2008/05/20

عرض البداية ما بين إشكالية الصراع.. إشكالية الشكل




عرض (البداية)
ما بين إشكالية الصراع .. إشكالية الشكل

أحمد طوسون

نجاحات عدة حققها عرض البداية ( أوبريت غنائي ) الذي قدمته فرقة الفيوم المسرحية على مسرح قصر الثقافة ويتناول الصراع بين الشيطان وبني آدم منذ بدء الخليقة وينتهي عند مرحلة طوفان نوح من تأليف الكاتب المسرحي أحمد الأبلج وإخراج حسين محمود وأشعار عبد الكريم عبد الحميد ومحمد عبد المعطي وأداء فرقة الإنشاد الديني بالفيوم بقيادة الفنان أشرف عمار.. إذ استطاع العرض أن يشد انتباه الجمهور لقرابة الثلاث ساعات وكشف عن طاقات إبداعية خلاقة ينقصها فقط أن توجه إلى الطريق الصحيح من خلال تدريب جاد وأن يتوفر لها المناخ المناسب لتقديم أفضل ما عندها من إمكانيات وبخاصة أصوات أعضاء فرقة الإنشاد الديني .. ومنها حيوية لوحات العرض الدرامي والديكور برغم بعض المآخذ التي سنتعرض لها .
وإذا كان النص المسرحي لكاتبه أحمد الأبلج يخوض في إشكالية الصراع بين إبليس والبشر منذ بدء الخليقة ودورات انتصار كل منهما على الأخر ويخوض في مناطق من المسكوت عنه في هذا الصراع إلا أن العرض المسرحي يخوض بنا في إشكالية الشكل الذي ينتمي إليه عرض البداية.. هل ينتمي حقا إلى ما أراده الموسيقي الفرنسي جاك أوفنباك مبتدع الأوبريت والذي قصد به أوبرا صغيرة تقوم على حبكة درامية يتخللها الحوار ومشاهد راقصة .
بلا شك لم نطمع إلى تصور كامل عن أوبريت بالمعنى السابق ، لكننا أيضا لم نتخيل أن يتحول العرض إلى إنشاد ديني يتخلله لوحات درامية ولم يتخيل أحد أن تحتل فرقة الإنشاد الديني بمقاعدها خشبة المسرح طيلة العرض وتؤدى اللوحات الدرامية على خشبة صغيرة داخل المسرح وسط مقاعد فرقة الإنشاد وأن تستحوذ على الزمن الأكبر بتكرار غير مبرر لمقاطع الإنشاد ( الطويلة أكثر من اللازم بالأساس ) مما يخرج المشاهد عن الحالة التي تصنعها اللوحات الدرامية المصاحبة .
كما أن الأغاني والأشعار تجاهلت النصف الأخر من الصراع _جانب الشيطان، بالتوازي مع النص المكتوب الذي لم يخصص سوى لوحة واحدة لبني آدم متمثلة في لوحة الصراع بين قابيل وهابيل .
الديكور رغم بساطته في ظل احتلال المسرح من فرقة الإنشاد كان موفقا في إيحاء خلفيات المسرح باستثناء إنه تجاهل اللوحات الختامية المتمثلة في مشهد الطوفان وهو مشهد النهاية.
أما مخرج العرض فلم يقدم لوحة راقصة واحدة بالتوازي مع الإنشاد ، بالإضافة إلى إنه تجاهل استخدم المؤثرات الصوتية.. واستخدم الإضاءة بصورة نمطية لم تضف للعرض وافتقد مشهد الختام ( الطوفان ) استخدام المؤثرات لإضفاء التأثير على المشاهدين واكتفى المخرج بأداء الممثلين.. بالطبع من الصعوبة أن نقيم الحركة على المسرح لأن مما يلفت إليه على خشبة المسرح عدم المواءمة بين كل ما على الخشبة في تعامل المخرج معها من البداية لم تكن معدة بالشكل اللائق للأداء التمثيلي والتعبيري .
ولا أعرف مبررا يجعل المخرج يستخدم قارئ يجود القرآن كفاصل ما بين مشاهد اللوحات الدرامية ومشاهد الإنشاد ولماذا لم يستخدم راوية ؟.
يبقى أننا في النهاية كنا أمام عرضين أحدهما لوحات درامية والثاني عرض للإنشاد الديني كانا يتصارعان لاحتلال خشبة المسرح .
قد يبدو ما أوردناه قاسيا على فريق العمل بعرض ( البداية ) الذي اجتهد وقدم تجربة جديدة على الفيوم ولاقت استحسانا من كثيرين لكنني من واقع إيماني بمواهب المشتغلين بالعرض كنت أظن أن الصورة كانت ستصبح أفضل لو لم يستحوذ طرف ويحول العمل بالكامل لصالحه كما فعلت فرقة الإنشاد الديني.. الفرقة التي فرحنا جميعا بها ونهمس في أذن الفنان أشرف عمار أن الإنشاد الديني يحتاج في أحيان كثيرة إلى درجات الصوت الهادئة الشجية التي تلامس الروح بعيدا عن الصياح ساعتها ستصبح فرقة الإنشاد من أهم الفرق بمصر .

ليست هناك تعليقات: