سراً وعلناً
هشام احمد الشامي
خفيةً رافقته إلى الترعة
قبل الفجر بقليل. القاها في الماء ونزل وراءها، وطأ بيده فوق رأسها لتستنشق الماء.
بطشت بذراعيها قبل طفو جسدها فوق المياه بعد خوفه من جنين ينمو في أحشائها قد لا
يكون طفله.
جهراً صاح وصرخ ليمتزج صوته بصوت مؤذن المسجد الداعي لصلاة الفجر "امرأتي". "الله أكبر". "امرأتي غرقت. "حي على الفلاح". "زوجتي ماتت". "لا اله الا الله".. كان من الناس من يستعد للصلاة. ومنهم من يتأهب لسحب بهائمه إلى المزارع. فتوافد من توافد لرؤية ما يحدث.
سراً قال لها
"عند مدخل القرية هناك جوالين من الطحين دفعت حقهما وتركهما لي صاحب المخبز ؛
ويجب الافلات بهما قبل استيقاظ النهار حتى لا يثور أهل البلدة ويفتضح الأمر"
. تركت صغيريها دون النظر لهما وتسللا .
علناً لم يتم تشريح
الجثة كما ينبغي، فاستخرج تصريح الدفن في عجالة، كما أن اكرام الميت دفنه، لتقيم في
مقابر القرية بعد صلاة الظهر. وأخذ العزاء ليلا والأعين تنظر إليه في حيرة.
باطناً منذ عامين ابتاع
لها هاتف نقال ليطمئن على حالها وهو خارج الصعيد. ائتتمنها وأقسمت له انها لن تكلم
احدا غيره على الهاتف.
عند عودته في الزيارة
السابقة تصفح هاتفها ليجد رقما اخر دون اسم على قائمة الاتصال.. كحجارة يقذفها في الهواء
ارتطم هاتفها بالحائط. رجع اليها وبدأ بالصفعات
والركلات ثم سألها من يكون صاحب هذا الرقم المجهول. حلفت له أن صاحبة هذا الرقم هي
أم عماد خالتها، تحادثها من خلاله عندما تذهب إلى المركز لتغسل كليتيها فتطمئن على
حالها، وكما يعلم أن ليس لها من يساعدها في رحلتي الذهاب والاياب.
عاد إلى الهاتف.. كان متناثرا كحفنة من القش. تناول شريحة خطها ووضعها داخل هاتفه. لم يجد رقما اخر مسجلا سوى رقمه .
ظاهراً ذهب إلى أم عماد
ليسألها حول تلك المكالمات. تلعثمت امام نظراته ولهفة انتظاره للإجابة. ثم أكدت له
انها بالفعل تحدث زوجته كلما تذهب إلى المشفى .
كتماناً كانت الزوجة وأبوها
يدفنان أمر ما. لم يكتشف زوجها هذا الأمر يوم عقد قرانه . لم يكتشف شيئا وقت استخراج
شهادة ميلاد ابنه الأول.. وهو يقوم باستخراج شهادة ميلاد ابنته سأله موظف الصحة وهو
يداري ابتسامة غامضة ثم قال "هل تكبرك زوجتك بستة أعوام؟!".
إفشاءاً لوح لها بقسيمة
الزواج، بكت وقالت أن والدها اقسم عليها بعدم افشاء هذا الموضوع.
داخلياً كان يهوى ابنة
عمه التي رآها بعد عامين من زواجه وقد تغيرت معالم جسده .. هذا الجسد الممتلئ النابض
بمفاتن الحياة واسرارها فاشتاق لضم عناقيد العنب بذراعيه ليلعق منها ما يشاء. كما لم
يشتهى بضاعته الاولى. فقد كان الحاج عابد هو من أتى له بعمل المعمار في مدينة بالقاهرة
كلها خير، والخير أيضا سيأتي من جسد ابنته . فوافق الرجل على الأثنين.
خارجياً تم الزفاف بعد
عمله الجديد بثلاثة أشهر. ليجد كل شيء ممهد. بيت وعروس وافراح وسط مباركة اهل العروسين.
رأى العالم يبتسم أمامه، رزق في المال كما يأتيه ولد بعد أقل من عام من زواجه. وبعد
موت زوجته الاولى بثلاثة أشهر تزوج من ابنة
عمه المشتهاة لحاجة الرضيعة لمن يعوضها الرعاية.
ليلا بعد خمسة أعوام
من زواجه الثاني اتفق ابنه وابني عمه على فعل المحظور ليلة عيد الأضحى. كانت الأطفال
تسمع أن شباب القرية يفعلون أشيائا مشينة لا ترضى بها الكبار. وعقل الأطفال لم يدرك
طبيعة تلك الأشياء بعد. فأرادوا أن يكونوا مثل الشباب. اتفقوا على أن يبولوا على حوائط
صالة البيت ليستعرض كل منهم شجاعته. اقسموا بعدم ارتعابهم من ردة فعل الكبير إن حضر
الآن وإن مزقهم قطعا كما يفعل بهم دوما بالضرب والطرح أرضا. تسائلوا وهم يضحكون، تسائلوا
وكل واحد منهم يوجه بوله إلى الحائط "لكن كيف تبول صفاء؟". جلست الطفلة أسفل
الحائط وهي تبكي وتلعن حظ الأنوثة وطرق باب البيت. نظروا لبعضهم وقالوا "لقد جاء".
جرت صفاء إلى إحدى الغرف وتبعها ابني عمها. فتح الابن ورآه أمامه يحمله رجلان وهو بين
الموت واللاموت. قال احدهما "صدمته سيارة وهو يعبر الطريق السريع". تركاه
وتركا حقيبة بلاستيكية كان يحملها بداخلها أزياء جديدة وفردة حذاء.عاد الأطفال ليروا
هذا الراقد على ظهره فوق الأرض ناظرا إلى السقف.
نهارا كان عزاءه في
قريته التي شاهدت وغفلت بعض الأحداث، وتنتظر زوجته أحدهم ليقوم بتربية أطفالها وأطفاله
ويؤنس وحدتها ويعوضها فقدان الشهية.. تنتظر أحدهم عله يأتيٍ علنا أو سرا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق