2011/08/15

"هَكَذا هي" قصة قصيرة لإيهاب جوزيف لبيب

هَكَذا هي
إيهاب جوزيف لبيب
تقدَموا .. لا تَعتبروا أنفُسَكُم غُرباء .. فتِلك هي جَنتي الأرضيه التي طالما حَكيت لَكُم عنها ورأيت في عيونكم إشتياق رؤيَتها ..

ما رأيُكم ؟ .. إِنه بَيتي الذي يَمتَلئ قَلبي بِعشقهِ .. إنه بَيتي الذي لا أُفارِقه مَهما كان ما يَحول دون ذلِك .. فما أن تَطأ رَوحي فيه حتي تُسرع بَقايا رائحته المُمَيَزه والمُحَبَبه إليَ لتكُون أَول من يَستقبلُني .. فلطالما تملأ أركانه طيلة اليوم و دائماً ما تأبي أن تَنصرم دون أن تُرحب بعودتي ..
إنه بَيتي .. كُل ما فيه صَديقي .. سنوات عده مَرت ولم تَتغير به الأشياء .. كُلٌ في مكانه .. كُلٌ كما تركته .. وكأنني غادرت منذ ساعات و كأنه بإنتظاري .. مَكتبي .. سَريري .. ملابسي و حذائي .. كُتبي .. صورَتي .. حتي ساعتي المُنَبهه لم يتبدل مَوضعها .. خَرجت مني نَظره إليها فتنبهت ..
إنه الفَجر .. ميعادها الذي طالما أنتظره لألقاها فيه .. إنه الفَجر حين لا يَتَمَلك شئٌ فوق سَطوَة الهدوء الذي يُغلف جَميع الأمكِنه و يَملأ النفوس .. حينها أُناديها لتَصحو فتَصحو مُستَجِيبه .. أنتظرها حتي تَستفيق من أثار سُباتِها القَلِق .. أستحثُها لتأتيني وأظل في إنتظارها .. أصيخُ السَمع .. نعم إنها هي .. لم أنسي أبداً وقع خُطواتها .. لن أنسي أبداً آنة الأرضيه الخشبيه تحت وطئة قََدَميها .. أراها جيداً رغم الظلام الدامِس .. لم تتغير كثيراً .. لعله بعض الشَيب الذي غَزي مُقَدِمَة رأسها ليس إلا ليُزيدها وقاراً علي وقار ويُعلِن في تَحَدي عن حِكمَة سنوات من الحياه تَفيض من هذا الرأس .. نعم .. إنها هي .

في هُدوءٍ تام تأتيني .. في سُكونٍ كامِل تَجلس أمامي .. في صمتٍ حَريص تَنظر إلي وَجهي المُبتَسِم ولكنها لا تُبَادله الإبتسام .. في لَهفه واضحه تسألني عيناها .. تَتَمني لو أُجيبها ولو بكَلِمه واحده حتي وإن كان بَعدها الصمت أبدياً .. أُنصت لهذا الصَوت المُنتَظِم الذي حطم لَذة الهدوء من حَولنا لأُدرك أنه ضربات قَلبها الذي يَختلج خَوفاً علي .. أنظر إلي وَجهها فأجد عيناها حائرتان تفحصان وجهي في هَلع .. أنظر الي شَفتيها فأجدهما ترتعشان رعباً من أجلي .. تَنعكس كل الألام التي تَعتمِل بداخلها علي وَجهها الملائكي الذي تَصرُخ قسماته في صَمتٍ موجع .. كَم تَمنيت لو أستطيع التَخفيف عنها ولكن ..

تَمتد يَدها إلي .. تَتَحَسس هذا الجِدار الزُجاجي العازِل بين لمساتها وبيني .. تَلعنه بصوت خَفيض ليَخرُج همساً يصُم أُذني .. تتلاعب بها الذكريات فتبدأ في البُكاء .. ليتها تَعلم .. ليتها تُدرك .. كَم هي غاليه تلك القطرات التي تَذرفُها .. كم هي مؤلِمه وموجِعه .. لا تُسعفُني ذاكرتي كي أتفكر عدد المرات التي ودَدَت فيها أن لم أُخلَق كي لا تَربُط بيني وبينها تلك الذكريات الرائعة التي أبداً لن تذهب عنها .. كم تَمَنيت أن تُمحي من رأسها تِلك اللاواتي لم تَكُن تَربُط بيني و بين أخر سِواها .. فقط , كَي لا تَبكي ثانيةً ..
أعودُ من أوهامي وأُمنياتي لأجدها مازالت تَبكي .. تَتَسألون لِماذا تَبكي .. ألا تَعتقدون أن سؤالكم فيه شئ من الغرابه ..

كم تَمنيت لو أستطيع تحطيم تلك الصوره التي تُدميني كُلما دَمَعت عيناها الغاليتين عِندما تَشخُصان إليها .. كَم كَرِهت تِلك الصوره و وَدَدت أن تختَفي .. أية صوره ؟! .. ماذا دهاكم ؟!! ..
إنها صورتي التي أصبحت تحتل أكثر من نصف الجِدار .. أسترق إليها نظره خاطِفه .. أجدُني فيها مبتسماً .. لَكَم رأيتُ صوراً لأخرين يَبتَسمون .. بعضُهم في بلاهه وأخرون في إصتناع مُسِف .. وقِله من القَلب .. و لكني كُلما كُنت أنظُر إلي صورتي أشعُر بإبتسامتي فيها كَمَن يَبعثُ برسالة إطمئنان لناظِرها .. و أدركت صحة إعتقادي حين نظرت إلي عيناها الغارقه في الدموع و إلي شَفتاها التي بَدأت تَرتسِم عليهما ملامِح إبتسامه تُشرِق لها الشمس .
لا أُخفي أَنني لم أَنظُر لتلِك الصوره مُنذُ بِضعة سَنوات لا أذكُر عَدَدِها .. ليس لِسبب أكثر من أن تِلك الشاره السَوداء التي تَحتل زاويتها العُليا تَبعث في نَفسي شئٌ من الإنقباض ..
أعرفُ يَقيناً إنها الأن تشعُر بوجودي .. تُريد أن تَحتضني .. تُريد أن تبكي علي صَدري .. كَم وَدَدت أن أرتمي برأسي علي كَتِفها وأبكي .. لا أعرف لأي شئ أبكي .. لكني أُريد أن أبكي وكَفي .. علي أن يَكون بين ذراعيها هي .. حَيثُ الإطمئنان .. حَيثُ الراحه .

ما كُل هذا الحُب ؟! .. لا تَتَهكمون أيها الرِفاق .. فمهما إختَلفَت الأزمِنه وتعاقََبت .. وتَغيرت الأماكن وتَشكَلت تَظِل هي علي حالها ..

نعم .. هكذا هي دائماً .. إنها أُمي .

ليست هناك تعليقات: