2011/09/05

"الحب الأعمى" قصة قصيرة بقلم د. صديق الحكيم

الحب الأعمى*
د. صديق الحكيم

قالت جيهان لعرفان أتحبنى وأنا ضريرة ولماذا اخترتنى من بين كل بنات حواء وفيهن الجميلة واللطيفة والمثيرة والجديرة بأن تكون لك حبيبة وزوجة ودود ولود؟!
هل كان اختيارك لى قرار صدر فى لحظة غاب فيها العقل؟!
أم فى ساعة حضر فيها القلب المشفق على عمياء مثلى؟!
رد عليها عرفان لا هو جنون ولا هي شفقة الأمر أبسط من ذلك
فقط أنا عاشق وكل ما أتمناه وأطلبه منك أن تصيرى لى زوجة وفية وتكونى قرة عينى
ولا توجد لدى معوقات من أىّ نوع لإتمام هذه الزيجة فالمال موفور ولله الحمد والمنة وبالنسبة لموضوع النظر فيكفينى منك البصرفكما تعرفين ليس كل ناظر مبصرومن الناس من أعطى النظر وحرم البصيرة وقد سالت طبيباً مشهوراً عليماً بأمراض العيون فأخبرنى بأن سبب العمى قابل للشفاء فالسبب عتمامة فى القرنية الشفافة والمشكلة تكمن فى عدم وجود متبرع مناسب
قالت جيهان: أعدك ووعد الحر دين عليه إن تم المراد من رب العباد وعاد لى النظر سأكون لك زوجة وفية رضية وقرة عين حتى نهاية العمر، لكن من يتبرع لى بقرنيته الشفافة وكيف يصير حاله بعد أن يفقد النور ويصبح الظلام رفيقه فى النهار قبل الليل.
قال لها عرفان سأبذل قصارى جهدى ولن أكلّ أو أمل حتى أجد الحل ومرت الأيام وعرفان مازال يبحث عن متبرع وجيهان تنتظره على أحر من الجمر وفى يوم مشرق بالأمل جاءها عرفان بالبشارة
لقد وجدت من يتبرع لك بالقرنية الشفافة وستنعمين بالنظر إلى ماخلق الله من جمال وما صوره البارئ من إبداع ولكن هل تتذكرين وعدك لى بأن تكونى لى زوجة وفية وقرة عين راضية مرضية
قالت له جيهان وهل لديك فى ذلك ريب
ودخلت إلى العمليات واستبدل جراح العيون الماهر القرنية المعتمة بقرنية شفافة من المتبرع وخرجت من غرفة العمليات وعلى عينيها ضمادة بيضاء ربطت بعصابة
وفى صباح اليوم التالى جاءها الطبيب فك العصابة و رفع الضمادة عن مقلتيها وفتّحت جيهان عينيها على الحياة الملونة من جديد وكان عرفان يمسك بيديها فلقد كان حريصاً كل الحرص أن يكون أول من تقع عينيها عليه فى نهارها الأول بعد لياليها الطويلة المظلمة لم تمتلك نفسها من الفرحة فصا رت تصرخ وتضرب الأرض برجليها كطفل صغير ونالها من السرور مانالها وابتهجت وعلا وجهها السرور وارتسمت على محياها السعادة والحبور وفى ذروة نشوتها العارمة وفرحتها الغامرة برجوع بصرها
رأته، نعم رأت عرفان فتبدل الحال من قمة الفرح والسعادة والسرور إلى قاع الكآبة والحزن والنفور من صرخة السرور إلى ذهول وفتور، وبادرته متعجبة وهى تقول: أأنت أعمى ؟!!
وانهارت على الكرسى المجاور للسرير وانهمر الدمع من عينيها
تبكى وتنوح وتنعى حظها العثر
فرد عليها عرفان مواسياً لها ومضمداً جراحها
لا تحزنى يا حبيبتى فستكونين لى عيونى التى أرى بها ومرشدى ودليلى فى قادم الأيام معتقداً أنها تبكى على حاله وهى فى الحقيقة تبكى حالها وسوء حظها
وعاجلها عرفان بسؤاله متى ستوفين بوعدك لى وتصيرين زوجتى
انتبهت جيهان ـ من ذهولها ـ لسؤاله
وأطلقت دون وعى أو تفكير جوابها القاتل كأنه سهم مسموم
أأنا أتزوجك أنت أيها ألأعمى هل يعقل هذا؟
كيف هداك تفكيرك لهذا ؟!
أنا اليوم صغيرة وجميلة ومثيرة وفوق هذا بصيرة
فما كان من عرفان إلا تلقى جوابها المسموم فى صمت وهو يتمثل قول أمير الشعراء أحمد بك شوقى فى رائعتة نهج البردة
حجدتها وكتمت السهم فى كبدى حرج الأحبة غير ذى ألمى
ولم ينطق لسانه إلا بكلمة سامحينى وأردف والحزن يملأ كل حروف كلماته التى خرجت من قلبه الذى يعتصره الألم نعم من أنا لتتزوجينى وأمسك بعصاه المعدنية وتحسس بها طريقه إلى الباب
وعندما وصل إلى الباب استدار ناحيتها وقال لها فى عتاب رقيق من محب عاشق قبل أن أذهب وأختفى من حياتك إلى الأبد..
أريد منك وعداً (مخاطبا نفسه وهل وفت وعدها الأول)
قالت جيهان ماذا عساك تريد منى
قال عرفان بلسان متلجلج وشفة مرتعشة
أريدُ منكِ أريدُ منكِ أن تعديني أن تعديني
قالت جيهان أعدك بماذا
قال عرفان أريد ك فقط "أن تعتني جيداً بعيوني.."
وأغلق الباب خلفه ورحل مع عصاه
مخلفا خلف الباب عيونه مع قلب جاحد للجميل ناكر




* من مجموعة وادي القمر

هناك تعليق واحد: