في اتحاد الكتاب: سمير عبدالباقي يفتح النار باستقالة مسببة
النص الكامل للاستقالة التي وجهها الشاعر الكبير سمير عبدالباقي إلي الكاتب محمد سلماوي، رئيس اتحاد كتاب مصر أمس الأول، والاستقالة بمضمونها أقرب إلي شهادة يقدمها عبدالباقي عن تجربته الشعرية وعن الواقع الثقافي في مصر كما لا يغيب عنها البعد السياسي، حيث ربط الكاتب بين ضرورة تحرير اتحاد الكتاب من جبهة السلطة وتحرير مصر بذاتها من التبعية، وهي دعوة لتطبيق معايير الشفافية التي يراها غائبة في هذا الكيان النقابي المهم، ونأمل أن تجد الاستقالة فرصة للنقاش الجاد لكي تنتهي المأساة التي جعلت الاتحاد معزولا عنما يجري في الحياة الثقافية والسياسية في مصر.
السادة الزملاء أعضاء مجلس إدارة اتحاد الكتاب الأجلاء..
السيد رئيس مجلس إدارة اتحاد الكتاب الأجل..
تحية وبعد
هاكم اقرأوا كتابيا!!مقدمه لسيادتكم زميلكم لدورة لن تتكرر، النكدي الفقير للوطن ولله ابن عبدالباقي.. أقول.. سبعون عاماً ومازلت طفل السابعة.تسكنني وتريح ضميري براءة الاندفاع التي منها لا أخجل.ويحرضني ويحميني حلم قديم مازال يراودني ويضنيني في غد أفضل...سبعون عاما ومازلت طفل الجامعة..يدفعني عشق الوطن والإنسان إلي طرق الشمس وغروب العدالة، ومنشداً للفلاحين ولبيوتهم الفقيرة العامرة بالإنسانية، التي تمنع سقوفها الأمطار.ومغنياً مع العمال أتحدي بهم ومعهم الأخطار.سبعون عاماً ومازلت طفل الستينيات...أجوب سجون مصر ومعتقلات حكامها دفاعاً عن الديمقراطية وضد الديكتاتورية وحكم العسكر رفضاً للتبعية وطلباً للحرية والتحرر من القهر والفقر ومن سياسات التواطؤ وفقدان الإرادة الوطنية، توقاً لتحرير الناس والأرض.ممتلئا بالأمل صارخاً بين الناس وعلي الورق «سينا شراع السفينة- ولا زي نيران الحرب تطهر قلب وعقل الناس ولا زيه صوت الشعب يخلي الجند توج حماس».سبعون عاماً ومازلت طفل السبعينيات والثمانينيات وما بعدهما وحتي الآن أدق بقبضتي الواهنتين- شعراً ونثراً وفعلاً- علي أبواب قلاع الجمود والتسلط والفساد محاولاً فتح ثقب للنور في جدار ظلام التمديد للحكام والتوريث للأتباع والأزلام.ورفع قبضة الطوارئ الغاشمة عن رقاب العباد والبلاد والأقلام.سبعون عاماً ومازلت طفل السبعين.لا أخجل من أخطائي واندفاعاتي ولا من تهوريوصراخي الصاخب المحتج الصادق.. ومازلت أفاخر بمحاولاتي الدائمة للتطهر والسمو والترفع عن الأغراض الصغيرة في محاولة دائمة لتطهير نفسي وثيابي ويدي وعقلي ومشاعري ليتطابق مخبري ومظهري مع قناعاتي التي لا تزوي ولا تذبل ولا تهون وإن هانت وزوت في نفوس آخرين.سبعون عاماً قدمت خلالها رغم التجاهل والتحيز والتمييز أكثر من مائة وخمسين كتاباً في فنون الإبداع الأدبي المختلفة نثراً وشعراً ودراماً وفكراً للكبار والصغار كلها في تمجيد الوطن وإعلاء كرامة الإنسان ولقيم الحب والخير والجمال.ليس هذا طنطنة ولا تفاخراً أجوف ولكنه واقع من الإبداع لم يعد ممكناً تجاهله أو إنكاره ولا يضاهيه في شيء حتي شرف الحصول علي مقعد في مجلسكم المنعزل عن حركة الواقع الفوارة الثائرة المتطلعة إلي التغيير والتحرر شوقاً للحرية!هكذا عشت وكنت ومازلت وهذا هو أعظم مفاخري في الحياة العامة وفي العمل السياسي والثقافي وفي السلوك الشخصي وفي تجربتي النقابية القصيرة العمر في اتحاد الكتاب الذي كنت شاهداً ومشاركاً في عملية ميلاده القيصرية العسرة، التي خرج منها للحياة مخلوقاً غير مكتمل مكبل بقطايا الحزب الواحد والحكم الأمني المتسلط ومقيداً بقانون ولائحة غير بريئين يفضلان تركيز السلطة الغاشمة علي براح الحرية والمساواة ومنحازان للتعصب الفكري والتمييز متمسكان بالبيروقراطية ليشرعا التسلق والتبعية والجمود ويسمحان بترك المال «سائبا» ليغري بالفساد بترسيخ قيم عدم المحاسبة أو الرقابة.وأنني إذ أعتذر لكل من وضعوا ثقتهم في يوم اختاروني لعضوية المجلس.. أؤكد لهم أنني لم أخن هذه الثقة أبداً.وإلي من ألحوا علي من أعضاء المجلس ألا أستقيل أقدم كل شكري ولكن.. وأدعوهم أن ينحازوا معي ويحاولوا التقدم بعمل المجلس إلي الأمام لنأمل الآتي:> ولا يمكن تخطي مساوئ ذلك إلا بالشفافية التي تتطلب نظاماً محاسبياً علمياً يقوم علي المراجعة الدفترية والمراقبة ولا يترك الأمر- وقد زادت وتعقدت العمليات المالية للاتحاد وتضاعفت ميزانيته عدة مرات- بمسئولية رجل واحد أو عدة أشخاص حفاظاً عليهم هم أنفسهم من أنفسهم.> أن ينشر علي الجمعية العمومية- مثلما يحدث مع كشف حضور الجلسات- كشف آخر بكل ما تقاضاه كل عضو من المجلس من أموال لقاء بدل الجلسات والمكافآت «قراءة أو بحثاً أو محاضرة» سواء من المركز أو الفروع- وقد يدل ذلك علي تربح دائرة ضيقة من الأعضاء بل علي مدي نشاطهم وحيويته.> أن يكون من حق أعضاء المجلس، بل ولمن أراد من الجمعية باعتبارها أعلي سلطة من الاتحاد- الاطلاع علي كشوف «البركة» أقصد كشوف الإعانات وأثبات أنها لا تتم وفق صداقات أو حسابات أو حتي رشوة لأصوات الانتخابات. إن كانت دوائرها محدودة أو مكررة أو موسمية!> تعلن كشوف القارءين للعضوية الجديدة وإن تطلب الأمر توسيع دائرتها حتي لا تقتصر علي دائرة محددة من رجال الوزارة وحتي يكون التقييم خاضعاً لتقييم حقيقي قائم علي المستوي الإبداعي والفكري والمشاركة أكبر من أسماء وشخصيات ذات وزن من الجمعية العمومية وأن يقرأ العمل الواحد أكثر من شخص فإن اختلفا فثالث.والا تترك المسألة كما كانت منذ البداية خاضعة لآراء نائب رئيس المجلس السياسية والفكرية.. أو للعلاقات الإدارية والوظيفية.> الترفع عن التكالب علي الاستحواذ علي المناصب كرؤساء ومقرري اللجان وتبادل الأدوار بينهم لتظل محصورة في إطار ضيق.. ويمنع كذلك ألا يتولي أي عضو من المجلس أكثر من مسئولية واحدة وألا يكون في أي لجنة أو شعبة إلا شخص واحد من المجلس علي فكرة هذا ما تقرره اللائحة التي نتشدق بها كثيراً.وذلك لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من أعضاء المجلس في تحمل المسئولية وكذلك لأعضاء الجمعية العمومية.> إعادة مشروع تعديلات اللائحة والقانون من ثلاجة مجلس الشعب والدعوة لتشكيل لجنة جديدة من الجمعية العمومية ومجلس الإدارة لدراسته وتجديده وعدم الخضوع لضغوط ترزية القوانين وأصحاب المصالح.. ودعوة الجمعية العمومية مرة أخري للدفاع عما ارتضته من تعديلات تم تجاهلها وأخري تم الالتفاف حولها.وهذا أمر لا يضير أحداً إلا من كان له غرض ما.> إنه أمر يدعو للتساؤل لما هو حادث من انعزال الاتحاد عن الحياة الفكرية التي يموج بها المجتمع طلباً للحرية وتصدياً للعدوان اليومي الصارخ علي حريات المواطنين وعن حركة المطالبين بالتغيير من أجل التقدم والديمقراطية وبرفع قبضة الأمن عن الحياة النقابية باعتبار الكتاب هم قلب المجتمع النابض وبوصلته إلي التقدم تفتقدهم بشدة قوي النقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني، التي تعمل معاً وقطعت شوطاً كبيراً لم نسهم فيه إلا بأقل من النذر اليسير الشكلي.> إن مشاركة الاتحاد وكأنه إحدي هيئات وزارة الثقافة في ملتقي الشعر الماضي وعدم القيام بدوره في تصحيح مسار الملتقي ومنع ما صاحبه من فضائح وكذلك تخليه عن المحتجين عليه أصحاب ملتقي قصيدة النثر وجلهم من أعضاء الاتحاد وتركهم يقيمون ملتقاهم في أحضان نقابة الصحفيين بدلاً من الاتحاد المنوط به إتاحة الفرصة لاستيعاب المعارك الفكرية وتهذيب ممارساتها واحترام خلافات المبدعين من أبنائه وهو دور مفصلي يتحقق وجوده الحقيقي بمدي ممارسته ونجاحه في القيام به.وسأكتفي بهذا عملاً بنصيحة زميلي المفتون بالعبقرية الشعبية الذي نصحني «بألا أفك زكائب الهموم» فاكتفيت بالقليل منها.لأصل للنقطة الأخيرة التي تحسم عدم إمكانية قيام أي تعاون بيني وبين رئيس المجلس الذي حجبت عنه صوتي وهذا حقي واعترضت علي انتخابه بالإجماع بسبب إدارته المنحازة وغير المنصفة للجمعية العمومية- أكده هو بتوصيفه لموقفي أنه بمثابة قذف الحجارة علي مسيرته المنتصرة وهو وصف شرفني به من حيث لا يقصد باتهامي «بعمل» بعد أشرف «فعل» مادي مناضل في عصرنا العربي المتردي- عندما هزت حجارة الأطفال وزلزلت، شرعية نظام الاحتلال العنصري وكيان الاستيطان الصهيوني- إنه ختام مشرف لسبعين عاماً تؤهلني للانسحاب من مجلسكم الموقر كي أجد وقتاً أكبر ومساحة أفضل لأتفرغ لإلقاء مزيد من حجارتي، حادة وواضحة علي رؤوس الفساد وقلاع الإفساد في كل أركان الوطن وليكن للباقي من عمر طفولتي فائدة أكبر في مقاومة التسلط والتجبر.. وقطع الطريق علي المراوغة باسم القانون والاستقرار وطموحاً للمشاركة بشكل أكبر في حركة المجتمع المصري من أجل حياة حرة وديمقراطية، وتنظيمات نقابية مستقلة، وأكثر فاعلية من قيود شل الحركة، ليكون فاعلاً في بناء ثقافة مصرية متحررة من الخوف والتبعية والتسلط!وبداية أن تقبلوا استقالتي من مجلس الإدارةمتمنياً لكم التوفيق والتقدم.
نقلا عن جريدة البديل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق