2011/12/31

قراءة في كتاب: "مُذكرات أديبة فاشلة" للكاتبة السعوديّة زينب علي البحراني.



قراءة في كتاب:
"مُذكرات أديبة فاشلة" للكاتبة السعوديّة زينب علي البحراني.
من هنا يبدأ التأريخ للنّجاح
بقلم: عبد الحفيظ بوناب- الجزائر
أردت أن يكون مطلع مقالي هذا حول قراءة في كتاب " مذكرات أديبة فاشلة" كلام للرّوائيّة الجزائريّة أحلام مُستغانمي، ختمت به زينب البحراني  كتابها المذكور : "...النجاح كما الفشل اختبار جيد لمن حولك ،للذي سيتقرب منك ليسرق ضوءك،و الذي سيعاديك لان ضوءك كشف عيوبه، و الذين حين فشل في أن ينجح، نذر حياته لإثبات عدم شرعية نجاحك" من رواية "عابر سرير" صـ : 114. مع التأكيد على أن فحوى هذا المقال هو قراءة فقط (و ليس نقد) في كتاب : "مذكرات أديبة فاشلة"
قبل البداية:
قبل أن أسجل الأفكار والخواطر التي راودتني و أنا أقرا كتاب : "مذكرات أديبة فاشلة "السعودية زينب البحراني أردت أن أجيب عن سؤال قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم و هو :"ما الذي جمع كاتبة من السعودية بكاتب صحفي من الجزائر؟
يعود الفضل إلى عصر المعلوماتية الاتصالات المذهل  الذي نعيشه، فاشتراكي في أحد التجمعات البريدية جعل رسائل مختلفة بينها مقالات ملفتة بإمضاء الأديبة زينب البحراني، فكنت اقرأها و أطبعها على الورق و احتفظ بها ربما لإعادة قراءتها مرة أخرى، و كنت شديد الإعجاب بالمواضيع التي تتناولها الكاتبة  بالدراسة و التحليل و حتى النقد بأسلوبها الخاص المتميز. و هي تتحدث عن واقع سبرت أغواره جيدا، و تعرفه أحسن معرفة:عالم الكتابة و النشر، و الكتاب و المثقفين، و شيء عن المرأة المبدعة و محلها من الإعراب في مجتمع ذكوري. و من بين ما قرأت لها: مُعاناة التأليف والنّشر.. القاسم المُشترك بين المُبدعين/ ومتى كان الأدب يعترف بالسّكوت/ ممّا قرأت: سوق الجُمعة- للقاصّ المصريّ: فؤاد قنديل/ عُشرون كلمة حُبّ. ومما قرأت عنها: زينب البحراني في حوار خاص جدًا مع الجريدة العُمانيّة. هذا على سبيل الذكر لا الحصر.
 في البداية ظننتها تكتب باسم مستعار (و قد كتبت هي بنفسها مقال حول هذا الأمر- إن لم تخني الذاكرة- بعد ما كثر من يستعمل اسم :زينب البحراني)، وظننتها الأديبة الجزائرية :أحلام مستغانمي. هذا ما دفع بي إلى أن أراسلها و استفسر عن الأمر فأكدت لي أنها هي هي، زينب البحراني اسما وقلبا وقالبا دون سواها . ووقع التعارف "الأدبي" و أرسلت لها بالمناسبة نسخة من أول إصدار لي : وقفات طبيب بيطري.

لقد كنت  قارئا جيدا للأديبة زينب قبل أن اقرأ كتابها المتميز" مذكرات أديبة فاشلة " و كان من حسن حظي أن أكون من المشاركين في الإجابة على بعض تساؤلاتها الصحفية، التي نشر اثنين منها على صفحات إحدى الصحف العربيّة، بينما ينتظر ما تبقى منها النشر على صفحات كتابها الجديد القادم "على صليب الإبداع" إلى جانب إجابات عشرات المشاركين من مختلف البلدان العربية، وننتظر نحن وبقية قرائها هذا الكتاب الواعد.

***

قد لا أكون ناقدا أو عارفا بأصول وأبجديات هذا الفن الذي له أهله و أصحابه و المختصين به و فيه، و الذين نحسبهم يبدون رأيهم دون غضاضة. لكنني قارئ ، و عندما اقرأ نصا أو مقالا أحب التفاعل مع ما جاء فيه بكتابة تعليق حول ما قرأت، وكما أحب أن اكتب تعليقا حول مقال ، كذا أحب أن اكتب تعليقا حول كتاب قرأته. وحين وقعت نسخة من كتاب "مذكرات أديبة فاشلة"  وجدتني اكتب عنه  رغما عني، إذ كانت الأفكار تنثال علي أثناء مطالعته، و لم أجد سبيلا لمنعها ..فما كان علي إلا أن أدونها كما جاءت دون تنميق أو محاولة للتزويق.
***
من العادة أن نقرا مذكرات : الأدباء، و المفكرين، و القادة السياسيين و العسكريين، و حتى مذكرات ناس عاديين ،كانت لهم تجربة معينة في الحياة (و هذا مما اختص به الأوروبيون) و كل من تسنى له أن يكتب مذكراته .يكون ذلك عادة في آخر مطاف حياتهم .ليطالعون على نجاحاتهم، و إخفقاتهم، و تجربتهم بصفة عامة، و كل صغيرة و كبيرة مرت بهم .
أما ما حدث مع الأديبة زينب البحراني كان عكس المعتاد غالبا، فهي أرادت أن تحدثنا عن تجربتها (معاناتها) مع الكتابة و مع دور"كوخ'" النشر في بداية مشوارها الأدبي هذا لتعلمنا ولتحذرنا و تنبهنا ..حتى لا نقع فريسة سهلة لاحتيال بعض دور النشر و حسنا فعلت، إذ ما الفائدة من الحديث بعد ما يقع الكثير من الضحايا في شباكهم و في شراكهم. و استطاعت الكاتبة أن أن توصل لنا صوتها واضحا وهي تقول: " لست ذئبا، لكنني اتخذت قرارا باترا بأنني لن أكون دجاجة مهما كان الثمن" ص:122
وتضع الكاتبة قاعدة ذهبية لمن أراد أن يكون كاتبا، لأن الكتابة هي أولا موهبة و هي ثانيا كثرة قراءة :" الفن و الأدب موهبة أولا و ثانيا و اجتهاد و مثابرة ثالثا و رابعا و عاشرا" و تضيف أن الكتابة ليست بالأمر السهل كما يعتقد الكثيرون:" و أن كل من أتم رص الحروف الهجائية  إلى جوار بعضها بعض لتكوين الكلمات باستطاعته التحول إلى كاتب مبدع أديب لا يشق لقلمه غبار.." ص: 25
***
إن الأمور و في حياتنا لا تسير وفق ما نحب، و لعل البيئة التي عاشت فيها الأديبة  و تحدثت عنها في مطلع صفحات كتابها كانت هي الدافع و المُحفز الذي هيئه لها القدر حتى تتميز "و عسى أن تكره شيئا و هو خير لكم.."و لعله لو توفرت للكاتبة شروط و أسباب الدعة و المجاملات و النفاق في المعاملة إلى غير ذلك لما قرانا لها أدب بهذه القوة، و لعلها كانت الآن في واد أخر غير هذا الذي صارت إليه اليوم.
ربما ترى الأديبة زينب البحراني أنها فاشلة لتجارب مخيبة عديدة مرت بها في هذا المجال المعقد، و لها الحق كل الحق والحرية في أن تحكم على تجربتها الخاصة بما شاءت، لكننا نحن القراء عندما يقع بين أيدينا كتاب "مذكرات أديبة فاشلة" يتأكد لنا أنها إنسانة ناجحة بكل المقاييس . إذا كانت الأديبة زينب البحراني فاشلة فماذا نقول على العالم اينشتين الذي كان يهرب من المدرسة و طوماس إديسون الذي أعاد الثانوية و إسحق نيوتن الذي كان يُعتبر ضعيفا في مادة الفيزياء؟!
***
لا أظنني أبالغ إن قلت بأن هذا الكتاب يستحق القراءة مرتين و أكثر؛ المرة الأولى للاطلاع عليه، و المرة الثانية لإعادة الاستفادة. جاء الكتاب في 187 صفحة وزعت على إحدى عشرة فصل، كل فصل يحمل علامة من علامات النجاح ،مغلف بالفشل حتى تواصل الأديبة طريقها نحو القمة السامقة، نحو المجد في سلام. لأن الإعلان على النجاح في بداية المشوار الأدبي قد يُعرض الأديبة إلى حسد الحاسدين (وقد حصل بالفعل!) و كيد الكائدين، و تربص المتربصين وهم كُثر في عالمنا العربي و ينمون كالفطر. وكم يحلو لهم أن يسمعوا كلاما من نوع: لقد " فشلت" و "انسحبت" و توقفت" ...إلخ.
كل فصل من الكتاب مستقل عن غيره لكن يكمل بعضه بعضا كحبات مسبحة متناسقة، و كل فصل يحكي قصة أو تجربة ظاهرها الفشل، وباطنها ليس له علاقة بالفشل، ختمته بفصل مفعم بالحب والشكر لله صاحب الفضل والعطاء. إحدى عشرة فصل من كتاب " مذكرات أديبة فاشلة "كُتبت بأسلوب جذاب حقا، افتتحت الكاتبة كل منها   بمقولة لأديب أو مفكر أو فنان ممن كانت الكاتبة شغوفة بالقراءة لهم. المقولة موضع الاستشهاد تحضرك لتعرف مضمون الفصل. و هي تتحدث في هذا الفصل أو ذاك و كأنها تشرح المقولة وتؤكدها بطريقة غير مباشرة أو أرادت أن تقول –بقراءة أخرى- أن بعض الكتاب و الأدباء قد تتوارد بينهم الأفكار في ترجمة المشاعر ذاتها.
1-     الفصل الأول (الفشل الأول): تحدث فيه الكاتبة عن بدايتها و الوسط الذي نمت فيه .إذا قرأت هذا الفصل تعرف أن الأديبة ولدت كما يقال من "رحم المعاناة"، كأكثر الأدباء المجتهدين في بلادنا العربية.
2-     الفصل الثاني (االفشل الثاني): طوق النجاة الوحيد كان القراءة ،القراءة التي تستلزم الكتابة و التدوين.القراءة كانت الملاذ الوحيد للأديبة الناشئة، كما كانت وستبقى ملاذا لكل أديب وكاتب مخلص في العالم.
3-     الفصل الثالث (الفشل الثالث):عدم اهتمام الأسر بمواهب الأبناء هي عادة وعلامة مسجلة من صنع عربي. و قد ذكرت الأديبة دور الأسرة في وئد أو قتل طموحات و مواهب الأبناء .و اذكر – من جهتي- علامة أو تصرف واحد ينم عن هذا القتل العمدي. تصرف لا نأبه له ،لكن عواقبه و خيمة على مستقبل أبناءنا و بناتنا.في عالمنا العربي لما ينادى على الطفل يقال له : تعالى يا حمار، تعالى يا شيطان ،يا مُجرم ..و ترسخ هذه التسميات في ذهن الولد و تكبر معه و يجهد بدافع داخلي لكي يجسدها في ارض الواقع و حتى نكاية في والديه.
4-     الفصل الرابع (الفشل الرابع): وهنا أجد لي رأيا يخالف الأديبة فيما رأته، لأنه ليس كل من قرأ الأدب  كاختصاص صار أديبا. أو تعلم علم العروض أصبح شاعرا ما لم تكن له موهبة تصقلها التجربة و المثابرة و الاجتهاد. و لعل اختصاص الأديبة العلمي هو الذي حبب إليها الأدب وأبدت شغفها به. و ابن قتيبة يقول :"من أراد أن يكون عالما فليتقن فنا واحدا، و من أراد أن يكون أديبا فليتفنن في العلوم "
5-     الفصل الخامس (الفشل الخامس): في هذا الفصل تحكي لنا الأديبة عن طقوس الكتابة  وحالتها و هي تكتب و ما يعتريها من مشاعر وأحاسيس .  هذه الأحاسيس و المشاعر لا يفهم معناها و لا يدركها إلا من عاش التجربة و كان كاتبا أو شاعرا أو قاصا. لأن حلاوة العسل لا نستطيع أن نعبر عنها  و نترجمها بالكلمات. و هذا الشعور عبرت عنه الأديبة أحلام مستغانمي حين قالت:" و من لم ينجح في مقاربة أنثى، لن يعرف كيف يقارب ورقة.فنحن نكتب كما نمارس الحب" عابر سرير ص 98 منشورات:ANEP
6-     الفصل السادس (الفشل السادس): نظرة المجتمع إلى الأديبة الكاتبة "كأنثى" أو تسلط المجتمع الذكوري في أحيان ومواقف كثيرة قد لا تعي تلك المجتمعات أبعادها أو مضارها على الحراك الأدبي والثقافي والإنساني.
7-     الفصل السابع(الفشل السابع): الكتابة مسؤولية كبيرة، و على الكاتب أن يتخير الألفاظ و الكلمات التي يكتبها و يتركها للأجيال المتعاقبة من بعده "..منذ تلك اللحظة اتخذت قرارا صارما بان ادقق في كل كلمة اكتبها قبل أن ينطق بها قلمي " ص 95. اعتقد أن الكاتبة تذكرت قوله عز من قائل:" مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء.."
8-     الفصل الثامن (الفشل الثامن):  تجربة مريرة و نصائح ثمينة تضعها الكاتبة أمام كل مبتدئ حتى لا يقع فريسة في شراك بعض "أكواخ" و "خرائب" النشر التي لا يهمها تقديم كاتب "جديد " للقراء قدر ما يهمها امتصاص دمه وأعصابه ومجهوده وسرقة نقوده دون أدنى مقابل.
9-     الفصل التاسع و العاشر (الفشل التاسع والعاشر): توضح الأديبة هنا رأيها بكل جرأة وشجاعة تجاه مدعي النقد من المروجين للأدب التافه بينما يهملون بوادر الأدب الواعدة. و الناقد الذي ينقد أي عمل يقع بين يديه عليه أن يُراعي أمور ..على حد قول الزيات: " للمتعقب أو الناقد أن لا يبسط بالنكير لسانه" وقول العقاد في كتابه: عبقريات أبو الصديق: ".. وكثيرا ما يكون بخس الشيء الثمين أدل على الغباء و أضيع للمنفعة من إغلاء الشيء البخيس في تسويم التجارة أو تسويم الضمائر و العقول"
10-الفصل الحادي عشر (الفشل الحادي عشر): يشير إلى أن الكتابة هي أم الفنون الراقية منذ أقدم العصور،  إذ كان ينصح بها قدماء المصريين أبنائهم: "كن كاتبا تنعم أعضاؤك و تصير يديك لينة و تسير في ثياب بيضاء فيعجب بك الناس و يحييك رجال البلاط "
خاتمة القول:
إبداع جديد لا أقول شكلا لكن أقول مضموننا. فكرة الكتاب ليست معادة ،و حسب علمي و اطلاعي و قراءاتي المتواضعة أستطيع القول أن ما تطرقت له الأديبة لم يُتحدث عنه احد، وهو بهذا يدخل في خانة المسكوت عنه و قد شرحت الأديبة هذا الأمر  بأسلوب شائق للغاية.
يخطئ من يعتقد و لو للحظة واحدة أن الأديبة زينب البحراني كاتبة فاشلة، بل على العكس من ذلك فهي حققت نجاح مغلف بالفشل أكدته في مطلع الكتاب بإهدائها الخارج عن المألوف: " إلى الذين يُزعجهم نجاح الآخرين" و ذلك دليل ذكاء و فطنة حتى لا يتصدى لها و لا يُعرقلها هذا الصنف من الناس و تستمر في مشوارها بسلام و أمان. "فالفشل هو الوجه الآخر لعملة النجاح الحقيقي".. وبهذا لا يسعنا غير أن نبارك لأديبتنا زينب علي البحراني على هذا الفشل الرائع ، و مزيد من التجارب الفاشلة إلى أن تصلي بطموحاتك الكبيرة إلى النجاح الذي تطمحين إليه ساعتها سنكون أول المهللين .
أنا عاجز كل العجز حقيقة على أن أُترجم كل مشاعر الإعجاب بما قرأت و استمتعت به ، و لا أجد كفاء من العبارات للتعبير عن ما يختلج في صدري، و لو كان صوت الإعجاب يصل للأديبة كما اكتبه صرخة مُدوية لقلت : يا لله يا الله عليك يا أخت زينب.

ليست هناك تعليقات: