2011/09/22

"ظل سور المسجد الكبير" قصة قصيرة لسعاد محمود الأمين

ظل سور المسجد الكبير
د.سعاد محمود الامين

عندما لاح الصباح  وارتفعت الشمس فى كبد السماء. أرسلت الشمس أشعتها الملتهبة فسخنت الأرض واشتدت حرارتها. وصار الجو جافا وسور المسجد الخشبى يرسل طقطقات احتجاج. تنبعث من مراحيضه تلك الروائح المميزة النتنة من خليط  قاذورات من أناس مختلفي السحنات يقطعون جمارهم بما تعودوا عليه . يتبولون على سور المسجد.  تختلط هذه الرائح بروائح الأبخرة المنبعثة من المحلات التجارية الملاصقة لسور المسجد الكبير، بخور التيمان لطرد الذباب القادم من مرحاض المسجد هو المرحاض الوحيد فى منطقة الأسواق. تقام الصلوات وتتلى الآيات الكريمة على المصلين تناشدهم بالعطف على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وهم لايدرون من هم.هم الجمع الذى تحرك نحو شريط الظل الذى جاد به سور المسجد إسترخوا وتمددوا فوق أسمالهم يفترشونها  وتحركت معهم أرتال الذباب الذى كان ينتظر قدوم النهار ليشاركهم  الظل وأحيانا يلتصق بهم وكانهم حجارة صماء ترتفع أياديهم النحيلة يمنة ويسرة ليهشوه، ولكن لافكاك. أيادى مقطوعة الأكف، والأصابع،وبقايا أرجل قد تركها المرض يمدونها أمامهم يتسولون بها.وآخرون قد نهشتهم الأمراض المعدية. ففقدوا أبصارهم كل هذا الجمع المستظل بظل سور المسجد يجمعهم ذلك القلق المبهم ويسيطر عليهم كلما يأتى النهار. خلقت بينهم الروابط ربما رابطة الوطن المبهم متمثلا فى قطعة الارض التى يفترشونها جوار المسجد الكبير. يتحدثون لهجات مختلفه  ويأتون من بلاد شتى الكل يتسول بلهجته فتسمع أوركسترا الوجه الأخر للحياة :كرامه...كرامه...ك..كا..وا ها...باتا.... ربنا...سلام...خير..  تعلوا الأصوات فتجبر الماره على إدخال أيديهم عنوة فى جيوبهم ويخرجوا عملات معدنيه يلقوا بها فى القرعة أوصحن معدنى أمام المتسول ربما يكون أعمى أو أكتع . ضجيج السيارات  ودخان عوادمها، والغبار الذى تثيرة أقدام المارة المهرولون من هذا الشارع تلتصق بأجساد هذا الجمع فتتشكل الوانهم، وتنبعث منهم الروائح النتنة.
ترتبط مجموعة ظل  سور المسجد الكبير بسلوك عام منتظم بالنهار، يتماشى مع سلوك البلدة ، وإيقاع حيا ة المواطنون. ويظهر نمط هذا السلوك العام المألوف المتبوع  لمجموعة ظل السور، رجل إو إمرأة. إن شذوا عن القاعدة وأتوا بافعال   تخدش الحياء العام .ستتوتر أعصاب البلدة  وتهتزأسلاكها، وتدوى البلاغات وتاتى الكشه، لإعادة الأمور لنصابها لتهدأأعصاب البلدة؟
عندما تغطس الشمس بعيد وتلملم اشعتها الكونيه مودعة النهار. ياتى الليل البهيم بسواده الحالك  إلا من نجيمات يقفزن هنا وهناك ،على صفحة السماء الحالكة. وقمر خجول متوارى خلف السحب التى إزداد الليل بهاإظلاما. تهدأ أقدام المارة ويهدا ضجيج السيارات. وتتلاتشى الأبخرة  المنبعثه من المحلات بعد إغلاقها .ويلف الصمت جماعة ظل السور، ويختفى الغضب والتوتر وتتلاصق الجساد .وتختلط النطاف وتبذر الأجنة ووكل هذا العرى يلفه‘ الليل الحالك السواد. تتحرك الغرائز ويزحف كل ذكر نحو أنثاه لاوثيقة زواج ولاحب مشتعل، ولكنها الطبيعة تؤدى دورة البقاء  ويزحف ذكر نحو ذكر و العيون مغمضة  يختفى  النظام العام فى البلدة. ويتلاشى القانون وتاخذ الغرئز نصيبها  . وعند صياح الديوك فجرا  ينتهى كل المجون وتدب الحياة من جديد  بايقاع البلدة  المنتظم.
طيوبه المجنونة مواطنة  ظل السور. ياتى النهار فتخرج الى قاع المدينة. تتسول وملابسها قد تساقطت من على جسدها فبرزت مفاتنها .كثيرا ماضجرت منها المدينة ولكن أعصاب المدينه لاتتوتر لها فبها مس ..يطاردها الصبية فى الأحياء صائحين :طيوبه المجنونه........ ياها ياها .... المجنونه.
 عندما يأتى المساء تأتى طيوبه إلى وطنها سور المسجد. وتنزع ماتبقى لها من ملابس. وترقد عارية كما ولدتها أمها .ياتى بعض المارة التى تعبث الخمر برؤوسهم، ويرتمون فوقها كالبهائم يطفون شبقهم ويذهبون .ربما فى ذات الليلة ياتيها أربعة من الرجال ويبذرون فى رحمها بذورهم ويمضون. كل تسعة أشهر وعشرة أيام ياتى مولودا للشارع  .نحن ستة اطفال هى التى أتت بنا الى الحياة . كنت أكبرهم، أعتنى بهم ولا أفارق ظل السور. ذات ليلة أختفى فيها كل النور. كانت أمى طيوبه أتاها  مخاض متعسر.  أشعلت الليل بصراخها زحفت النسوة اللاتى يعملن على مساعدة بعضهن فى الأنجاب. ولكنهن فشلن فى أخراج المولود. الذى رفض الخروج لهذا العالم التعيس. كان الرجال يتململون والكل لم يستطع النوم حتى الأطفال وهى تلعن تارة وتصرخ أخرى، وفى ثلث الليل الأخير، حين بدأ الظلام يتلاشى‘ مفسحا للفجر إطلاله على إستحياء .وكان  جموع المصلين قد بدأت فى التوافد للمسجد. كانت أمى قد هدأ صوتها وأقتربت منها إحداهن وأعلنت وفاتها.  هكذا عبرت الحياة كما جاءتها صارخة عند مولدها وصارخة عند موتها.
لم يعد ظل سور المسجد مسكنا  لى. فقد سئمت من تلك العلاقه التى كانت بينى وبين حمدين الفتوة فقد كان يأتينى من دبر. نظير توفير لقمة العيش لى ولأخوتى . و قد رأيته ذات ليلة، والأجساد تتلاصق يمارس شذوذه مع أخى. فهربت الى قاع المدينة حيث بدأ سقوطى مع أولاد الشارع. ولم أعد الى ظل السور مسقط رأسى مرة اخرى...

ليست هناك تعليقات: