2010/04/29

ثقافة القراءة في المجتمعات العربية

ثقافة القراءة في المجتمعات العربية

أحمد طوسون

أزمة الكتاب وثقافة القراءة الغائبة عن المجتمعات العربية هي جزء لا يتجزأ من أزمة الواقع العربي الراهن، الواقع الذي يحتفي بالسطح ويكرس لما هو سائد فيولي كل اهتمامه لكرة القدم والسينما ونجومها بينما يهمل ثقافة العمق والتي تؤهل لخلق مجتمع علمي منظم يتطلع إلى مستقبل أفضل.
إذا تأملت المشهد جيدا ستجد أن العالم والأديب والمثقف في بلادنا لا يأخذ واجهة المشهد وبالتالي لا يقدم كقدوة للأجيال الجديدة وبالتالي تنشأ أجيال جل همها أن تتبع خطوات من يقدمه الإعلام كقدوة لها مثل لاعب كرة أو ممثل أو رجال الأعمال الجدد الذين ارتبطوا بالسلطة والنفوذ أو مغنية فيديو كليب عارية!
فالإعلام إذن ساهم في رسم صورة للحلم الذي صدره لعقول وأفئدة الأجيال الشابة لتحقيق النقلة الاجتماعية داخل المجتمعات من خلال النموذج السابق ( الممثل_ لاعب الكرة_ الراقصة) والذين تتخطى أجورهم الملايين وتتصدر صورهم شاشات التلفزيونات والقنوات الفضائية وصفحات الجرائد، بينما دخل العالم والمثقف في بلادنا لا يكاد يكفي قوت يومه!
أيضا ساهم الإعلام في رسم صورة كاريكاتوريه للمثقف الذي يبدو من خلال السينما الشخص غريب الطباع المنعزل عن مجتمعه المخترق لعاداته وتقاليده، الصورة الأقرب للمنبوذ اجتماعيا.
وساهم بعض الكتاب بكتابات أشبه بالطلاسم لا يفهمها إلا من يكتبونها ساهمت في انصراف الناس عما يكتبونه وتأكيد الصورة الغرائبية التي ترسخت في ذهن العامة عن المثقف.
ومن الغريب أن انتشار الكتاب والثقافة في خمسينات القرن الماضي أكثر وضوحا من الصورة الحالية رغم ارتفاع نسب الأمية عما هو عليه الحال الآن!
أرى أن ما سبق كان مقدمة ضرورية للحديث عن الكتاب وهل ما زال خير جليس في مجتمعاتنا العربية الآن؟
يمكننا تلمس الإجابة من خلال تقرير حديث صدر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري ، وقد أشارت الإحصاءات الواردة فيه إلى أن حوالي 88% من الأسر المصرية لا يقوم أي من أفرادها بقراءة أي نوع من أنواع الكتب بخلاف الكتب المدرسية، وترتفع هذه النسبة في الريف مقارنة بالحضر ، أما الشباب الذين يقرآون فتستحوذ الكتب الدينية على النصيب الأكبر من اهتمامهم وذلك بنسبة 64.7% ، تليها الكتب العلمية والتاريخية بنسب متقاربة 35.5% و34.2% ثم تأتي الكتب الرومانسية والقصص والشعر بنسبة 31.8% و30.7% لكل منهما بينما بلغت نسبة الكتب الدراسية 26.4% . بينما تشير إحصاءات عالمية إلى أن معدل قراءة الفرد في البلدان العربية على مستوى العالم هو ربع صفحة بينما يصل متوسط قراءة الأمريكي إلى 11 كتاباً والبريطاني إلى 7 كتب.
ولست مع من يرى أن تعدد وسائط المعرفة والمعلومات وظهور التقنيات الحديثة أدت إلى تراجع الإقبال على الكتاب، فوسائط المعرفة الحديثة تساعد في أشكال أخرى للتلقي فظهر ما يعرف بالكتاب الإلكتروني والصحيفة الإلكترونية، وهو ما يمكنه أن يساعد في التغلب على الوصول إلى الكتاب بأسعاره المرتفعة نسبة إلى دخل معظم الآسر العربية، فسعر الكتاب ومتوسط دخل الفرد كانا وما زالا لهما دور كبير في عدم إقبال الناس على شراء الكتب، كما أعتقد أن تعدد وسائل المعرفة والمعلومات تساعد في الدعاية المطلوبة للكتاب ليصل إلى قارئه.. لكن للأسف معظم الناشرين سواء كانوا مؤسسات عامة أو خاصة لا يولون لفكرة الدعاية والتسويق أهميتها المفترضة.
صحيح أن الإنسان العربي يميل أكثر إلى الثقافة الشفهية وهو ما يجده أكثر في وسائل الميديا المسموعة والمصورة، لكن ارتباط الإنسان بعادة قراءة الكتب تنبع من فكرة التعلم، فالقراءة عادة مكتسبة وتنمى وتحتاج إلى غرس منذ الصغر في نفوس الأطفال عن طريق الأسرة. أما العبء الأكبر فيقع على النظام التعليمي في بلادنا والذي يميل إلى التلقين ولا ينمي قدرات البحث والقراءة عند الطلاب بمراحل التعليم المختلفة!
فحتى يصبح مجتمعنا العربي مجتمعا قارئا لابد أن نعيد النظر في نظامنا التعليمي وسياساتنا التعليمية وأن تخصص منذ مراحل التعليم الأولى حصص للقراءة الحرة بإشراف متخصصين من خارج المنظومة التعليمية فيكون لكتاب الطفل وللمتخصصين في تبسيط العلوم دور في العملية التعليمية لمراحل رياض الأطفال والتعليم الابتدائي، ويكون للكتاب والأدباء والمثقفين دور واضح داخل قاعات الدرس في المدارس والجامعات في المراحل الأخرى، كما من المهم أن يكون لهم دور واضح في رسم السياسات التعليمية.
أما الفعاليات الخاصة بالكتاب من ندوات، مؤتمرات، حلقات عمل، معارض الخ.. مع أهميتها ليس لها التأثير المطلوب للمساهمة في تنمية والاهتمام بعادة القراءة لأنها غالبا ما تكون مغلقة على الكتاب والمثقفين ولا يحضرها الجمهور باستثناء معارض الكتب، وحبذا لو تم تنظيم مثل هذه الفعاليات بعيدا عن القاعات المكيفة ويتم النزول بها من برجها العالي إلى قاعات الدرس بالمدارس والجامعات أو إلى الجمهور البسيط في القرى والمدن النائية ولعل تجربة المكتبات المتنقلة أكثر ثراءً من كثير من الفعاليات المهرجانية الكبيرة.

· المسار
· العدد 190 – 20/4/2010
· دائرة العلاقات العامة والإعلام – جامعة السلطان قابوس

ليست هناك تعليقات: