الشعر يتحول إلي مجرد إفيهات مضحكة
بديل تايواني للأبنودي .. علي الفضائيات
بقلم/يسري حسان
نجح التليفزيون وبجدارة يحسد عليها في توجيه ضربات قاصمة للمسرح عبر ما يصر علي عرضه من مسرحيات كوميدية سطحية مما ولد انطباعا لدي المشاهدين ان المسرح يجب ان يكون كذلك حتي إذا ذهب احدهم الي المسرح وشاهد احدي تراجيديات شكسبير أو غيره فإنه يفر سريعا من دار العرض معلقا "المسرحية دمها يقتل وليس فيها ضحك".
وهاهو التليفزيون يتحول من المسرح بعد أن أنهي مهمته المقدسة تجاهه. الي الشعر مروجا للإفيهات الشعرية ومحتفيا بأصحابها الذين هم أقرب الي البهلوانات منهم الي الشعراء. ليمسح بأستيكة كل التجارب الشعرية الجسورة والفاتحة آفاقا جديدة في التجربة الشعرية المصرية. ويقول للمشاهدين المساكين ان هذا هو الشعر وهؤلاء هم الشعراء!!
لقد ابتلانا الله بمعدين سطحيين ومعدومي الثقافة والموهبة. ومذيعات تبدو الواحدة منهن عالمة ومفكرة ومطلعة علي الانتاج الثقافي في جميع انواعه. ومتخصصة في كل شئ. في حين انها مجرد بالون منتفخ بالهواء ولاشئ سوي الهواء..
فجأة تهافت المعدون الجهلاء والمذيعات الاكثر جهلا علي افيه شعري جديد متمثلا في شاعر لا ادري من اي بلد في الصعيد. هو اقرب الي الممثلين منه الي الشعراء موهوب فعلا في استنساخ تجارب الابنودي كتابة واداء.. ويبدو ان اعتكاف الشاعر الكبير في الاسماعيلية نظرا لظروفه الصحية. دفع هؤلاء الي صناعة البديل مع الفارق الكبير بين الموهبتين.. وهو لصالح الابنودي بالتأكيد.
واذا كان الشاعر الكبير الراحل فؤاد حداد قد اغلق الكثير من الطرق علي شعراء العامية الذين جاءوا بعده بما ابدعه من قصائد يصعب تقليدها او استنساخها. فإن الشاعر الكبير ايضا عبدالرحمن الابنودي قد أصبح علامة مسجلة علي طريقة بعينها في الكتابة والالقاء. وحتي نبرة الصوت من يقترب منها يتحول الي مجرد أراجوز أو بلياتشو وربما ادرك شعراء الصعيد من الموهوبين بحق هذا الامر فحاول كل منهم أن ينحرف عن سكة هذا الشاعر الكبير ليعثر علي صوته الخاص. ومنهم علي سبيل المثال لا الحصر مجايلة الراحل الكبير عبدالرحيم منصور. والراحل الكبير حجاج الباي ومن جاء بعدهما مثل عبدالستار سليم وعبدالناصر علام ورمضان عبدالعليم وسواهم.
لا احد بالطبع يطالب بحجب المقلدين والبهلوانات.. كل واحد حر ان يقدم في برنامجه ما يشاء لكن علي هؤلاء ان يقرأوا كثيرا ويطالعوا الانتاج الشعري الجديد حتي يستطيعوا التفرقة بين ماهو جاد وجديد ومغامر عن موهبة وعلم. وبين ماهو مقلد ومجرد صوت وحركات وافيهات.. فأنت اذا فرغته من كل ذلك وقرأت مايكتبه بعيدا عن الشقلبظات والتنطيط والسير فوق الحبال ستجده خاويا من أي جديد ومتبعا لاغراض شعرية انتهت صلاحيتها أصلا.
وإذا كان من حق كل من يري في نفسه الموهبة ان يتواجد علي الساحة فلا احد يستطيع منعه. لكن لماذا لايضع كل شاعر نفسه في حجمه الحقيقي. فقد استمعت الي هذا الشاعر "الظاهرة" وهو يهاجم شعراء قصيدة النثر بكلام ينم عن جهل شديد فمن هو اساسا حتي يتحدث عن واحدة من اهم التجارب في تاريخ الشعر المصري قدمها شعراء علي قدر من الموهبة والخبرة والثقافة لن يتأتي لهذا الشاعر حتي لوعاش الف عام.
واذا كان التليفزيون جاهلا وسطحيا فإن لدينا ايضا مؤسسات اكثر جهلا وسطحية وتفاهة تحجب الفرصة عن التجارب الشعرية المهمة وتمنحها فقط لاصحاب وصاحبات المواهب الضحلة واعطيك مثلا بلجنة الشعر وبيت الشعر الذي يتبعها فلو كانت هناك موضوعية في التعامل مع التجارب الشعرية الجديدة والفاعلة سواء في منح الجوائز او في الانشطة الأخري من أمسيات ومهرجانات ولو كان هناك سعي الي جمهور الشعر في كل مكان بالشعراء الموهوبين حقا لاستطاعت اللجنة واستطاع بيتها. الآيل للسقوط صنع حالة شعرية محترمة.. فأنت تستطيع مواجهة القبح. ليس بحجبه وانما بتقديم الجمال.. لكن مؤسساتنا الثقافية تصر علي القبح مثلما يصر عليه التليفزيون بقنواته الفضائية والارضية.
لست ضد وجود هذا الشاعر او غيره لكني ضد فرضه كنموذج اوحد و وحيد للكتابة الشعرية التي يظنها الجهلاء طريقا يحتذي به مع أنها مجرد إفيه.. الافيهات أيضا مطلوبة في هذا الزمن الكئيب!!
نقلا عن جريدة المساء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق