في 'رقة القتل' .. أحمد طوسون يتهم المجتمع ويحاكمه
|
الرواية عبارة عن رحلة هزيمة وانكسار في مواجهة تحالف المصالح الذي يفتك بالوطن ويقف ضد أي تغيير حقيقي نبتغيه.
|
ميدل ايست أونلاين
|
||||||||||||||
كتب ـ محمد الحمامصي
|
||||||||||||||
تدور
أحداث رواية "رقة القتل" للكاتب الروائي أحمد طوسون حول أربعة من
الأصدقاء، شاعر وروائي ورئيس مؤسسة ثقافية وضابط شرطة، جمعهم حب الثقافة
والفن والإيمان بالأفكار المثلى المجردة، لكنهم يكتشفون مع الزمن أنهم مجرد
مسوخ لآخرين لم تعد تربطهم بهم إلا صور باهتة من ماض قديم، بعد سقوطهم
المتوالي واحدا بعد آخر، وهزائمهم أمام الاختبارات التي يتعرضون لها، إن لم
يكن بالتورط في الفساد الذي طال المجتمع، فعلى الأقل بالانسحاب في مواجهته
والاكتفاء بالصمت في مواجهة الزيف الذي يعيشونه.
يفضح
طوسون في الرواية التغيرات التي طالت المجتمع وشخصيته وتركيبته الاجتماعية،
وتأثير ذلك على بنيته الكلية، مؤكدا أن ما جرى عملية قتل جماعية وإن لم نر
أدوات أو آثار أو ما شابه نتيجة ما جرى. إنها محاكمة لما جرى ويجري خاصة
أن الشخصيات التي اختارها تمثل عصب المجتمع.
يقول طوسون
على لسان الراوي في أحد مقاطع الرواية "كل واحد منهم يحمل في جعبته من
السقطات ما يجعله غير قادر على التحديق في عيون الآخرين بجرأة الزمن الذي
انفلت من بين أيديهم، وبرغم الأقنعة التي يجيدون ارتداءها كلما حانت مناسبة
للأحاديث المجانية عن الثقافة والإبداع والمستقبل الذي ينتظر الوطن،
والقضايا الكبرى التي استخدموها كمناديل ورقية يمسحون بها مؤخراتهم القذرة
ثم يلقون بها واحدة تلو أخرى في صناديق القمامة دون أن يبكوا على شيء، ولا
يبقى منها إلا تواريخ قديمة للذكرى، أو للتشدق بالشعارات الرنانة على صفحات
الجرائد أو عبر شاشات التلفزيون".
إنها رحلة هزيمة
وانكسار في مواجهة تحالف المصالح الذي يفتك بالوطن ويقف ضد أي تغيير حقيقي
نبتغيه، فالأدوار كلها تتبدل حين تتعارض المصالح. ويتجلى ذلك واضحا في مقطع
آخر من الرواية كاشف "سيف ليس بحاجة إلى تبريرات، إنه مغموس في نفس
اللعبة، كل منا في قرار نفسه يعرف كذبته الصغيرة، كلانا يتخبط كطير أعمى
داخل جدران زنزانته ولا يريد أن يعترف بالحقيقة، الزنزانة التي تطال الوطن
كله، تنعق طيورها في الظلام بلا انقطاع محاولةً التخلص من الخيوط التي تلتف
حول بعضها البعض دون فائدة، فلا تملك إلا أن تنهش كل ما تطاله أنيابها
بقوة اليأس.
ـــ لسنا بعيدين عن الافتراس إذن يا سيف؟!
سيقول
كلاما هشاً هلامياً كالذي يجيده المثقفون للهروب من الواقع عن الحرية
وديمقراطية الدهماء ثم يلقي بالمسئولية كلها على نقص الوعي عند الناس
وانتشار الأمية الثقافية والسياسية.
سيرتشف جرعة من فنجان
قهوته ويتكلم بثقة الممسك بالحقيقة ويقول: "لأننا شعب متدين بفطرته ما
أسهل أن يُضحك علينا بالتمسح بالدين.. إن تركتهم الدولة وسيطر هؤلاء على
الأمور سنعود إلى الخلف مئات السنين.. التجربة خير شاهد، انظر ماذا فعلوا
بالجزائر والسودان وغزة عندما آلت إليهم السلطة؟".
تعرف
جيدا أن الانتخابات ستمر بك أو بغيرك، ستتناقل وكالات الأنباء الصور ويخرج
المسئولون والمعارضون يقولون كلاما كبيراً عن الديمقراطية، وحرية التعبير،
ونزاهة الانتخابات، والتزوير الفاضح، والانتهاكات العلنية، ويلقون
الاتهامات والسباب في وجه بعضهم البعض، وحين تنطفئ أنوار الاستوديوهات يعود
كل شيء إلى نقطة الصفر ويعود النهر إلى سريانه البطيء. ساعتها يمكنك أن
تغتسل من كل الوساخات التي علقت بك وتواصل حياتك كالآخرين، دون معارك ضارية
من أجل أمنيات مبتورة!".
لكن
المؤكد أن السلطة الأبوية التي يخضع لها الجميع في النهاية تحقق مبتغاها
في رؤية طوسون بل وتظل هي المهيمنة أسريا واجتماعيا وسياسيا.
يقول
في مقطع آخر من الرواية "أي عذر يسمح للإنسان أن تسلب حريته بإرادته، سواء
أكان السلب لصالح المجتمع أو الأب أو العائلة، أم كان لصالح السلطة. سلطة
القبيلة التي تسكننا، أم سلطة الدولة الطاغية".
ويلفت
طوسون إلى أن عنوان الرواية يحمل الكثير من الإشارات حول المضمون "نحن أمام
قتل لا تستخدم فيه أدوات القتل المعتادة، ولا يتخلف عنه دماء أو جثث واضحة
يمكننا معاينتها بأعيننا، أو أن نتشمم رائحتها إن تركت في الشوارع.. رغم
أنه قتل جماعي للأحلام والآمال المستقبلية".
ويضيف فكرة
العنوان جاءتني من خلال حوار بين شخصيتي شوقي وسيف ناصر في المقطع المعنون
"الذئاب لا يتركون شيئا لمن أرادوا لأنفسهم أن يظلوا حملانا". كان حوارا عن
شهوة القتل عند جورج بوش الأب، لكنه فجأة تحول إلى شبه اتهام لسيف بالقتل،
لكنه قتل لم تستخدم فيه طائرات ومدافع ودبابات جورج بوش، إنه قتل ناعم.
"يا صديقي القتل يتحول عند البعض إلى صنعة يتكسب منها، ولا يجد المرء أي
جريرة في ارتكابه.. هل فكرت في الأمر من قبل.. أن يصبح القتل مهنة يقتات
بها الناس؟
شرد لحظات وأردف قائلا:
ــ
بل أحيانا يصبح شهوة، غواية يتلذذ بها البشر كما يتلذذون بمرارة صحن جعة..
العجز أن نهب الأشياء حياة تتحور إلى رغبة عارمة في سلب الحياة من الآخرين.
إلى شهوة لا نستطيع كبح جماحها... أحيانا أشعر أن بداخل كل منا مسحة من
هذه الشهوة.
ــ الرغبة في القتل؟!
تساءل سيف بسخرية بعد أن استشعر أنه ممثل رديء يؤدي دورا لا يناسب ملامحه!
ــ نعم.
قال شوقي وفي عينيه تعبير حزين، ثم استطرد مؤكدا:
ــ
قد نكبتها، أو نمارسها بصورة لا يستشعرها المجتمع خوفا من قوانينه، أو
انسياقا مع عاداته وتقاليده.. لكنها تتفجر في لحظة غضب وتطيح بكل شيء.
لم
يكن يعي ما يقوله شوقي، أو يشغل رأسه بالبحث عما توارى في كلماته من
إيحاءات ربما أراد أن تشير إليه، وأن تلف حول عنقه وشاحا حريريا قاتلا.. هل
كان يقصد هبة بكلامه؟"
ويرى طوسون أن "القتل هو ذلك الذي
يمارس يوميا أمام عيوننا بالتطرف الفكري والتكفير واستخدام الدين سياسيا
وتزييف الوعي والفساد الذي ينخر في المؤسسات دون مساءلة أحد عن تلك
الجرائم. لذا فإن "رقة القتل" أراه العنوان الأنسب للتعبير عن الفكرة التي
دارت بذهني أثناء الخطوات الأولى للشروع في كتابة النص ولم يرد في ذهني
التفكير في عنوان آخر".
ويقول طوسون: "رقة القتل هي
الرواية الثالثة التي خرجت للنور بعد (مراسم عزاء العائلة) و(تأملات رجل
الغرفة)، بخلاف خمس مجموعات قصصية، والكتابات الموجهة للطفل.. وما يميز
الرواية عن غيرها من الأشكال الأدبية أنني عندما أكتب في مشروع روائي أشعر
بالحياة.. يتمتع الكاتب دون غيره من البشر بحيوات كثيرة، الرواية أكثر
الأشكال الأدبية التي باستطاعتها أن تعطيك إحساسا بأنك عشت حياة كاملة، لذا
لا بد أن تشعر بمشاعر الفقد والأسى وأنت تنتهي من كتابة رواية".
ويؤكد
طوسون أن الانسان هو محور الكتابة في حالتي الكتابة للطفل أو للكبار،
"عندما يتقدم العمر بالكاتب وتساوره المخاوف تجاه المستقبل يهرع إلى
الكتابة للأطفال.. أما عندما نكون أكثر تورطا في لحظتنا الراهنة نتوجه
بكتابتنا للكبار. وهذه ليست مسلمات وإنما وجهة نظر.. في النهاية الكتابة
اختيار كل كاتب.. وأحيانا هي التي تختارنا.
القصة الأولى
التي كتبتها للأطفال لم أعرف سبب كتابتها إلى الآن.. جاءتني الفكرة فكتبتها
عام 1998، ثم اكتشفت أنها قصة للأطفال، ولم أعرف ماذا سأفعل بها، بعدها
بأيام وجدت إعلانا بجريدة الأهرام عن مسابقة باسم كامل الكيلاني في القصص
الموجهة للطفل بالمركز القومي للأطفال فأرسلتها وفوجئت أنها ضمن القصص
الفائزة".
ويشير طوسون إلى أنه بدأ بكتابة القصة القصيرة،
قائلا: "القصة القصيرة فتنتي الأولى إذا اعتبرنا المراهقة الشعرية داء كل
الكتاب.. ثم كتبت روايتي الأولى (مراسم عزاء العائلة) بعد مجموعتين
قصصيتين.. ثم كتبت للأطفال بالصدفة كما أوضحت سابقا، ولكن بحب وصدق".
http://www.middle-east-online.com/?id=203432
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق