2016/03/08

أقاصيص.. بقلم: ياسر محمود محمد



أقاصيص
  ياسر محمود محمد
 ( 1 ) الرائعون إلاّه!
سار المناضل إلى باحة الميدان، تأمل الشوارع المؤدية إليه. وهو يقف في جزيرة وسطى أمام مجمع التحرير، شاهد شابًّا وفتاةً يرتكبون فعلاً فاضحًا. شاهد بائعًا للجرائد يسير وحيدًا. وتحت ذراعه جرائد الأمس المُعادة طاوية ليوم قديم. شاهد بائعًا لكيزان الذرة المشوية الجميلة اللذيذة الطعم.
شاهد جنديًّا يلبس زيًّا مموهًا يحمي الناحية الشرقية من الميدان. شاهد طفلاً يمشي في بهجة نحو مدرسته. شاهد أمه وهي تودعه.
شاهد الكثيرين والكثيرين... لكنه لم يشاهد سمسارًا أتى بوجهه الملون على لون كل شخص يأتي ليبيع إحدى شقق الميدان!
 ( 2 ) الأسد والفأر


استأسد الأسد على فأرٍ صغيرٍ، إلا أن الفأر أدرك أنه لا يريد سوى العنتزة الفارغة على كائن صغير مثله، فما كان من الفأر إلا أن طاوعه وتحمل كل ما قاله من طريقة عليه، ثم بعد أن مشي الأسد، صرخ الفأر في كل الموجودين:
-ماذا نفعل في أسد مزيف، يزهو بنفسه على كل الفئران الصغيرة؟!
وعاد إلى جحره سعيدًا، بعد أن فضح على الملأ حضرة الأسد المغرور، وبعد أن أصبح محترمًا بين بني جنسه من الفئران.
 ( 3 ) وجهٌ يسعى لقتل الوقت


إعلان عن سلعة استهلاكية. قالت المرأة في نفسها: ما فائدتها؟ ما فائدة كل الإعلانات؟ يرى فيها الطفل متعته وعالمه الخاص.
عوالم كثيرة تصنعها الإعلانات، فمن صاحب الحظ في ألا يتلقى عطيته من صاحب شركة الإعلانات. صاحب شركة الإعلانات ميسور الحال الذي تقدم ليخطب ابنة صديقه السمسار الثري المشهور.
ما دخل الطفل بكل ذلك؟ وما دخلي أنا؟!
صاحب اشركة الإعلانات بالتأكيد فنان... فهو يهتم بكل تفصيلةٍ صغيرةٍ كانت أو كبيرة في الإعلان؛ حتى يدر على الـمُعلِن ربحًا وفيرًا.
صاحب شركة الإعلانات ملحد كافر؛ حيث يصنع إعلانات بها فتيات بيضاوات وسمراوات في أحلى سحر وفي أحلى هيئة، فتيات لا نراهن في أي مكان، إلا في التلفاز... بيتهن المفضل.
وهو كافر وملحد لأنه في آخر إعلان كان هناك شاب يضع يديه على خصر فتاة، ويوشك أن يُقبّلها!!
صرخ الشيخ: صاحب الإعلانات لابدّ أن يُرجم!
لكن صاحب الإعلانات –وفي رأي جميع الناس- كان وجهًا من الوجوه الكثيرة التي تسعى لقتل الوقت الجميل في حياتنا القصيرة.
 ( 4 ) يحلم بأنّ له الميدان

مات فريد الدُّكْش. تَبِع نعشَهُ المزركش أناس قليلون. مات فريد الدُّكْش راعي الثورة الأول، من امتلأت جيوبه حتى آخرها من رزق الثورة، من ثاب إلى رشده، فتعامل بمقتضيات العصر.
مات فريد الدُّكْش
والناس لا يعبئون
كان يؤجر أمتارًا من الميدان لحساب الآخرين: جماعة (الفهلوي الأول) استطاعت الحصول على مئة متر. جماعة (المنتفعون) حصلت على بضعة أمتار. جماعة (أنا وحدي وبعدي الطوفان) حصلت على خمسة عشر مترًا. جماعة (كلٌّ في حاله) حصلت على أمتارٍ عدة مختلفة في أنحاء من الميدان. جماعة (لي كل شيء) حصلت على الباقي.
لم يبق لأفراد حملوا اسم (ثوّار) شيءٌ في الميدان، وجلسوا وحيدين بعيدين عنه، يرتبون أوراقهم من أجل طفلٍ وحيدٍ يحلم بأن له الميدان!
ولم يسمع مطلقًا عن شخص باسم فريد الدُّكْش.

أشعار لطفل الميدان

أحدثكم عن الثورة
فمن سرقها؟!

من نام عنها
سقط في الجحيم

جحيم الفرقة
بالتأكيد
لقتلة الثورة

فليسقط فريد الدُّكش وأعوانه
وليعش طفل الميدان
 ( 5 ) للجميع


كل من في الميدان كان مُطأطئ الرأس
ينظر يمينًا وشمالاً
يحملق في اللاشيء
يتلو آياتٍ وترانيم
لقد انقسم الميدان إلى نصفين
قلب واحد وجسدين
كل من في الميدان
محبوسة في صدره آه مكتومة
يرتاد أخيلة وأشعارًا عن الثورة
يمزق سكون الليل شمعة مضاءة
رفع أحدهم لافتة
مكتوب عليها
الميدان
سيظل أبدًا للجميع
للجميع

ليست هناك تعليقات: