2013/10/27

رحلة مع الكتاب.. بقلم: خيري عبدالعزيز

رحلة مع الكتاب..
  خيري عبدالعزيز
    في العاشرة من عمري عثرت على روايتين من مؤسسة "روايات مصرية للجيب", واحدة من سلسلة "ملف المستقبل" لأبطالها "نور الدين وسلوى والصديقين محمود ورمزي", وهي سلسلة خيال علمي, وكان اسم الرواية "طريق الأشباح", والثانية من سلسلة "رجل المستحيل" وبطلها المغوار "أدهم صبري" وزميلته الشهيرة "منى توفيق", والرواية اسمها "أرض الأهوال".. في نفسي شعرت بأن ثروة قد هبطت علي من السماء أو أنني وجدت كنزا ما, وأخذت أبحث عن مكان يبعدني عن الناس؛ كي أنفرد بلقيتي, فلم أجد سوى مسجد القرية, وكان الوقت صباحا, فتحت رتاج المسجد بطريقتي, ودخلت وأغلقت على نفسي, ولم أفق من غيبوبتي إلا مع صلاة الظهر, وقتها شعرت بلذة لم تضاهيها لذة وبدأت مرحلة البحث المضنية عن الكتب والروايات..
   استغرقتني أعمال دكتور نبيل فاروق بكل سلاسلها؛ رجل المستحيل, ملف المستقبل, عx2, كوكتيل 2000, وانتهاء بسلسة زهور الرومانسية التي لم أستسغها وقتها, كانت سلسلة رجل المستحيل أدهم صبري, وسلسلة نور الدين يخلبا لبي حتى أن اليوم الذي تقع في يدي قصة لهما يصير يوم عيد وانقطاع عن الحياة, وظللت على تلك الحال حتى أنهيت على أعمال كاتب الشباب الأول في تلك الفترة دكتور "نبيل فاروق".., وكان الدكتور نبيل فاروق حينها ما زال في بدايات مشروعه الأدبي, وأظن أن جيلي هو أول من استقبل نتاج الرجل, كانت الرواية بجنيه واحد, وكان جُل أعماله تصدر في الصيف, حيث الاجازة الصيفية.. وبالطبع لا يفوتني أن أذكر سلسلة المغامرين الخمسة "تختخ, وعاطف, ولوزة, ومحب, ونوسة وأيضا الجاويش فرقع, والكلب زنجر" للكاتب الجميل محمود سالم, وأيضا سلسلة المغامرين ال13 ..
    أنا الآن في الأربعين من العمر, وما زال كل هؤلاء الأبطال يمرحون برأسي, وما زال لدي أمل أن يتزوج أدهم صبري من زميلته منى توفيق يوما, وأظن أن هذه الأمنية العصية كمهام أدهم هي أمنية جيل بأكمله, دائما ما يريد أدهم, ودائما ما تردد منى أعذارا واهية, سأمها الجميع..
 
   وبلا سابق انذار ظهر اللص الظريف "أرسين لوبين" في حياتي والسلسلة الشهيرة للكاتب الفرنسي موريس لبلان, أحببت أرسين كثيرا رغم لصوصيته, أعجبتني مروءته وشجاعته, وفكرة أنه يقيم العدالة المعوجة بطريقته, يسرق من الغني ليعطي للفقير, ويحارب الأشرار لصالح الضعفاء, كان سوبر مان بحق, وجنتلمان بشكل خرافي.. وكما مر بي أرسين لوبين مرت بي الكاتبة البريطانية أجاثا كريستي, والكاتب البريطاني أيضا سير آرثر كونان دويل صاحب سلسلة شرلوك هولمز الشهيرة, لأدخل عالم الجريمة من أوسع أبوبة, حتى أني شعرت في مرحلة ما أن يدي تقطر بالدماء..
 
   وفجأة زهدت كتب المغامرات والجريمة, وشعرت بنفسي تميل إلى الهدوء والدعة, كان ذلك في مقتبل العشرينات, ليقابلني الكاتب المصري الجميل محمد عبدالحليم عبدالله في روايته البديعة "شجرة اللبلاب" ثم روايته الرائعة "بعد الغروب", و"غصن الزيتون", و"لقيطة", ومجموعته القصصية "النافذة الشرقية" ومن محمد عبدالحليم عبدالله انطلقت إلى الأدب العربي بوجه عام, مررت بالجميع بلا تميز, شممت رحيق محمد فريد أبوحديد في تحفته "أنا الشعب" وأمين يوسف غراب في "شباب امرأة", وعلى أحمد باكثير في "وااسلاماه", وطه حسين في "دعاء الكراوان", والعقاد في "سارة", ويحي حقي في "قنديل أم هاشم", ويوسف السباعي في "السقا مات", ويوسف إدريس في "حادثة شرف"و "أرخص ليالي", ومسرحيته الفرافير وروايتيه "العيب والحرام", حتى توقفت كثيرا عند الرائع توفيق الحكيم بكل أعماله الفكرية والمسرحية والروائية بداية من تحفته "عودة الروح" ومرورا بيوميات نائب في الأرياف, والرباط المقدس, وبجماليون, وأهل الكهف, والسلطان الحائر.. الخ.. في الحقيقة لمس لدي توفيق الحكيم في المسرح الذهني والأعمال الفكرية وترا حساسا, أما على مستوى القص فلم يقابلني أروع من يوسف إدريس "تشيخوف العرب بحق"..
 
   وبالطبع لم يفوتني الأدب العالمي المترجم, مررت أيضا بالكثيرين, وأعجبني كثيرا التكامل الأدبي في تلك الأعمال, فهم لا يرتكزون على نقطة بعينها, مثال اللغة مثلا عند بعض الكتاب المشهورين عندنا, ولكن تجد العمل قائما بديعا من كافة النواحي؛ البناء الدرامي, الشخصيات, الحبكة, الاثارة.. الكل يخدم هدفا واحدا, ولا يستقل بذاته: العمل الأدبي..
وفي هذا المعترك, قرأت لشارلوت برونتي "جين أير", وأختها اميلي برونتي "مرتفعات ويزرنج", ولجين أوستن "العقل والعاطفة" وأيضا "الكبرياء والهوى", ولتشارلز ديكنز قرأت "مذكرات بكويك" وأمتعتني كثيرا, "وأليفر تويست", و"حكاية مدينتين", ولفيكتور هوجو "البؤساء", ولأكسندر دوماس الأب الرواية الشهيرة"الفرسان الثلاثة" وأيضا "الرجل ذو القناع الحديدي", وقرأت لابنه دوماس الابن "الزنبقة السوداء" ولجورج أوريل "مزرعة الحيوان", ولسير ريدر هاجارد "كنوز الملك سليمان", ولولتر سكوت "ايفانهو", وللكاتب الأمريكي إرنست همنجواي "العجوز والبحر" ولألبير كامو "الغريب" والكثير الكثير..
   في الحقيقة رحلة القراءة رحلة ممتعة لا يمل المرء منها, هي تاريخ في حد ذاتها, هي تجارب بالمجان بجانب الامتاع واللذة..

ليست هناك تعليقات: