2011/08/04

فضيحة حظر مؤلفات على يد كتاب ومثقفين تهزّ الوسط الأدبي السوداني

الفضيحة تتعلق بشكل أكبر بتورط مثقفين وكتاب في عملية الحظر أكثر من الحظر نفسهفضيحة حظر مؤلفات على يد كتاب ومثقفين تهزّ الوسط الأدبي السوداني

تباينت الآراء في الوسط الأدبي السوداني بعد الإعلان عن ضلوع عدد من الكتاب والمثقفين في حظر مؤلفات وأعمال أدبية. بعض الآراء عزا هذا التورط إلى هشاشة أخلاقية، والبعض الآخر رأى بأن حظر الكتب بشكل كامل في عصر الإنترنت مستحيل.

 
استنكر عدد من الكتاب والناشرين والمثقفين في السودان حظر عدد من الكتب السياسية والأدبية خلال الأيام الماضية من قبل المجلس القومي للمصنفات الأدبية والفنية، خاصة رواية (الجنقو .. مسامير الأرض) لعبد العزيز بركة ساكن، التي فازت بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي. حظر هذه الرواية فجر فضيحة تورط عدد من ألمع نجوم الأدب السوداني في حظر عدد من الأعمال الأدبية.
هكذا بدأت القصة...
الفضيحة بدأت عندما رفع عبد العزيز بركة ساكن، مؤلف رواية (الجنقو .. مسامير الأرض)، شكوى لرئيسة لجنة الثقافة بالبرلمان السوداني، الكاتبة والروائية بثينة خضر مكي، بشأن حظر روايته. بثينة مكي قامت بدورها بإجراء تحقيق في الحادثة، واكتشفت أن بعض المبدعين والمثقفين ضالعون في عمليات حظر المؤلفات الأدبية والثقافية.
وأبدت مكي لدويتشه فيله استغرابها من وجود أسماء لكتاب ومبدعين كبار يحظرون الإنتاج الفكري والأدبي، وقالت إنها استأذنت المجلس القومي للمصنفات الأدبية والفنية قبل نشر أسمائهم في الصحف السودانية. الأدباء والمثقفون المذكورة أسماؤهم كانوا أعضاء في لجنة المخطوطات الثقافية المختصة بالروايات، ومنهم من لم يعجبهم نشر أسمائهم على الملأ بطبيعة الحال، حسب ما تضيف مكي.
لست طرفاً في هذه القضية
يرى الناقد الأدبي مجذوب عيدروس أن حظر الكتب في عصر الإنترنت بات غير ممكنيرى الناقد الأدبي مجذوب عيدروس أن حظر الكتب في عصر الإنترنت بات غير ممكنولأن اسمه ورد ضمن القائمة التي نشرتها مكي، اكتفى الروائي والقاص إبراهيم إسحق بتسليم دويتشه فيله بياناً كان قد نشره في الصحف، ينفى فيه التهمة عن نفسه. ويؤكد إسحق في بيانه أن موظفين في المجلس القومي للمصنفات الأدبية والفنية طلبوا منه استلام عملين أدبيين وكتاب لإبداء الرأي حول السماح بتداولها داخل السودان، حسب متطلبات قانون حماية حق المؤلف لعام 1996. ويقول إسحق إنه أعاد الأعمال إلى المجلس بعد أسبوع وقد أوصى في تقريره بعدم أهلية العملين الأدبيين للنشر، لما بهما من ضعف فني، وإن رواية (الجنقو) التي تسببت في تفجير قضية حظر الكتب لم تكن بينهما.
واستنكر الروائي السوداني الهجوم عليه، نافياً وجود لجنة للمخطوطات الثقافية مختصة بالروايات في إطار المجلس القومي للمصنفات الأدبية والفنية، وموضحاً أن اللجنة ببساطة تُكوَّن بقرار وتُعلن كفريق وتجتمع وتقرر على ضوء التقارير التي تكتب.
ويشير إبراهيم إسحق إلى أنه ليس مسؤولاً إلا عما كتب في تلك التقارير، متسائلاً: كيف يقال إن اسحق صوَّت لفوز رواية (الجنقو) في مسابقة الطيب صالح، ثم قام بحظرها في مجلس المصنفات، وهو لم يكن طرفاً هنا ولا طرفاً هناك؟!

تشريعات مرنة
وعلى الرغم من أن سيف الاتهامات كان قد طاله في هذه القضية، فضّل الناقد الأدبي مجذوب عيدروس الابتعاد عن مناقشة القضية في هذا الإطار الضيِق، ومناقشتها في إطار أوسع.
ويتساءل عيدروس، في حوارٍ مع دويتشه فيله، عن  جدوى الحظر في ظل النشر الإلكتروني والعالم المفتوح، معتبراً أن الكتاب الورقي، سواء حُظر أو لم يُحظر، سيصل إلى القارئ عن طريق وسائل أخرى. ويتابع عيدروس بالقول إنه ليس هناك أي شخص يملك الوصاية على الإنتاج الفكري والأدبي حتى يقرر نشر أو منع هذا الكتاب أو ذاك.
المحرر الثقافي التقي عثمان يتهم الأدباء المتورطين في الفضيحة بالهشاشة الأخلاقية
المحرر الثقافي التقي عثمان يتهم الأدباء المتورطين في الفضيحة بالهشاشة الأخلاقيةويؤكد مجذوب عيدروس صعوبة السيطرة على نشر الكتب وتداول المعلومات بعد أن تعددت الوسائط الالكترونية من إنترنت وقنوات فضائية، ويوضح أن العالم كله أصبح متوافقاً على حرية التعبير وامتلاك المعلومة، التي تعتبر في المواثيق الدولية حقاً من حقوق الإنسان.
وطالب عيدروس بإيجاد تشريعات مرنة تتماشى مع روح العصر، على أن يساهم في بلورتها وصياغتها تنظيمات الكتاب والمبدعين والناشرين، لأنهم المعنيون الأصليون بهذه القضية.

هشاشة أخلاقية
من ناحيته يرى المحرر الثقافي التقي عثمان أن قضية حظر الكتب في السودان ليست وليدة اليوم، وإنما هي قضية قديمة تبرز دائماً في ظل الأنظمة الشمولية التي لا تحتمل الرأي الآخر.
ويبدي عثمان استياءه البالغ من ضلوع أسماء كبيرة يشار إليها بالبنان في هذه القضية. ويعتبر أن كثيراً من الكتاب والمبدعين تورطوا في هذه القضية بحسن نية، لهشاشة أخلاقية في منظومتهم الفكرية والسياسية، على حسب وصفه.
الفكر لا يُحظر
وبعيداً عن هذه الفضيحة الثقافية، وقريباً من قضية حظر الإنتاج الفكري والأدبي، يرفض الناشر نور الهدى محمد نور مبدأ حظر الكتب، ويرى أن الفكر لا يمكن حظره. لكن يمكن مقارعته بالفكر نفسه.
ويكشف نور لدويتشه فيله عن ثلاث جهات تمارس حظر الكتب في السودان، هي المجلس القومي للمصنفات الفنية والأدبية، وجهاز الأمن والمخابرات الوطني، والجمارك. ويقول نور إن الجهة الوحيدة المخولة بالحظر بموجب القانون هي المجلس القومي للمصنفات الأدبية والفنية، وذلك من خلال المادة 15، التي تنصّ على منع الأعمال الأدبية "التي تمسّ الأخلاق أو الأمن الوطني أو الأديان". وينتقد نور هذه المادة باعتبارها مادة مطاطة لا تحدد معياراً واضحاً للحظر، على حسب وصفه.
الناشر نور الهدى محمد نور يرفض مبدأ حظر أي عمل أدبي أو فكري من باب ضمان حرية التعبيرالناشر نور الهدى محمد نور يرفض مبدأ حظر أي عمل أدبي أو فكري من باب ضمان حرية التعبيرويوضح الناشر السوداني أن عدم وجود معيار واضح جعل من السهل جداً على أي صاحب سلطة أن يقوم بحظر الكتاب، ويدلل على ذلك بحظر كتاب (الحركة الإسلامية السودانية – دائرة الضوء خيوط الظلام– تأملات في العشرية الأولى للإنقاذ) للأستاذ المحبوب عبد السلام، الذي لم يحظره مجلس المصنفات، حسب نور، وإنما طاله الحظر السياسي من قبل جهاز الأمن الوطني. ويرى نور أن المبدأ في النشر أن يكون دون حظر، وعلى المتضرر من النشر اللجوء إلى القضاء.
عثمان شنقر
مراجعة: ياسر أبو معيلق
نقلا عن دويتشه فيله

ليست هناك تعليقات: