2010/05/21

مؤتمر فاروق حسني للمثقفين: الغموض والالتباس وانعدام الجدوى





مؤتمر فاروق حسني للمثقفين: الغموض والالتباس وانعدام الجدوى
ما مدى جدية مؤتمر المثقفين والجدوى منه في حال أقيم في ظل ترد عام للأوضاع الثقافية في مصر؟

ميدل ايست اونلاين
القاهرة ـ من محمد الحمامصي

منذ أيام قلائل نشرت الصحف في مصر خبر ترأس وزير الثقافة فاروق حسنى اجتماع اللجنة المصغرة المنبثقة عن اللجنة العليا الخاصة بالتحضير ومناقشة المرحلة التنفيذية لعقد مؤتمر المثقفين، والتي قال الخبر إنها انتهت بالفعل من إعداد التصور الكامل للمؤتمر، والذي يهدف إلى رصد الواقع الثقافي المصري وكيفية تطويره، ووضع خطة استراتيجية للمرحلة المقبلة عن علاقة الثقافة بالمجتمع وكيفية تطوير هذه العلاقة، والبرامج المطروحة والأهداف المرجوة من المؤتمر، وكيفية تفعيل كل هذه الأفكار.
هذا المؤتمر خرجت فكرته عقب هزيمة الوزير في معركة الحصول على منصب مدير اليونيسكو، ووعده بتنفيذ برنامجه على الثقافة المصرية، ومنذ ذلك الوقت والتأجيل يطارد المؤتمر ويشكك في إقامته وأهدافه، على اعتبار أن الوزير أمضى الوزير ما يزيد عن 22 عاماً على رأس الثقافة المصرية دون أن يحقق إنجازاً واحداً يمثل إضافة، بل دفع بها إلى أدنى أوضاعها ومستوياتها وأفقدها دورها وأضاع ما أنجزته رموزها عربياً وعالمياً.
فما حقيقية إقامة المؤتمر والجدوى منه في حال أقيم في ظل ترد عام للأوضاع في مصر؟

مؤتمر غامض

يقول الكاتب الروائي السيد نجم: على الرغم من كل الملابسات التي يمكن أن نتوقعها أو ما عرفناها من خلال وسائل الإعلام حول إمكانية انعقاد المؤتمر، وأظن أنه يمكن عقد المؤتمر، وعلى الرغم من ضرورة بل وأهمية المشاركة التفاعلية بين المثقفين واللجنة التحضيرية للمؤتمر، وهو ما لم يحدث، وعلى الرغم من عدم الإفصاح عن المحاور أو التصورات المبدئية لموضوعات المؤتمر، مما يزيد من عدد المتشككين في جدية انعقاد المؤتمر، وعلى الرغم غموض عنوان المؤتمر، حيث البحث في دور الثقافة فى المجتمع، وهو عنوان فضفاض بل وغامض، وإن بدا مباشراً وبسيطاً، وعلى الرغم من أن عنوان المؤتمر عنوانا سياسيا ولا يتضمن رؤية واضحة، وربما من الأجدى أن نأخذ بالتجربة الناجحة فى "الماليزيا"، حيث تضمنت خطتهم التنمية الأولى ولمدة 15 سنة، تخصيص 21% من ميزانية الدولة للطفل، وبالقطع سوف يشتمل العمل الفعلي على ثقافة وتعليم وصحة الطفل، وبعد المدة المقررة كان جيلا ناضجا جديدا يدب على الأرض الماليزية يتحمل مسؤولية تطوير بلاده الآن، وقد أصبحت من النمور الأسيوية.

لقد أصبح مصطلح "التنمية" ليس مقصوراً على النمو الاقتصادي، بل تضمن الآن التنمية الثقافية والاجتماعية، فيما أصبح مسمى بالتنمية المستديمة، يكون فيها الإنسان الفرد موضوع المشروع التنموي ومشاركاً فاعلاً فيه، وتلك التفاعلية لن تأتى إلا بالتنمية الثقافية الواعية بدورها في تهيئة النشء، وتفعيل قدرات الخبرات الراسخة، ومع ذلك، أظن أن المؤتمر سوف يعقد لكن السؤال: ماذا ننتظر منه؟ ما هى الآليات اللازمة لتفعيل الخطة الثقافية وقبل هذا كله؟ ماذا سنقول للأجيال القادمة من مفاهيم وأفكار ومبادئ؟ نبدو دوماً وكأننا نبدأ من الصفر، ولسنا من بيننا كشعب نابغين وحكماء!


في مصلحة توجهات النظام

ويؤكد الروائي والناقد ناصر عراق أن انعقاد المؤتمر من عدمه لن يؤثر في تصحيح الأوضاع المغلوطة في مصر على كافة المستويات سياسية واجتماعية واقتصادية.

ويضيف: أما إذا عرجنا على شجون الثقافة والمثقفين فحدث عنها وأفض، باختصار إن مأزق مصر الخانق يعود بالأساس إلى اختيارات النظام السياسية التي تخاصم في مجملها آمال وطموحات غالبية الشعب المصري منذ عقود، ولأن وزارة الثقافة جزء من النظام السياسي، فإن توجهاتها وانحيازاتها ستصب في المحصلة الأخيرة في مصلحة توجهات النظام وانحيازاته التي لا تلتفت كثيراً - أو حتى قليلاً - إلى تلبية أشواق الناس في إقامة مجتمع أكثر عدلاً وإنصافاً وجمالاً، الأمر الذي يعني أن انعقاد المؤتمر - إذا تم - لن يسفر عن شيء ذي قيمة سوى الصخب الإعلامي الذي سيصاحبه

.تبقى في النهاية مواقف المثقفين أنفسهم وهي تتنوع وتتوزع حسب ميولهم ومصالحهم وأفكارهم، ما يجعل الأمر في حاجة إلى مناقشة أخرى مستفيضة.


دوافع عقدة سخيفة

ويشدد الشاعر جمال القصاص على أن المسألة ليست في أن يقام هذا المؤتمر المزعوم أو لا يقام، فـ"حياتنا مليئة بالمؤتمرات والكرنفالات الثقافية من كل لون، لكن بلا قيمة وجدوى، وهذا المؤتمر وضع منذ بداية الدعوة له من قبل وزير الثقافة المصري فاروق حسني في دوائر لا تنتهي من علامات الاستفهام، وتزامن مع خسارة الوزير نفسه لمعركة اليونسكو، لذا بدا المؤتمر كأنه نوع من تجميل الهزيمة حتى يتقبلها برشاقة الواقع الثقافي المصري، كما انطوت دوافع الوزير لعقد المؤتمر على مبررات سخيفة وممجوجة، من قبيل أنه يريد أن يطبق برنامجه المزعوم لقيادة اليونسكو على الثقافة المصرية، فكيف إذن ببرنامج مهزوم أن ينجح في تربة ثقافية معتلة ومريضة أصلا، ومأزومة بسبب سياسات فاروق حسني في قيادة العمل الثقافي على مدي أكثر من عشرين عاما متواصلة".

ويقول "اللافت في أمر هذا المؤتمر الذي أصبح يرحل من شهر إلى آخر، واختيرت لجنته العلمية من عصبة وزارة الثقافة من الكتاب والمثقفين التكنوقراط أنه لا يلقى حماسا في أوساط الجماعة الثقافية، بل أصبح مثارا للسخرية، وينعته البعض بـ'مؤتمر فاروق حسني' وليس مؤتمر المثقفين المصريين، ناهيك عن أن لجنته العلمية الموقرة منذ الدعوة للمؤتمر في أكتوبر الماضي لم تجتمع إلا مؤخراً، وتمخضت عن أن أجندة المؤتمر سوف تعرض على المجلس الأعلى للثقافة للنظر فيها وإقرارها، والمعروف أن ثلثي أعضاء هذا المجلس من موظفي وزارة الثقافة والتابعين للوزير فأي أجندة إذن يوهموننا بها؟

ويرى القصاص إن أمراض الثقافة المصرية ومشاكلها واضحة، ولا تنفصل عن هموم المثقف والمبدع في البحث عن لقمة عيش شريفة آمنة، عن مؤسسة تؤمن علاجه إذا مرض، أو تنشر كتابه بعيدا عن شبح المصادرة والملاحقة، عن صحيفة أو مجلة يعبر فيها عن آرائه وأفكاره بحرية وشفافية، عن مكان بسيط يتنسم فيه جرعة من الهواء النقي ويتصفح كتابه ويقابل زملاءه، بعيداً عن ضغوط البيت ومكابدات الحياة، عن أي شيء يصون حقوقه ويدافع عنها، عن لحظة فرح حقيقية تشعره بأن كرامته كإنسان يعززها إبداعه وفنه، بعيداً عن شعارات الوصايا وصكوك المهانة والإذعان التي تفرضها عليه بطرق وأساليب ملتوية السلطة الثقافية الرسمية.

هذه هي مشاكل المثقف المصري في رأيي بعيداً عن تنظيرات وتقعرات مثقفو السلطة التي من المؤكد سيزكمون بها أنوفنا من فوق منصات هذا المؤتمر المزمع العقيم.


بلادنا في ذيل الدول

ويقول الشاعر حمدي عابدين: ليس المهم هنا انعقاد المؤتمر من عدمه، فوزارة الثقافة قادرة كعادتها دائما على تنظيم المؤتمرات، والترويج لها إعلاميا، عمل بروباغندا تجيدها دائماً، لكن هنا السؤال الهام يكمن في ماذا سوف تفعل وزارة لا هم لها سوى بناء حظائر لمثقفيها في ما يمكن أن يصلوا له من توصيات وما سوف يقدمونه من دراسات بعد انتهاء المؤتمر، الحكومة المصرية والدولة لا علاقة لها بالثقافة، ولا تهتم بها ولا بمنتجيها، الثقافة في بلدنا تأتي دائما في ذيل اهتمامات الحكومة، أنا الحقيقة رغم كل قناعاتي بعدم جدوى المؤتمر، وعدم جدوى ما سوف يصل إليه المثقفين من توصيات، وما سوف يقدمونه من دراسات، إلا إنني أحاول أن أتمسك بأمل متهافت أن يعي هؤلاء الناس قيمة الثقافة في حياة الشعوب، وقيمة دورها، الذي بسبب عدم النظر له أصلا منذ ما يزيد على 50 عاماً صارت بلادنا في ذيل الدول بلا دور يذكر، فضلا عن تردي أوضاعنا في نواحي الحياة المختلفة.

ويضيف أريد هنا أن الفت النظر إلى أن الثقافة تبقي محدودة ما دامت محصورة في النظرة الضيقة التي تضعها في قفص الشعر والأدب وغيرها من الكتابات النظرية، الثقافة لا بد أن يتجاوز الاهتمام بها ذلك إلى الاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا، والاختراعات وما يضعنا على سلم التقدم، لا بد من الاستفادة بعقول علمائنا وما يقدمونه من برامج موجودة بالفعل لكنها مازالت قابعة بسبب نظرة هؤلاء الناس وإهمالهم لها ولهم في ظلمة صناديقها المغلقة، وهو ما جعل الكثير من علماء مصر يغادرونها إلى الخارج بحثا عن بلاد تقدر وجودهم، وتستفيد من علومهم وخبراتهم في المجالات التي يعملون فيها، هل تعلم عدد الكفاءات التي هاجرت بسبب عدم اهتمام المؤسسات العلمية في مصر والدولة بخاصة إلى الخارج.

سوف أذكر لك رقماً مفجعاً، ربما يشير لك مباشرة، إلى النتيجة التي يمكن أن يخرج بها هذا المؤتمر، ويضعك امام الحقيقة المرة، وهي أن السلطة في مصر لا ترى فائدة للعلم ولا للثقافة ولا للعلماء، في خارج مصر الآن أكثر من 450 ألف كفاءة وعبقرية علمية في كافة المجالات البحثية العلمية.. هاجروا فقط إلى أميركا، فكم عدد الموجودين في أوربا، هل تعلم حجم الخسائر التي تتكبدها مصر نتيجة هجرة هؤلاء، إنها تزيد على 54 مليار دولار سنويا.

هذا ليس كلامي أنا لكنه نتج عن دراسة أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمي تقول إن هناك 54 ألف عالم وخبير مصري في الخارج يعملون في مختلف التخصصات العلمية من بينهم 11 ألفاً في تخصصات نادرة و94 عالماً في الهندسة النووية و36 في الطبيعة الذرية و98 في الأحياء الدقيقة و193 في الإلكترونيات والحاسبات والاتصالات.

إن سياسة عدم الاهتمام بالعلماء والعلم والثقافة في ظل الحكومات الرشيدة التي تتولى الأمر في مصر مازالت مستمرة على قدم وساق، مازالت الهجرات مستمرة، والتي كان آخرها استقالة 11 معيداً من كلية الحاسبات وسفرهم إلى أميركا، بعد كل هذا يأتي فاروق حسني ليعلن عن مؤتمر للمثقفين المصريين، اشك كثيراً في ما يمكن أن يخرج عنه، وهذا ليس شكاً في قدراتهم العلمية وحجم ما لديهم من برامج، لكن لأن ما سوف يصلون إليه سوف يذهب مثل غيره في غياهب صناديق حكومتنا الرشيدة التي لا ترى في بلادنا علوما ولا علماء ولا مثقفين.

نقلا عن ميدل ايست أونلاين

ليست هناك تعليقات: