بقلم: عبد القادر كعبان
كثيرا ما نسمع أن المرأة الجزائرية كروائية
تتخذ اللغة وسيلة للإعتراف و البوح بمشاعرها الدفينة لكن رواية "اعترافات
إمرأة" للمبدعة عائشة بنور تثبت العكس من خلال صفحاتها كون أن عملية الكتابة
واحدة سواء أكان المبدع ذكرا أم أنثى و هذا ما يدفعنا الى أن نقول أنه لا وجود
لخصوصية تميز الأدب الذي تكتبه المرأة، بإعتبار أن كلا من المرأة و الرجل يعيشان
في نفس المحيط و الظروف ذاتها، و منه نخرج بنتيجة تؤكد أن الإختلاف و التمايز
تمليه الظروف الفردية لا نوع الجنس.
إن خصوصية هذا العمل الروائي يتجلى في أسلوب
عائشة بنور أو من يعرفها القراء بإسم "عائشة بنت المعمورة" التي تذكرنا
بالأسماء المستعارة للروائيات الجزائريات أمثال المبدعة الراحلة آسيا جبار و
الكاتبة فضيلة الفاروق... أسلوب بنت المعمورة يكسر المألوف في الرواية الجزائرية
الجديدة حيث يقود الى التشظي و لعبة الضمائر نظرا لطبيعته الزئبقية و تعدد
دلالاته، و قد ساهمت مقدمة الأديب المصري موسى نجيب موسى الى تنوير وجهة المتلقي
ليفهم أبعاد هذا النص الروائي و لا سيما أن عنوانه جاء مباشرا "اعترافات
إمرأة" مما يبقي الكثير من الأسئلة معلقة في ذهن القارئ، و هي طريقة
مشوقة من "عائشة بنور" لتستدرج القراء الى الغوص في أغوار هذه الرواية
التي نالت بجدارة جائزة "الإستحقاق الأدبي" عن مسابقة ناجي نعمان
الأدبية في لبنان سنة 2007.
الحدث الروائي في "اعترافات إمرأة"
لا يتمثل في تقنية الخطاب و لا في حبكة الحكايات و تركيبها الزمكاني بل هو عبارة
عن فعل التلقي بذاته أين تتقاطع خيوط السرد بإمتياز بين النص و قارئه.
جاءت الرواية مقسمة في تسعة أجزاء تحت
العناوين التالية: "وجع طفولي، الرؤيا، أقنعة ممزقة،
همسات ملونة، اعترافات اللذة و النار، جزيرة النوارس، سكاكين الخيبة، الكؤوس
الملونة و امرأة بلا لون". اتخذت لغة السرد في كل جزء شكلا تعبيريا مغايرا
غير أنها تلتقي في أجواء السرد الحسية و الشعرية و التاريخية.
ضمن هذه الخطة السردية اختارت الروائية
الألوان كتيمة للإعتراف و البوح الذاتي للأنثى بمشاعر الحب حيث تقول الساردة: "- أليس جميلا مزج الألوان ببعضها
البعض.. إنها متعة و لذة.. هكذا الحب بكل الألوان و هكذا الحياة تعطينا لونا غير
الذي نحب؟" (ص 24). كما لم يفت المبدعة بنت المعمورة الوقوف أمام
لغة الوجع الذي تعانيه المرأة حيث تقول على لسان الساردة: "كان حبا مقنعا يتجاوزني أنا الطفلة
المدللة التي تبحث باستمرار عن وجهها وصوتها بين الوجوه المقنعة، و عن الشكل و ما
وراء الشكل و عن اللون و ما وراء اللون، و من ثمة شاركني الشكل و اللون حجرتي و
سريري و أناملي و أحلامي و ملابسي و تسريحة شعري و لوحاتي، فكنت أمارس على نفسي
رقابة اللون و الشكل و الوجع الذي أصبح لغة أخرى تسيطر على كل تصرفاتي..." (ص
43).
ينقلنا تكنيك الروائية كقراء للوقوف أمام
مشهد سينمائي يعكس ألما حسيا خالصا كما تقول الساردة: "كان الحب يمارس البوح على أجساد
تتصارع تحت أقنعة الشهوة و الكبت و ارتكاب حماقة الوهم و تصديقه.." (ص 44).
يتضاعف ذلك الألم ليخاطب العمق الباطني
لنفسية القارئ و الناقد معا كما تقول بنت المعمورة في سياقها السردي: "رحلت و الحقيقة أنها خطيئتي..
خطيئتي أنه كان لي وجه آخر غير وجهي، و روح غير روحي تزورني تلك الرؤيا المحملة
بنذير الشؤم." (ص 54).
لا يخلو هذا العمل الروائي من شعرية السرد
أيضا أين نجد حضورا مميزا لخيال المبدعة عائشة بنور الذي لا يخلو بدوره من التصوير
الإيحائي الذي يعكس صورا فنية جمالية من صلب الواقع و أكبر دليل هو وصفها للحب كما
يلي:
"حـب يغتصب البراءة
في عمر الزهور بعدما تلجـأ إليه لفك قيودهـا، فتقع رهينـة الأغلال التي تكبلهــا وإلى الأبد .. بـراءة ..ضحية ..خطيئة .." (ص 44).
نجد المكان حاضرا في صور طبيعية لا تخلو من
جماليتها المعروفة في قوالبها و مضامينها الخلابة كالصحراء التي ترسمها لنا
الساردة فيما يلي: "كانت صورة الصحراء تزداد جمالا و
سحرا آخر، جمال يصنعه الطوارق برقصاتهم و أغانيهم التقليدية بالعزف على التندي و
الامزاد.. و فرحة أخرى يصنعها سباق الجمال و رقصة العرس للرجال الملثمين بلباس
المنطقة تشكلها مبارزة فلكلورية بالسيف." (ص 37).
قد يلاحظ القارئ أن الشعرية في هذه الرواية
تخضع لعملية تكثيف في كثير من المقاطع لا تخلو من حس مرهف للروائية بنت
المعمورة و نذكر هنا مثالا على ذلك: "لقد قاومت المرأة الأخرى.. الساكنة
بداخلي.. هي وحدها التي اكتشفت أنني لست امرأة و هي الآن تنازع اكتشافي!" (ص 59). سيجد القارئ حتما أنه أمام مشاهد تتخفى في
جلباب شعرية ذاتية لعائشة بنور تسعى لتعري ذلك الشعور بقهر يداخل الأنثى بإستمرار: "امرأة أخرى تحرضني أحيانا على الخطيئة
لتكشف المجهول و تدرك سر اللذة و النار معا." (ص 60).
الدلالة التاريخية حاضرة بدورها هي الأخرى في
رواية "اعترافات إمرأة" حيث سيجد القارئ نفسه أمام أسماء تاريخية غنية
عن التعريف: " كنـت مولعا بحقيقة
ماسينيسا ويوغرطة وحنيبعل، بناظـم الإلياذة والأوديسـة هوميـروس وبرابعـة العـــدوية وبنفرتيتي وكيلوباتــرة ونابليـون بونابـرت وهتلـر..."
(ص 51). كما نلتقي صدفة بالفن
التشكيلي الذي يشير ببراعة الترميز و الإيحاء الذي استعملته الروائية: " بيكاسـو الفنان الذي رسم اللوحـة بأكثر من شكل وزاويـة .. فنان التكعيبية
ورجـل تبنى لوحات الجسد أو مدرسة الجسد والجمال فكانت لوحاته تخبئ وجها من وجوههن
وتعلن سقوطهن أمام شيطانه.. أمام ريشته .. عاريات للوحاته ومغرمات حد الجنون
وبعيدات كظلـه وفاتحات لشهيته في الرســم وحتى محطات سريعة .." (ص 67-68).
في الختام، لا يسعنا إلا أن نقول أن ذكاء
الروائية عائشة بنت المعمورة جعلها تستند على تفاصيل عالقة في جسد الذاكرة لتكتب
عن وجع أنثوي في جملة اعترافات يتخللها تحليل سيكولوجي للذات الإنسانية يرفض
السلطة و القهر تارة و يثور في وجه الخوف و الجنون تارة أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق