مبدعو اليمن أيضاً يبكون!
نُهى البدوي
ليس هناك شعور
وتعبير أصدق من البكاء ليبديه الإنسان كتعبير لا إرادي ليظهر فيه عجزه وتألمه تجاه
قضية معينة أو فقدانه لشخص عزيز عليه، أو عجزه عن مواجهة الظروف الصعبة، نحن
النساء نبكي أكثر من الرجال نتيجة رقتنا الفطرية وعدم مقاومتنا لبعض تلك المواقف
أو تقبّلها كما يحلو للبعض تشبيه دموعنا "بسلاح المرأة"، عكس الرجال
الذين يحاولون التماسك عند حدوث الأزمات ومواجهتها، ولو من باب إظهار الشجاعة
المؤقتة بتحمل الموقف، لكن أحياناً نجد بعض الرجال قد تخونهم شجاعتهم وإذا بهم
ينهارون أمام بعض المواقف ولم يستمروا في حالة الكبت وتحمّل الفاجعة رغم عنفوانهم
وجبروتهم.
هذا الشعور والتعبير الصادق ظهر عند كثير من القادة والزعماء السياسيين ورؤساء دول العالم والفنانين والمشاهير الذين أجهشوا بالبكاء في مواقف مختلفة معظمها مرتبط ببعض القضايا والأحداث السياسية ولها أبعادها الإنسانية، ومنهم بعض رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية, أبرزهم الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش الذي ترصد له عدسات الكاميرا عدة صور وهو يبكي لا إرادياً، أبرزها إجهاشه بالبكاء في الثامن من شهر نيسان أبريل عام 2008م، حينما قدمَ "ميدالية الشرف" إلى والدي الجندي الأمريكي "مايكل منصور" الذي قُتل في مدينة الرمادي بمحافظة الأنبار العراقية عام 2006م، والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وهو يذرف الدموع في غزة خلال حفل تأبين للشهيد الراحل خليل الوزير "أبو جهاد"، والدموع الأخيرة التي شاهدناها لعرفات كانت دموع الوداع، ذرَفَهَا وهو يلوح بيده من مروحية عسكرية أردنية أقلّته من مقر الرئاسة الفلسطينية حيث بقيَ محاصراً لثلاث سنوات، إلى باريس لتلقي العلاج في 29 أكتوبر 2004م.
ارتبطت تلك المواقف التي يجهش فيها السياسيون والفنانون والمشاهير بالبكاء بقضايا جامعه تهم البشرية والشعوب والإنسانية، ومن أشهر تلك المواقف التي تفاعل معها السياسيون في اليمن، هي اللحظات النادرة التي ذرف فيها الأستاذ راشد محمد ثابت، وزير الدولة لشئون مجلس النواب الدموع فرحاً لحظة رفع العلم في التواهي يوم تحقيق الوحدة في 22 مايو 1990م، والموقف الآخر حين أجهش الأستاذ محمد سالم باسندوة بالبكاء في حفل تدشين المرحلة الثانية من التشاور الوطني في صنعاء 21 نوفمبر 2008م، لكن اليوم ربما تختلف القضايا ومواقف البكاء ودوافعه عند بعض الشرائح اليمنية مثل "المبدعين اليمنيين" الذي يُنظر لهم ويتصورهم المواطن في الداخل والخارج بأنهم آخر من يبكون أمام عدسات الكاميرات ليرثوا أنفسهم وهم على قيد الحياة كمواقف نادرة ربما لا تحدث في بعض الدول.
قد ننظر حينها باستغراب إلى هؤلاء السياسيين أمثال الأستاذ محمد سالم باسندوة وغيرهم وهم يبكون رثاءً للوطن، لكن بعد حين مع مرور الزمن يتأكد لنا أن تلك اللحظات كانت بدافع وطني نابع من وجدانه وإنسانيته استبق من خلالها الزمن بقراءته المبكرة لنتائج الأحداث وتوقعاته للتدهور القادم للأوضاع في اليمن، وكإشارة إنذار منه عن الخطورة التي سيواجهها الوطن، وتعبيراً عن مخاوفه من عجز المجتمع لتقبل القادم الذي سيفقد إنجازاتهم وتضحياتهم لينبهنا مبكراً بمآلات الأحداث القادمة، وبأن البكاء سيطال الجميع، وهذا بالفعل ما يحدث الآن.
التصقت تلك اللحظات في ذاكرتي لتعيد لي ذلك المشهد كي أتذكّره كلما أرى الوضع في اليمن يزداد تدهوراً بعد أن أصبحنا نعيش نفس المخاوف التي عبّر "باسندوة" عن خشيته حدوثها حينما أجهش بالبكاء، بعد أن تعدت المخاوف حالة تدهور الوضع السياسي ووصلت تأثيراته إلى أهم "شرائح" المجتمع ومنهم المبدعون، الفنانون والصحفيون والشعراء، الذين يمثّلون واجهة المجتمع، فأمجاد الأمم تعلو وتسمو بإبداعات هذه الشريحة، وفي بلادنا هؤلاء هم من كانوا ولازالوا يرسمون اللوحة المشرقة لليمن، هم من سيداوون جراحات الأمة، وهم من سيزرعون الأمل في حياتنا، وبإبداعاتهم ستنهض اليمن وسيشرق الفجر الجديد المنتظر.
لكن عندما نراهم أصبحوا يشعرون بالألم والغبن حين وصلت أوضاعهم إلى مستوى يصعب عليهم تحمله أو مقاومته، ونراهم يجهشون بالبكاء وهم يصارعون المرض ويتلقون إهانة الجهات المسئولة بتجاهل أوضاعهم، فإننا نخشى على قطاعات كبيرة من المجتمع أن تلتحق بهم لتذرف دموعها، ليس تعاطفاً معهم، بل رثاءً لبلدهم وللوضع المتدهور فيها، لا سيما بعد أن أصبح هذا الشعور تعبيراً صارخاً وصادقاً عن عدم قبول وتقبّل الواقع الذي لم يعد بمقدور الجميع تحمل آثاره، التي طالت حياتهم وصارت تمس مكانتهم وآدميتهم، حين تصد الأبواب أمام حصولهم على أبسط الحقوق كـ "العلاج"، يشعرون بأن سعيهم للحصول عليه أشبه بمن يسعى لتلقي الإهانة من قبل المسئولين عليهم، وسقوط الاعتقاد السابق لديهم بأنهم الشريحة ذات المكانة والاحترام التي لا يفرّط بها المسئول أو يتهاون عن أبسط حقوقها التي ينبغي على الدولة والوزير المختص منحها لهم تقديراً لأدوارهم وإبداعاتهم وما قدموه من عطاءات مختلفة طوال مسيرة حياتهم، ولازال أثرها قائماً في حياة المجتمع حتى بعد ممات بعضهم!!.
قبل أسابيع أبكتني وأبكت الكثيرين من أبناء الوطن في الداخل والخارج صورة تم تداولها في وسائل الإعلام للفنان المرحوم كرامة مرسال وهو يبكي، عندما كشف المصوّر الصحفي محيي الدين سالم عن سر الصورة التي التقطها للفنان الحضرمي الكبير الراحل كرامة مرسال وهو يبكي قبل رحيله في 3 أغسطس الشهر الجاري في مدينة المكلا عاصمة حضرموت.
وقال في منشوراته "إن الصورة تعبير عن مرارته من تجاهل وزارة الثقافة وكبار المسئولين في الدولة للفنانين, في حين أشاد بمواقف محافظ حضرموت خالد سعيد الديني وتمنى لو أن كل الناس مثله."
وأكد المصور الصحفي أن "مرسال أبلغه قبل سنوات من رحيله بمرارة الواقع الذي يعيشه وتمنى لو أنه عرف المحافظ الديني قبل وصول حاله إلى ما وصفها (بالبهذلة)" حسب وصفه.
ونقل عنه "مجروح من وزاره الثقافة ومن كبار المسؤولين في الدولة.. وأشاد بالمحافظ خالد الديني الذي تمنى لو أن عرفه من قبل.. هكذا بكى مرسال، وأبكى الناس مع".
نتمنى من الإخوة الوزراء والمحافظين المعنيين تحريك مشاعرهم والالتفات إلى معالجة قضايا وهموم "مبدعو اليمن"، وأن ينتهجوا نفس التعامل الذي يبديه كلٌّ من الأستاذ خالد سعيد الديني محافظ محافظة حضرموت والأستاذ عبدالقادر هلال أمين العاصمة مع هذه الشريحة، لهم التحية والشكر، ونتمنى أن نرى الشعب اليمني بمختلف فئاته وشرائحه يبكي فرحاً، وأن تنتهي وتغيب عنه إلى الأبد لحظات ومواقف التذمر والأحزان.
n.albadwi2013@hotmail.com
هذا الشعور والتعبير الصادق ظهر عند كثير من القادة والزعماء السياسيين ورؤساء دول العالم والفنانين والمشاهير الذين أجهشوا بالبكاء في مواقف مختلفة معظمها مرتبط ببعض القضايا والأحداث السياسية ولها أبعادها الإنسانية، ومنهم بعض رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية, أبرزهم الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش الذي ترصد له عدسات الكاميرا عدة صور وهو يبكي لا إرادياً، أبرزها إجهاشه بالبكاء في الثامن من شهر نيسان أبريل عام 2008م، حينما قدمَ "ميدالية الشرف" إلى والدي الجندي الأمريكي "مايكل منصور" الذي قُتل في مدينة الرمادي بمحافظة الأنبار العراقية عام 2006م، والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وهو يذرف الدموع في غزة خلال حفل تأبين للشهيد الراحل خليل الوزير "أبو جهاد"، والدموع الأخيرة التي شاهدناها لعرفات كانت دموع الوداع، ذرَفَهَا وهو يلوح بيده من مروحية عسكرية أردنية أقلّته من مقر الرئاسة الفلسطينية حيث بقيَ محاصراً لثلاث سنوات، إلى باريس لتلقي العلاج في 29 أكتوبر 2004م.
ارتبطت تلك المواقف التي يجهش فيها السياسيون والفنانون والمشاهير بالبكاء بقضايا جامعه تهم البشرية والشعوب والإنسانية، ومن أشهر تلك المواقف التي تفاعل معها السياسيون في اليمن، هي اللحظات النادرة التي ذرف فيها الأستاذ راشد محمد ثابت، وزير الدولة لشئون مجلس النواب الدموع فرحاً لحظة رفع العلم في التواهي يوم تحقيق الوحدة في 22 مايو 1990م، والموقف الآخر حين أجهش الأستاذ محمد سالم باسندوة بالبكاء في حفل تدشين المرحلة الثانية من التشاور الوطني في صنعاء 21 نوفمبر 2008م، لكن اليوم ربما تختلف القضايا ومواقف البكاء ودوافعه عند بعض الشرائح اليمنية مثل "المبدعين اليمنيين" الذي يُنظر لهم ويتصورهم المواطن في الداخل والخارج بأنهم آخر من يبكون أمام عدسات الكاميرات ليرثوا أنفسهم وهم على قيد الحياة كمواقف نادرة ربما لا تحدث في بعض الدول.
قد ننظر حينها باستغراب إلى هؤلاء السياسيين أمثال الأستاذ محمد سالم باسندوة وغيرهم وهم يبكون رثاءً للوطن، لكن بعد حين مع مرور الزمن يتأكد لنا أن تلك اللحظات كانت بدافع وطني نابع من وجدانه وإنسانيته استبق من خلالها الزمن بقراءته المبكرة لنتائج الأحداث وتوقعاته للتدهور القادم للأوضاع في اليمن، وكإشارة إنذار منه عن الخطورة التي سيواجهها الوطن، وتعبيراً عن مخاوفه من عجز المجتمع لتقبل القادم الذي سيفقد إنجازاتهم وتضحياتهم لينبهنا مبكراً بمآلات الأحداث القادمة، وبأن البكاء سيطال الجميع، وهذا بالفعل ما يحدث الآن.
التصقت تلك اللحظات في ذاكرتي لتعيد لي ذلك المشهد كي أتذكّره كلما أرى الوضع في اليمن يزداد تدهوراً بعد أن أصبحنا نعيش نفس المخاوف التي عبّر "باسندوة" عن خشيته حدوثها حينما أجهش بالبكاء، بعد أن تعدت المخاوف حالة تدهور الوضع السياسي ووصلت تأثيراته إلى أهم "شرائح" المجتمع ومنهم المبدعون، الفنانون والصحفيون والشعراء، الذين يمثّلون واجهة المجتمع، فأمجاد الأمم تعلو وتسمو بإبداعات هذه الشريحة، وفي بلادنا هؤلاء هم من كانوا ولازالوا يرسمون اللوحة المشرقة لليمن، هم من سيداوون جراحات الأمة، وهم من سيزرعون الأمل في حياتنا، وبإبداعاتهم ستنهض اليمن وسيشرق الفجر الجديد المنتظر.
لكن عندما نراهم أصبحوا يشعرون بالألم والغبن حين وصلت أوضاعهم إلى مستوى يصعب عليهم تحمله أو مقاومته، ونراهم يجهشون بالبكاء وهم يصارعون المرض ويتلقون إهانة الجهات المسئولة بتجاهل أوضاعهم، فإننا نخشى على قطاعات كبيرة من المجتمع أن تلتحق بهم لتذرف دموعها، ليس تعاطفاً معهم، بل رثاءً لبلدهم وللوضع المتدهور فيها، لا سيما بعد أن أصبح هذا الشعور تعبيراً صارخاً وصادقاً عن عدم قبول وتقبّل الواقع الذي لم يعد بمقدور الجميع تحمل آثاره، التي طالت حياتهم وصارت تمس مكانتهم وآدميتهم، حين تصد الأبواب أمام حصولهم على أبسط الحقوق كـ "العلاج"، يشعرون بأن سعيهم للحصول عليه أشبه بمن يسعى لتلقي الإهانة من قبل المسئولين عليهم، وسقوط الاعتقاد السابق لديهم بأنهم الشريحة ذات المكانة والاحترام التي لا يفرّط بها المسئول أو يتهاون عن أبسط حقوقها التي ينبغي على الدولة والوزير المختص منحها لهم تقديراً لأدوارهم وإبداعاتهم وما قدموه من عطاءات مختلفة طوال مسيرة حياتهم، ولازال أثرها قائماً في حياة المجتمع حتى بعد ممات بعضهم!!.
قبل أسابيع أبكتني وأبكت الكثيرين من أبناء الوطن في الداخل والخارج صورة تم تداولها في وسائل الإعلام للفنان المرحوم كرامة مرسال وهو يبكي، عندما كشف المصوّر الصحفي محيي الدين سالم عن سر الصورة التي التقطها للفنان الحضرمي الكبير الراحل كرامة مرسال وهو يبكي قبل رحيله في 3 أغسطس الشهر الجاري في مدينة المكلا عاصمة حضرموت.
وقال في منشوراته "إن الصورة تعبير عن مرارته من تجاهل وزارة الثقافة وكبار المسئولين في الدولة للفنانين, في حين أشاد بمواقف محافظ حضرموت خالد سعيد الديني وتمنى لو أن كل الناس مثله."
وأكد المصور الصحفي أن "مرسال أبلغه قبل سنوات من رحيله بمرارة الواقع الذي يعيشه وتمنى لو أنه عرف المحافظ الديني قبل وصول حاله إلى ما وصفها (بالبهذلة)" حسب وصفه.
ونقل عنه "مجروح من وزاره الثقافة ومن كبار المسؤولين في الدولة.. وأشاد بالمحافظ خالد الديني الذي تمنى لو أن عرفه من قبل.. هكذا بكى مرسال، وأبكى الناس مع".
نتمنى من الإخوة الوزراء والمحافظين المعنيين تحريك مشاعرهم والالتفات إلى معالجة قضايا وهموم "مبدعو اليمن"، وأن ينتهجوا نفس التعامل الذي يبديه كلٌّ من الأستاذ خالد سعيد الديني محافظ محافظة حضرموت والأستاذ عبدالقادر هلال أمين العاصمة مع هذه الشريحة، لهم التحية والشكر، ونتمنى أن نرى الشعب اليمني بمختلف فئاته وشرائحه يبكي فرحاً، وأن تنتهي وتغيب عنه إلى الأبد لحظات ومواقف التذمر والأحزان.
n.albadwi2013@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق