2010/11/07

الزمن وبنية التحول قراءة في مجموعة ( الذي كان) لجمال التلاوي

الزمن وبنية التحول قراءة في مجموعة ( الذي كان) لجمال التلاوي
بقلم / أحمد طوسون
المجموعة القصصية (الذي كان) للكاتب والناقد د.جمال التلاوي لا يحمل عنوانها عنوان أحد نصوصها وإن جاء ضمن سياق عنوانين من نصوص المجموعة وبالتحديد نصي (الطائر الذي كان) أول نصوص المجموعة و(الطفل الذي كان) آخر نصوص المجموعة ، إلا أن العنوان يبدو ذو وشائج بمختلف نصوص المجموعة، ويكشف للقارئ منذ الوهلة الأولى أننا أمام لعبة زمنية تقوم على فعل التحول ما بين زمنين، زمن الماضي ( الذي كان)، والزمن الحاضر الآني الذي صارت إليه مصائر شخوص وأبطال قصص المجموعة التي تقع في 112 صفحة من الحجم المتوسط و تحتوى على تسعة عشر عنوانا.
كل الشخوص والعلاقات والتجارب في نصوص المجموعة تبدأ في لحظة زمنية لتنتهي في لحظة زمنية أخرى شكلها الزمن بعواصفه وتقلباته، حينها تظهر عذابات الإنسان التي لا تنتهي عند لحظة بعينها!
ورغم أن المفارقة الزمنية بين الماضي/ الآني تمثل العامل المشترك الجامع بين نصوص المجموعة، لكن هذا لا يتعارض مع اختلاف المعطى الزمني و فضاءات الزمن من نص إلى آخر
وهو ما تعتزم هذه القراءة استجلاءه.
الزمن / المفارقة:
الزمن يعد في المجموعة أساسا مهما ينهض عليه السرد ويرتبط بتحولاته تحول جذري في مصائر الشخوص والنهايات التي يختارها السارد لنصوصه.
ولعل أبرز صور الزمن في نصوص المجموعة صورة الزمن المفارقة والذي يرصد التحول ما بين زمنين، الماضي/ الآني، والذي يحمل في معانية دلالة التناقض بين حالين، فغالبا ما يمثل الماضي حالة البراءة/ الفرح/ الأمل/ القدرة على الفعل، بينما الحاضر يمثل النقيض، انكسار ،خيبات ،وعجز.
لكن ورغم أن هذه الصورة تبدو في ظاهرها تشاؤمية سوداوية إلا أن بعض نصوص المجموعة ظلت مفتوحة أمام احتمالات القدرة على الفعل برغم التحول الحاد لمصائر الشخوص مع تغير الزمن كما في نص (الطائر الذي كان) الذي ينتهي باستمرار الطائر في الغناء (الحزين) رغم غياب المحبوبة..(صوتها يخفت.. صوته يعلو.. يخفت.. يعلو.. يخفت .. يعلو.. حتى اختفت.. وإلى الآن صوته الحزين يعزف ليل نهار.. دون توقف.. أغانيه الشجية..)ص9، ففعل الغناء يبدو وكأنه استمرار للأمل ومناجاة لا تنتهي للمحبوبة التي غابت.
بل أن البطل يتعدى فكرة الأمل إلى فكرة الفعل والقدرة عليه كما في قصة (الطفل الذي كان) برغم التحول/ الزمن.. ( وربما انتظروا أن يتعثر.. ربما.. ولكن الطفل الذي لم يعد صغيرا كان قد بدأ بالفعل يطأ الأرض بخطواته الأولى) ص 109.
وتعد قصص (الطائر الذي كان)، (الصفعة)، ( البالونة)، (حكاية الحصان الذي خسر السباق)، (نهاية)، أكثر النصوص تمثيلا لفكرة الزمن/ المفارقة.
مع ملاحظة أن قصة (الطائر الذي كان) لا تعتمد ثنائية الزمن.. الماضي/ الآني، وإنما يستدعي السرد زمنا ثالثا مضمرا، هو زمن الغناء الأول.. ( كان مشغولا بغنائه وصوته الجميل.. يسعد عندما يلتف حول قفصه الزوار ويظل ينتقل من مكان لآخر.. مرفرفا بجناحيه)ص6.
وبذا نصبح أمام ثلاثية زمنية، زمن مضمر/زمن الغناء الأول، زمن الماضي/ زمن الصمت واليأس( الذي يعجز الطبيب والحارس والزوار عن فهم واستجلاء أسبابه)، وأخيرا الزمن الآني/ زمن الغناء الشجي (الذي صاحب غياب المحبوبة التي أعادت إليه الغناء).
وفكرة الزمن المضمر رغم وجودها في نصوص أخرى إلا أنها لا تكسر ثنائية الزمن، الماضي / الآني التي تعتمدها نصوص المجموعة، كما وردت في قصة (نهاية) حيث يصبح الماضي زمنا مضمرا يستدعيه السرد دون حضور جلي كما في غيره من النصوص.. حيث يبدأ النص بلحظة راهنة يعيشها السارد تجعله يتساءل فيما بينه عن حقيقة ما حدث، ( هل بالفعل حدث ما حدث)، السؤال المفجر للحظة وعي السارد بالموت.. لكن التلاوي لا يكتفي بتجسيد الموت المادي وتكثيفه كما يفعل كثيرون غيره ، بل يطرحه على مستوييه المادي والمعنوي، ومن ثم يستدعي السرد زمنين مضمرين هما في حقيقتهما زمنا واحدا.. الزمن الماضي، الذي يقسمه إلى شقين معنوي يتمثل في الصمت والموت وجفوة الأهل والأصحاب ونسيانهم له، فالموت هنا انتقال من صمت وموت معنوي أشد وطأة إلى موت متحقق ( أخيرا تجيء هذه الخطابات المتسائلة لتوقظ عهودا من الصمت والموت) ص 68.
وشق ثان/ زمن ماضي مادي لا يستطيع استعادته الآن يتمثل في لحظاته الحميمة مع طفله وأمه.. ( وكنت حين أداعب طفلي "مرسي"يبتسم بعرض الكون، لكنه حتى الآن لا يبتسم.. ولا يشعر بي.. أقبل عليه.. فيذهب بعيدا.. بعيدا.. هل بالفعل حدث ما حدث ) ص69.
وفي (الصفعة) يظل أثر التحول ما بين زمنين، ما قبل الصفعة/ ما بعد الصفعة ، ماثلا ، مهما حاول (الفتوة الأوحد) وأعوانه نسيانه أو محوه بتوجيه الصفعات كل يوم إلى أحد مرتادي المقهى ، فما كان قبل الصفعة لم يعد ولن يعود كما كان!
( وارتفعت يده اليمنى تتحسس " قفاه"، وقف على التو، أتجه لمكان محدد ، أختار أحد الجالسين ، أنهال عليه ضربا، وأكمل أتباعه، أشار إليه وبأنه الذي صفعه بالأمس، أمن الجالسون والسائرون والواقفون.. بجوار المقهى وبجواره، قالوا"أحسن.. يستاهل"، تطوع بعضهم وساعد في الضرب لكنه حينما عاد لمكانه كانت يده اليمنى تسرع إلى قفاه تتحسسه.) ص 13.
ومهما اعتدى كل يوم على واحد جديد سيظل أسير الصفعة( لكن يده اليمنى لم تعد تكفي لأن تتحسس مكان الصفعة ، فكان يرفع يده اليمنى ليتحسس مكان الصفعة وينزلها حتى ترتفع اليد اليسرى مكانها تتحسس هي الأخرى مكان الصفعة
أدرك رواد المقهى أن ما كان قبل الصفعة على قفا "فتوتهم" لم يعد ولن يعود كما كان..)ص14.
كما أن دلالة الماضي/ الآني هنا تؤكد عدم استغراق النصوص في الانهزامية، والحنين إلى الماضي بدون رؤية للمستقبل ، فالماضي بما يمثله فعل الصفعة من كسر لسطوة "الفتوة" المطلقة، يظل أثره ممتدا للآني وربما للمستقبل برغم الاحباطات التي يواجهها كل يوم رواد المقهى بالصفع والضرب فإن أثر الصفعة سيظل ماثلا للجاني وللمجني عليه، شاهدا على قدرة صاحب الحق في التأثير مهما بلغ من ضعف مقارنة بالجاني!
الزمن النفسي:
الزمن النفسي هو زمن داخلي بامتياز، إنه زمان الرؤيا والحلم ، ذو منحى صوفي يتشابه و(الزمان الأنفسي) في تجربة ابن عربي حيث زمان الرؤيا والإسراء والمعراج وهو زمن يصفه محمد شمس الدين في مقال له بعنوان ( من ابن عربي إلى ت.س إليوت من الزمن النفسي إلى الزمن العظيم) بأنه يتميز بغياب الحدود بين الماضي والحاضر والمستقبل وتذوب فيه كامل التجارب الفردية.(مقال منشور على النت)
كما أنه في حقيقته يتشابه مع الزمن الوجودي الذي يبحث في وجود الإنسان ما بين الواقع والإمكان، فكما يقول باسكال عنه ( ليس في وسع المرء أن يحاول تعريف الزمن دون أن يقع في الخلف والإحالة).
ويتجلى تداع الزمن النفسي ذي المنحى الصوفي عند التلاوي في قصة (الياسمين)، الذي لا يمكننا هنا كما في حالة الزمن/ المفارقة تقسيمه إلى ماضي وآني.. فالزمن الواقعي ثابت يبدأ وينتهي في ذات اللحظة، بينما التحول يكون في الزمن النفسي الذي يتمثل في محطات المراقبة/ الوصول.
فالبطل في النص ينادونه ( سيد أبوكوبَّة- سيد العبيط) ص16، فالإشارة هنا واضحة من السارد إلى أن البطل المسرود عنه لا يمتلك المعايير المتعارف عليها بين العامة لذا وصموه (بالعبيط).. رغم أن النص سيكشف فيما بعد عن عمق أسئلته الوجودية حين يتماهى مع السارد كما في قوله ( هل كان له موقع بالفعل من قبل؟)ص19، أو في مناجاته لنفسه وتساؤلاته عن الأزمنة الأولى ونفيه للحلم الذي يثبت في الآن ذاته ثبوت الرؤيا المرتبط بالتجلي في النص.. (لو كانت هناك أزمنة أولى، لكنت نظرت لعينيها وقلت لها " أنت رقيقة كالياسمين"، ربما تستدير فتحمر وجنتاها وتصبحان كبراعم الياسمين قبل أن تتفتح ويشوبها خط أحمر، فأتراجع ولا أقول شيئا أو ربما أقول لها ذلك في الحلم، لكني لا أحلم)ص21
ويمكن تقسيم الزمن النفسي في القصة إلى مراحل الغنود/الإدراك/الورود/الكشف.. فالزمن هنا تحول إلى حالة من حالات المراقبة بتجلياتها.
فالغنود: الذي يمثل أول مراحل التأمل ويعقبه السبات يتمثل في المقطع الأول من القصة حيث يتأمل حاله ويلملم بقاياه ويشغل (بقعة صغيرة من الأرض الكبيرة تلك التي يشغلها – دون أن يملكها)ص15 ، ويظل يتأمل حاله وحال ما حوله حتى يدخل في السبات الذي يحرره من طبيعته للدخول في مرحلة الإدراك ( تخفت النار.. تخفت.. تتلاشى..ثمة شيء لم يكن.. وأي شيء يمكن أن يكون..عاد الظلام، وعاد الصقيع، وقبل ذلك لم يكن شيئا.. وأي شيء يمكن أن يكون.. عاد الظلام، وعاد الصقيع، وقبل ذلك لم يكن شيئا، لم تكن نيران ودفء، ولم يكن صقيع ولم تكن رحلة بحث عن حصاد يدفئه................... ............... إلى قوله: ويمتد الليل.. والكون حوله يردد أنفاسه) ص19,18.
الإدراك: يصبح السبات تأمل ويصبح المريد في حالة يستطيع معها أن يرى فيما وراء اللا وعي ( هل تعرض لمثل هذه الشمس من قبل؟ أنه يتعرض لها لأول وهلة) ص 2.
هنا لا يصبح معنى للسؤال عن أزمنة أولى حيث التحول قد وقع وسيقود الإدراك إلى ورود فيدرك ما يدركه عامة الناس( الشجرة تسقط عليه بعضا من ثمارها فيمد يده يأكل حتى يشبع.. يشبع ما دام يأكل، ما دام الثمر، والثمر يساقط ما دامت الشجرة، والشجرة تحنو عليه فيلتصق بها)ص20.
حتى تتسع الرؤية ويصل إلى الكشف والشهود فتتسع الرؤية ويصبح المدى حوله لا نهائيا.. ( الكون حوله متسع.. والمدى لا نهائي.. وهو.. يتكئ على عصاه.. وأنفاسه تتعالى.. فيرددها الكون حوله..) ص22.
أيضا نجد التداعي ذاته للزمن النفسي ولكن بمنحى وجودي هذه المرة في نصي (حكاية القطة التي أكلت أولادها) و(أشواك الورد) حيث اللحظة الثابتة والمتحول /الزمن النفسي من خلال الطرح لأسئلة الذات.
الزمن النسبي:
حيث التحول يحدث وفقا لنسبية الرؤية ولا يرتبط فقط بتغير الزمن الماضي/ الآني، فمع تغير الزمن يكون حال الشخوص أقرب إلى الثبات لكن التحول ينتج لنسبية الرؤية من زمن إلى آخر.. ودلالات الزمن النسبي تحضر بوضوح في نصوص:(عبث)، (قراءة في نص حجري)، (أغنية رمادية)، (الطفل الذي كان).
ففي قصة ( الطفل الذي كان) تصبح الخطوات المتعثرة ثابتة والمتحول/النسبي رؤية السارد التي تختلف باختلاف الزمن.. فالخطوات المتعثرة في الزمن الذي كان/الماضي، زمن الطفولة تصبح مصدرا للفرح والبهجة لاعتقاد الطفل أن هذه الخطوات مصدر الفرح وحشد المقربين حوله ومنحه ما يحتاجه من الحب والحنان، ( إذا ما سقط امتدت عشرات الأيادي لتلحق به من قبل أن يلحق هو بالأرض.. إذا ما تعثر خفق قلب الأم .. وأسرع والده..عندما يخطو خطوة أخرى يجد هدايا الأب في انتظاره..)ص105
خطوات لم تكن محسوبة بحسابات أخرى .. خطوات طفولية بزخم البراءة، رغم تعثرها إلا أن السارد كان يعتبرها لعبة تثير اهتمام من حوله به ويسعد الطفل المسرود عنه لأن الوعي/النسبي رآها بمنظوره الخاص.. ( الطفل الذي كان صغيرا- ربما أعجبته اللعبة فيحاول أن يجذب انتباههم أكثر يسرع الخطو فيسرعون معه.. إذا تعثر صرخ ليلتفوا حوله.. وإذا سقط، أطال البكاء ليحتضنوه..)ص106
لكن عندما يتغير الزمن، التحول/النسبي، تصطدم الخطوات المتعثرة بخطوط حمراء لم تكن موجودة في زمن الطفولة الأول.. وهي في حقيقتها خطوط متوهمة صنيعة وعي بطل النص، (خطواتك الآن لن تكون للأمام ولن تكون مطلقة.. أومأ في صمت.. لم يقل له أحد منهم ذلك لكنه من نظراتهم أدرك.. قانون صامت يحكمه ويحكمهم..)ص107.
فالتغير/التحول في حالة بطل النص ليس مرهونا بالتغير في الزمن بقدر ما هو مرهون بوعيه ووعي من حوله.. الوعي الذي حول فرح الخطوات المتعثرة إلى ألم يتضاعف بعدم قدرة بطل النص على الإعلان عن ألمه.. ( لا ينبغي أن يعلن عن ألمه إلا لنفسه..) ص107.
فالزمن هنا لا يرتبط بالحدث/الخطوات المتعثرة، بقدر ارتباطه بالوعي.. فالزمن الوعي الذي كان، جعل نظرات من حوله حب واهتمام وحنان.. جعلها في وعي نسبي آخر نظرات متربصة ساخرة لا تحمل ودها وحنانها القديم.. (الطفل الذي لم يعد صغيرا .. يحاول خطواته الأولى.. الخطوة الأولى تسبقها حسابات كثيرة.. واحتمالات أكثر)ص108.. ( وكانت العيون الساخرة التي تراقبه تنتظر سقوطه.. أو تعثر خطواته..)ص109.
وكما في قصة (الطائر الذي كان) لا تعتمد قصة (الطفل الذي كان) ثنائية الزمن الماضي/ الآني المهيمنة في أغلب نصوص المجموعة، فيجد المتلقي نفسه أمام زمن/وعي ثالث، يتشكل في نهاية القصة حين يتجاوز البطل المسرود عنه وعي الزمنين الماضيين، مشكلا لحظته الراهنة بوعي جديد قادر على تجاوز ما حوله وتجاوز كل تعثراته في سبيل خطوة تقوده إلى المسار الصحيح ويكون بقدرته أن يطأ الأرض بخطواته الأولى.. ( وربما انتظروا أن يتعثر.. ربما.. ولكن الطفل الذي لم يعد صغيرا كان قد بدأ بالفعل يطأ الأرض بخطواته الأولى)ص109.
فالتحولات التي حدثت للطفل في القصة لم يكن لها علاقة بتغير الزمن (حتى مع أثره في تغير الوعي) بقدر ما كان التحول رهينا بنسبية الوعي والرؤية عند الطفل.. فنجده في زمنين متجاورين انتقل من العجز والألم إلى الثقة والإقدام على خطوة في الطريق الصحيح.
الزمن/السرد:
يعتمد الكاتب في أغلب نصوص المجموعة الحكي الشفوي بسياق رواية القص مما يحيل مرجعية النصوص إلى مرجعية تراثية تتماس مع تاريخ القص العربي في حكايات ألف ليلة وليلة، أو الحكايات الشعبية، وقد حرص صراحة على عنونة القسم الثاني من نصوص المجموعة ب(حكى يحكي حكاية) استعاضة عن استخدام مفتتح في بداية كل نص كمفتتح (يحكى أن).. وبخاصة في نصوص (حكاية الحصان الذي خسر السباق)، (حكاية القطة التي أكلت أولادها والفأر الذي لعب بذيله)،و(حكاية البالونة).
وما يهمنا هنا وفقا لمنطق القراءة ارتباط الأداء السردي بفكرة تغير الزمن.. حيث حرص الكاتب أن يواكب التحول الزمني في نصوص المجموعة تحول سردي.. خاصة في استخدام الراوي(الحاكي) والتحول إلى الأنا الساردة مع التحول من الزمن الماضي إلى الزمن الآني في بعض النصوص وتبادل دورهما كما في قصة (زلزال) حيث يبدأ الكاتب باستخدام ضمير الغائب (هو).. (حين بدأ يفيق ويشعر بنفسه وما حوله..) ص71 ، لكنه سرعان ما يتحول إلى الأنا الساردة تحول عابر من خلال حوار مفترض بين الابن وأبيه، ( كان يود لو يرمي نفسه في حضن أبيه يقول له: ها أنا ذا أصبح لدي طفل..)ص72.. كان من المفترض مع انتهاء الحوار أن يعود إلى أداته السردية الأساسية لكننا نكتشف أن الكاتب اختار التحول إلى استخدام الأنا الساردة حتى مع انتهاء الحوار.. (يوم جاء ابني إلى الدنيا حملته بين ذراعي وأسرعت..)ص72.. هذا التحول بين ضمير الغائب الذي يستخدمه الراوي إلى ضمير المتكلم الذي تستخدمه الأنا الساردة سيشكل ظاهرة في بعض نصوص المجموعة يواكب التحول الزمني بين زمني الماضي/الآني، فيرتبط الزمن الماضي باستخدام ضمير الغائب (هو)، ثم مع التغير الحادث في الزمن يتحول الكاتب إلى استخدام ضمير المتكلم (الأنا).. ففي قصة (شرفة تطل على نهر) يستخدم الراوي الضمير (هو) في الزمن الماضي / مرحلة الذي كان حينما كان المسرود عنه يمتلك بيتا وحلما.. ( من شرفة غرفته المطلة على النهر ، كان يطل على النيل، يراه متسعا وعميقا..)ص93 ، ثم يتحول السارد مع تغير الحال وضياع البيت والأحلام إلى الأنا الساردة التي تبدو أكثر تعبيرا عن شجن ضياع الأحلام.
ويبدو الزمن في قصة ( نغم) دائريا يعيد إنتاج نفسه، ويتداخل صوت السارد مع صوت المسرود عنها أم الشهيد، ويحدث أكثر من تحول على مستوى السرد ما بين الضميرين (هو)، (أنا)، يواكب التحول والتداخل الزمني بين ثنائية الماضي/ الآني.. ليفصح النص مع نهايته عن دائرية الزمن، وتصبح نغم في صدام مع الاحتلال الغاشم و المصير نفسه الذي واجه شادي الذي كان.

 

ليست هناك تعليقات: