بقلم: عبد القادر كعبان
وقعت سريعا في شباك حبه الخبيثة. وجدت فيه
ملامح الرجولة التي بات يفتقدها هذا الزمن. تلك الليلة خفق قلبي حينما همس لي في
هاتفه المحمول أنه يحبني. عفوا بل كرر على مسامعي أنه سيطلب يدي للزواج رسميا من
والدتي. أتذكر الآن جيدا أنني أخبرته يوما عن طلاق أمي و أبي. لم أخجل من ذلك.
قلتها بكل قناعة كانت تتلبس مشاعري الدفينة بالألم و الأمل وقتها.
تفاجأت من زيارة والديه السريعة لبيتنا
المتواضع. كانت الأحلام تسكنه. أحلام فتاة بريئة تتلاطمها أمواج ضياع روحي رغما عن
أنفها. أمها تنتظر ككل أم حنون أن تلبسها ثوب الزفاف يوما. ثوب تحلم به كل فتاة
عزباء خصوصا في زمن أغلقت فيه أبواب الزواج بأقفال الماديات التي لا تنتهي أبدا.
لا أعرف لما لم يعد يهمني شيء سوى الإستقرار
و تكوين عائلة صغيرة. بصراحة استغربت والدتي اندفاعي الشديد حينما سألتني عن قراري
النهائي في شأن الزواج من ذلك الشاب الوسيم فأجبت دون تفكير:
- أجل موافقة..
- عليك بالتفكير جيدا يا صغيرتي..
نظرت في بريق عينيها كطفلة ضائعة تبحث عن الأمان
الذي لم تجده يوما سوى في أحضانها الدافئة. اليوم باغثني القدر بدخول ذلك الشاب في
حياتي. ربما اقتنعت أنني أصبحت أنثى ستكتمل ملامحها بالزواج. تواصلت علاقتنا قبيل
تحديد يوم الزفاف. يحدثني ليلا عبر هاتفه المحمول بنبرة حب و حنان بل تجرأ و طلب
مني التواصل عبر النت. رفضت في بداية الأمر خوفا من أن تشعر أمي بشيء عن هذا
التواصل الغير مقبول في عاداتنا و تقاليدنا. علاقتي به وصلت الى أبعد الحدود حيث
طلب مني ارسال صور لي عبر الفيسبوك. أصبحت أصحو من النوم في وقت متأخر نهارا. كانت
أمي تقوم بأشغال البيت من تنظيف و طهي للطعام لوحدها. كتمت غضبها لما لاحظته من
تغير في سلوكي بعد فترة وجيزة من الخطوبة. حاولت ابتلاع مرارة غيضها كي لا تجرح
مشاعر ابنتها الوحيدة. تركت كل شيء يسير في هدوء إلى أن اكتشفت ذات يوم تلك الصور
عبر شاشة الكمبيوتر. صور لإبنتها العزباء التي تعري ملامح أنوثتها الخفية. نسيت
غلق الجهاز حينما خرجت مسرعة لشراء بعض لوازم البيت. وحين عدت وجدت أمي جالسة
تنتظر تفسيرا عن تلك الصور. كم كنت أخاف قدوم تلك اللحظة. للأسف صفعتني أمي باكية.
أستحق الذبح لا أن أصفع على وجهي لأنني رضخت منذ أول وهلة لرغبات من أسميته خطيبي
أو من سيكون زوجي المستقبلي.
قالت بنبرة غضب:
- هل هذا هو جزاء تضحيتي طيلة تلك السنين؟
شعرت في تلك الدقيقة أن حلمي بالزواج بذلك
الوسيم بدأ ينهار. وجدتني أحس بإختناق كمن يوشك على الغرق وسط أمواج البحر. لم
تتصور أمي أن أصبح دمية باربي في يده يحركها كيفما يشاء. للأسف لقد استطاع فعل ذلك
خلف شاشة صغيرة أنستني العادات و التقاليد الإجتماعية. حاولت أن ألقي بجسدي وسط
ذلك الحضن الحنون لكنه تجاهلني اليوم لأجد نفسي فتاة ضائعة تقف وحيدة وسط خشبة
مسرح استعراضي.
دخلت غرفتي الحزينة و جلست على حافة سريري البارد. صرت أبكي على كل
شيء فعلته أو سبق و حدث من حولي، لكني أقنعت نفسي في تلك اللحظة أنه يستحيل أن
ألبس ذلك الفستان الأبيض الذي اخترته بنفسي لأخرج به وسط الحضور في صالة الأعراس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق