد، ويلغي الثوابت... ويكون الواقع بالتالي منفصلاً ومتصلاً في آن واحد، وذا شفافية مطلقة أثناء حركته مع الذات بامتلائها الواعي للوجود". فالشنفرى، يؤسس في نصّه لشخصية منعتقة من الأسيجة القَبَليّة؛ لأنه لا يجد مبررًا لخضوعه لأشكال الوصاية، ويؤكد كتابة الحرِّية، وحريِّة التعبير، إيمانًا بقدرة الحرية على تحرير النفس العربية مما علق بها من مفاهيم مغلوطة تشوِّه إنسانيتها، وبالتالي، يعّد هذا النص كشفًا لكل المرجعيات التي تؤكِّد التمييز العنصري.
 وفي نظره أن  البروتوكول الذهني الذي شيّده الشنفرى في هذا النص   يتأسس على ثلاثة مبادئ:
المبدأ الأول: عالم الممكنات، أي بالإمكان فعل أي شيء من أجل الحياة والحريّة، وجاءت فكرة الاستغناء عن العالم القَبَلي لإمكانيّة الحياة في عالم آخر بديل.
المبدأ الثاني: عالم الذات، وهو عالم تبحث فيه الذات عن المبررات التي تسوِّغ لها حياة أفضل تحقق الممكن، وجاءت فكرة الاستبدال كمسوِّغ معرفيٍّ للعيش في هذا العالم.
المبدأ الثالث: عالم المتطلبات والضروريّات، وفي هذا العالم يبحث الشنفرى عن معنى لحياته من ناحية، ويؤسس لمجموعة من القوانين الإنسانية والقيم النبيلة التي تسمو بالإنسان في مجتمع جديد من ناحية ثانية، ويؤسس لمجموعة من القوانين التي تبرر له وللصعاليك السطو والسلب من المجتمع القَبَلي الظالم من ناحية ثالثة.
تتأسس البنية النصيّة في لاميّة العرب إذن على المعطيات المعرفيّة للبنية الذهنيّة لدى للشنفرى نفسه، ومناقشة العلاقة بين البنيتين – على النحو السابق- تستهدف الكشف عمّا ينبغي أن يكون، ولا تقتصر فقط على ما هو كائن في النص، إنه تحليل يفتح الظواهر النصيّة على البنى الذهنيّة، ويبحث في العلاقة بين الأشياء والأفكار؛ لأن البنية الذهنيّة لحظة إنتاجها النص تكون واقعة تحت تأثير:
أ ـ معرفة مسبقة.
ب ـ تجربة إنسانيّة.
ج ـ علامات لها دلالتها الخاصة بكل سياق.
د ـ تقاليد أدبيّة تحكم العمليّة الإبداعيّة.
داخل فلك هذه المحددات، يدور الحوار بين العمل الأدبي والمبدع، ومن هنا يمكن القول: بأنه لا فائدة من البحث في البنى النصيّة بمعزل عن البنى الذهنيّة؛ لأن البحث في هذه الحالة سوف يهدف إلى الكشف عمّا تخبّئه هذه البنى النصيّة، ومن ثمّ يصبح المعنى صدى لهذه البنى.
وختم الدكتور عبد الفتاح يوسف بحثه بالقول:« يأتي سؤال النص دومًا بطرق تجعل الناقد قلقًا؛ لأن صياغته تتطلّب وعيّا لذات منجذبة وحذرة في آن واحد بحكم رغبتها في الارتواء المعرفي، ويكون هذا الارتواء بمثابة الفخ الذي يقع فيه الناقد أسيرًا لمعارف النص فلا يرى غيرها، وآخر يكثِّف أبعادًا إنسانيّة تتعدد تأويلاتها وتتعالى أحيانًا على صاحبها لتنطق بتفاصيل كامنة في لاوعي المبدع، وهذا القلق لازمني طوال فترة البحث، وآمل أن يكون قلقًا نقديًّا ومعرفيًّا إيجابيًّا أسهم في طرح أفكار جديدة تساعدنا على تجاوز المعارف التقليديّة دراستنا لهذه النصوص النوعية، وأهم هذه الأفكار هي:
1 – أهميّة التمييز بين الشعر القديم كظاهرة ثقافيّة، والشعر كظاهرة نصيّة.
2 – البحث في طبيعة العلاقة بين البنية الذهنيّة للمبدع، والبنية النصيّة للنص.
3 – مناقشة حضور النزعة الإنسانية في لاميّة العرب.
4 – الكشف عن طبيعة الجدل المعرفي بين البنية الذهنيّة للمبدع، والمرجعيات الجمعية داخل نص لاميّة العرب.
  لقد اتضح لي بعد أن فرغت من كتابة هذا البحث أهمية المناهج الحديثة في الكشف عن جوانب الخصوصية في تراثنا الأدبي، فالمقاربة السيميائيّة في هذا البحث كشفت عن علاقة النص الشعري بسياقه الخارجي، وقدمت إجراءات نقديّة مهمة فتحت النص على معارف جديدة، وكذلك ما يقدمه علم النفس المعرفي من طروحات تفيد في تحليل البنية الذهنيّة للمبدع وعلاقتها بالبنية النصّية، فدراسة العلاقة بين البنية الذهنيّة والبنية النصيّة سوف يُحدث تحوّلاً مهمًا في دراسة النص الأدبي بتحويل مسيرتنا النقديّة من الانشغال بالنواة الداخليّة للنصوص للوصول إلى صلب الفكرة الأساسية للنص، إلى دراسة الشروط الخارجية لإمكان وجود النص بما يساعدنا على الكشف عن الأسس المعرفيّة والمعارف المتداخلة في النص الأدبي.
   إن دراسة عناصر ائتلاف لاميّة العرب مع النصوص التقليديّة الأخرى المعاصرة لها، ودراسة عناصر الاختلاف بينها، أسفرت عن نتائج مهمة في دراسة إشكالية التباين النصّي، فتجاهل الشنفرى موضوعات الشعر التقليديّة مثل النسيب، والمديح، والرحلة، والفخر القبلي، وإحلال موضوعات أخرى محلّها، دليل على أن نص لاميّة العرب يؤسس لبنية نصيّة جديدة، وهذا يقودنا إلى طرح إشكالية الفرق بين الشعر كظاهرة ثقافيّة يخضع لضرورات لثقافة وتقنينها، والشعر كظاهرة نصّية يخضع لنظام معرفي خاص هو نظام
المبدع، تتشكّل فيه بنية النص من خلال علاقات المبدع الإشكاليّة وغير النمطيّة مع الأشياء، ويستخدمها كأداة لمساءلة الموجود للكشف عن وجود ما ليس موجود. فنص لاميّة العرب حين ينحو منحى مغايرًا للمألوف في الانبناء، يضع الحدود الفاصلة بينه وبين النص التقليدي المعاصر له، ومقارنة التقاليد بينهما على نحو ما هو مُقدّم في البحث، أظهر لنا الانفصال
المعرفي لنص لاميّة العرب عن النصوص التقليديّة، وهو انفصال يبحث عن استقلالية الفرد، ورغبته في التحرر من القيود الاجتماعيّة التي تجعل الفرد نسخة من آبائه، فالمتأمِّل في عناصر الاختلاف في لاميّة العرب - على سبيل المثل لا الحصر- يدرك أنها؛ نتاج لمنظومة البنية الذهنية الفردية للشنفرى، أي المعادل الذهني لفكر الشنفرى المستقل، ومن ثمّ فهي مقدمة غير معيارية،  ولا تخضع لشروط المجتمع، إنها نظام جديد من الخطابات التي تنتج ضرورات الفرد عندما يشعر بالاضطهاد من قِبل الجماعة، كالحريّة، والاستقلال، والاستعلاء.. فمقدمة  القصيدة في النص التقليدي تبدو كنتاج لبنية ذهنية تخضع لضرورات المرجعية الجمعيّة، فتم اختزال مقدمات القصائد في ذكريات عن المرأة، واختزالها – المرأة- في جسد يستهلكه شعريًّا، وأي خروج على هذه المقدمة المعيارية، يبدأ بتفكيكها، وإحلال مقدمة أخرى، تحل فيها " القيمة" بدلاً من " الجسد"، و" المبدأ" بدلاً من " الذكرى"، و" الوعي" بدلاّ من " النسق"، ومن ثمّ فالمقدمة في لاميّة العرب ليست نص إدانة لمقدمات الشعر العربي التقليدي فحسب، بل هي مقدمة مناهضة لبنية النظام الأبوي المتسلِّط ومنظومته العقلية، والثقافيّة والروحيّة؛ لأنها لا تنتج تناصّها مع مرجعيات جمعية تعطِّل الفكر، وتحول دون الوعي، بل تنتج تناصّها مع القيم الإنسانية النبيلة التي تعطي للفرد حقوقه، وتميّز بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة، وبالإضافة إلى ذلك، فهي صياغة لإشكالية العلاقة بين النظام الأبوي الشمولي وحقوق الإنسان، إنها تعبير عن عالم فكري جديد، وليست تعبيرًا عن الوقوف على أطلال القيم المنهارة.
وأخيرًا، هل يحق القول بأن نص لاميّة العرب كان تجاوزًا لفلسفة الوعي الجمعي العربي التي كان يتجاذبها طرفا الولاء والتبعيّة، بوصفهما مصدرين مهمين من مصادر المعرفة، وصيغت الثقافة القَبَليّة بهما، ويضمنان لصاحبهما العيش في أمان وبمعزل عن قصاص الفكر الجمعي، فما كان على الشنفرى سوى تقديم أنموذج مغاير في التعبير، وفلسفة جديدة للإنسان في الحياة، وقراءة الحياة من منظور عقلاني غير المنظور الوجداني المعروف في الشعر الجاهلي».
  وكتب الدكتور سعد بوفلاقة مقالاً عن الأديب الجزائري عبد الحفيظ بوالطين،وأشار في توطئة البحث أنه يتناول   في شقه الأول: موجز ترجمة الأديب عبد الحفيظ بوالطين، وفي شقه الثاني، يتحدّث عن «عبد الحفيظ بوالطين كما عرفته»، أمّا شقه الثالث فيعالج آثاره،ففي الشق الأول منه قدم ترجمة وافية لحياة الأديب عبد الحفيظ بوالطين جاء فيها: وُلِدَ عبدُ الحفيظ بوالطين بمدينة «الحروش» ولاية سكيكدة، في الجزائر سنة 1948م، وتوفي فيها يوم الاثنين 01 كانون الأول (ديسمبر) 2003م، عن عمر يناهز خمسًا وخمسين سنة.
استشهد والده أثناء الثورة التحريرية الكبرى (1954-1962م)، وهو ابنُ تِسْعِ سِنين فعاش بعدها يتيمًا، فرعته والدته وأحسنت تربيته، ووفّرت له ظروف الدراسة المتوفرة يومئذ.
بدأ تعليمه، كبقية الأطفال في بلدته، في الكتاب بمسقط رأسه، فحفظ ما تيسر من القرآن الكريم وتعلم فيها مبادئ العربية، ثم تابع دراسته بعد الاستقلال بالمعهد التكنولوجي لتكوين المعلمين بقسنطينة. وبعدها اشتغل مدرسا في الابتدائي والمتوسط لعدة سنوات، ثم انتُدِبَ إلى جامعة قسنطينة سنة 1977م للدراسة الجامعية، وتخرج مُجَازًا في الأدب العربي سنة 1981م، وفي السنة نفسها عُيِّنَ أستاذًا للغة العربية وآدابها بثانوية زيرود يوسف بالحروش، وظلّ يعمل فيها أستاذا بارزًا حتى أحيل على التقاعد سنة 1999م.
خاض الأستاذ الأديب عبد الحفيظ بوالطين معترك السياسة. كان غاضبًا على ما آلت إليه الأوضاع السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية في الجزائر بعد وفاة الرئيس هواري بومدين، الذي كان الأديب عبد الحفيظ بوالطين معجبا بسياسته أيّما إعجاب، فكتب في عهده عن الثورة الزراعية، والثورة الثقافية، والثورة الصناعية، وغيرها في الصحف الوطنية.
وألَمّ به حزنٌ قاتلٌ للتّراجع عن سياسة بومدين بعد وفاته.
كان يريد تغيير تلك الأوضاع الجديدة سلميا، لذلك انضم إلى حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ منذ تأسيسه. فاعتُقِلَ وَزُجَّ به في السّجن لمدة خمسة عشر يوما لسبب ذلك، ودون محاكمة بعد توقيف المسار الانتخابي، واستقالة الرئيس الشاذلي بن جديد سنة 1992م. أثناء ذلك كتب مقالا بعنوان: «لماذا انتخبت الجبهة الإسلامية للإنقاذ سنة 1992م». اعتقل سنة 1983م بسبب مشاركته في إضراب أساتذة التعليم الثانوي الذين كانوا يطالبون بتحسين أوضاعهم الاجتماعية…
كان الأديب عبد الحفيظ بوالطين من أنصار القضية الفلسطينية، خاصة في أيّام الانتفاضة سنة 1965م. لذا كتب قصيدة شعرية متفجّرة بنار الغضب والثورة، في مناصرة فلسطين سنة 1971م، موسومة بـ «وا فلسطيناه»، جاء فيها:
يَا أُبَـاةَ الضَّيْـمِ هَبُّـوا
أَيْـنَ أَنْتُـم هَـذِه يَــا
وَخَيَـالُ الـمَوْتِ يَسْعَى
يَمْـلأُ الأجْـوَاءَ سُـمًّا
عُصْبَةُ الأمْـنِ اسْتَحَالَتْ
وَحُقُـوقُ الشَعْبِ أَمْسَتْ
فَاسْمَعُوا صَوْتَ الضَّحَايَا
وَانْظُرُوا فَـوْقَ الـمَآقِي
هَلْ صَحِيـحٌ هُـو نَصْرٌ
إِنَـهُ الْحِقْــدُ سَيَنْمُـو
وَا فِلِسْطِينَاهُ.. صَبْــرًا
لَيْـسَ مَا قَدْ ضَاعَ قَسْرًا


لاَ تَخافُـوا الانْـهِيـارْ
فَا تُعَـانِـي الاحْتِضَـارْ
فَـوْقَ أَشْـلاَءِ الصِغَـارْ
يَـبْذُرُ الأَرْضَ دَمَــارْ
حَلَقَــاتِ القِمَـــارْ
نَهْبَـهُ وَضْـحَ النَهَـارْ
تَـحْتَ أَنْقَاضِ الدِّيـارْ(
[i])
رَقَصَــوا لِلانْتِصَــارْ
أَمْ تُرَى هُـوَ اِنْدِحَـارْ؟
إِنَهُ مَـحْـضُ اِنْتِحَـارْ
إِنْ هُزِمْنَـا لَيْـسَ عَـارْ
رَاجِعًـا إِلاَّ بِـنَــارْ

كان، رحمه الله، يفتخر كثيرا ببطولات الشعب الجزائري من خلال تمجيده لتضحيات الشهداء، فهو يغتنم بعض المناسبات الوطنية ليشيد فيها بهذه البطولات، كيوم الشهيد، الذي كتب فيه قصيدة رائعة موسومة بـ «بَاقَاتُ حُبٍّ..عَلَى قَبْرِ الشَّهِيدِ»، يقول فيها:
مِنْ سَوَاقِي الْعِطْرِ، لَمْلَمْتُ الْعَبِيـرَا
مِنْ مَآقِي الفَجْرِ، أُهْدِيكَ الكَثِيرَا
غُصْنَ زَيْتُونٍ، وَشَحْرُورًا صَغِيـرَا
لَكَ فِـي اليَـوْمِ الـمَجِيدْ
يـَا شَهِيـــدْ
كُنْتَ عِنْدَ العُسْرِ نَارًا، وَدمَـارَا
صِرْتَ بَعْدَ اليُسْرِ فَجْرًا، وَعمَـارَا
صِــرْتَ إِطْلاَلَــةَ نُــورٍ
عَــانَقْـتَ كُـلَّ الثُّغُــورِ
وَالصُخُـورِ
شَمَخْتَ تَرْوِي وَتَحْكِي لِلْبَشَرْ
عَنْ نُسُـــورٍ
غَيَّرُوا مَـجْرَى القَــدَرْ
عَنْ صُقُــورٍ
فَقَـأُو عَيْـنَ التَّتَـرْ
فَـانْدَثَــرْ
وَشَبَابٌ مَاتَ فَوْقَ البَنْدُقِيّهْ
قَدَّمَ النَفْـسَ هَدِيَّـهْ
لِلثَّرَى القَانِي، لِلْفَجْرِ الوَلِيدْ
يـَا شَهِيـدْ
نظر عبد الحفيظ بوالطين إلى وضع زوجات الشهداء بعد الاستقلال، فوجده متدنيا في جملته، ووجد زوجة الشهيد تعاني جملة من المظالم في بعض الإدارات الجزائرية التي تسلّلَ إليها بعض الخونة.. كحرمانها من منحة الشهيد، والعمل المحترم، وإهانتها أحيانًا، كما هو الحال مع زوجة الشهيد في قصته المتميزة «عمالقة وخفافيش» ، التي عالج فيها قضايا هامة في المجتمع الجزائري بعد الاستقلال، كزوجة الشهيد المزيّفَة التي تأخذ حقوقها كاملة، وزوجة الشهيد الحقيقية التي تحرم من لقمة عيش نظيفة لها ولأولادها، بسبب تسلل الخفافيش الكبيرة (الخونة) إلى الإدارة الجزائرية.
   وفي الشق الثاني منه تعرض إلى علاقته،ومعرفته بالأديب عبد الحفيظ بو الطين،ومما جاء في هذ القسم قول الدكتور سعد بوفلاقة،مستعيداً ذكرياته مع الأديب عبد الحفيظ بوالطين: « كان ذلك عام (1974م) على ما أذكر عندما التقيت بعبد الحفيظ بوالطين وجها لوجه، وتبادلنا التصافح، وتجاذبنا أطراف الحديث.
  وجدته بسيطا في مظهره، وفي سلوكه، وفي علاقاته مع أصدقائه القليلين جدا، فهو رجل حييٌّ، خجول، وانطوائي، ولكن حين تستفزه بالأسئلة، وتقترب منه، تكتشف أنه إنسان لطيف، دمث الأخلاق، حلو المعشر، حديثه حلو جذّاب، يحب الحياة، رقيق لأقصى ما تحمله الرقة والدماثة من معنى، ثقافته عميقة ومتنوعة، واطِّلاعهُ واسع على علوم اللغة العربية وآدابها، يعمل بصمت، ويبتعد عن الأضواء. أحببتُ حُبًّا جَمًّا هذه الجدية في العمل، والأخلاق والنزاهة وعلو النفس. كان رحمه الله، سريع البديهة والفهم، قوي الحافظة، وبسبب هذه الصفات اخترته ليكون ضمن هيئة تحرير مجلة «الطالب» التي أسسناها في سبعينيات القرن المنصرم بمؤسسة زيرود يوسف بالحروش، بمبادرة مني وبمشاركة نخبة من أساتذة المؤسسة، نذكر منهم: الأستاذ رابح بوغابة، والأستاذ أحمد زتيرو، والأستاذ سعد مايز من مصر، والأستاذ عبد الحفيظ بوالطين، تحت إشراف مدير المؤسسة السيد عبد الفتاح حماني.
كنت أوزع الأعمال التي تصل إلى هيئة التحرير بغرض النشر في المجلة على الزملاء الخبراء المحكّمين المذكورين أعلاه، لتقييمها وتنقيحها، وبيان مدى صلاحيتها للنشر وفق المعايير العلمية، وإجراء التعديلات المناسبة على الموضوع المقدم للنشر في المجلة بما يتلاءم مع أسلوبها، كما كنتُ أحثُّ الزملاء على الإسراع في إنجاز الأعمال المسلّمة لهم، وإعادتها في أقرب فرصة ممكنة، فكان عبد الحفيظ بوالطين يعيد إلي الأعمال المسلمة له في اليوم الموالي مباشرة مصححة منقحة مع ملاحظة مقبول للنشر أو مرفوض.
لقد شجعته على مواصلة الدراسة الجامعية، وقلت له: أنت مكانك في الجامعة وليس في المتوسطة، وفي سنة 1977م طلب انتدابا من وزارة التربية الوطنية إلى جامعة قسنطينة، فوافقت على طلبه، فالتحق بقسم اللغة العربية وآدابها، وبعد أربع سنوات حصل على الإجازة (الليسانس) بتفوق، واقترحت عليه مواصلة الدراسة في مرحلة السلك الثالث (الدراسات العليا) ولكنه اعتذر بسبب ظروفه الاجتماعية، وانضمّ إلى أسرة التربية والتعليم بثانوية زيرود يوسف بالحروش سنة 1981م، وظل يعمل بها إلى أن تقاعد سنة 1999م.
هناك جوانب كثيرة شيقة في حياة الأديب المبدع عبد الحفيظ بوالطين عرفتها فيه، لا يتسع المجال لذكرها جميعا هنا في هذه العجالة، قد نعود إليها في فرصة أخرى بإذن الله».
وفي القسم الثالث من المقال قدم تغطية عن آثاره،واعماله الأدبية، وأكد على أن   عبد الحفيظ بوالطين قد طرق معظم الفنون الأدبية النثرية، والشعرية المعروفة عند أدباء العرب القدماء والمحدثين، كالشعر، والقصة، والنقد، والمقالة، والخاطرة، وغيرها، لكن فن القصة يقع في مقدِّمتها جميعا، لما فيه من جاذبية وتشويق، فقد كتب القصة القصيرة بعشق، والمتابعون لإبداعاته يلمسون تألقه في الفن القصصي منذ صدور مجموعته الأولى «الصداع المزمن» سنة 1986م، وما تلاها من مجموعات. وكان قد بدأ حياته الأدبية بكتابة الشعر في السنوات الأولى من سبعينيات القرن المنصرم، ونشر عدة قصائد ومقطَّعات في جريدتي النصر والشعب الجزائريتين، ومجلة آمال التي كانت تصدرها وزارة الثقافة الجزائرية، وعن كيفية ولوجه إلى عالم الكتابة، وعن سبب تحوله من كتابة الشعر إلى كتابة القصة، يقول: «كمعظم الشباب المبتدئين، بدأت بكتابة مقطوعات شعرية أثناء السنوات الأولى من مرحلة السبعينيات، وقد نشرت منها نماذج في (جريدتي: النصر، والشعب، ومجلة آمال)، إلا أنني وجدت نفسي لا أقدر على الوصول إلى تجسيد معاناتي بتلك المحاولات الشعرية، لهذا فإنني تحولت إلى كتابة القصة التي منحتني مجالا أوسع للتعبير والاقتراب من أحاسيس المعاناة، طبعا لن أضيف (شيئا) لو تحدثت عن كتاباتي القصصية، لأنني نشرتها كلها بجريدة النصر التي ارتبط بها بروابط خاصة قبل أن أجمعها في مجموعتين» ،  ثم أصدر مجموعة ثالثة لاحقا.      

في القصة القصيرة:

للأديب عبد الحفيظ بوالطين ثلاث مجموعات قصصية مطبوعة فقط، فيما أعلم، عمل بعض أهل العلم والفضل على نشرها، وإخراجها للوجود ليستفيد منها الطلاب والدارسون، وهي:
  وهي أول مجموعة قصصية صدرت للأديب، نشرتها المؤسسة الوطنية للكتاب بالجزائر سنة 1986م، وتشتمل المجموعة على ثماني قصص، نورد عناوينها مرتبة كما جاءت في المجموعة، وهي:
1.              ورقات مهربة من مخدع شهريار، 1979م.
2.              قاتلة الاثنين، 1975م.
3.              القضبان الباردة، 1977م.
4.              التربة الحمراء، 1974م.
5.              الشاب الذي فقد ظله، 1976م.
6.              ماء الوجه، 1975م.
7.              دوامة الأحزان، 1975م.
8.              شارع الضباب، 1976م.
وهي المجموعة القصصية الثانية التي صدرت للمؤلف، نشرتها المؤسسة الوطنية للكتاب بالجزائر، سنة 1986م، ثم نشرتها مؤسسة بونة للبحوث والدراسات بعنابة، الجزائر، سنة 1429هـ / 2008م، بتقديم: أ.د سعد بوفلاقة، وتضم في طياتها عشر قصص قصيرة، تعالج قضايا اجتماعية وتاريخية متنوعة، يقول: «كل كتابة مهما كان لونها وطبيعتها، هي كتابة واقعية تتكئ على الواقع والتاريخ، وتاريخ الأدب مبدئيا، فأنا أعيش في مجتمع تتعدد فيه المشاكل والهموم، والآمال والأحلام، وبالتالي فأنا كاتب أستقي من هذا المجتمع، شأني في ذلك شأن كل الكتاب، لكن الشيء الذي يميز بين كاتب وآخر، هو زاوية النظر والرؤية والانحياز إلى إحدى جهات هذا المجتمع، وهي مهمة النقاد أكثر مما هي مهمتي، لذا فإنني لو نظرت إلى تجربتي سأحس بأنها تلتصق بالذات أكثر في باكورتي «الصداع المزمن»، بينما المجموعة الثانية «عمالقة وخفافيش» والقصص اللاحقة، تنفتح أكثر على الهمّ الاجتماعي، والتحولات، والإصلاحات التي عرفتها مرحلة السبعينيات، وكل الإشكالات التي عرفها المجتمع الجزائري بعد ذلك، وليس معنى هذا أنني أضع في نيتي تصوير الواقع الجزائري تصويرا فوتوغرافيا، وإنما أخذ كل ما هو نموذجي وأصوغه في قالب فني وجمالي»
طبعت هذه المجموعة لأول مرة مع إضاءة بقلم المؤلف في أواخر تسعينيات القرن المنصرم على ما يبدو (لم يذكر تاريخ الطبع)، بدار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، عين مليلة، الجزائر.
وتشتمل المجموعة على إحدى عشرة قصة، هي:
1.              الوسام، 1985م.
2.              الصحائف السود، 1985م.
3.              الآلهة المحنطة، 1985م.
4.              قميص عثمان، 1986م.
5.              فتوّة في زمن الخصاء، 1986م.
6.              موت الضمير، 1987م.
7.              النزيف الأسود، 1987م.
8.              تداعيات مواطن بدأ يسترجع الذاكرة، 1987م. (القصة التي أوقفت صاحبها أمام العدالة).
9.              الغول، 1988م.
10.        أبناء الظلام، 1988م.
11.        الإرهابي، 1995م.
  وبالنسبة لإبداعه الشعري ذكر الدكتور سعد بوفلاقة أن الأديب عبد الحفيظ بو الطين بدأ بكتابة القصائد والمقطّعات الشعرية في أوائل سبعينيات القرن المنصرم، قبل أن يتحول إلى كتابة القصة القصيرة، وقد نشر شعره في جريدتي النصر والشعب الجزائريتين، ومجلة آمال التي كانت تصدرها وزارة الثقافة الجزائرية، ثم جمعها في ديوان، عنونه بـ «خطايا ومزايا» لا يزال مخطوطا حتى الآن، وسينشر لأول مرة في مؤسسة بونة للبحوث والدراسات بعنابة خلال هذه السنة (2010) ضمن أعماله الشعرية والنثرية الكاملة، وقد طرق في هذا الديوان عدة أغراض شعرية، وأجاد أكثر ما أجاد في الشعر الوطني والقومي، وقد كان شعره صدى لحياته، فجاء متجاوبا مع حياته السياسية، معبرا عن مأساة الشعب الفلسطيني، ومفتخرا ببطولات الشعب الجزائري من خلال تمجيده لبطولات الشهداء، وينبغي أن نشير في النهاية إلى عدد من عناوين القصائد  التي قالها في مناسبات مختلفة، وهي:
1.              وا فلسطيناه، 1971م.
2.              رسالة من مدعو إلى الخدمة الوطنية، 1971م.
3.              الضحية، 1972م.
4.              الوشم على الكفين، 1972م.
5.              برقية تأييد، 1971م.
6.              صيحات مبحوحة، 1973م.
7.              مرَّ عام، 1974م.
8.              رسالة إلى متطوع، 1975م.
9.              أمامك أرض، فقلب ثراها، 1976م.
10.        ابتهالات، 1999م.
11.        باقات حب على قبر الشهيد، 2000م. وغيرها...
كما طرق فن المقالة ،وكتب مجموعة مقالات سياسية، واجتماعية، ونقدية عديدة تم نشرها في الصحافة الجزائرية على لسان «أبو عادل» وهو الاسم الأدبي الذي اختاره الأديب،  ذكر منها:
1.              بين المطرقة والسندان، 1983م.
2.              قم للمعلم، 1997م.
3.              بكائية على سفح الجبل الأشم، 1990م.
4.              لماذا انتخبت الجبهة الإسلامية للإنقاذ، 1992م.
5.              حول قصة جميلة زنير، 1976م.
6.              المرأة في شعر نوار بوحلاسة، 1980م، وغيرهـا...
لكن هذه المقالات لا تزال مبعثرة في الصحافة الجزائرية، وفي مكتبته الخاصة، ولم أتمكّن من الحصول عليها حتى يومنا هذا...

وفي الخاطرة: رأى الدكتور سعد بوفلاقة أن« عبد الحفيظ بوالطين أديبًا قاصًّا شاعرًا، وكاتبًا، وتأتي الخاطرة عنده في الدّرجة الثانية بعد القصة، من حيثُ الأهمية، كتبها في مناسبات مختلفة، بأسلوب شيق بيّن، عالج فيها مختلف شؤون الحياة، إلاّّ أنَّ معظمها في الشكوى... ومن أهم خواطره التي جمعها وأثبتها في دفتر خاص: «طيفك»، و«المنبوذان»، و«وليد في المقبرة»، و«عقلي يتمرد»، و«صورة من حياتي»، و«الشكوى»، و«دمعة وشمعة»، و«خيبة أمل»، و«وقفة»، و«لا تعودي»، وغيرها...

      وأشار إلى مَا كُتِبَ عَنْهُ،حيث يرى  أن الدراسات التي تناولت حياة الأديب عبد الحفيظ بوالطين وأدبه، بالدرس والتحليل، قليلة جدا، وجزئية، شملت بالدّرس والتّحليل، بعض أدبه،  وأبرز هذه الدراسات:
1.              دراسة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن تبر ماسين، بعنوان: «التجربة الفنية في أبناء الظلام»، وهي دراسة مفيدة للطلاب والباحثين.
2.              دراسة الأستاذ الطيب طواهرية، وهي بعنوان: «قراءة في قصة (فتوة في زمن الخصاء)»، وهي دراسة مفيدة أيضا ..
3.              التركيب العاملي في المجموعة القصصية «عمالقة وخفافيش» لعبد الحفيظ بوالطين، بحث مقدم للحصول على شهادة الإجازة (الليسانس) في الأدب العربي، بمعهد اللغة العربية وآدابها، جامعة سطيف، خلال العام الجامعي:2001/2002، من إعداد الطالبة / مليكة بوشاذي، بإشراف الأستاذ / رابح الأطرش .
4.              دراسة فنية لقصص عبد الحفيظ بوالطين، بحث مقدم للحصول على شهادة الإجازة (الليسانس) في الأدب العربي، بقسم اللغة العربية وآدابها، بجامعة عنابة، خلال العام الجامعي: 1988/1989 من إعداد الطالبة / ليلى يحياوي، بإشراف الأستاذ أحمد شريبط .
5.              دراسة تطبيقية للمجموعة القصصية «ما قبل الإعصار» للأديب عبد الحفيظ بوالطين، بحث مقدم للحصول على شهادة الإجازة (الليسانس) في الأدب العربي، بقسم اللغة العربية وآدابها، بجامعة عنابة، خلال العام الجامعي: 2002/2003، من إعداد الطالبتين/ سميرة مخبي، وعلا سداح، بإشراف الأستاذ أحمد شربيط .

وختم مقاله بالقول: «حاولنا في هذا البحث أن نعرّف بالأديب عبد الحفيظ بوالطين تعريفا موجزا، وأن نلقي الضوء على أدبه من خلال حديثنا عن آثاره الأدبية في القصة القصيرة، وفي الشعر، وفي المقالة، وفي الخاطرة، ثم وقفنا عند قصته التي أوقفته أمام العدالة، لأنّ الأديب نفسه يقر «بأن أدبه ليس مسالما أبدا»، وفي الإجابة عن سؤال يتعلق بتصنيف كتابته، يقول: «فأنا لا أنتمي إلى المدرسة الرمزية، بل إن القراء والنقاد كثيرا ما اتهموني بالواقعية والتقريرية والمباشرة، والوضوح، وقولهم هذا صحيح، لأنني كنت أعتبر قصصي سلاحا ووسيلة للتوعية والتعبير، والتحديث، ومن ثم كنت أكتب باللغة التي يفهمها الشعب، وبالوضوح الذي يناسب مستواه، ولعل الأعمال التي تميل إلى الرمزية في قصصي قليلة، مثل قصة «الغول»، و«فتوّة في زمن الخصاء»، و«الآلهة المحنطة»، وقد لجأت إلى الرمزية في هذه القصص نظرا لحساسية الموضوعات التي تعالجها، وخطورة القضايا التي تطرحها»

ومهما يكن من أمر فعند الحديث عن الجيل الثاني  من كتّاب القصّة القصيرة في الجزائر يقف اسم عبد الحفيظ بوالطين شامخًا، وقد كتب القصة القصيرة بعشق، وبأسلوبٍ شيّقٍ بيّنٍ، عالج فيها مختلف شؤون الحياة الاجتماعية، والسياسية. قد أجاد في القصة أيما إجادة، وهو أديب مقتدر، مطبوع، وشعره في الجملة قوي السبك، رائق الدّيباجة، سلس الأسلوب، عذب الألفاظ، إلا أن فَنَّهُ الشعري لم يكن كَفَنِّهِ القصصي.
  وأخيرًا، فالخصائص الفنية لأدبه تقتضي وقفة أكبر بعد جمع شعره، ونثره كله، ولا يتسع المجال لهذا الغرض في هذه الإطلالة السريعة على شخصيته وآثاره. وإني على يقين أنه لولا وجود هذه المجموعات القصصية، وهذه الخواطر، وهذا الديوان بين أيدينا لكان الأديب عبد الحفيظ بوالطين نسيا منسيا، فيبقى جزء من أدبنا العربي المعاصر مجهولا تماما».
  وأما الدكتور/عاصم شحاذة علي،الأستاذ بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا،فقد خصص بحثه القيم للحديث عن  :«المفارقة اللغوية في معهود الخطاب العربي:دراسة في بنية الدلالة» دراسة تحليلية لخطاب في معهود الخطاب العربي، و قد مهد لموضوعه بالإشارة إلى أن المفارقة إحدى الطرق في اللغة ضمن سياق النص وخارجه، وتتحدد علاقة المفارقة على التضاد بين الدلالة الحرفية للمنطوق، وبين الدلالة الجديدة التي يظهرها السياق، وهي دلالة يمكن أن يطلق عليها دلالة المفارقة.
     وذكر أن دراسته هذه هي  محاولة  لتقديم دراسة تحليلية لخطاب المفارقة في معهود الخطاب العربي. وسوف تتطرق إلى تحديد المفارقة في الأدبيات الغربية أولا، وفي التراث العربي القديم، لتحديد مفهوم المفارقة في معهود الخطاب العربي )، ودراسة بنية الدلالة في النصوص التي يمكن أن نجد فيها مفهوم المفارقة.
فبالنسبة للمفارقة في الأدبيات الغربية والتراث العربي القديم ورد مفهومها   في الأدبيات الأجنبية بمفردات عدّة، منها: (Irony, Paradox, Sarcasm  )، ونجد صعوبة في تحديد الكلمة المناسبة للمصطلح Irony ؛ حيث ترجم في العربية إلى معانٍ عدّة، وهي: التهكم، والسخرية وغيرها.
و في الدراسات الأجنبية تعريفات لمصطلح (Irony   ) تدور حول معنى توازن الأضداد، أو وسيلة من وسائل التعبير يناقض بها المعنى الكلمات، أو التعديل الذي يصيب العناصر المتنوعة في السياق وغيرها من المعاني تطرق إلى تحديد المفارقة في الأدبيات العربية أولاً، وفي التراث العربي القديم ثانياً.
فالمفارقة فيها معنى الازدواجية في الاستماع من قبل المخاطَب الذي يدرك بأن ظاهر اللفظ لا يصلح له معنى وفق السياق الذي وردت فيه، ومن ثَمّ يعني ذلك أن هذا التعبير له معنى مناقض للمعنى الحرفي ( المعجمي ) .
وقد تناول الغربيون مصطلح (  Irony)  ورأو أنها تنفيذ بلاغي Irony as Rhetorical Enforcement، أو التواضع أو مفارقة الاستخفاف بالذات Mock Self-Disparaging Modesty أو مفارقة بالتشابه Irony by Analogy، المفارقة غير اللفظية Non- Verbal  Irony ، أو المفارقة اللفظية أو الدرامية Dramatic Irony، أو مفارقة الأحداث  Irony of  events وغيرها.  
فمثلا ذكر الغربيون مفهوم المفارقة في التضاد، إذ رأى شوبرت أن المفارقة تكون في أي تنافر يحصل بشكل طبيعي، مثل: تجاور  في السياق الطبيعي بين إنسان عاقل وقرد مضحك أو جواد مطهم وحمار أخرق.
وأما خداع الأداء فيمكن أن يبرز في النكتة والملحة والسخرية والضحك، فمثلا السخرية تعد هجوما سافر على الشخص الثاني، ولهذا فإن راوي النكتة الذي يعد الشخص الأول يكون في حاجة إلى الشخص الثالث وهو المستمع الذي يعلن عن إعجابه بصنعة الهجوم المفاجئة له عندما ينفجر في الضحك،
وضحك المفارقة ضحك متولد من خلال بنية التضاد، أو من خلال عدم أما المفارقة في النقد العربي فقد تناوله في بداية الأمر مقالات لكتاب الحداثة، ذكروا فيها تعريفات عدة للمفارقة كما يأتي:
المفارقة قد تكون تعبيرا انتقاديا يعرض ملمحا سلبيا في مبالغة فيهون من شأنه، أو طريقة لخداع الرقابة حيث إنها شكل من الأشكال البلاغية التي تشبه الاستعارة في ثنائية الدلالة، أو تعبير بلاغي يرتكز إلى العلاقة الذهنية بين الألفاظ أكثر مما يعتمد على العلامة النغمية التشكيلية، أو قد تكون عبارة تلطيف، إذ يقال مثلا: هذه ليست فكرة غبية، وفيها إشارة إلى الذكاء وقدره، ولو قال: هذه ليست _  بحال _  فكرة ذكية،كان وضع الذكاء في موضع الغباء علامة للتخفيف أو التهوين من شأن الغباء، ويكون هذا التعبير تلميحيا لطيفا تهكميا.
مما سبق يلاحظ في مفهوم المفارقة أنه يظهر فيه عنصران، هما:
أ‌.       عنصر الخفاء.
ب‌.    حقيقة كون المعنى المتخفي في اللفظ هو الذي يقصد أن يظهر. 
ذكر سعيد شوقي مرادفات كثيرة للمفارقة في اللغة الأجنبية واللغة العربية، وما يهمنا في ذلك المصطلحات العربية التي ترتبط بالتراث العربي القديم، ومنها: المجاز المرسل، والمجاز الاستعاري: الاستعارة، التمثيل، المثل، الكناية، التعريض، التلويح، التورية، التوجيه، الرمز، الإيماء، التلميح، الملح، اللمز، الغمز، الإلماع،  الاستعارة، التضاد، المقابلة، التهكم، المدح بما يشبه الذم، الذم بما يشبه المدح، معنى المعنى عند عبد القاهر الجرجاني، الوحي، الأحجية، الإشارة، الطباق، المقابلة، السخرية، الاستهزاء، الازدراء، الهجاء، الإثبات بالنفي، النكتة، الكوميديا، الفكاهة، المزاح، المبالغة، التفخيم، الانقلاب، تجاهل العارف، سوق المعلوم مساق غيره، التشكك، الجد في موقف الهزل، الهزل في موقف الجد، الكذب، تخفيف القول، وغيرها من الألفاظ.  وهذه الألفاظ ليس فيها رؤية واضحة ودقيقة لمصطلح مفارقة، ولكن وفقا لمعطيات تعريف المفارقة كما ورد في الأدبيات الغربية فإن هذا المفهوم لا بد أن يتوافر فيه عناصر عدّة أربعة تكون في نصه، وواحد من فهمه، وهي كما يأتي: ازدواج المعنى، وتنافر الإدراك، وخداع الأداء، وحيز الضحية، والذات المفارقة، وهذه العناصر سنشرحها باختصار _ حتى نستطيع ربطها بالأدبيات العربية التراثية، كما يأتي:
ازدواج المعنى: وفق تعريف نبيلة إبراهيم للمفارقة التي ترى أن بناء المفارقة يحتاج إلى مستويين، أولهما: المستوى السطحي للكلام، وثانيهما: المستوى الكامن الذي لم يعبّر عنه بعد، وبسبب توالد تواصل بين المستويين يبرز فيهما دلالة تسمى بالمفارقة، وهذا يعني أن المفارقة تلحّ على القارئ أن يفهم الكلام المنطوق أو المكتوب معنى ما سطحيا، وفي الوقت نفسه يعلم في قريرة نفسه بأن الكلام المنطوق لا يناسب أن يؤخذ معناه على ظاهره في ضوء السياق الذي قيل فيه أو الموقف التبليغي.
ومما لا شك فيه أن إقامة عنصر ازدواج المعنى في مكونات بناء المفارقة يتطلب أن يجعل فنونا أخرى تطلبه، وتدعيه جزءا رئيسا منها، كالمجاز والاستعارة والكناية، ومعنى المعنى عند الجرجاني، واللمز وغيرها من
الفنون؛ كونها مستويات للمعنى، سطحي وعميق خلافا للأسلوب الحقيقي الذي يحيل مستوى ظاهريا واحدا.
تنافر الإدراك: ويقصد به أن تكون العلاقة بين المستوى اللفظي والمستوى العميق على أساس التضاد، وبهذا المعنى يخرج من ساحة المفارقة مصطلحات، مثل: المجاز، والاستعارة، والتمثيل، ومعنى المعنى، وغيرها من العناصر التي لها تراكيب خاصة ببنائها، ويشترط في التضاد أن يكون من النوع المتدرج.
ولذلك فإن التضاد يكون في أن تعبر الكلمة الواحدة عن معنيين بينهما علاقة، ويرتبط بالتضاد التقابل والتعريض والكذب والإثبات بالعكس.
خداع الأداء: لكي تحقق المفارقة فعلها في التنافر، وهي في صدد الانتقال بين المستويين فلا بد لها أن تسلك طريق الخداع، ويكون ذلك بما يأتي:
المراوغة وتعني المفارقة اللغوية التي يتمثل عملها في استخدام صانع المفارقة لكل الحيل اللغوية الممكنة بأسلوب المراوغة، وهي عندما تتعمد أن تقول شيئا وتعني شيئا آخر كلية، وعندما تثبت حقيقة ثم لا تلبث أن تلغيها، فيحدث ذلك من خلال المهارة الفائقة في تحريك اللغة، وهو نوع من أنواع اللعب الذهني.
المغافلة وهو مفارقة الموقف، ويتمثل بإضفاء صفة الغفلة على الشخوص التي تنخرط في أدائها، وهي وظيفة تفيد معنى الخداع، وهذه المفارقة الهادفة في كتابة المسرحية تعود لأسباب عدة، منها: العامل الفني، والثقافي، والنفسي والفلسفي والتاريخي، والسياسي والاجتماعي.
ضحية الأثر: ويتم بتقديم ضحية في بناء نص المفارقة، ولا بد من توفر حيّز لضحية الأثر، ويقصد به حيز لضحية أثر المفارقة، وطريقة للتأثير على حيز ضحية الأثر، وذلك لكي تنجح المستويات الثلاثة في أداء فعل ينال من حيزه في سبيل بناء المفارقة؛ لا بد لها أن تعيد صقل فنون القول التي استمرت، وهي : السخرية والنكتة والضحك والمبالغة والكاريكاتير، والتقليد الساخر وتخفيف القول وتضخيم القول على طريقتها الخاصة في أداء فعلها.
الذات المفارقة : لكل عمل أدبي قارئ ضمني بآليات القراءة المتواترة، بمعنى أن العمل الأدبي ليس له وجود إلا من خلال قارئ، ومن ثم تكون عملية القراءة هي التشكيل الجديد لواقع مشكل من قبل العمل الأدبي نفسه.
من هنا تقوم المفارقة بوظائف متنوعة، منها: دعوة القارئ إلى ربط نفسه بها، وذلك لتفسيرها تفسيرا مقبولا، ولفهم النص وتركيبه؛ وهي مهارة خاصة للعلاقة بين المقال والمقام؛ وعامل من عوامل التطور الدلالي للغة.
وذكر الدكتور/عاصم شحاذة علي أن مصطلح المفارقة يتوافق   في الدراسات اللغوية والبلاغية بمفهوم ( التهكم ) ؛ إذ تناوله الزركشي ( -794هـ) ، وذكر أنه إخراج الكلام على ضد مقتضى الحال، كقوله تعالى: " ذق إنّك أنت العزيز الكريم " سورة الدخان. وجعل العلوي ( يحيى بن حمزة _ 745هـ ) للتهكم خمسة أوجه، وهي:
1.     أن يرد على جهة الوعيد بلفظ الوعد تهكما. كقوله تعالى: " فبشرهم بعذاب اليم ".
2.      تورد صفات المدح وقصد بها الذّم. كقوله تعالى: " ذَق إِنك أنت العزيز الحكيم ".
3.     القلة والقصد منه التكثير ( لم يذكر من العلوي ). كقوله تعالى: " قد يعلم الله المعوقين منكم ".
4.     لم يسمّه أيضا، وورد بمعنى التقليل والشك، وقصد به التكثير. كقوله تعالى: " ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين " .
5.     لمّ يسمّه، ورد بمعنى الحكاية. كقوله تعالى: " إنك لأنت الحليم الرشيد " .
مع ملاحظة أن التهكم لا تشترط التضاد، على عكس المفارقة التي تشترط التضاد.
ومن جانب آخر جعل الجرجاني ( - 471هـ ) معنى المعنى من خلال الكلام ضربان؛ المعنى، ومعنى المعنى، فالمعنى هو المفهوم من ظاهر اللفظ، ونصل إليه بغير واسطة، وأما معنى المعنى فهو أن تعقل من اللفظ معنى، ثمّ يفضي بك ذاك المعنى إلى معنى آخر، ومعنى المعنى يدور حول ( الكناية ، والاستعارة، والتمثيل ).
ويمكن الربط بين ما قاله الجرجاني، وبين نظرية الحدث الكلامي؛ والمعنى المباشر والمعنى غير المباشر، والمباشر يعني : أن يلفظ المتكلم الكلام، ويقصد ما يقوله تماما حرفيا، ويشير الجرجاني إلى أن السامع يعقل معنى من الظاهر على سبيل  الاستدلال، إذ يمكن قول شيء ما، ويقصد به معناه، وذلك من خلال أن المتكلم يكون للمنطوق عنده معنى ، وللجملة معنى من خلال الاستعارة والمفارقة والأحداث الكلامية غير المباشرة.
ويمكن تجاوز المعنى الحرفي نحو المعنى الأسلوبي المفارقي في السياق اللغوي من خلال المقام، والموقف التبليغي والسياق التاريخي والسياق خارج النص؛ حيث تنظر نظرية السياق إلى الوظيفة الاجتماعية للغة، وأثر السياق في البنية، ودوره في تنوع الدلالة. والسياق يقصد به الظرف اللغوي المعرفي الذي يعين على تحليل المعلومات المنقولة بواسطة بنية النص السطحية، وترجمتها إلى مضمون ( معلومات مفهومة ). وأما المقام فيمكن أن يكون الموقف الذي أنشئ من أجله النص، ويتضمن العوامل التي تجعل النص مرتبطا بموقف سائد يمكن استرجاعه، وهو صياغة الكلام على وجه معين يتصل بمحل هذه الصياغة أو بزمنها، ويكون على المستوى الصرفي والصوتي والنحوي والمعجمي.
  ووفق رؤية الدكتور عاصم شحاذة علي  فثمة مفارقة لغوية ظهر فيها عنصر الخفاء، وهو المعنى الذي يقصد أن يظهر وفق السياق الذي قيل فيه، ومن الملاحظات التي برزت عند التحليل ظهور عنصر الازدواج في المعنى، حيث لوحظ مستويان للكلام، أحدهما سطحي وهو ظاهر النص والألفاظ التي تتطلب معنى آخر بسبب السياق؛ والآخر المستوى الكامن الذي لم يعبر عنه، وبسبب التواصل بين المستويين، ظهرت دلالة خاصة أطلق عليها( مفارقة ) ؛ إذ تلح على القارئ أن يفهم الكلام المنطوق، وهو في الوقت نفسه يشعر في داخله بأن المعنى المنطوق لا يناسب أن يؤخذ على ظاهره في ضوء الموقف التبليغي الذي قيل فيه. ولذلك ظهر في الأحاديث مكونات للمفارقة ترتبط بالبلاغة العربية، مثل: المجاز والاستعارة، والكناية والتشبيه،  والتهكم والتقابل  والتعريض، وكل هذه العناصر المكونة للنص كان الهدف منها إيصال المعلومة إلى القارئ بأقرب وسيلة يمكنها أن تؤثر عليه، وتجعله يقرأ النص قراءة واعية، لتثبيت له الصفة في ذهنه، ولتكون له عونا على فهم المعاني المقصودة من المتكلم ( الرسول صلى الله عليه وسلم ).
كما نجد في هذا العدد دراسة قيمة للدكتور/السعيد بوسقطة،الأستاذ بكلية الآداب بجامعة عنابة،فقد تناول في بحثه موضوعاً بعنوان:«مدارات جمالية في ديوان الظلال المكسورة للشاعر إدريس بوديبة»، حيث ذكر في بداية بحثه أن الأديبُ إدريس بوديبة، صوتٌ شعري متميزٌ، تتوزّع يومياته بين حرقة الإبداع، وشغف البحث العلمي، وأوجاع الإدارة.
هو واحد من شعراء جزائر الاستقلال، الذين يمثِّلون الجيل الجديد، إنه أحد رواد التّجربة الشّعرية الجزائرية الجديدة أو الحداثية التي تمردت على نظام الشكل الشعري، وعبّرت عن تطلعاتها نحو التجديد، إذ أصبح الشعر عند هذه الفئة «رؤيا وقفزة» خارج المفهومات السائدة على حد تعبير الناقد أدونيس، حيث استخدمت اللغة استخدما جديدا، من خلال شحنها بكثير من القيم الجمالية كالترميز والأسطورة والانزياحات وغيرها.. لتتفجر طاقاتها «رؤى وتعبيرًا». ولا شك أن التأثر بهذا اللون من الكتابة كان نتيجة مؤثرات شرقية وغربية، غير أن نزوع "إدريس" إلى هذا اللون من الكتابة ليس من باب تفضيلها على الأشكال الأخرى، ذلك ما يؤكده في حوار أجرته معه طالبة من جامعة "محمد خيدر" ببسكرة أثناء إعدادها بحثا حول إبداعه.
يقول: «القصيدة الجديدة يمكن أن تكون في الشعر العمودي، كما تكون في الشعر الحر والقصيدة النثرية والعكس صحيح، فالشعر الجيد هو الذي ينقل التجربة الشعرية، ويكون قادرًا على التأثير والإيحاء، إلاَّ أنَّ القصيدة النثرية والشعر الحر، هما أقرب إليَّ، فأنا أستأنس بهما، وأطمئن لهما، وهذا يدل على قربهما للغة الحياة».
 وأشار الدكتور السعيد بوسقطة في بحثه إلى أنه قبل التطرق للكون الشعري عند "إدريس" وما حواه من قيم جمالية لابد من الإقرار بأنَّ الولوجَ إلى عالم القصيدة عند إدريس بوديبة، وعند بعض شعراء التجربة الشعرية الجزائرية الجديدة ليس بالأمر السهل، ذلك لأنَّ قراءة النَّصِ هي ولادة جديدة له، فما نقرأه ليس سوى نص محتمل للقراءة والكتابة.
فالنَّصُ الشّعري هو: «محطة محتملة للإنكتاب والإنقراء، ومقروئية النص الشعري أو أي نص آخر، ربما هوية مجازية والتماس سلالة مهاجرة من نصوص خفية وظاهرة قبل النص، بعد النص، بين القبل والبعد..» .    
فقراءة النص فتنة وكتابته فتنة، غير أن فتنة القراءة هي فتنة الغوَاية، فتنة الإيقاع بالقارئ المحتمل في شِرك الكتابة، فتنة الإلقاء به في متاهات القراءة..
لذَا، فقد عُدَّ القارئ مبدعًا ثانيا.
من هذا المنطلق فإنَّ مقاربتنا للديوان هي نوع من المغامرة غير المحسومة النتائج، لكوننا أمام نصوص تتجاوز كلماتها – في الغالب –
معناها المباشر إلى المعنى الإشاري، لاسيما وأن لغة الشعر الجديد هي لغة «الخلق» وليست لغة «التعبير»، لذا، فإن الغاية من هذه المقاربة هي مجرد محاولة للاقتراب من الكون الشعري لهذه  التّجربة ومحاورة تجليات الشعرية عبر بعض مداراتها الجمالية.
 وأشار إلى أن شعر إدريس بوديبة   يُزاوج في لغته بين الرقة والعذوبة التي تبلغ حد الليونة، إذ ينساب مع خرير الجداول وتغريد الطيور، وتحليق النور، وتعالق الأشياء...
مثل قوله:
أُرَاجِعُ الْخَرَائِطَ القَدِيمَة
وَاحْتَسِي حَرَائِقَ الْمَواجِعِ الأَلِيمَة
                لَكَمْ هِيَ شَجِيَّةٌ لَيَالِي الأَرَقْ!
وبين القوة من خلال استعماله لألفاظ الرفض والتمرد والثورة.
كقوله:
دَمِّرْ أَسْرَارَ ثَوَابِتِك القَاسِيَة
        دَمِّرْ
دَمِّرْ
دَمِّرْ(
كما لاحظ في لغته خاصية المفارقة كالتضاد، التي تعمل على تكثيف المعنى، فبعض نصوصه تجمع بين اليأس والأمل، بين البكاء والغناء.
كما يبرزه المقطع الموالي، يقول:
الأَزْرَقُ يَجْمَعُ أَشْتَاتَ الرُّوح،
وَيُغَنِّي مَنْفِيًّا فِي خَطَرَاتِ الْوَجْد
كما تعبر صوره المختلفة عن المعاناة، و الصراع بين الذات والواقع، مما جعل تلك النصوص في عموميتها تعبيرا عن الضّياع النفسي.
وتبقى الظاهرة الأكثر بروزا في معجمه اللغوي هيمنة الرموز، وهي ليست تجريدية بحتة، لأن الشاعر قد أذاب تلك الرمزية في الرومانسية، حيث مزجها بالواقعية حينا آخر، وهو في كل هذا يسبح بنا في ما هو ذاتي تارة، وفي ما هو اجتماعي تارة أخرى.
ويتجلى الطابع الرمزي في عنوان الديوان «الظلال المكسورة»، كما يبرز في العديد من عناوين القصائد مثل «المدينة الوهم، وأوجاع الأزرق ملّول، وأحزان العشب والكلمات،...».
وأغلب القصائد لا تخلو خلوا تاما من البعد الرمزي الذي برز في جسد النص – أحيانا – بداية ونهاية مثلما ورد في قصيدة «الظلال المكسورة» الذي يقول فيها:
مَشَيْنَا فَوْقَ زُجَاجِ الرُّوحِ الْمَكْسُورِ
سَبَحْنَا فِي دَمِنَا الْمَسْفُوكِ،
قُتِلْنَا آلاَفَ الْْمَرَّاتِ..
             وَلَمَّا نُقْتَلْ!
سير القصيدة على هذه الوتيرة لا تخلو من إيهام في بعض مقاطعها.
مثل قوله:
        فَتَّشْنَا طَوِيلاً جُيُوبَ مَعَاطِفِنَا،
وَتَصَفَّحْنَا عُيُونَ حَبِيبَاتِنَا،
وَلَمْ نَلْقَ غَيْرَ فَرَاغَاتِ الرُّوحِ تَدُورْ...
                     تَدُو...رْ...
        وَرَكِبْنَا أَكْتَافَ الكَلِمَاتِ الْمَجْنُونَةِ بِالتَّحْلِيق
وتارة تَتَلَبَّسُ هذه الرمزية حللا رومانسية كما هو الأمر مع قصيدة «عيناك أقحوان»
يقول:
عَيْنَاكِ أُقْحُوَان
فِي دَرْبِي الْمَهْجُورْ،
                يَا زَهْرَة اللَّيْمُونْ
        يَا قِصَّةَ الأَلَمْ...
غَدًا...
سَتَهْدَأُ النَّوَارِس
تُشَارِكُ الإِنْسَان
فَرْحَةَ الوِلاَدَة
وَتَنْمَحِي الْمَسَافَة
   وتوقف الدكتور السعيد بوسقطة مع جماليات التناص ،فأكد على أن  تقنية التناص قد برزت  بأشكاله المختلفة، حيث وردت في النصوص الرموز الأدبية الدينية، والأسطورة الشعبية المعبرة عن الصراع بين الذات والواقع، عن ثنائية الموت والحياة، وهذا عبر استدعاء الشخصيات التراثية بأسمائها كـ:«بنيلُوب، وأبو حيان التوحيدي، ورابعة العدوية، والأزرق ملّول، ورامبو...»،أو ضمن سياقات النصوص.
 وقد اختتم هذا العدد بقصيدة للشاعر أحمد مطر موسومة ب: اعْتِذَارٌ لِلرَسُولِ العَظِيمِ(مُحَمَد) صَلى الله عَلَيْهِ وَسلم-
    يقول فيها الشاعر الكبير أحمد مطر:

يَا رَسُولَ اللهِ عُذْرًا ! قَالَتِ الدَنْمَاركُ كُفْرَا
قَدْ أَسَاءُوا حِينَ زَادُوا فِي رَصيدِ الكُفْرِ فُجْرَا
حَاكَهَا الأَوْبَاشُ لَيلاً، وَاسْتَحَلُّوا السَبَّ جَهْرَا
حَاوَلُوا النَّيلَ، ولَكِنْ قَدْ جَنَوْا ذُلاًّ وَخُسْرَا
كَيفَ ِللنَّمْلَةِ تَرجُو أَنْ تَطَالَ النَّجْمَ قَدْرَا
هَلْ يُعِيبُ الطُّهْرَ قَذْفُ، مَنْ اسْترْضَعَ خَمْرَا
دَوْلَةً نِصْفُهَا شَاذٌّ، وَلَقِيطٌ جَاءَ عُهْرَا
آه ! لَوْ عَرَفُوكَ حَقًّا، لاسْتَهَامُوا فِيكَ دَهْرَا
سِيرَةُ المُخْتَارِ نُورٌ، كَيفَ لَوْ يَدْرُونَ سَطْرَا
لَوْ دَرَوْا مَنْ أَنْتَ يَوْمًا لاسْتَزَادُوا مِنْكَ عِطْرًا
قَطْرَةً مِنْكَ فُيُوضٌ، تَسْتَحِقُّ، العُمْرَ، شُكْرَا
يَاَ رسُولَ الله نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ، أَنْتَ أحْرَى
أَنْتَ فِي الأَضْلاَعِ حَيٌّ لَمْ تَمُتْ، وَالنَّاسُ تَتْرَا
حُبُّكَ الوَرْدِيُّ يَسْرِي فِي حَنَايَا النَّفْسِ نَهْرَا
أَنْتَ لَمْ تَحْتَجْ دِفَاعِي، أَنْتَ فَوْقَ النَّاسِ ذِكْرَا
سَيَّدٌ للمُرْسَلِينَ، رَحْمَةُ جَاءَتْ وَبُشْرَى
قُدْوَةُ لِلْعَالَمِينَ، لَوْ خَبَتْ لَمْ نَجْنِ خَيْرَا
يَا رَسُولَ اللهِ عُذْرَا ! قَومُنَا لِلصَّمْتَِ أَُسْرَى
نَدَّدَ المِغْوَارُ مِنْهُمْ، يَا سَوَادَ القَوْمِ سُكْرَا !
أََيُّ شَئٍِِ قَدْ دَهَاهُمْ مَا لَهُمْ يَثْنُونَ صَدْرَا؟
لَمْ يَعُدْ لِلصَّمْتِ مَعْنَى، قَدْ رَأَيْتُ الصَّمْتَ وِزْرَا
مَلَّتِ الأَسْيَافُ غُمْدًا، تَرْتَجِي الآسَادُ ثَأرَا
إِنْ حَيِينَا بِهَوَانِ، كَانَ جَوْفُ الأَرْضِ خَيْرَا
يَأْلَمُ الأَحْرَارُ سَبَّا لِرَسُولِ الله ظُهْرَا
وَيَزِيدُ الجُرْحَ أَنَّا نَسْكُبُ الآلامَ شِعْرَا
فَمَتَى نَقْذِفُ نَارًا، تَدْحَرُ الأَوْغاَدَ دَحْرَا
يَا جُمُوعَ الكُفْرِ مَهْلاً ! إِنَّ بَعدَ العُسْرِ يُسْرًا
إِنَّ بَعْدَ العُسْرِ يُسْرًا
 وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن الهيئة العلمية للمجلة تتكون من العديد من الأساتذة الدكاترة المتميزين من مختلف الجامعات الجزائرية،والعربية ،ومن بينهم نذكر: العلاّمة الدكتور عبد الملك مرتـاض؛رئيس المجلس الأعلى للغة العربية سابقاً ،والأستاذ بجامعة وهران،والباحث الدكتور الطاهر حجار؛رئيس جامعة الجزائر،والدكتور الباحث المتميز في علم الاجتماع خير الله عصار،والأستاذة الدكتورة فاطمة طحطح من جامعة محمد الخامس   بالرباط بالمملكة المغربية،والمفكر الدكتور عبد السلام الهراس من جامعة ظهر المهراز بفاس،والعلاّمة الأستاذ الدكتور مختار نويوات من قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة عنابة،والعلاّمة الدكتور أبو القاسم محمد كرو من تونس،والأستاذ الدكتور الربعي بن سلامة من جامعة قسنطينة،والأستاذ الدكتور علي لغزيوي؛مدير خزانة القرويين بفاس سابقاً،و أ.د. عبد المجيد حنون، و أ.د. سـعـد  بـوفـلاَقـة ،وأد. محمد كراكـبـي، وأ.د. أحـمد  شـنـة،أ.د. عبد اللطيف الصوفي، أ.د الشريف مريبعي، أ.د. بلقاسم بلعرج ،و أ. د. حسن   كـاتـب،وأ.د. عبد القـادر هـنـي ، وأ.د.محمد خان،و أ.د رابــح الـعـوبـي، وأ.د. سعيد بو سقطة.
       ووفق ما جاء في شروط النشر،وقواعده فالمجلة تنشر  الأبحاث والدراسات التراثية والأدبية واللغوية، والمتابعات النقدية في مختلف الفنون الأدبية، وعرض الكتب القيمة والرسائل الجامعية المتميزة التي تصب في باب التراث،ويشترط في الأبحاث والدراسات المقدمة للنشر في مجلة بونة للبحوث والدراسات أن تكون مبتكرة وأصيلة، ولم يسبق نشرها من قبل في أية وسيلة نشر أخرى،ويجب أن تكون المادة المرسلة للنشر في المجلة مطبوعة بوساطة الحاسوب (الكومبيوتر) ببنط 14 في المتن و12 في الهامش، وأن تكون الكتابة على وجه واحد من الورقة مع ترك هوامش (4سم) من كل جانب من جوانب الورقة وترسل المادة في ثلاث (03) نسخ مع قرص مرن،وتوضع الهوامش (الحواشي) أسفل الصفحة داخل قوسين [(1)،(2)،       (3)...إلخ] بذكر اسم الكاتب، واسم الكتاب، والصفحة، وتذكر المعلومات التفصيلية للهامش في نهاية البحث في قائمة المصادر والمراجع مرتبة ترتيبا هجائيا تبعا لاسم الكاتب، واسم الكتاب، والطبعة، وبلد الطبع، وجهة النشر وتاريخه،ويجب أن يراعى في الأعمال المتضمنة لنصوص شعرية أو آيات قرآنية كريمة، أو أسماء أعلام ضبطها بالشكل، وعزو الآيات القرآنية، وتخريج  الشعر.



ليست هناك تعليقات: