2011/09/08

"أدب الطفل.. المسئولية والأمانة" بقلم أحمد طوسون





أدب الطفل.. المسئولية والأمانة
أحمد طوسون
تكمن أهمية أدب الطفل وفنونه في أنه الرافد الذي يشكل وعي وذائقة مستقبل هذه الأمة.. لكن أخطر ما يواجه أدب الطفل النظرة إليه باعتباره أدب من الدرجة الثانية بعد الآداب والفنون التي تقدم للكبار، والخلط الشديد لدى بعض المعنيين في المفاهيم والصورة النمطية التي رسمها بعض التربويين لأدب الطفل والفنون التي تقدم له.. تلك الصورة التي ساهمت في محدودية الارتقاء بفنون الطفل وآدابه بالمنطقة العربية بالمقارنة بالطفرة الهائلة التي يشهدها الغرب في هذا المجال.
ولا شك أن بعض الدول والمؤسسات شرعت في الاهتمام بأدب الطفل وتقديره بالشكل الذي يتناسب مع أهميته من خلال بعض المسابقات الكبرى التي خصصت للإبداع الموجه للطفل كجائزة الشيخ زايد للكتاب في مجال أدب الطفل وجائزة الدولة لأدب الطفل بقطر وجائزة اتصالات لأدب الطفل بخلاف جائزة شومان لأدب الطفل.
لكن مع تقديري للدور الكبير والهام الذي تقدمه بعض الدول العربية لدعم الاهتمام بأدب الطفل فإن غياب الدور المصري يلقي بظلاله الثقيلة على تطور هذا الفن وآدابه.
ودعونا نعترف أنه رغم وجود هيئات ومؤسسات كالمركز القومي للطفل، وإدارة الطفل بهيئة قصور الثقافة، وقصر ثقافة الطفل بجاردن سيتي، ولجنة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة إلا أن مردود هذه الجهات ضعيف ونمطي ويسير بصورة روتينية تفتقد إلى الطموح والإبداع كما تفتقد للرؤية التي تحكم العمل وتعمل على تحقيق طفرة ما في هذا المجال لأن القائمين على العمل في هذه المؤسسات لا يمتلكون الإيمان بأهمية هذا الأدب ويتم اختيارهم عادة لاعتبارات أبعد ما تكون عن الموهبة والكفاءة وامتلاك الرؤية الشاملة.. كما أن هذه المؤسسات والهيئات لم تفكر يوما في الاستعانة بالمبدعين الذين هم بذرة الأمل لتقدم هذا الأدب.. حيث نفتقد الدراسات الأكاديمية الجادة في هذا المجال ونفتقد حركة نقدية يقودها موهوبون بالأساس وليس مجرد أكاديميين قامت دراساتهم وأبحاثهم على القص واللصق من دراسات غربية دون وعي حقيقي برؤية هذه الدراسات أو إيمان بما تقدمه من أفكار ورؤى.
كما نفتقد مسابقة محترمة تليق باسم مصر في هذا المجال وما يتوجب عليها من دور سواء مؤسسيا من خلال وزارة الثقافة ومؤسساتها أو أهليا من خلال منظمات وجمعيات المجتمع المدني ورجال الأعمال.. فالمسابقة الأبرز أهليا التي ينظمها رجل الأعمال نجيب ساويرس أغفلت مجال أدب الطفل ضمن مجالاتها التي يجري التسابق حولها.
المسابقة الوحيدة التي كانت تنظم قبل ثورة 25 يناير مسابقة سوزان مبارك لأدب الطفل والتي كانت جوائزها المادية مخجلة بالمقارنة مع ما يرصد من جوائز عربية في هذا المجال لكن أهميتها كانت فيما يخصص لها من اهتمام إعلامي نظرا لارتباطها بزوجة الرئيس المخلوع في النظام السابق!
إلا أن المسابقة أيضا كانت تشكل ضغطا على البعض وتمنعهم من تقديم مبادرات في هذا المجال حتى لا تغضب زوجة الرئيس السابق.. وأذكر أنني وصديقي الشاعر والروائي أحمد قرني كنا في حوار مع الكاتب الكبير يعقوب الشاروني وكنا نقترح عليه أن ينشئ جائزة كبيرة باسمه في مجال أدب الطفل وبخاصة أن جائزة سوزان مبارك توقفت لعدة سنوات، لكنه مع ترحيبه بالفكرة أشار إلى الحرج في إنشاء جائزة تنافس جائزة سوزان مبارك!
كما أن جائزة الدولة التشجيعية في مجال أدب الطفل كانت أعجوبة الأعاجيب تسيء لهذا الأدب أكثر من أن تكون حافزا للرقي به.. ويكفي أن تطالع الشروط التي يضعها جهابذة المجلس الأعلى للثقافة في أغلب السنوات لتعرف المأساة التي كنا نعيشها!
أما بالنسبة لسلاسل النشر في مؤسسات الدولة كهيئة الكتاب وهيئة قصور الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة فهي سبب رئيسي لتدهور أدب الطفل، فالقائمون على سلاسل أدب الأطفال أغلبهم لا علاقة لهم بأدب الطفل واختيار لجان القراءة يتم عادة لبعض المعارف والأصدقاء والصحفيين من أجل المكافآت الهزيلة التي يحصلون عليها.. ولا يكلف المعنيون أنفسهم بالبحث عن الموهوبين في هذا المجال وهم كُثر للاستفادة بأعمالهم ورؤاهم وأفكارهم لتطوير كتب الأطفال من حيث الشكل والمضمون.. رغم أن كتب الأطفال تحقق أكبر المبيعات، لكن النهج الذي يحكم هذه السلاسل للآسف قائم على مراعاة الخواطر والمصالح الصغيرة ولا داعي لضرب أمثلة وهي كثيرة وبالأسماء حتى لا نشخصن القضية!
هناك مسئولية وأمانة في عنق وزير الثقافة عماد أبوغازي ود. أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب ود. شاكر عبدالحميد أمين عام المجلس الأعلى للثقافة والشاعر سعد عبدالرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة تجاه أدب الطفل ودور مصر الدولة والمؤسسة تجاه مستقبل الأجيال القادمة.
ولن يستطيع هؤلاء أن يقدموا جديدا دون أن يجتمعوا بالأدباء والرسامين والفنانين المهتمين بآداب الطفل وفنونه ويستمعوا لأفكارهم ورؤاهم وإشراكهم في صناعة منفستو للثقافة المصرية في مجال أدب الطفل وفنونه على ألا تكون نفس الوجوه والأسماء التي أدت إلى تراجع الدور المصري في هذا المجال.
هذه هي مسئوليتكم وأمانتكم التي ستساءلون عليها أمام الله وأمام التاريخ!
اللهم بلغت اللهم فاشهد.


ليست هناك تعليقات: