2016/03/20

"حشرجة الثورة " مسرحية بقلم: سلاف دالي

حشرجة الثورة

سلاف دالي
 الإهداء
إلى  الطيبين في أمتي الذين تذبحهم خناجر الأشرار ولا يتبدلون   وقلوبهم الطفولية تصدق كل شيء حتى الأكاذيب
     مقدمة   
        لم تفسح لنا علاقتنا بالوطن وانصهارنا فيه المجال لرؤية الوجه الخفي له ربما لأنه وجه آخر خجل المتخفون فيه منا فأخفوه عنا لكنه  اليوم تعرى ، وكشر أصحابه عن أنيابهم ؛ يحاولون إدارة الخارطة لنبصرهم ، فصدمنا بهذه الازدواجية  التي ألغت من عقولنا ،إن للوطن وجه واحد. لقد جاءت الثورة فكشفت عن هوة  سحيقة  في العلاقة القائمة بين المواطن والوطن وبين المواطن والمواطن  فإذا بها علاقة هشة تربطها المصلحة  الشخصية ويتحكم بها وفيها الأنا وأن قدسية الوطن أكذوبة مجرد أكذوبة فتغيرت القيم وأصبح السيئ هو القدوة والمثال وأن كل شيء خاضع للبيع والشراء وسوق النخاسة فاتحا بابه على مصراعيه ، ارتفعت فيه أعناق  البائعين إلى عنان السماء بلا خجل  يعرضون بضاعتهم ( الشقاق، والنفاق، الصراعات، الموت) يركلون الوطن كالكرة يقهقهون كلما تدحرج.
لم خبأت عنا أيها الوطن هذا الوجه؟ أخوفا علينا ؟ أم لأنهم لا يستحقون أن يظهروا في الصورة نعم لك وجهان يا وطني  وجه كالفردوس ووجه كالجحيم  يتتاليان  كتتالي الليل والنهار ، فلا ننعم بالفردوس طويلا ونصطلي بالنار،  ونشقى بين ثنائية العذاب والسعادة ، متى تعود يا وطني وجها واحدا صافيا براقا نبصر فيه انفسنا ، هذا الوجه الذي يريد الآخرون  إلباسك إياه متسخا لا يليق بسماحتك  ! فأخلعه .
    سلاف دالي

جسدان لشابين يفترشان الأرض متعانقين  ، وسط بركة من الدماء،  يحاول  سعيد الجلوس،  ويُجلس الثورة  في حضنه ، وقد بدأ جرحه يجف قليلا وهي  تنهار بين يديه، من شدة النزف ، والجميع  يتحلق  حولها.
سعيد : (يتلمس بيده وجهها الشاحب )  انهضي .. انهضي  .
الثورة: (عيناها شبه مغمضتين) ها أنا أقاوم الدوار.
سعيد : كل شيء سيكون كما تريدين . ( تبتسم ثم يحتضنها بحب )
الثورة: ) متشبثة به ) إنَ الأمل يتضاءل يا سعيد .
سعيد : كيف تصابين بالإحباط؟! قاومي .   ( الثورة تمرر يدها على جراحها ولا تجيب )
سعيد : ) مستفزا إياها ) أيعشق هؤلاء الحياة ولا تعشقينها؟! .
الثورة : إنني في قمة سلم عشقها !الباقون يأتون نزولا،  ولكنني متعبة.
 سعيد:   ألا تستحق الحياة أن تقاومي لأجلها قليلا ؟!
الثورة : أو تراني قادرة على المقاومة؟
 سعيده :  هل تتذكرين يوم جئت فيه إلى هذا المكان؟ .
  ( تحاول الضحك، لكنها لم تستطع ، فرسمت على محياها ابتسامة باهتة ضعيفة. يحاول منعها من الدخول في غيبوبة )
سعيد : كنا شبابا ثائرا نهتف ضد الدكتاتورية مطالبين بالحرية والكرامة،  فجأة أحس كل منا بأن صدره ينتفض، يعلو ثم ينخفض، ينظر بعضنا إلى بعض .
الثورة : ( بصوت متعب وهي تنظر في عينيه ) كنت أحاول الخروج لأرى النور
سعيد:  ( ينظر إلى الثورة نظرة عاشق ) كنا شبابا متعطشا  للحرية ضقنا ذرعا بالظلم..  اتحدنا   ..خرجنا .. هتفنا..  لسنا ندري من أين نستمد كل تلك القوة..   فجأة يصدمنا ذاك النبض العنيف ، نشعر  بالدهشة و القلق .
رؤى : نٌصدم حين تنفتح صدورُنا ؛ لتخرج من كل صدر فراشة بيضاء، تركض الفراشات باتجاه بعضها البعض،  وتتشكل في هيئة امرأة جميلة بفستانها الأبيض وتاج مرصع على شعرها  ترى من تكون؟ .
  الثورة : لن تعرف مقدار غرابتي وأنا أنظر إلى وجوه جميلة  مليئة بالحياة مندفعة يفيض منها نور غريب  يجذبني إليها .
سعيد : نظرت إلينا نظرة فيها وقار وغرور وكبرياء . لم نعد نرى في هذه  الدنيا سواك.  ترمقك أعيننا بنظرات  اعجاب ووله ( ينظر الشباب المتحلق حولهما إلى سعيد وهو يمسح دمعتين حارتين سالتا على خده ) اقتربتي مني ..  ناديتني .
الثورة : انت تعال  ، تعال .
سعيد: ) يكاد قلبه ينفطر  فرحا )  أنا؟! أنا اسمي سعيد .
(يقترب منها مسرعا تتجه نحوه .. تمسك يده  .. تجره تجاه الصفوف الثائرة المبعثرة ، وهي تقهقه كطفلة كفيفة أبصرت النور فجأة ).
الثورة : انظر.. انظر .. لا أصدق أنني أخيرا خرجت من هذه الصدور اليانعة .
) تضع يدها على كل صدر تمر أمامه، يقلدها سعيد ويفعل نفس الشيء، ترى شيخا واقفا جانبا، تتجه نحوه ) ما بك شيخنا ؟ ( تضع يدها على صدره) إنَه صلب كالصوان 
الشيخ الحكيم :  لذا لم تخرجي  منه..   كنا نتمنى أن نراك،.. حلمنا بك طويلا،  لكننا حتى في أحلامنا كنا ضعفاء مهزومين.
الثورة : ( تربت على كتفه بحنو)  : كل شيء بأوانه أبتي .. قد كنتم أضعف من أن أولد على أيديكم ( يطأطئ رأسه خجلا ،وتمضي هي  تهتف مع الجموع الغاضبة بفرح)  كل الذين يتواجدون هنا يرفعون شعارا واحدا.. راية واحدة يا لهذا الشعب الواحد الجميل الرائع! .. أخيرا تحققت أمنيتي.. أنا في الزحام مع المظلومين والمهمشين  ومع المساكين .
سعيد : بأيدي هؤلاء دائما تبنى الأوطان ، لكن قلة  من يرونهم أو يعترفون لهم بالجميل.
موسيقى حزينة بطيئة تبدأ بدخول أناس يلبسون لباسا مختلفا عما يلبسه الثوار  تتداخل الوفود القادمة مع الثوار  والثورة في المقدمة تنظر لهؤلاء الوافدين  مستغربة تتزايد أعداد الوافدين تتصاعد الموسيقى الحزينة  تظهر علامات الخوف على ملامح الثورة تحرك رأسها يمنة ويسرة تمسك بيد سعيد يتركها و يهرع داخل الجموع تزداد الموسيقى حدة تدور الثورة حول نفسها كالمجنونة  .. تخاف وتهرع باتجاه سعيد  و تتشبث به في عنف
سعيد  : تتذكرين كيف كنت مذعورة ترتعشين ..  الآن فقط عرفت سبب ذعرك ( تحاول الابتسام تمسح بيدها وجهه الحزين) كنا في الصفوف الأولى ثم سمعنا أصوات شجار  وتكسير  وإطلاق رصاص هرعنا جريا  إلى الساحة الخلفية ..  وقفت مذهولة في تلك الساحة .
( كانت الثورة واقفة ترقب الفوضى والتشتت اللذين يعمان المكان، ورأسها يدور هنا وهناك،  كأنه رقاص ساعة،  وقد بدت علامات الاستغراب والدهشة والخيبة واضحة على وجهها.
 انتبه لوجودها الجميع ،تحلقوا حولها، ولما عرفوا هويتها ،انقضوا عليها كالوحوش الجائعة يجرونها من ضفائرها  ومن ملابسها  حيث تمزقت ، وحملت الاكف خصلات الشعر، والمسكينة تصرخ نادبة حظها، ( أتركوني، أتركوني) والجميع متمسك بأنها من السبايا  ،وبأنها جاريته التي لا بديل عنها  (
سعيد : الدم ينزف منك، وشعرك مقتلع، وأنت تتلوين عارية،  وتصرخين من الألم .
         مشهد لم تريه حتى في أبشع كوابيسك ..كلما ازداد عويلك ازداد تعنت مغتصبيك، ولما كثر العدد تغيرت المعادلة حيث أصبح كل واحد يريد قطعة منك ،يصارع من أجلها الجموع التي تنازعه على فريسته .. أصبح الكل يطمع في قطعة .. هكذا تبدأ الأحلام والرغبات كبيرة بكبر الكون، ثم تتلاشى وتتحول إلى قطع  إلى سراب 
الثورة :  ( تنتفض الثورة الجريحة تصرخ بأعلى صوتها(  اتركوني..  اتركوني ، ما بكم؟!
( يتراجع الجميع  إلى الوراء  قليلا  ثم يعودون أكثر قسوة وغلا ، ليمزقوا ما تبقى من ثيابها ،ولينهشوا لحمها ، وليشوهوا وجهها بالخدش. خارت قواها وقرفصت باكية نائحة )
الجميع : )  بصوت واحد )  أنا من أتى بك إلى هنا،  أنا السيد،  أنا القائد ... ( يحاول الثوار الدفاع عنها لكنهم لم يستطيعوا.. تضحك برغم آلامها وغزارة دموعها  ودمائها)
سعيد : أين كنتم لحظة ميلاد الثورة.
الثورة : أيها الكاذبون ( تتحسس بيدها الأرض لترتكز عليها وهي  تحاول النهوض، لم تستطع؛ فقد سلسلتها أيديهم تستسلم وتسكن) لا أحد منكم ، لا أحد منكم  كان سببا في قدومي ) تنظر إليهم نظرة الشامتة ) أ وجوهكم  هذه  وجوه ثورة؟ ! ( يلتفت الجميع بعضهم إلى بعض كل يحدق في ملامح الآخر عله يجد شيئا بملامحه (
) ضاحكة بنبرة حزينة ) إن النعيم  باد على محياكم والرفاهية من ملابسكم تكاد تنطق، والثورة لم يصنعها لا المثقفون، ولا المرفهون ، كنت أعتقد مثلكم بأنني صنيعة النخبة صنيعة الثقافة، فإذا بي صنيعة الوجع والقهر والكبت  والحرمان والحاجة
) تصم آذانهم بضحكة مدوية ، ينتبه الجميع،  و يلعنونها في لحن مميز، ويشيرون إليها بأصابعهم( .
سعيد : (بنظرة استغراب ) أتهينون الثورة ؟!
الثورة :)  متحدية  وهي تصطنع القوة (العنوا العنو العنوا!  إنها سلاح العاجزين المفلسين، العنوا العنوا!  فألسنتكم تنطق بما تحمله قلوبكم من غل وأنانية وسواد ..العنوا  ها قد حققتم نصرا مدويا برسم هذه الجراح على جسدي(تشير بيدها نحو جراحها  ) انظروا وقع سياطكم، إنها كأنياب الكلاب المسعورة ، تعالوا امتصوا عفونتكم  من جراحي.
(يقترب منها طفل يحضنها بعطف ثم يبكي بكاء تلين له قلوب الجبابرة و يذيب الصخر وهو يضع راسه الصغير على جسدها  والقلوب المتحجرة الواقفة لا تستجيب يقترب بعض الشباب  ، يحاولون إسعافها  ينشب صراع بينهم وبين جلاديها،  وتتحول الساحة إلى حلبة قتال ،لكم وركل وشتائم متبادلة ).
الشيخ الحكيم :  (متهكما ) الثائر الحقيقي قلبه لا يحمل الأحقاد، ولا وقت لديه  يضيعه بالخطابات .
سعيد: (  متوجها للثورة ) نأسف لك؛  صنعناك ولكن للأسف  تنقصنا الخبرة في الدفاع عنك ، ها قد أصبحنا الطرف الأضعف الآن (يحاول  هو وأصدقائه افتكاكها منهم )
الجلادون: اتركوها إنَها تمثل..  دعنا لا نتقاتل لأجلها
الشباب:  بل إنَها تحتضر، وستموت بين أيديكم وأنتم لا تشعرون.
الجلادون:  اطمئنوا، لن تموت ما دمنا هنا.
الشباب : لا يأتي الموت  والخراب إلا معكم . ( يتقدم الشيخ الحكيم يحاول إيقاف الصراع   (
الشيخ: جئنا هنا شعبا واحدا وها قد انقسمنا  إلى شعوب وقبائل ها قد عدنا قبائل متناحرة (ينعته شق  بالعمالة والخيانة وشق يناديه بالشيخ الحكيم تستفيق الثورة تستغل تراخي  الأيادي  التي كانت تقيدها وتنهض نهضة جبار) .
 الثورة : ) مشمئزة ) ها أنتم تتقاتلون  كقطعان بلا سبب، همج لستم بصناعي  عودا الى رشدكم .
           (تصرخ بأعلى صوتها(   توقفوا.. شوهتم صورتي..   (تتباعد القطعان  المتخاصمة ..عفوا المختصمون   قليلا. يأتي صوت رجل مترهل أجش  خشن كأنه الرعد )
الرجل المترهل  : لن  نتركك تذهبين..  نحن متعطشون لك ( ينظر الجميع إلى جسده  المترهل ) نحتاجك لبعض الوقت .
الثورة:  نعم أنتم من يقرر بقائي أو مغادرتي لكن الآن قد  فات الآوان ؛ لقد حلت محلي الفوضى والمصلحة الشخصية ، فذهبت ولم يبق أمامكم سوى شبحي ( تشير بيدها إلى المحلات المخربة والتجهيزات  المكسرة ..  تبكي، تنتحب،  تضحك،  تصرخ صرخة يتردد صداها بعنف،  كأنَها في كهف بعمق الكون ، فيرتد الصدى كزمجرة وحش كاسر(  هذه ثورتكم مجرد أكذوبة ! تقاتلوا تكالبوا على كرسي أصبح لونه قاتما بدماء الأبرياء  لقد أصبحتم كالذئاب يغريها لون الدم سيروا على جماجم الأبرياء لتصلوا إليه  .
سعيد :  ما الفرق بينكم وبين من سبقوكم ؟ بهذه الطريقة سنخسر جميعا .
أماني : لنتحد. 
 الثورة : ) تئن )  قتلتموني وأدتموني، إنَني لم أعش سوى لحيظات من الفرح،  وها أنا   أتجرَع مرارة الخيبة! ليتني لم آت.
 أماني:  في كل الأمكنة التي زارتها الثورة  يعقبها التحرر من الاستعمار إلا في هذه  الأرض يعقبها  الاحتلال  .
 ( تنخرط  الثورة في موجة بكاء أليم  .. تغمض عينيها، ترى  الطائرات تقصف الابرياء ، أطفال صغار يركضون خوفا هنا وهناك ، أياديهم ترتفع باتجاه السماء التي يحول بينهم وبينها الموت  تنتفض بعنف ).
الثورة : انظروا هناك.. انظروا ...( تشير بيدها إلى شاشة ارتسمت في الفضاء تجسد ما تراه في المكان الآخر)  انظروا السماء  السوداء قد أضاءتها الصواريخ والطائرات. لأول مرة أكره الضوء ( تحاول الحيلولة بين عينيها والضوء بيدها ، يسرع إليها سعيد يسندها (انظروا الكون مضاء بعنف كأن ألف شمس مشرقة معا قد أضاءته ..لكن الشمس تبعث الأمل،  وهذا الضوء يرسل الموت مدرارا..   انظروا جثث الأطفال متناثرة، وطوابع الجبن ،وعلب التونة ، وأكياس الأرز  المخزنة مؤونة اختلطت بالتراب تغطيها، بيوت تتحول إلى ركام   والناس بدلا من  أن يعتريهم الخجل في حضرة الموت، يضحكون ،يغنون ، يكبرون ، يرقصون ، يطلقون الرصاص في الهواء،  كأنهم في عرس،  أيَ عالم هذا الذي يستقبل فيه الموت بالغناء؟ !  مكان لا ترى فيه غير الموت  يتجول مزهوا توجهه القنابل والصواريخ هنا وهناك
         ( تنهار الدموع من عينيها المغمضتين خطوطا مسترسلة،  تهرع إليها أماني   وتمسح دموعها ).
أماني :  ألا تسمعون موسيقى أنين  الجرحى وحشرجة المحتضرين ( يعذب صوت الأنين روح الثورة فيتغير لون دموعها إلى أحمر) .
الثورة :  ألا تخجلون ؟!
(رؤوس المتواجدين تدور في كل الاتجاهات بحثا عن الشاشة،  فلا تبصرها أعينهم، يلاحظ الجميع شرودها، فيصمتون)
أماني   : (تهمس في أذن الشيخ) يخيل إلي أنَ الملائكة قد نزلت  إلى الأرض ،وأنَ الجميع لا يريدون ازعاجها
الشيخ  :   ما أجمل السكينة حين يتوقف العقل عن التفكير في كل شيء، ويعيش لحظة سلام بروح قد شطرتها الآلام، فيستكين الجرح، وتتوقف الأحاسيس بالفرح، الحزن ، الموت، الحياة ! فقط خشوع وصمت ، لحظة لا تشترى بمال العالم كله  ! وتعادل مسيرة الحياة .
         (ثم فجأة  يوسوس شيطان الكرسي في العقول ، فيجتمع المختصمون ،وتتعالى الأصوات) .
الاصوات :  الشعب يريد... الشعب يريد ... (تدوي أصوات وقع الحجارة وهي ترتطم بالجدران، الثورة  تزحف نحو  جدار قريب منها  وتستند عليه لتحاول الوقوف)
الثورة :  (بصوت متهالك )  أين الشعب ؟!  إنني لا أراه ،  إنني أرى  عشرات مبعثرة هنا وهناك ، كل يغني على ليلاه،  وحسب ميولاته السياسية  مغلفا إيَاها  بمقولة "الشعب يريد"، نعم كنتم في البداية ، وكنت الملكة المتوجة أمَا الآن فانتم فرق وفرقاء ، والوطن يحتضر،  وقد دب السوس في أوصاله ،ينهش العظام نهشا ، أنظروا لا وجود هنا إلاَ لشبحي .
سعيد:   لقد  كنت حلما يراود الجميع، كنت أغنية على شفاه المساكين والعاشقين، والمعذبين، الحالمين بحياة أفضل وستظلين.
رؤى: لقد انسحبت غالبية الشعب لمَا رأت تحول البعض عن أهدافهم 
 أماني : لماذا لا يعبر كل منا عن فكره عن إرادته عن رؤيته للوطن  بعيدا عن عباءة الشعب  التي اتسعت حتى اهترأت وتمزقت.
(يضحك فتى موجودا بالقرب منها ، تتجه نحوه أنظار الوجوه العابسة المتخشبة)
الفتى :  ( يستدرك في خجل ) لقد تخيلت الشعب  رداء الكل يريد قطعة منه تستر أراءه،  لكن  ما قيمة الرداء وهو قطع غير أن تأخذه الرياح أنَى ذهبت؟ 
         (ترحل الوجوه إلى الفضاء البعيد ، كأنها تشاهد  القطع تجوب الأفق،   وترى  الرؤوس تتابع اتجاه الريح ببطء،  كأن أحدا قد نومها مغناطيسيا .)
 الرجل المترهل : ( ينتفض صوته كصوت الرعد(   إنَ هذا كلام الخونة والعملاء، سنمزق الرداء ، سنحرقه...
الفتى: ( مقاطعا بسخرية ) أحرقوا الشعب  كله  واتوا بأخر  على مقاسكم  وحسب المواصفات  التي تريدون.
)يحاول البعض الانقضاض على الفتى وضربه .. يحول بينهما بعض الشباب ..تضحك الثورة ، تتغير ملامح وجهها  من الضحك إلى  الألم إلى البكاء  إلى اصفرار الموت . (
  الثورة : مزقوا خارطة بلدانكم إربا إربا ، اهدموا دياركم،  وبعدها العنوني إن استطعتم إعادة البناء!
 (تصمت قليلا (بماذا يفيد اللعن بعد أن ضيعتموني ودسستم السم في عروقي؟ إنَني الآن ميتة،  وأنتم لن تستطيعوا إعادة ما أعدمتموه،  وسيأتي غيركم يهدم ما بدأتم في بنائه،  وتظلون هكذا أبدا في درجات السلم الأولى ، تسيرون إلى الأسفل بدل الأعلى .
(يطأطئ الثوار في خجل في حين يرفع الراكبون رؤوسهم  إلى عنان السماء )
   أماني: إنَ البلدان لا تبنى بمختصمين يقفون على طرفي نقيض،  وبمصالح شخصية، إنما تبنى  بأياد تمتد إلى المنتصف فتتشابك وتتحد.
سعيد : لنمد جميعنا أيادينا  لنمسك أياد بعضنا البعض ، تعالوا نتحد لأجل القوة.
الرجل المترهل  :  أنا ممثل الأغلبية لن أضع يدي في يد المنهزمين . (كرر قوله الكثيرون يغمى على الثورة يحاول البعض إسعافها بجرعات من الأكسيجين  بينما يركلها البعض الآخر)
صبي : أنت لست الثورة ، أين اختفت الثورة يا ترى؟ ..كفاك تمثيلا ، انهضي، لن ننخدع لك، أي ثورة التي لا يعجبها الهدم.
 الرجل المترهل  :  اسمعوني،  هذه خدعة يريدون الوقيعة بيننا نحن الثوار ، نحن الشعب .
(تتلوى الثورة ،وتحاول النهوض ،فلا تستطع، يسندها مسعفوها على الجدار، تلملم جسدها،  وتمسح قطرات الدم السائلة من الجرح الغائر بجبينها) .
الثورة : صدقت أيَها الرجل،  لأول مرة أرى أحدكم يتكلم صدقا ، إنني مجرد بقايا( تجلس وقد لمعت عيناها ببريق  حاد سرعان ما خبا) .. كنت أعيش في صدور الثوار  أأجَج فيها نار التمرد  الإيجابي وروح النضال  ، وأنبته فيهم انباتا ولم أتعب، وأنا أنتقل من  صدر إلى صدر  ، أناس يحملونني في قلوبهم بالفطرة،  وآخرون أكاد أصاب بالجنون والوهن  من شدة ضعفهم ورفضهم لي.
  سعيد :  ومع ذلك لم تعرفِ لليأس طريقا ؛كنت تؤسسين  لليوم الموعود، يوم تتحرر الشعوب  من عبودية الحكام والتجار ومصاصي الدماء سنينا وسنين.
الثورة: ( وهي ترمق سعيد بنظرة إعجاب (نعم؛ كنت أؤسس لأخلاقيات الثورة، ولما جاء اليوم الموعود ضيعتموني . ها أنتم تقدمونني قربانا للهمجية والفوضى!
الرجل المترهل : (بضيق) لقد ذقنا الذل كثيرا ، واليوم نريد الانصاف والتعويض، إن الرغبة الجامحة  بداخلنا للحصول على  أكبر قدر من المكاسب هي هدفنا، والغاية تبرر الوسيلة ،وفقا لأخلاقياتنا يا...
الثورة  :   ( مقاطعة بحدة) لقد أوغرت صدوركم،  وملأتها حبا للحرية والأخلاق،  ولكنني للأسف أرى جلادين  خناجرهم سياطهم  مستعدة للطعن  والضرب في كل لحظة.
أماني:    يا صغيري إن للأخلاق لون واحد أبيض ناصع ،ليست بألوان ملابسكم تغيرونها  متى شئتم ، وليست كلاما منمقا تتاجرون به.
(يرى الرجل في كلام الفتاة إهانة له فيصفعها ثم يبتعد عنها قليلا..  تتقدم رؤى تمسك بيد الثورة المتعثرة في حنو مواسية  ، وقد أرخت لها الثورة يدها استئناسا )
 رؤى : صدقت أيتها الثورة ، لقد عمت الفوضى،  وخرب الاستعجال أشياء كثيرة .. عدم معرفة أغلبهم لمبادئك خلف تحالفات وتجاذبات ومصالح .  )تنظر  الثورة للفتاة في شرود )
 الثورة :  للثورة هدف واحد ،ولكل هؤلاء هدف، أريد عالما بلا دموع ولا أوجاع،  وبعضهم يريد نارا تعيد قوة الاقطاع،  والبعض الآخر  كل همهم الزيادة في المرتبات  والترقيات ، والتجار يركضون وراء الربح الوفير قبل أن يمر القطار. 
 (تتلون وجوه ؛ تصفر، وتحمر ،وتعبس، وتضحك أخرى ، ثم يعلوها العجب  (
 رؤى: لا تنسي أيتها الثورة ازدهار تجارتي تهريب السلاح والمخدرات
الثورة :  (متألمة )  لم ولن أنسى  وأنا أرتدي هذا الثوب القبيح الذي ألبستموني إياه ثوب خيانة الأوطان، وبيعها بالتقسيط المريح ، و بأبخس الأثمان، انتظرت ثوب الطهارة والحق والحرية والعدالة  فحصلت على هذا! (  تمسك ثوبها باحتقار وازدراء)
  رؤى : لماذا ربطتم اسم الثورة بالخيانة ؟ لماذا هذا التشويه وقلب الحقائق؟ أم هو قتل  لعزائم الأحرار ؟.
 الثورة : لقد صيرتموني  ثورة الركض على جماجم البسطاء باتجاه الكرسي.
سعيد: ها قد انفرط عقدنا لما رفع أغلبنا  شعار الوصاية!
(ثمة جرح  خفي عميق  ينزف في  جسد الثورة  نزيف داخلي تناقص بسببه الدم  بسرعة ، وهم لا ينظرون إلا إلى الجراح البادية  للعيان ، لم  يعد جسدها قادرا على الجلوس  ولا على الكلام والصراخ ،  كل لحظة تمر  ينهك جسدها ويشحب وجهها أكثر:  والأغبياء لم ينتبهوا بعد )
 الثورة : ( في صوت خافت ( كلما علا سقف الفوضى نزل سقف الحرية) تحاول استرداد أنفاسها ... صوتها متقطع متعب ) ليست هذه القضايا التي  انتفض لأجلها  المنتفضون  ،من قلب سلم المطالب لتصبح المطالب الثانوية في القمة والمطالب الأساسية في الأسفل؟  لقد حفروا قبري، وإنني أسير  إليه مجبرة (يقترب منها الشباب )
سعيد : ( بصوت يائس ) لن تموتي   ( ثم يقر بالحقيقة عندما يراها تتعثر مرارا وتكاد تسقط   فيسرع اليها ويسندها على الجدار صارخا ) تماسكي تماسكي
الثورة :  أدركت غالبية الشعب  أنها صنعت الثورة لكن تم تهميشها  من قبل الراكبين   وإن هدفهم كان إصلاح البلد والسير بها إلى الأمام و كان هدفهم البناء لا التدمير ، ولا عرض كرسي الرئاسة في سوق النخاسة وبالمزاد العلني،   بدأوا ينسحبون يوما بعد يوم ولم يبق في الشوارع إلا القليل ، بعضهم أصحاب مبادئ وبعضهم راكب، وآخرون كل همهم استمرار الفوضى لارتباطات مجهولة.
)  أحس المتواجدون بالساحة بالانسحاب أصبحوا كمجانين يصرخون):
سعيد : لم تتحقق أهداف الثورة بعد.
 صوت 1 : لماذا انسحبوا ؟
 صوت 2 : لماذا استكانوا؟
صوت 3 : لم تتحقق أهداف الثورة بعد، لم أصل إلى سدة الحكم بعد، أيها الخونة ستندمون ،  سيحاسبكم الله  على انسحابكم  هذا، إن خروجكم إلى الشارع و بكاءكم وعويلكم  وإيقاف عجلة البلد واجب مقدس ، إن بقيتم في بيوتكم ستكون جهنم مأواكم وبئس المصير .
صوت1 : ناموا..  ناموا،  فأنتم لا تستحقون الحرية أبدا ستندمون، ولن ينفعكم العويل ، تقدموا،  واجهوا، الرصاص، تقدموا!
 الثورة :إن أغلب هؤلاء قادمون من خارج البلاد، أو أن أبناءهم  بالدول الغربية ينعمون بالرفاهية،  ويطلبون من المساكين مواجهة الرصاص لأجلهم فقط ، ثم ينسحبون بخبث إلى  بيوتهم أو إلى قنوات التلفاز .
            (هناك مجموعة من الشباب نأت بنفسها عن الصراع ، ووقفت متفرجة)
الشاب هادئ : (من المجموعة ) تقدموا! موتوا معهم ، لا أحد من الحقوقيين أو رؤساء الأحزاب، أو من يدعون بانهم النشطاء السياسيون سقط هنا) يشير بيده  حيث بركة من الدم ..  ينظر الجميع إلى الدماء )   أنا غبي حين صدقت أنكم قد تصنعون ثورة .. جثث مرمية بالشوارع..   حطام النوافذ البلورية، وأكداس الحجارة،  وبقايا العجلات المطاطية المحروقة  ، ودماء قانية على أرضية الطرقات .. لم هذه الوحشية؟ ..  هذه الشوارع تغيرت.. اصبحت مخيفة ، تقود مباشرة إلى أبواب المدافن  .. كيف يتحول المحب المرهف القلب إلى قاتل محترف؟
) يحتد أنصارهم، يلقون الحجارة والقنابل اليدوية ، ويقع صدام بينهم وبين الجيش (
الثورة : (تقف بينهم  وتصرخ )  أوقفوا الحجارة،  أوقفوا الرصاص .
(يذهب كلامها أدراج الرياح،  وجسدها تمطره الحجارة والرصاص ... يحاول سعيد الوصول  إليها وانقاذها  يسرع... أصدقائه إلى رماة الحجارة (
أصدقاء سعيد: (وقد أخذنهم المفاجأة ) إن الرصاص يأتي من أكثر من اتجاه  ومن أكثر من طرف .
سعيد :  توقفوا إن الثورة تموت..  توقفوا.
جموع الرماة : إننا نحييها بهذا التصرف .
سعيد : بل  تنهونها .
الرماة : ليس مهما ، كنا نحتاجها لكسر حاجز الخوف،  وها قد فعلنا ، فلتذهب إلى الجحيم 
(توالت الانسحابات من الميدان ) 
 (يصل سعيد إلى الثورة ... يحملها بعيدا عن حلبة الصراع ..وهي مضرجة بالدماء، يضعها قرب مرآة .. تنتبه  لوجود مرآة كبيرة قريبة منها ... تنظر إلى وجهها في المرآة،  فترى وجها قبيحا ..  تصرخ كمن رأى شبحا يريد الانقضاض عليه )
الثورة :  أهذا وجهي؟  لا، لست أنا ..)  تنخرط في موجة من البكاء )   أهكذا شوهتموني؟
  .. ( تقترب منها  رؤى .. تحاول  تجميع شعر الثورة المنكوش بيديها الصغيرتين  تعلو حشرجة الثورة)
 الثورة : ( تئن بصوت ضعيف ) إنني أموت إنني أموت ..
 ( يهرع إليها الشيخ الحكيم،   وبعض الصبية يحاولون  اسعافها )
الشيخ الحكيم : تمسكي بالحياة ايتها الثورة ..  تمسكي
الثورة : كنت أرى نفسي في صدوركم ، والآن أنظر  إلى عيونكم فلا أرى سوى ظلال  وغيوم  سوداء ، وكآبة وتجهم ، وحقد وشر، لستم من حملوني في صدورهم (وتجهش بالبكاء) دعوني أرحل لقد كان الثوار ينادون لتحرير بلدانهم من التبعية، و فجأة أصبحوا محللين ومشرعين للاحتلال والقتل والتنكيل،  أهذه هي الثورة؟! دعوني أرحل 
الشاب الهادئ : وطني ، كنت أرى النجوم فيك قريبة، فأمسيت أراك في النجوم بعيدا.
                   ( لحظة صمت )
رغم الظلم وانعدام الحرية  في السابق فقد كنا نتطلع إلى نفس الهدف، أن ننعم بالحرية في بلادنا،  وأن نسعد  والآن ها نحن نعيش الحرية، لكن  أين وطننا ؟..  أخشى أن نصل  إلى حد القول أعيدوا لنا بلادنا و خذوا حريتكم .
        ( وتنحدر على خده دمعتين )
الثورة:   ( وقد تراخت بين الآيادي )  إنكم تحتاجون الآن إلى الأخلاق .. الأخلاق قبل الحرية (تتهاوى )
الشيخ الحكيم : ( متجهم الوجهه) للأسف لم تكتمل..  من المسؤول  ؟
 الشاب الهادئ : خرجنا للثورة شعبا واحدا، انظروا الآن ،لقد صرنا شعوبا  داخل  وطن واحد  ثم التحقتم  بنا ،تدعون أنكم المثقفون، وأنكم الثوريون وأنكم صناعها، فتركناها لكم ..انظروا الرايات هل في البداية كنا نرى راية لأي حزب أو جمعية  انظروا الرايات ما أكثرها !
 سعيد:   كلنا نحمل أحلاما باتساع الكون ،كلنا تسكننا أحلام الطفولة ، ويغرينا وجه  القمر
الشيخ :  لكن  هل يمكننا   أن نعيش الحلم  دون الارتكاز  على الواقع لتحقيقه ؟ بني هل تحقيق أمانينا مرتبط   بأناس أمضوا أغلب فترات حياتهم خارج البلاد  عاشوا حياة الرفاهية وذاقوا طعم الثروة؟ أم إن تحقيق الأماني مرتبط بالناس التي عاشت  القهر  وننحت في الصخر  لتتواجد في هذه الحياة ، والناس الذين يرون الوطن كل الحياة أم الذين لا انتماء لهم إلا للجاه  والمال؟
       ( يسرع بعض الصبية الى منشأة قريبة منهم يحاولون إحراقها )
أماني : ( تفطن لهم (  جئنا نحمل أرواحنا على أكفنا لأجل الوطن، فأصبحنا نقتله، ونصدق القيل والقال المتناثر هنا وهناك من البعيد...  أموال.. أرصدة .. مباني ..مواقع تشجع على التخريب والتخريب .. أين كان هؤلاء المدعون؟
سعيد :  نريد أن نكون نموذجا خاصا .. فالحرية بلا أخلاق تساوي شريعة الغاب ( يمسك رأسه بين يديه )  أصبح عقلي يعاني التشتت  .. فهل فعلنا كل هذا لنعود إلى البداية الأولى
أماني :  ( بمرارة )  صرنا شعبا يخاصم نفسه ،يشرد نفسه ...يقتل نفسه و... 
الشاب الهادئ : لقد مزقتنا الحيرة؛ طرف في الشمال وطرف في اليمين،  كلاهما يدق أوتاد   الموت للبلاد ، وكل طرف يريد أن نكون معه،  وهم لا يمثلوننا.
رؤى:   كونوا أنتم،  انهضوا ، مدوا آياديكم ، لم كل هذه السلبية؟
الشاب الهادئ :  إننا مربوطون في رحم الارض، تعصف بنا أفكار،    وخيارات عديدة
رؤى: مثل ماذا؟
الشاب الهادئ :  إننا نقف بثقلنا في قلب الوطن حتى لا يختل التوازن
سعيد : وهل الثورة هي التي تخرب البلد؟
الشاب الهادئ :  لا أبدا،  ألم نكن معكم حين أتينا بها أو لنقل أغلبنا ؟
سعيد:   وما الذي تغير؟
الشاب الهادئ : الانقسامات،  تغيرت الأهداف والولاء ..الأغلبية ليست ضعيفة هي لا تهتم   بالسياسة  إنها تدير عجلة البلاد بكل اقتدار انها تريد ان تفوت الفرصة على الطامعين.
سعيد : معك حق، لكن ليس بهذه السلبية يتم الدفاع عن البلد
رؤى:   نحن من أتى بالثورة ،الآن نشعر بأننا غرباء في  أوطاننا.  
سعيد : المشكلة الكبرى أننا لم نستطع حمايتها .
أماني : تنقصنا الخبرة للأسف .
( يتقدم الرجل المترهل من مجموعة الشباب التي نأت بعيدا عن حلبة الصراع  )
الرجل المترهل :  ( بلغة الامر ) أنتم ، لماذا لا تنضمون إلينا،  في هذه المظاهرات.
الشاب الهادئ :  لأنه باختصار لا نريد أن نستجدي الدول المستعمرة معونة.
الرجل المترهل  :( بصوت مرتفع )  ولكن بلدنا غني بكل الخيرات ، واموال مجمدة  هنا وهناك.
الشاب الهادئ :  أنا مع أن يرحل الديكتاتور ،و مع أن يكون  المواطن
 حرا. لكن أيضا مع من يستعمل عقله لو جمعنا الأرصدة المعلن عنها  في وسائل صناعة الرأي لوجدناها تفوق ميزانية كل دول العالم مجتمعة.. هل هذا ممكن؟ .. نحن باختصار نريد حرية تضع يدها بيد الأخلاق  .
أماني  : أيها الضعفاء المستسلمون أترضون بان يتحكم فيكم العملاء  والمستعمرين و......... ..
الشاب الهادئ :  أتقبلوا أن يتحكم بكم البائعون .. لماذا أتيتم إلينا ونحن الضعفاء
الرجل المترهل : حتى لا نطيل أمد هذه اللعبة.
( تعلو الاصوات والثورة تضع يديها  على أذنيها حتى لا تسمع ما يقولون  بعد أن انقلب السحر على الساحر، وأصبحوا يشتمون بعضهم بعضا بأبشع النعوت ، تضغط على أذنيها أكثر ، تحرك رأسها  يمنة ويسرة بعنف )
 سعيــــــــــد :   ( للثورة ) ما بك؟.. توقفي ...   (وهي لا تتوقف )
الثــــــــــورة : إنهم يدقون مسامير نعشي، ألا تسمع  أصوات المطارق وهي تهوي على المسامير ؟
سعيد :  معك حق، إنني لأصدم كيف تحولنا إلى هذه الحال
رؤى : هناك من جاء لأجل الكرسي وهناك من جاء لأجل المال وهو يتبع أجندات أخرى وهناك من جاء لأجل الحرية
سعيد ) : يبكي ) كم تحمل الوجوه من أقنعة!
رؤى : لو ينضم لنا هؤلاء؟  ( وتشير إلى المجموعة الكبيرة  من الشباب الهادئ )
الثـــــــــــورة: أغلبهم كانوا هنا ، وخرجت من صدورهم
أمانــــــــــــــي: لماذا تركونا وحدنا ،
سعيــــــــــــــد:   (مستسلما) لست أدري لست أدري
الشاب الهادئ : بل تعلم،  ولكنك تكابر
الرجل المترهل :  (يتقدم  ساخرا من الشاب الهادئ ) إن الثورة  للذين يتمتعون بالجرأة والقوة  ، وهم لا يملكونها فهل يتساوون معنا  ؟
الشاب الهادئ:  إن كنت ترى نفسك شمس الصيف  الحارقة التي يحني لها  الناس الجباه فإننا  لا ننظر إليك في عليائك بل نبصرك في برك المياه مرتعشا مرتبكا تركع تحت أقدامنا
(الرجل المترهل يحاول صفع الشاب الهادئ فلا يتمكن)
 الثورة :  إنني أموت يا سعيد
سعيد :لن تموتي..    يبقى القمر، وتسقط النجوم يا قمري
رؤى:  أوتهوى النجوم؟!
أماني :  سلي أطفال الفلاحين وهم يلتقون على ظهورهم في ساحات منازلهم ،يبحثون عن نجمة تسير، يندهشون لرؤيتها،  يلاحقونها  بحماس ،وهي تسرع، ثم تسرع نحو حتفها  ثم تسقط ، لا يأبهون لسقوطها، و يعيدون البحث من جديد.
        (يعلو الصراخ في الميدان ،  تشتعل الحرب بين المجموعات، تسمع بعضهم يحاول استنهاض سعيد، وأخذه إلى صفهم،  لكنه لا يكترث )
سعيـــــــــــــــــــد : إنني في حيرة من أمري ، إنني لم أثر من أجل أهدافكم هذه  لماذا تغيرتم؟
رؤى     : ( تمسكه وتحاول جره عنوة إلى الساحة ( إنك تستمد القوة من هنا) تشير إلى الثورة (   وتستمدها منك.
سعيد: لم أعد أجد نفسي هنا بين المتحولين والراكبين.
رؤى:  (تشير إلى بعض من الشباب  الذين يقفون في هدوء وسكينة ) أتريد أن تكون مثلهم؟ .
سعيد : لا ،ولكنني لا أجد لهم عيبا غير صمتهم.
أماني : نعم، رغم سلبيتهم فإن وضوحهم يجبرك على احترامهم .
الشاب الهادئ :  تروننا سلبيين،  و نراكم تهدمون البلد ، تتصارعون كالديكة.
 الثورة :  للأسف هكذا حولتموني.
سعيد):  في خجل)  لكنني ما زلت أدافع عنك وعن  أحقيتنا بك و عن أهدافك.
الثورة : ها قد استنزفوا قواك ،وصرت ضعيفا بعد أن عصف بك الشك
أصدقاء سعيد : نعم .. نعم...نعم ...
سعيد:    (ينظر إلي  أصدقائه )  نعم لقد عصف بنا الشك ، وصرنا نخجل من أننا كنا رفاقا لأولئك ..( يصمت لحظة ) الثورة  ليست على السياسيين فقط،  بل على الجوع والفقر، والتخلف،  لماذا هدمتم كل شيء، وتنازلتم عن كل شيء إلا طلب سلطة ، ألا بد أن نستجدي  ونقترض لنقول هنا ثورة؟!
الشاب الهادئ: لقد ضخموا الأرصدة المجمدة قصدا  ليعطوا شرعية للتخريب والنهب والسلب ونسقط في فخ المديونية حين نكتشف أن ما تم تخريبه  أكثر  ملايين المرات من الأموال المعلن عنها إنها لعبة قذرة لنزداد فقرا .
الرجل المترهل : لكل الثورات خسائرها، كفوا عن البكاء.
 الشاب الهادئ :بئس ما تستشهدون به من ثورات في عصور الجاهلية ،أ بعد كل هذه السنين من العلم والثقافة نقول إن ثورات الزمن الأخر كانت مدمرة فلندمر نحن أيضا؟!
سعيــــــــــد : للأسف أغلبنا سقط في جعل الأخر القدوة والمثال. 
 الشاب الهادئ : يا خيبة المسعى! ما نفع التعليم  إذن؟  ما نفع المدارس  والمعاهد والجامعات إذا كان العقل قد توقف عند الثورة الأخرى وما تبعتها من حروب وموت للإنسانية؟ أ لا يمكن أن نؤسس نحن لمرحلة أخرى و لفكر أخر ؟
الثورة:  كان بإمكانكم أن تكونوا القدوة والمثال لو وثقتم بأنفسكم.
 (يتقدم صبي بيده خنجر ،يحاول أن يغمده في جسد المسكينة لإسكاتها  وإنهاء الحوار حتى لا يفضتح ما تبقى من الألاعيب،  يرتمي عليها سعيد  يحول بينها وبين الخنجر فينال الطعنة مكانها، يسرع أصدقاؤه  إليه  ويبتعد القاتل فرحا مسرورا تعلو وجهه ابتسامة رضا( 
الثورة : بني انتهى أمري إني سائرة نحو حتفي،  فلم تثقل كاهلي بدماء جديدة؟
(يتحلق الأطفال حولها بعد أن اجتازوا الصفوف (
الثورة : (تنظر إليهم  بشفقة ) من يستخدم الأطفال في هذا الصراع ؟ من يدفع بهم في الصفوف الأولى ؟! بئس ثوار يقودهم الأطفال  ويسترون عيوبهم  . (تنظر الى جرح سعيد دامعة العينين تضع يدها عليه فتمتلئ بالدماء )
سعيـــــــد : لا تخافي،  الطعنة ليست قاتلة (يقف رغم نزفه الشديد )  سأصمد  فاصمدي معي، إنني أستمد القوة منك، فاصمدي.
الثورة : لم يعد هذا ممكنا  ، انهرت وانتهى
سعيد : أتوسل إليك أن تتمسكي بالحياة.
 الثورة : إنه لمن الظلم أن تطلب من أحدهم وهو يموت من  الألم  في كل لحظة أن يتشبث بالحياة .
(يعلو أنين الثورة  وفي محاولة منها للتشبث بالحياة،  تمسك سعيدا  من مكان جرحه بقوة فيصرخ )
أماني:   إنهما يتحدان حتى في الألم لكن هل سيقدران على المقاومة والحياة؟ أم سيفترقان؟ فسعيد يبدوا أقرب إلى  الحياة وهي إلى الموت .
(يهدأ سعيد قليلا و ينظرإلى الشباب الهادئ ( 
سعيد:  أمسرورن الآن باحتضارها؟!
الشاب الهادئ :  لسنا كذلك،  ولكن كان علينا أن نختار بين أمرين أحلاهما مر فاخترنا .
سعيد :  (محتدا ) ألم يكن هناك خيار آخر(  يؤلمه جرحه فيهدأ)
الشاب الهادئ :  دلنا أنت على الخيار الآخر
(يحتار سعيد، ويصمت ) ثم يقول :  الخيار الآخر ان تواجه الراكبين
 و  ان تحاربهم كما حاربنا الطغاة لا ان تستسلم وتستكين( ثم يلتفت إلى الثورة  (ستتمسكين بالحياة..   أليس كذلك؟
الثورة: لقد ولدت مشوهة ، وبدأت علامات المرض تظهر،  لا مناص من الرحيل.
سعيد: لم تلدي مشوهة انما تم تشويهك بعد الولادة .
الثورة: لا فرق طالما انني أعاني.
سعيد:  أجيبيني، رجاء أجيبيني ...  هل ثمة فعلا أموال من الخارج؟آ
الثورة:  ( مطأطئة ) نعم .
سعيد : هل ثمة من يهتف هنا وهو يظهر ما لا يضمر، ويستغل وقفة الثوار الاحرار؟
الثورة : نعم
سعيد:  هل ثمة من يؤجج النار لمصالح شخصية؟
الثورة : قلنا نعم
سعيد : أعرف أنك تتألمين، أعتذر ولكن لماذا لم أبصر هذه الأشياء؟
الثورة : لأنك طيب ، وتتعامل مع الناس بطبيعتك وشفافيتك، وقلبك لا يحمل الخبث  ،لذا لم تبصرهم.
سعيـــــــــــد : (تزداد الحيرة على وجهه ) لا تقنعيني بأن الصامتين هم الذين فهموا اللعبة مبكرين.
الثورة :  للأسف ، هم شاركوا  في ولادتي،  لكن حين رأونني مشوهة  .. اختاروا أخف الأضرار  وتخلوا عني.
رؤى :ألاف الأطباء كان بإمكانهم علاج الجنين المشوه .
الثورة : ( تضحك ساخرة) أ و سمعت صوتهم منذ قدومي يا حبيبتي؟! ، أعالجوا جراحي أو جراحكم ؟! انهم مهتمون بتشكيل لجانهم ، إنها ثورة  طلب السلطة   هيئة المحامين،  هيئة الأطباء، المدرسين ، الصيادلة ،................
سعيد : أتؤيدين الصامتين  في قرارهم؟!
الثورة : هم وحدهم الذين كان بإمكانهم إنقاذي،  لكنهم لم يفعلوا.
سعيد : سلبيون
الثورة : لكن علينا أن نحترم خيارهم،  فلولاهم لكانت الخسائر  لا تحتمل، ولن تكون لي الجرأة لأعود أبدا.
سعيد : ماذا تقصدين ؟
الثورة : لقد حفظوا لي قليلا من ماء الوجه.
سعيد: أتدافعين عنهم  وعن ضعفهم؟!
الثــــــــــورة : لا ،ولكن هم لم يستغلوني لمآرب شخصية ضيقة ، ألومهم لعدم إنقاذهم لي ولكنني لا أتهمهم بمحاولة قتلي .
الشاب الهادئ: كثر اللصوص والمسروق واحد ، سلامتنا وأمننا
سعيد: لنستمر حتى يرحل كل اللصوص
الشاب الهادئ :أنت لا ترى غير اللصوص المعلن عنهم أما نحن فقد رأينا أبعد من ذلك
سعيد (منفعلا) : لست وحدك من يملك البصر والبصيرة
الشاب الهادئ : من يسرق أمن الناس لص من يسرق أرواح الأطفال لص من يدفع بالأبرياء للحدود حيث الجوع والصقيع والعراء والأمراض  لص  من يفتك بالعجائز والنساء  لص  فعلى أي لص منهم ثرت يا صديقي ؟
سعيد : كلهم كلهم
الشاب الهادئ: لكنهم يقفون إلى جانبك فتعطيهم شرعية بتواجدك معهم
سعيد: (ينظر إلى الفضاء   ثم إلى الثورة ) أأنت ثورة عمياء أم ماذا ؟
هل خدعونا أم خدعتنا   لا لا لم تخدعينا والدليل انك مضرجة بدمائك سامحيني سامحيني 
الشاب الهادئ :  يا صديقي لست اقل منك حيرة وتيها  ولكن لن نعطي شرعية لتدمير بلداننا 
سعيد : (ينظر الى الثورة  ثم يعود إلى الأسئلة) وعملاء الأنظمة  ؟
الثورة : (تحاول الثورة الضحك لم تستطع من شدة الالم ) لماذا ثرت إذن؟!
سعيد: لم أفهم؟
الثورة:  لقد ثرت ضدهم،  إذا فوجودهم طبيعي، ولكنهم لا يخيفون.
سعيد : لا تزيديني حيرة ، أو كنت غبيا أحمق حتى يستغلني الخبثاء والطامعون ؟
الثورة : لست غبيا ، وإنما عليك أن تتعلم أن تنظر من جميع الزوايا.
الشاب الهادئ : لأنك الثائر الحقيقي يا سعيد  فانك لا تنظر  إلا للثورة  ابعد عنها بصرك  ستبصرهم إنهم لا يخجلون من المجاهرة بالخيانة والعمالة  والولاء.
 (ينتبه سعيد إلى بركة الدم التي تسبح فيها ، يحاول وضع ضمادات على جراحها ، تبتعد)
 سعيد: دعيني اضمد جراحك
الثورة : لا داعي يا سعيد قربت النهاية
الرجل المترهل : ( يقترب منه ويصرخ في وجهه(   دعها تذهب .. (يرمقهما بنظرة احتقار  يستفز المشهد رؤى،  ثم ترى كرسيا قريبا منهم تسرع نحوه)
رؤى : ( تشير إلى الرجل المترهل ) ألست تريد الجلوس على هذا؟! .. تفضل.
الشاب الهادئ :  لقد غرق العالم في الوحل ، وأصبح الكلام  قاتلا بقوة الرصاص .
( يعلو صوت حشرجة الثورة وتسكن)  
سعيد : (يصرخ بعنف وألم)  لن ترحلي (يقترب منه الجميع يرون الثورة مسجاة على الأرض ، وسعيد يحركها بعنف(
الشيخ الحكيم  : (يقترب  منهما و يمسك يدها(  لم تمت بعد ولكن نبضها ضعيف جدا
(ينهار سعيد بجانبها ..   ينظر الجميع الى فستان الثورة الذي تلطخ بالدم..  يستعيد سعيد وعيه ، ويبقى مددا بجانب جسدها )
 رؤى : الحرية والأخلاق ثنائية  متلازمة إذا ذهبت الأخلاق   سقطنا في فخ العبثية والفوضى. 
الشيخ الحكيم : ليت الجميع أدرك هذا منذ البداية !
رؤى : أيعني أن العالم انتهى  بعد موت الضمير؟!
الشيــــــــــــــخ : للأسف، نعم  العالم بلا ضمير كسيارة بلا فرامل؛ ستصدم كل ما يعترضها، ثم تنفجر.
سعيـــــــــــــــد :  (بصوت حزين )  لن  يعرف اليأس طريقا إلى قلوبنا.
الشيــــــــــــخ الحكيم : فات الأوان (يشير بيده إلى الثورة ) . 
أمانـــــــــــي : ماذا تعني أبتي.
الشيـــــــــــخ الحكيم : انتهى العالم .
أمانـــــــــــي: ما هذا التشاؤم .
رؤى: الرؤية ضبابية، والعالم غارق في السواد.
سعـيــــــــــد : لن ترحلي (يهز جسد الثورة هزا )
الثـــــــــــورة: (في ضعف اللحظات الأخيرة ) تعال يا سعيد ، اقترب اتحد  معي ( تمسك برأسه بعنف  ليجتمع رأسيهما) انظر محيطات الدماء القادمة يا سعيد انظر هنا ...هذه المجالس  التي تبيع الشعوب بالأورو وبالدولار .
سعيـــــــــد :  نعم ويبعوننا بالخمر والكوكايين ، انظر كيف يتاجرون بالدين ؟
الثــــــــورة:  يبيعون أوطانهم بالشهرة ( يغمض سعيد عينيه ألما) ألا تبصر معي  ؟
سعيــــــــد : (ناتفا شعر رأسه بعنف) إنني أرى الدماء تحيط بنا من كل صوب (يحتضنها تصرخ  و تصرخ،  يشاركها سعيد الصراخ ، وتخر مغشيا عليها) 
الشيخ الحكيم : لقد تلاعبوا بعقول الثوار ، جعلوا أعينهم نصب السلطة
الشاب الهادئ:إن وجعي ليس اقل من وجعك يا سعيد ، لكن حين رأينا دموية البائعين انسحبنا لكي لا نخسر كل الوطن  وصدقني إنهم مستعدون  للذهاب إلى ما لا نهاية له،  إلى حيث نكون  بلا وطن
سعيد: لا تزدني ألما نحن لم نثر لأجل أن يصبح  الوطن خرابا بل ثرنا لنذهب إلى الأمام  (ساخرا) لكن أكلكم هكذا!
الشاب الهادئ : ( بألم )لا لكن أغلبنا هكذا وأقلية لا يهمها حتى لو حكمها الشيطان المهم إنهم يأكلون ويشربون وينامون  
الشيخ الحكيم: لابد من تصحيح مسار المنظومة كلها وليس السلطة فقط، كيف سيصلح حال المواطن وهو يرى نفسه أقوى من الأمن ؟ كيف يصلح الأمن  والمحامي كل همه المال ؟ والقاضي يحكم حسب ميولاته السياسية ،و  النائب في البرلمان لا يبصر سوى شارة حزبه وينام ملئ جفنيه ولا يستيقظ إلا لحظة التصويت،  ورئيس الحكومة يرى نفسه  بأنه رئيس لحزبه وخادمه ،ورئيس البلاد لا يعرف ماذا يحدث داخل هذه المنظومة  ؟
سعيـــــــــــــد: (وهو يهز جسد الثورة بعنف ) من باع الثورة ؟من باع الثوار؟...أريد جوابا من  قبض الثمن ؟ من حول الحلم بالحرية إلى نعش للوطن .يضع رأسه في حضن الثورة الممددة . 
الشاب الهادئ:  كثر هم يا صديقي
سعيد : سأستفيق من هذه الصدمة  سأنهض من جديد
الشاب الهادئ: دع عاصفة الخيانة  تمر يا صديقي دعهم ينكشفون انهم ينتحرون حين  يصبحون في الضوء وسأضع يدي في يدك
سعيد: لا ولن أنحني سأستمر، هذه الوجوه المخيفة التي أعدمت ثورتي وسرقت فرحتي لن تستطيع ايقاف مسيرتي نحو الحرية
الشاب الهادئ : (ينحني لسعيد )أنا أنحني لك  يا أخي  من اجل الوطن  اهدأ قليلا اهدأ قليلا  الراكبون ليس لهم ما يخسرون فقد باعوا انفسهم لشيطان السلطة فلا يبصرون
سعيد: ها إنني أهدأ ها إنني أهدأ  إنني أشتم رائحة موتهم  تقترب
رؤى : (تقبل الثورة المسجاة على الأرض ) قد أنرت لنا الطريق 
سعيد: (يضع يدا الثورة فوق صدرها ) لن نحيد عن طريقك أبدا وسأعمل بوصيتك وسأنظر من جميع الزوايا  وسنطالب بالحرية والأخلاق معا  (يرسم قبلة على جبينها)
الشاب الهادئ: (يجثو بجانب الثورة ويخاطب سعيد ) سنكون معا
سعيد : لن أثق بك ستنسحب ليس لك طول نفس
الشاب الهادئ :  يا أخي يا صديقي يا رفيقي نحن لم نستعد لعاصفة الخيانة  ولم نتوقعها لكن في المرة القادمة سنستعد 
سعيد: سنعود أكثر قوة و إصرارا
رؤى:  سيكنس العفن  و يستيقظ المخدوعون
سعيد : (يخاطب الشاب الهادئ)  لكن للأسف لا أستطيع الوثوق بك
الشاب الهادئ : ( بنبرة حزينة) أنا لا أتاجر بالموتى ولا بالحرية ولا  بالدين، فقط أريد وطني فثق بي
(يقترب منهما الشيخ الحكيم ثم  يضع يد سعيد فوق يد الثورة المضرجة بالدماء ثم يضع فوقها يد الشاب الهادئ)
الشيخ الحكيم: إنكما نقطة الضوء في هذا العالم فاتحدا ( يربت على كتفيهما ثم يرفع يده الى رأسه وهو يتحسس ما تبقى من شعره الأبيض)  لقد شاب شعر رأسي  وسقطت أسناني وبلغت من العمر آخره ولازلت أرى الحق ضعيفا بل انه  يزداد ضعفا كل يوم لن يعود العالم إلى الصفاء والسكينة طالما القوة  بيدي فاقدي الإحساس بقيمة الحياة ورهبة الموت  ( ثم ينهض متكئا على عصاه وقد علت وجهه علامات الخيبة ) دائما تسرق أفراحنا ( يبتعد قليلا ثم يقول في مرارة   ) تموت الأوطان حين يطعنها أبناءها فقط
            أفريل 2011

ليست هناك تعليقات: