الفلاح الفصيح
د.عمر صوفي
شخصيـــــــــات
المســـــــرحيـــــــــــة
1ـ خون أنوب :فلاح في
مقتبل العمر.. توحي ملامحه بالبساطة والذكاء ..
2 ـ حور: فلاح متهالك في الأربعينيات من عمره .
3 ـ الأم: تتميز ملامحها
بالطيبة والسماحة.. وان لم تستطع أن تقاوم
قسوة الزمن.. أم "خون" و" رودوبيس" .
4 ـ رودوبيس : أخت "خون " على قدر معقول من
الجمال .
5 ـ ميريت : فتاة في شرخ الصبا .. جميلة . خطيبة
" خون " .
6 ـ الفرعون : فى السبعينيات من العمر .. يبدو عليه الضعف
الشديد .
7 ـ الوزير : في العقد الرابع ، صارم ، شرير .
8 ـ السيد
"رنسي" :كبير القضاة ومن ملاك
الأرض الزراعية
9
ـ السيد متن : من كبار رجال الدولة وملاك الأرض الزراعية.
10 ـ نفرت: أميرة البلاد ، في الخامسة والعشرين
ذكية , جميلة .
11 ـ السيدة: في العشرينيات .
12 ـ الوصيفة : في الخمسينيات .
13ـ دجحوتي: مدير مزرعة السيد " رنسي ".
14 ـ أمين
الحسابات: يعمل عند السيد " متن " .
15 ـ المسئول
المالي : في الأربعينيات من العمر .
16 ـ قادة .
17 ـ حراس.
18
ـ أفراد من الشعب.
19ـ خدم .
الفصل الأول
المشهد
الأول
الزمان
( العصر الفرعوني – عصر الاضمحلال الأول )
(
منزل ريفي بسيط.. توجد في فنائه مجموعة من العبوات المليئة بالمحصول وبعض الأواني
الفخارية البسيطة مبعثرة في كل ركن تقريبا.. كما توجد مصطبة لصق الحائط.. كذلك
يوجد بابان يبدوان متهالكين.. تترامي المنازل والحقول في الخلفية .. تدخل الأم..
تجلس علي المصطبة.. تتأمل العبوات تحدث نفسها بصوت مسموع..)
الأم: ما أحوجنا إلي ما في هذه العبوات من غلة
لكي نسد بها رمقنا.. ولكن ما باليد حيلة .. فهكذا قضت مشيئة الآلهة بأن نزرع نحن
ونتعب ويأكل غيرنا وهو جالس يحتسي الجعة علي الأريكة.. (يدخل أبنها خون من الباب
الأيمن ويتجه نحوها ).
خون: صباح الخير يا أماه .
الأم
: صباح الخير بابني .
خون
: كيف حالك اليوم ؟
الأم
: بخير وأمان ما دمت بيننا بابني.
خون
: وإذا ما غبت عنكم ؟
الأم
: لا يهدا لي بال ولا تقر لي عين
إلا إذا عدت .
خون ( ضاحكا ) .. خوفا علي أم خوفا علي أنفسكم ؟
ألام : خوفا عليك أولا يا بني .. وشفقة بي
وبأختك "رودوبيس " فلابد لكل بيت أن يكون فيه رجل وخاصة في أيامنا هذه
التى لا يأمن فيها الأخ من أخيه .. .
خون: ولكن ليس لدينا شيء يطمع فيه أحد .
الأم : هناك من هم أكثر منا فقرا يا "
خون".. ولا يجدون لقمة واحدة يأكلونها.. وتبكي أطفالهم من ألم الجوع.. فلا
تتبتر عل النعمة.. فتزول يا بني فلترض بما قسم لنا..
خون : ( يقف مشيرا إلي الغلة ثم ملتفتا إلي أمه
) ألسنا أولي بتعبنا من متن اللعين ؟ ..نحن نزرع ونتعب ثم يبذرها هو علي منافقيه
في طرفة عين ..
الأم: (
مستنكره ) ماذا تقصد بهذا الكلام يا بني؟
خون: أقصد أننا أولي من متن بثمرة تعبنا ...
الأم : ( بفزع ) اخفض من صوتك يا بني .. فإن له في
كل مكان أذن تنقل له الأخبار .. والرجل لم يسرقنا .. فالأرض أرضه وهذا حقه .
خون: كلا إن هذا ليس حقه .. بل هو حق من تعب
وكد وعرق ووقف تحت لهيب الشمس في أوج الحر ... ولا يحصل بعد كل ذلك إلا علي الفتات
..
الأم: الأرض أرضه .. وقد أحسن إلينا الرجل
وتركنا نزرعها ونحن نحصل علي ما يكفينا وحالنا أحسن من حال غيرنا .
خون: ولكن من الظلم أن نرسل إليه معظم المحصول
بعد كل تعبنا ..
الأم إذا لم ترض فغيرنا مستعد لأن يأخذها بما
هو أقل هيا يا بني فأمامك سفر طويل والأولي أن تصلي للآلهة وتدعوها أن تحرسك في
سفرك هيا حتى لا يستبد بك الغضب.
خون: ولكن لماذا لا يرسل رجاله ليأخذوا المحصول ؟ لماذا
أنقله أنا إلي " إهناسيا " في الجنوب علي حميري المتهالكة .
الأم: هكذا جرت العادة بأن ينقل الزراع
المحصول إلي المالك فلتجهز نفسك للسفر وسأنادي علي أختك " رودوبيس " فهي
لا تشبع من النوم
( تتجه ناحية الباب
الموجود علي يسار المسرح ) " رودوبيس " .... هيا يا ابنتي
رودوبيس : ( يسمع صوتها من داخل الغرفة ) نعم يا أماه
.. أنا قادمة ( تدخل رودوبيس)
صباح الخير يا أم خون.
الأم: بل مساء الخير . ألا تشبعين من النوم ؟؟
رودوبيس: ما دامت لي أم حنونة نشيطة مثلك فلماذا
استيقظ مبكرا ؟
الأم: وماذا تصنعين إذا انتقلت اليوم أو غدا إلي
بيت تكونين أنتي سيدته ؟
رودوبيس: ( ضاحكة ) سأشترط أن تعيشي معي.
خون: ضاحكا ) يا له من عريس بائس إذن .
رودوبيس: سيكون هذا هو شرطي الوحيد لكي أوافق .
خون : وربما تأخذينني أنا أيضا معك ؟
رودوبيس: ولم لا ؟ لتحميني عند الضرورة
خون: إذا كان الأمر كذلك فتأكدي انك لن
تتزوجي أبدا فهي حرب علي العريس وليس زواجا .
الأم: أختك يتمناها بدل الواحد مائة ،
وستتزوج خيرة الشباب.
خون: ( ساخرا ) ما رأيك يا رودوبيس في أن
نختار لك حور عريسا ؟
رودوبيس: (مستنكرة )حور من ؟
خون: ألا
تعرفينه حقا ؟ حور ... صاحبي .
الأم: دعونا من هذا الكلام الآن قل لي يا خون
ألن يأتي حور ليسافر معك إلي إهناسيا ؟
خون: نعم والمفروض أن يكون هنا الآن ولكن
ماذا أفعل معه وهو دائما يتأخر ؟ .. اذهبي يا رودوبيس إلي كوخه وناديه .
رودوبيس : ولم
لا تذهب أنت ؟.
الأم :
( إلي خون ) هل جهزت الركائب التي ستنقل المحصول ؟.
خون :
نعم .... كل شيء جاهز .
الأم : (
كمن تتذكر شيئا ) كانت ميريت تقول إنها ستأتي لتودعك .
خون : (
متوترا ) هل قالت ذلك حقا ؟ .
الأم: : نعم قالت ذلك " ميريت " بنت طيبة يا
خون " يا بني وكم أدعو الله أن تتزوجا في حياتي .
رودوبيس :
ومادمت طيبة وفيها الخير هكذا فلماذا لم نر وجهها حتى الآن ؟
الأم : لعلها مشغولة بخدمة أبيها ، فلا تسئ الظن بها
يا ابنتي .
رودوبيس : وأي
شئ يشغل فتاة عمن سيكون عما قريب زوجها ؟
خون : لعل الله أن يخيب رجاءك وتأتي
رودوبيس : سنرى
الأم : لم لا تذهب يا بنى وتنادي على حور؟
( يسمع صوت قادم من الخارج ، ويدخل حور )
حور : أسمع من يذكر اسمي ، فمن يريدني يا
تري ؟
خون : أقلقتنا عليك يا أخي . كنت سأذهب
لأناديك ولكنك وفرت علينا وجئت .
حور :أنا دائما أصل في الوقت المناسب ، حتى
لا أتعب أحدا .
الأم :من بركاتك يا حور يا بني.
حور : فيبارك الله يا أمنا الطبية .
الأم : لقد كان أبوك من أطيب الناس وكانت
أمك من أصفى الناس قلبا .
حور : فليحفظك الله دائما
خون : ولعل بركاته تحل علينا ونحن في
المدينة ، فتقع عين صبية من الذوات عليه ويتزوجها .
حور : فلتهنأ بها أنت .
خون : ( مستمرا في السخرية ) هل سترفض ؟
حور : نعم .. سأرفضها.
خون : لماذا ؟
حور : (محاولا الضحك ) لأنها لا تستحقني (
يضحك الجميع )
خون : لابد أن عينك على أميرة ؟
حور : ولو كانت أميرة من نسل الآلهة .
خون : ما رأيك في رودوبيس ..؟
حور : أمك دائما تدعو لها بالخير فكيف
يستجاب دعاء الأم بالعكس ؟
خون : وهل هناك ما هو للبنت خير من الزواج ؟
حور : إذا
كان من مثلي ، فهو الشر بعينه ، فلا
ملبس ، ولا طعام ولا بيت ، ولا حتى شباب .
الأم : كل الناس في أيامنا هذه يا بني تعيش
على الستر
حور : فليسترها الله على الناس جمعيا .
خون : ولكن إذا كان حالك مثل حال من تتزوجها
، فما الداعي إلي المظاهر الكاذبة في
عصرنا هذا ؟
الأم : البنت عندما تنتقل إلي حياة جديدة
تنتظر أن يكون كل شيء جديدا فأستعد من اليوم .
رودوبيس : و"ميريت " ليست بالفتاة التى
سترضى بالقليل .
خون : وما شأن ميريت بحديثنا ؟
رودوبيس : ( ضاحكة
) لا أدري.
الأم : ذكرتينا يا رودوبيس " ميريت
" تأخرت هيا يا خون ، ماذا تنتظر ؟
خون : لا شيء يا آماه فكل شيء جاهز ، حور
موجود ولم يبق إلا أن نسلم على بقية الأهل .
( يسمع صوت ضربات على الباب ،
تتجه رودوبيس تفتحه تدخل ميريت عندما تري خون واقفا تغض من طرفها حياء تقترب من
الأم وهي تحمل صرتين في يديها)
ميريت : بارك الله جمعكم .
الأم :فليباركك الله يا ابنتي .
حور : ظننا أنك لن تأتي يا " ميريت
" .
الأم : لماذا تأخرتي يا ابنتي ؟
ميريت : (مترددة) لقد تأخر أبي حتى استيقظ من نومه .
الأم : فليشفه الله ويعينه .
رودوبيس : (
تقترب من ميريت ) ماذا بداخل هاتين
الصرتين ؟
ميريت : لقد قلت في نفسي .. إن الطريق لابد
طويل .. فلذا .. أحضرت لهما بعض الطعام .
رودوبيس : لمن ؟
ميريت : ( تلتفت إلي خون ولا تتكلم ).
الأم : فيك الخير دائما يا ابنتي .. وستكونين زوجة وأما لا مثيل لها في الدنيا ..
رودوبيس ( بغيرة ) طبعا .. طبعا .
الأم : هيا
يا خون فقد أتت " ميريت " ولا داعي لأن تتأخر أكثر من ذلك .
ميريت : لقد قال أبي انه سوف يأتي ليودعكما .
خون : لا يجب أن يجهد نفسه أثناء مرضه سوف
أمر عليه لأودعه .
( يسحب ميريت إلي جانب المسرح
ويتحدثان بصوت منخفض ) أريد أن اعرف ما بداخل هذه الصرة ؟
ميريت : هذه الصرة بها طعام لك أنت و " حور
" أما هذه فهي قربان للآلهة أتمني أن تحمله وتقدمه لها في المدينة .
خون : وإذا سألتني الآلهة ممن هذا القربان
.. فماذا أقول ؟
ميريت : قل لها إنه مني ومنك .
خون : ولكنه منك فقط .
ميريت : أنت ستحمل مشقة حمله حتى هناك
خون : وإذا سألتني الآلهة عما تتمني صاحبة
هذا القربان أن تحققه ، فماذا أقول لها ؟
ميريت : (مترددة ) قل لها .. إن يحقق لها ما
تتمناه.
خون : وما الذي تتمناه ؟ ... لا بد إن تحددى
.
ميريت : أن يتحقق ما يتمناه قلبها .
خون : وماذا يتمنى قلبها أن يحققه ؟
ميريت :
وهل ستسأل الآلهة كل هذه الأسئلة ؟
خون : طبعا .. وأكثر من ذلك ... فهي لابد وأن
تعرف كل شيء.
ميريت : ( متظاهرة بالغضب ) الآلهة تعرف كل شيء
دون أن يخبرها أحد قل لها فقط أن تحقق ما أتمناه وهي ستعرف كل شيء أم أنك لا تريد
حمل الهدية ؟
خون : تعلم الآلهة كم سأكون سعيدا بحمل
هديتك ، حتى ولو كانت ثقل حجر من أحجار قبر ملكنا العظيم " خوفو "
ميريت : لكم أتمنى أن أري هذه المباني العظيمة
في المدن .
خون : سوف أحقق لك كل ما تتمنيه يا ميريت .
الأم :
( وهي منهمكة في بعض الأعمال ) كل شيء جاهز يا بني .
خون : لحظة واحدة يا أماه ( يتحدث إلي ميريت
)هل سأوحشك يا ميريت ؟
ميريت : بخجل
أمي تقول إن كل شيء جاهز ..فهيا حتى لا تتأخرا أكثر من ذلك .
خون : ماذا تحبين أن أحضر لك من المدينة .
ميريت : أحب أن تعود سالما.
الأم : هيا يا بني .
خون : سأتركك الآن يا ميريت ، سوف أمر على
أبيك في طريقي
رودوبيس : إياك أن تنسي إحضار هدية لي من المدينة .
فأنا تعبت معك في الأرض .
خون : في سلامة الله يا بني .. فليحرسك الله
حتى تعود إلينا أنت و" حور " .
إظـــــــــلام
المشهد الثاني
(واجهة منزل.. ترعة جارية بالماء ..حقل مزروع بالقمح..
يقف دجحوتي وخادمه على حافة الطريق الذي
يفصل بين البيت والقمح من ناحية والترعة التى تمر أمامه من الناحية الأخرى )
دجحوتي : ( لخادمه ) هل هذا هو الفلاح الذي يعمل في
حقول متن .
الخادم : نعم يا سيدي ... هو .
دجحوتي : لابد أنه يحمل المحصول على حميره ؟
الخادم : بالتأكيد يا سيدي ، و إلا فلماذا كان سيمر من هنا
دجحوتي : هل تسخر مني أيها الأحمق ؟
الخادم : (مرتبكا ) العفو يا سيدي العفو ما قصدت
هذا أبدا .
دجحوتي : تنبه جيدا أيها الغبي لابد وأن نحصل على ما
معه
الخادم : إذا كنت تري ذلك يا سيدي فلابد أن
نحصل على معه .
دجحوتي : كم كنت أتمنى لو كانت لدي تعويذه أستطيع
أن أسيطر بها على ما معه دون أن ينهق مثل حميره .
الخادم : إذا أمرته يا سيدي أن يخرس ، فلن يفتح
فمه .
دجحوتي : لولا خوفي من الآلهة لقتلته وألقيت به في
الترعة
الخادم : نعم يا سيدي فإن الآلهة لا تغفل أبدا
عن الظالم.
دجحوتي : وأنا لا أحب أن أكون ظالما .
الخادم : أنت رجل شريف يا سيدي واسمك مبارك
دجحوتي : تنبه أيها الخادم فإنهم قد اقتربوا .
الخادم : نعم يا سيدي ومعه رجل آخر ( يحدث نفسه
) يبدو أنها ستكون ليلة سوداء .
دجحوتي : ماذا تقول أيها الغبي ؟
الخادم : (مذعورا ) لا أقول شيئا يا سيدي .
دجحوتي : أيها الخادم اذهب واحضر لي قطعة من القماش
الخادم : لماذا يا سيدي ؟ ... فملابسك نظيفة .
دجحوتي : أيها الغبي .. افعل ما آمرك به .. هيا
بسرعة .
( يسرع الخادم إلي الداخل بينما
يظهر خون وحور وحميرهما المحملة بالمحصول من جانب المسرح )
حور :( إلي خون ) يبدو أن هذه المنطقة
يمتلكها رجل غني
خون : نعم فهي ملك السيد رنسي بن مرو وهو من أطيب الناس.
حور : يبدو أنه ليس في حاجة إلي المال
فقمحه لا يزال في سنابله .
خون : فليبارك الله محصوله فهو يستحق هذا وأكثر.
حور :هل يمتلك كل هذه المنطقة ؟
خون : نعم فمنطقة بيرفيوفي " كلها ملكه
.
حور : وهل الطريق آمن من هنا ؟
خون : يبدو إنك لم تسمع شيئا عن السيد رنسي
أنه الرجل الذي يخسف بكل اللصوص ، فكيف تخاف وأنت في منطقته ؟
( يدخل الخادم ويناول "
دجحوتي " القماشة فيفرشها بعرض الطريق يقترب "خون" و " حور
" أكثر فأكثر . . )
دجحوتي (بحزم) قف أيها الفلاح ولا تتقدم أنت وحميرك
خطوة واحدة .
( خون وحور يبدو عليهما الانزعاج
)
خون : خير يا سيدي ... ماذا حدث ؟ فإن
الطريق سليم .
دجحوتي : كيف أيها الأعمى ؟ ألا ترى ملابسي على
الطريق ؟
خون : عفوا يا سيدي .. فأنا لم أرها .
دجحوتي : حول نفسك أنت وحميرك وابحث عن طريق آخر.
خون : لا يوجد طريق آخر يا سيدي ، ولو كان
هناك غيره ما أزعجتك بمروري من هنا .
دجحوتي : فلتمر إذن بحميرك من علي ملابسي فهذا ما نستفيده من ورائكم.
حور : (يقترب من دجحوتي ) دعني أجمعها لك يا سيدي .
دجحوتي : من قال أني أريد أن أجمعها.. لو كنت أريد
ذلك فلدي خدمي رهن إشارتي (ثم لخون ) أنت أيها الفلاح .. انتبه فان حميرك ستعتدي
على قمحي
خون : سوف اجعل حميري تخطو من فوقها فلا تخف
يا سيدي .
دجحوتي : أيها الأحمق .. ستسقط التراب عليها
خون : الحمل ثقيل يا سيدي فدعنا نمر
دجحوتي : وتطأون ملابسي بحميركم ؟
خون : فلتأمر خادمك أن يجمعها .. فنمر بسلام
دجحوتي : هل تأمرني بذلك ؟
خون : العفو يا سيدي العفو
دجحوتي : إذن فلتبحث لك عن طريق أخر
خون : سنمر يا سيدي من على حافة الطريق .
دجحوتي : (ثائرا ) أيها الأعمى .. هل ستتخذ من قمحي
طريقا ؟
خون :
وما الحل يا سيدي ما دمت تعوق طريقي بملابسك ؟ !
دجحوتي : هل تتهمني ؟
خون : أنا لا اتهمك ولكن قمحك من ناحية
والترعة من الناحية الأخرى وتضع ملابسك بعرض الطريق بلا سبب فمن أين أسير أنا أو
غيري إذن ؟
الخادم : هل تأمرني أن أضرب لك حميره يا سيد
" دجحوتي " ؟
دجحوتي : لا تتلكم أنت أيها الأحمق
خون : هل اسمك " دجحوتي " يا سيدي
؟
الخادم : نعم .. فاسمه مبارك .
خون : إن اسمك مبارك حقا يا سيدي .. فلما لا
تدعنا نمر بسلام ؟
دجحوتي : وهل أنا أمنعك من المرور أيها الأعمى ؟
فلتمر كما تشاء ولكن دون أن تمس أنت وحميرك ملابسي أو قمحي .
خون : هذا الطريق جعل لمرور الناس ، وليس
لنشر الملابس
دجحوتي : هذه المنطقة منطقتنا ومن حقنا أن نعمل فيها ما نشاء
خون : أليست هذه المنظفة ملك السيد رنسي بن
مرو " ؟
الخادم : نعم يا سيدي .. إنها ملكه .
دجحوتي : اخرس يا غبي
خون : السيد رنسي رجل عادل ... طيب ..
دجحوتي : ( بغضب ) وهل أنا رجل سيئ ؟
حور : من يستطيع أن يقول ذلك يا سيدي ..
فأنت أطيب منه
دجحوتي : ( ناظرا إلي حور بغضب وموجها له الكلام )
ومن أنت أيضا ؟ ..
حور : أنا عبد فقير .. اسمي حور .. هكذا أسمتني أمي لأكون شيئا
عظيما في المستقبل ولكن الأسماء دائما لا تنطبق علي المسميات أليس كذلك أيها
الخادم ؟
الخادم : ( ضاحكا ببلاهة ) نعم يا سيدي .. هذا صحيح .
حور : (يقترب من الخادم ) ما اسمك ؟
الخادم : (ضاحكا ببلاهة ) لم تسمني أمي بأي اسم
حور : هذا أفضل
( دجحوتى يجر الخادم من قفاه من قفاه ويدفعه للخلف فيقع على الأرض ).
دجحوتي : ( صائحا ) انتبه أيها الفلاح .. إن حميرك
تأكل القمح .
خون : وماذا أصنع لها مادمت تمنعني من
المرور ؟ .
حور : ما رأيك يا سيدي لو وضعت ملابسي فوق
ملابسك فتمر الحمير دون إن تلمس ملابسك .
دجحوتي : إن ملابسك أقذر من الحمير نفسها ( ثم
صائحا بغضب ) أنت أيها الفلاح الملعون .. انظر .. إن حميرك قد دمرت جزء كبير من
القمح .. لا بد أن تعاقب على ما أتلفته
حميرك .. سأسلب منك حميرك تعويضا لي عما
أتلفت ..
خون :
يا سيدي أن الإنسان لا يسلم من الخطأ .. فما بالك بالحيوان .. وحميري لم تأكل إلا
بضع سنابل .. فدعنا نمر بسلام . نسلم
ويسلم المحصول .
دحجوتي : كلا وألف كلا .. إنني اقسم بكل الآلهة أن
أسلبك كل ما معك
خون : أتقسم على ظلم ؟
دجحوتي : ( ثائرا) أتقصد أنني ظالم ؟.. أيها الخادم
.. ناد على كل حراسي ليجروا هذه الحمير
بما عليها وان يؤدبوا هذين القذرين
ويرموهما في حظيرة المواشي ..
خون : أهكذا اسرق في منطقة السيد "
رنسي بن مرو " الرجل الذي يخسف بكل لص .. وينصر كل مظلوم ، ويحكم بالحق ولو
كان على أهله .
دجحوتي : مثلك لا يفهم شيئا أيها الغبي .. ماذا
أقول له عندما يحاسبني عن إيراد الأرض ..
هه ؟ .. هل تعتقد انه سيكافئني عندما يعرف أن حميرك أكلته ..
( تدخل مجموعة من الرجال بصحبة
الخادم ) هيا احملوا كل ما مع هذين القذرين ..
خون : أيها السيد إن التلف لا يذكر .. فكيف
تسول لك نفسك أن تأخذ ما هو ليس لك بحق .. كيف ستقف أمام الله يوم الحساب . ليت
المحصول كان محصولي يا سيدي .. ماذا أقول لصاحبه ؟ ماذا سأقول ؟
( يهجم الرجال المسلحون بالعصي
على خون وحور ويستولوا على ما معهما يحاول "خون " أن يدافع عن نفسه وكذلك
( حور المتهالك .. بعد مشاجرة شديدة يستطيع الرجال أن يتغلبوا على " خون
" و"حور " ويلقوهما على الأرض ثم ينهالوا عليهما بالعصي ويقوم
بعضهم بسحب الحمير بما تحمله إلي داخل المنزل .. يقف دجحوتي يقهقه وخادمه بجانبه
تبدو على وجهه الشفقة )
الخادم : يبدو أنهما سيموتان .
دجحوتي : ليتهما يموتان ليريحاني من أنينهما ..
وعلى كل حال .. فلن تحزن الآلهة لموتهما (يقهقه )
الخادم : ( مرتعدا ) ولكن إذا ماتا هنا فسوف
تظهر أرواحهم وتنتقم منا
دجحوتي : أخائف أنت يا أحمق ؟ ثم أي روح هذه التي
تجرؤ على الاقتراب منى ؟
الخادم : إن أمي كانت تقول لي وأنا صغير إن
الأرواح لا يستطيع احد أن يقف في وجهها .
دجحوتي : لقد كانت أمك غبية مثلك .. أيها الثور هيا
انصرف .
( ينصرف الخادم ويقترب دجحوتي من
خون وحور ويركل كل واحد منهما بقدمه ثم ينصرف ) يسود الظلام عل المسرح تدريجيا
ويرتكز الضوء في البقعة التى يرقد فيها خون وحور في العراء توحي الموسيقى بمرور
الزمن .. يدخل الخادم ويقترب منهما )
الخادم : ( هامسا ) سيدي .. ( يهز خون من كتفه )
أنت أيها الفلاح الطيب .. اصح (يستقيظ خون وحور .. ويبدو عليهما التعب والشحوب )
خون : ( بصوت مبحوح ) ماذا حدث أيها الخادم
الطيب؟.
الخادم : اخفض صوتك حتى لا يسمعنا .. خذا هذا
الطعام واسمعا ما سأقوله لكما جيدا .. ( يقترب منهما فيبدون كأشباح أو هياكل منتصبة )
حور : ماذا وراءك أيها الخادم ؟ قل يا صاحب
القلب الطيب ..
الخادم : لقد اقسم السيد دجحوتي إن لم تنصرف هذه
الليلة ليقتلكما في الصباح بالسيف..
خون : لقد قضينا هنا ليال أحلك من هذه
الظلمة التى تلفنا .. ولن ننصرف أبدا إلا
إذا أخذنا حقنا ..
الخادم : اخفض
من صوتك .. السيد دجحوتي ليس في قلبه أية
رحمة .. وإذا اقسم ، خاصة على شر ، فلابد أن ينفذه ..
حور : ( كالتائه ) بعد كل هذه الليالي ..
ننصرف هكذا.
الخادم : سوف تلطف بكما الآلهة .. أما إذا
بقيتما هنا للصباح فيسقتلكما ( مرتعدا ) ويسيل الدم هنا وفي كل مكان .
خون : لن ننصرف إلا إذا رد لنا حقنا .. نحن نطالب بالحق ولن يضيع حقنا ..
الخادم : نعم لن يضيع حقكما أبدا .. فأنتما
طيبان .. ولكن مع دجحوتي لن تحصلا على أي شيء..
هل تعرفا ماذا يفعل الآن ؟ انه يشحذ سفيه .. فانصرفا رحمة بنفسيكما
..
خون : وماذا سأقول للسيد " متن "
وهو ألعن من دحجوتي هذا ؟
الخادم : إنه خلاف بين السادة الكبار .. بين سيدنا " رنسي " وسيدكم متن
خون : هل أنت متيقن مما تقول أيها الرجل
الطيب ؟
الخادم : نعم يا سيدي فقد سمعت ذلك بأذني .
حور بأذنك اليمني أم اليسرى؟
الخادم : بالاثنتين .. ( يلتفت حوله بخوف )
اسمعا .. أنا لن أتيكما بعد الآن ولا يجب
أن تستمرا في صراخكما طوال الليل مثلما
تفعلان كل يوم .. والأفضل أن تنصرفا بسرعة .. فأنتما طيبان ولا تستحقان السوء ..
خون : لن ننسى أبدا ما قدمته لنا من معروف
أيها الرجل الطيب .. لقد كنت كريما معنا كرم البسطاء فليجزيك الله عنا خيرا .
حور : قل لي أيها الرجل الطيب ... هل أنت
متزوج ؟
الخادم : ( يضحك ) لا أنا لست متزوجا .
حور : ولماذا لم تتزوج ؟
الخادم : لان أمي ماتت
حور : وما شأن ذلك بالزواج ؟
الخادم : لقد كانت أمي تقول لي وأنا صغير ، إنها ستزوجني ست العرائس .. ولكنها
ماتت .
حور : ولماذا لم تتزوج ست العرائس ؟
الخدام : ومن الذي سيختارها لي ؟
حور : أنت
الخادم : ولكني لا أعرف .. فهي مسألة صعبة جدا
.. وخاصة أن النساء لديهن ألسنة كالكرابيج .. وعندما تراني واحدة منهن تقول لي
اذهب يا حمار .. أنت لا تصلح لاشيء .
حور : هل تقول لك ذلك حقا ؟
الخادم : وأكثر من ذلك .. يبدو أنك لا تعرفهن
جيدا.. سأنصرف الآن يا سيدي .. ويجب أن تنصرفا أنتما أيضا .. فالوداع ..
حور : وداعا أيها الخادم النبيل
خون : لو كانت كل الناس مثله ... لما تعب
أحد في هذه الدنيا
حور : لولاه لهلكنا من الجوع .
خون : نعم فقد أعطانا من طعامه القليل ..
فليباركه الله .
( تسود فتره من الصمت )
حور : ماذا سنفعل الآن يا خون ؟
خون : سنفعل ما قدره لنا الله
حور : لم تعد هناك فائدة من وجودنا هنا .
خون : المسألة ليست مسألة حمار ملأ فمه
بالقمح . إنما هي مكيدة مدبرة من قبل .. حسابات ثقيلة بين السادة الكبار يصفونها
على حسابنا نحن ، فلم تعد هناك فائدة من وجودنا هنا .
حور : يعلم الله كم أنا حزين
خون : لقد زلزلتني هذه الحادثة زلزالا شديدا
هذا مكتوب على جبيننا منذ أن ولدنا
حور : إنه كابوس أسود " يا خون
" في غمضه عين ضاع كل شيء .. تعب أيام وشهور كله ضاع ..ضاع نصيب " متن
" وضاع نصيبنا .. كيف سنعيش بعد اليوم ؟
خون : آه يا " حور " .. لقد ضاع
كل شيء حقا .. كل المحصول حتى حميرنا ضاعت .. ضاع تعب الليالي ..
( متحدثا كالمجنون ) هيا يا
"حور " لنسد السدود هيا يا " خون " هيا يا "خون "
لنعزق الأرض .. هيا يا "حور " ظهري يؤلمنى يا " خون " فلتربطه
يا حور ولتصبر .. أنا جائع يا " حور " اربط على بطنك يا " خون
" فليس عندنا طعام .. أين هديتي يا
" خون " ؟ لقد سرق المحصول
يا " رودوبيس " هل قدمت القربان يا خون ؟ لقد سرق القربان يا
" ميريت " أجل القربان نفسه سرق..
قربان ميريت يا " حور " هل هناك بؤس أكثر من هذا يا " حور
" فلننصرف يا صديقي العزيز من هنا ولنشكو همومنا في بلد آخر يا " حور
" لابد أن نذهب إلي المدينة .. إلي السادة الكبار .. كما قال الخادم النبيل
.. " حور " هل أنت معي ؟
( يجاهد " حور " حتى
يقف ويضع يده في يد خون )
حور : نعم يا أخي .. أنا معك للنهاية ..
ـ إظــــلام ـ
"
المشهد الثالث "
( بهو في قصر السيد
متن .. يدخل السيد متن وورائه أمين الحسابات وفي يده برديه يقرأ منها )
أمين الحسابات : وقد
امتلأت لدينا يا سيدي عشرون صومعة بالغلال عن آخرها بالإضافة إلي إننا بعنا ما كان
يكفي لملء أربع صوامع أخرى.
السيد متن : هل بعتم كل ذلك حقا ؟
أمين الحسابات : نعم
يا سيدي وهذه هى الحسابات.. ( يريه البردية )
متن : ولكن هذا قدر كبير .
أمين الحسابات : نحن
لا نفعل شيئا يا سيدي إلا بناء على أوامرك
متن : نعم .. نعم .. لقد أصبحت الحياة لا
تطاق ..حتى الخمر ارتفع ثمنه بشكل رهيب ..
أمين الحسابات : أجل
يا سيدي .. فقد ارتفع ثمن كل شيء ..
متن : كان عليك أن تقلل من نصيب الفلاحين
من المحصول ..
أمين الحسابات : أنا
لا أفعل إلا ما يرضيك يا سيدي .. ولا يمكن أن أميل للعبد على حساب سيده ..
متن : أنت ترى أن كل شيء ارتفع ثمنه في هذا
العصر ، وبالرغم من ذلك فإن الفلاحين يريدون أن يشاركونا في أملاكنا ..
وكأنها كانت من أملاك أبيهم ..
أمين الحسابات : إنه
من فيض كرمك يا سيدي
متن : نحن نحتاج إلي مال لان نفقاتنا كثيرة .. حفلات وهدايا
لرجال القصر ..وملابس ..وطعام ..وحرس ..وعبيد .. أما الفلاح فلا ينفق على أي من
هذه الأشياء فلماذا يحتاج المال ؟
أمين الحسابات : انه
لا ينفق على أي من هذه الأشياء حقا يا سيدي فهو لا يهمه سوى أن يملأ بطنه ويطعم
أولاده .
متن : ولماذا ينجب أولادا أيضا ؟ لكي
ينهبونا ويأكلوا من أرضنا .. اسمع يا أمين الحسابات .
أمين الحسابات : نعم
يا سيدي
متن : في العام القادم يجب أن نقلل من نصيب
الفلاحين من المحصول ..
أمين الحسابات : أمرك
يا سيدي
متن : نعم لابد أن نفعل هذا .. فأنا لست
الإله لأتكفل بهم وبأولادهم .
أمين الحسابات :
سأفعل يا سيدي .. سأفعل .
متن : هل انتهيت من محاسبة جميع الفلاحين ؟
أمين الحسابات : نعم
يا سيدي .. ( مترددا ) ولكن
متن :ولكن ماذا ؟ تكلم
أمين الحسابات : بقي
فلاح واحد يا سيدي
متن : من يكون هذا الفلاح ؟
أمين الحسابات : انه
فلاح يسمي خون
متن : ولماذا لم يأت ؟
أمين الحسابات : لقد
أتي يا سيدي .. وهو بالخارج .. وقد حكى لي قصة طويلة خلاصتها أن المحصول قد سرق
منه ..
متن : ( صائحا ) سرق منه ؟
أمين الحسابات : نعم
يا سيدي .. هكذا يقول
متن : احضر هذا اللعين ( يخرج أمين
الحسابات وينادي )
أمين الحسابات : أنت
أيها الفلاح .. تعال لتقابل السيد متن .
( يدخل " خون
" وحور وهما في حالة بائسة ينحنيا لتحية السيد " متن " .."
متن " يحدق في خون وكأنه يحاول وكأنه يحاول أن يتذكر شيئا ما )
متن : لخون أولست أنت الفلاح الذي يعمل في
مزارعنا في الشمال؟
خون : نعم يا سيدي انه أنا .. فانا دائما في خدمتكم .. ولكن هذه السنة كان الشر
يتربص لي فبينما أنا أحث خطاي وأقول لنفسي أسرع يا ولد يا " خون " لتسعد
سيدك النبيل فإذا بعصابة الشر تخرج علينا وتسلبنا كل ما معنا .. نعم وحق الله هذا
ما حدث .. وإذا كنت كاذبا فليكن الجحيم مصيري .
متن : ( يقهقه بشدة ) قصة جميلة أيها
الفلاح الغبي ( صمت ) لماذا أنت من دون الفلاحين تسرق حمولتك ؟
خون : إنه القدر والنصيب يا سيدي
حور : إنه النصيب فعلا يا سيدي
متن :اخرس أنت أيها الأحمق .
خون : (مستعطفا في أسي ) بينما كنت أسيرا
سيدي في الطريق وأقول أسرع يا ولد يا خون لتدخل البهجة علي قلب سيدك ... إذا
بعصابة الشر تخرج علي ....
متن : ( مقاطعا ) اخرس أيها الكلب القذر
.. هل ستعيدها لي عشرين مرة ؟ هل ستضحك علي أنا يا خنزير بهذه الحكاية التي لا
تقنع طفل ... أعطيك أرضي لتعيش عليها فتسرق محصولها يا لص
خون : أقسم يا سيدي انه قد سرق مني رغما
عني
متن : سرقته أو سرق منك .. سيان عندي ...
فان كنت سرقتها فهذا من خيانتك وإن كان قد سرق منك كما تقول فهذا من جبنك
وإهمالك.
خون :أبدا يا سيدي أبدا أقسم بالله ..
أقسم بأبي وأمي وأختي إنني ما سرقته وما أهملت في حقك ولكني وقعت في مكيدة مدبرة
..
متن : لديك أم وأخت ولابد انه لديك زوجة
وأولاد وبعد كل ذلك لا تسرق محصولي
حور : لا يا سيدي انه لم يتزوج ولكنه
خاطب
متن :( يضحك ) ماذا تقول ؟ خاطب ؟ هذا
الكلب القذر؟ وطبعا سرق المحصول ليتزوج منه إنني لازلت أذكر أباه القذر .. ولكنه
كان أمينا فلم يسرق المحصول أبدا ..
حور : وهو يا سيدي لم يسرق المحصول ..
لقد سرق منه وسرقت الحمير وحتى القربان نفسه يا سيدي سرق ..
خون :
يا سيد متن إنني لا اكذب أبدا .. ولم يحدث أن سرقته من قبل وأسال أمين
الحسابات ليؤكد لك إنني كنت احضر المحصول وفيرا كل عام وقبل كل الفلاحين ( يوجه
الحديث إلي أمين الحسابات ) أليس كذلك يا سيدي ؟
أمين الحسابات :أنا ... أنا لا اذكر شيئا فلدينا كثير من
الفلاحين غيرك
خون :وهل كان أحد لا يحضر المحصول ؟
أمين الحسابات :أبدا فلم يتجرأ علي ذلك سواك أنت هذا العام
....
متن : وسوف أحاسبه حسابا عسيرا إن لم
يقل أين ذهب المحصول ؟
خون :
يا سيدي اقسم لك إنني لم اسرقه أو أخبئه وكيف أكل ما هو حرام ؟ كيف أطعم أمي
وأختي بطعام لا أملكه ، وماذا أقول لله عندما يحاسبني.. إنني أفضل أن أموت جوعا
مثل الكثيرين الذين يموتون كل يوم دون أن أمد يدي لأنهب ما ليس لي بحق .
متن : حسنا .. حسنا ... خطبة رائعة جدا
... اسمع أيها الفلاح الغبي .. لو جاءني كبير كهنة الآلهة " رع " نفسه
وأقسم لي بالإله رع وبكل الآلهة في الشمال والجنوب بأنك بريء فلن أصدقه ولن أعفو
عنك ولأجعلنك عبرة لكل من تسول له نفسه من فلاحيني وعبيدي بأن يمد يده إلي ذرة من
مالي .. فقل لي الحقيقة فربما أخفف عنك إذا ما اعترفت ..
خون : يا سيدي ماذا افعل بعد أن أقسمت لك
بالآلهة كيف أسرق ما زرعت يداي ؟ ولماذا وأنت ولي نعمتي ؟ وكيف أسرق وأنا أعلم أن
الله يراقبني ؟كلا يا سيدي .. أنني لم اسرق أبدا وتشهد علي ذلك كل ضربة ضربتها
بالفأس في أوج الحر والعرق يتصبب .. تشهد علي ذلك كل خطوة خطوتها منذ أن خرجت من
منزلي حتى وصلت إلي هنا . فلتعف عنا يا سيدي وسيبارك لك الله في كل مالك
متن : حسنا .. حسنا . أعفو عنك اليوم ويجيئني غيرك
غدا بعد أن يسرقني ويطلب مني أن أعفو عنه .. من تظنني إذن ؟ الإله ؟ أنا احتاج إلي
نفقات لا تحصي .. (يثور فجأة) .. أيها
الحراس ( يدخل حارس قوي )
الحارس :
أمرك يا سيدي .
متن :
جر هذين الكلبين وأدبوهما أدبا يكون عبرة للقاصي والداني للصديق والعدو ، للخير
والشرير ..
الحارس : أمرك يا سيدي ( يشير الحارس إلي مجموعة من
الحرس فيدخلون ويمسكون بخون وحور ويحاولون سحبهما للخارج )
خون : ( صائحا ) أنا بريء يا سيدي .. اقسم لك بإلهي
أقسم بأمي وأختي أنني لم أسرق حبة واحدة من المحصول ..
متن : اخرج أيها الكلب
خون : لا تجعل قلبك قاسيا يا سيدي ..
فانك ستواجه الله يوما وتطلب منه الرحمة ( يحاول الحراس إخراج حور وخون .. يشير
إليهم السيد متن بان يتركوا " حور" )
متن :اتركوا هذا اللعين ( يتركون حور )
قل لي أيها الماكر ألست شريكا له في الجريمة ؟ لا تظن أن عينيك الغائرتين في رأسك
ستجعلاني ألطف بك .. أبدا فهما رمز للصوصية والمكر .. ولن تجعلني عظامك البارزة
هذه أعفو عنك أبدا وحق الآلهة لأجعلن لكل جلدة أثر ينزف بدمك فقل لي أين خبئتما
المحصول .. وسأعفو عنك ..
حور : ( خائفا ) أبدا ورحمة أمي إنني بريء
.... وخون أيضا بريء ..وإن كنت كاذبا فلتسلب الآلهة الكلام من فمي وان تجعل روحي
تخرج من حلقي ولا تعود إلي أبدا حيا أو ميتا ..
خون : ( وهو يقاوم الحرس ) اضربوني أنا .. مزقوني ..ولكن لا تمسوه بأذى
.
متن : ( صائحا ) اسحبوه ) إلي خارج .
يجر الحرس خون بكل قوة إلي الخارج ويسمع صوت أنينه .
متن : ( لحور ) هل رأيت ماذا فعلنا بهذا
الحيوان فارحم نسفك وقل لي أين خبئتما المحصول وسأعطيك جائزة كبيرة .. سوف اطلب من
أمين الحسابات بأن يعطيك ما تريد ..
حور :
( ينظر إلي أمين الحسابات ) هل ستفعل ذلك
؟
متن : ( بغضب ) نعم سيفعل .. فانا سيده وقد
أمرته ..
أمين الحسابات : طبعا
يا سيدي .. فأنا خادمك الأمين
حور : ( لمتن ) وتفرج عن صاحبي " خون
" وتتركنا نعود بسلام ..
متن : بالتأكيد .. ليس في ذلك من شك
حور : دجحوتي هو الذي سرق المحصول
( يسمع صوت تأوهات
خون وهو يضرب )
متن ( ينظر باستغراب ) دجحوتي من ؟
حور : انه شخص يسمي دجحوتي بينما كنا نمر
أمام بيته اعترض طريقنا وقال لا تمروا من أمام بيتي ولا من حقلي ثم سرق المحصول هو
وحرسه .. بل إنهم سرقوا القربان أيضا ..
متن : وأين بيت دجحوتي هذا ؟
حور : بيته في الطريق إلي هنا
متن : في أي مكان بالضبط ؟
حور : لا أعرف يا سيدي .. لا أعرف أكثر مما
أخبرتك به .
متن : ( ثائرا ) سارق ومكار .. وكذاب ..
أنت تكذب على .. إن عينيك هما عينا لص حقا أيها الحارس ( يدخل أحد الحرس ) خذ هذا
اللعين وأطعموه من نفس طعام صاحبه .. ( يمسكه
الحارس ويحاول جره للخارج )
حور : لا .. لا ورحمة أمي أنا برئ ..
دجحوتي هو الحرامي .. صدقني يا سيدي أنا ...
( يجره الحارس قبل أن يتم
الجملة )
متن : اسمع يا أمين الحسابات ، أريدك أن
تترك لي الحسابات لكي أراجعها بنفسي .. وحذار أن يفلت منك أي فلاح دون أن تبلغني
..
أمين الحسابات : أمرك
يا سيدي وستجد كل شيء على ما يرام ..
متن : أما هذان اللعينان ، فسأقتلهما إذا
لم يقرا بجريمتهما ويعيدا ما نهباه ..
أمين الحسابات : افعل
ما تراه يا سيدي .. ولكن أخشى أن يخيف ذلك بقية فلاحينا فيهربوا من الأرض ..
متن : لئن فعل أحدهم ذلك ووقع في يدي
لأجعلنه للطير طعاما شهيا ..
أمين المخزن : إن أكثر شئ يا سيدي يخيف الفلاح هو إن تهدده
بأخذ أمه أو أخته أو زوجته أو ابنته كخدم أو عبيد أما الضرب فلن يضره بشيء لأنه
كالحمار ..
متن : وهل تعتقد أن ذلك سوف يأتي بفائدة ؟
أمين الحسابات: بل
سيأتي بأفضل نتيجة
متن : ولكن ماذا لو أصر هذا الفلاح على أنه
لم يسرق المحصول ؟
أمين الحسابات : إذن
تطرده من الأرض والبيت وتأخذ أمه وأخته ليعملا كخادمين في قصرك عوضا لما نهبه من
المحصول ، وسيكون ذلك خير رادع لغيره فيما بعد ..
متن : فكره لا يستطيع أن يتوصل إليها
الشيطان نفسه ..
أمين الحسابات : أنا
دائما في خدمتك يا سيدي ..
متن : وسآكافئك .. ولكن عليك أن تستمر في
العمل بجد .. وفي موسم جمع المحصول القادم ، لابد أن تتيقظ جيدا في الحساب والكيل
وإذا لم يف فلاح بالقدر المطلوب فاحضره إلي وسأجعلن الكيل يفيض ولو من لحم جسده ..
أمين الحسابات : نعم
سيدي .. فالحق حق ..
متن : أيها الحارس .. ادخل إلي هذا الفلاح
القذر وصاحبه
الحارس : ( يسمع صوته من الخارج ) أمرك يا سيدي
( يتطلع متن وأمين الحسابات إلي
الباب .. ويدخل خون وحور وهما في قبضة الحرس .. يدفعهم للأمام فيرتميان على الأرض
من الألم والإنهاك .. ينظر إليهما السيد متن وهو يقهقه بصوت مرتفع ينظر إليهما
أمين الحسابات بفزع )
متن : (مقهقها ) درس لا ينسى .. أليس كذلك
أيها القذران ؟
( خون وحور يلتويان من الألم ،
يجلس متن )
متن : لابد انك ستعترف لي الآن عن المكان
الذي خبئت فيه المحصول .
خون : ( يرفع رأسه من على الأرض بصعوبة ) لم
اسرقه يا سيدي وقد أقسمت لك إنني لم اسرقه ..
متن : رجعنا إلي الحكاية من أولها ..
حور ( صائحا وهو يتألم ) لسنا في
أولها .. الله يخرب بيتك
متن : اخرس
حور : إنني أحس أن ظهري انقسم نصفين
متن : ( لخون ) اسمع يا فلاح .. أمامك شهر لتذهب وتعيد المحصول
، وإلا سأطردك وسآخذ أمك وأختك كعبدتين في قصري عوضا عما سرقت من محصولي وإياك أن
تفكر في الهرب لأني سأحضرك ولو كان كل جزء كمنك في بلد مثلما فعل " ست "
" بأوزوريس" ) .
( يفيق خون على وقع هذه الكلمات ويجلس
متحدثا بصعوبة )
خون : هل قلت إنك ستأخذ أمي وأختى إن لم أعد
المحصول
متن : .. قلت ذلك وسأنفذه إذا لم تعد
المحصول
( يزحف خون حتى يصل إلي السيد
" متن " )
خون : ( باكيا ) يا سيدي أقسمت لك إنني برئ .. أنا مظلوم يا
سيدي فانا عبد بسيط .. كيف أجرؤ على سرقة سيد عظيم مثلك .. اقتلني أنا يا سيدي
مزقني إربا مثلما فعل ست بأوزوريس والق
بكل قطعة منى لجوارح الطير .. ولكن لا تمس
أمي وأختى .. فهما بريئتان يا سيدي .. أنا الجاني فحاسبني على ما جنيت ..
متن : إذن قل لي أين المحصول ؟
خون : لقد سرقه منى "دجحوتي
" الذي يعمل عند السيد رنسي بن مرو
" وعندما ذهبت للسيد رنسي قبل أن أجئ إلي هنا لم يصدقني وقال إن أي واحد من
رجاله لا يجرؤ علي ذلك.
متن : هل قلت إنه يعمل عند رنسي بن مرو ؟
خون : نعم يا سيدي .. فهو يعمل عنده في
منطقة بيرفيوفي "
متن : ( متحدثا بصوت منخفض ) "رنسي بن
مرو " مرة أخرى يبدو أن السيوف ستسل من أغمادها ( ثم بصوت مرتفع ) .. ولكن
اسمع أيها الفلاح إن رنسي رجل وقح وجبان وفيه كل صفات الحيوان السيئة إلا أنه لا
يسرق ..
خون : ليس هو بالضبط .. ولكن عامله دجحوتي ..
حور : ( يرفع رأسه من علي الأرض ) نعم ..
انه دجحوتي اللعين ... ولا أدري لماذا أسمته أمه باسم اله الحكمة .. الله يخرب
بيته .
متن : المشكلة إذن بينكم أيها الرعاع .
خون : نحن رجالك يا سيد " متن " .
متن : رجال جبناء ... يسرق منهم المحصول ثم
يأتون إليّ ليبكوا .. لماذا لم تجمعوا أنفسكم وتواجهوهم ؟ هل تريدون أن أدخل في
حرب مع رنسي الحيوان ليس أمامك من حل إلا إن ترد المحصول فلن أتورط في مشاكل من
اجل أمثالك ، المحصول أو الطرد من الأرض والبيت واستعباد أمك وأختك.. هل فهمت؟
إظلام
المشهــــد الخامس
( بهو واسع في قصر
الفرعون .. مجموعة من الرجال يبدو من
مظهرهم إنهم من علية القوم .. يمسكون الكئوس في أيديهم ويتحدثون في صخب وهرج ..
يبدو بينهم الوزير " جدف رع"
وهو شخص تبدو عليه العجرفة والكبرياء ، ويرتدي ملابس أنيقة .. يوجد كذلك
مجموعه من مسئولي الدولة ، وبعض السادة بينهم السيد " متن " والسيد
" رنسي بن مرو " يوجد في الخلفية كرسي العرش .. )
الوزير :أنني أمنيكم بحفل الليلة ، فقد كان موسم الحصاد مثمرا للغاية هذا العام
المسئول المالي :
وينبغي أيضا أن تمني نفسك يا سيد جدف رع " بحفل سعيد ...
الوزير :طبعا .. طبعا فنحن جميعا سنكون في حضرة
مولانا الفرعون وابنته الأميرة
المسئول المالي:وهل
ستحضر الأميرة الحفل ؟
الوزير :طبعا
.. طبعا .. فجلالته يعدها لأن تكون ملكة مصر..
المسئول المالي :ومن سيتزوجها يكون أيضا ملكا .. فرعون
مصر ..
الجميع : (في صوت واحد ) شرف عظيم ..... شرف عظيم
الوزير : وستكون أيامنا المقبلة كلها حفلات
وأفراح
المسئول المالي
:فلتبارك لنا الآلهة في ملكنا وأميرتنا
الجميع :فلتباركه لنا الآلهة أجمعين وتحفظه لنا
الوزير : تعلمون أننا هنا لندخل السعادة والسرور
علي قلب الفرعون
الجميع : طبعا .. بالتأكيد
المسئول المالي :
وعلي قلب أميرتنا الحسناء ، الأميرة " نفرت "
الوزير : ولذلك فيجب أن يبلغ كل منكم الفرعون بما
يسره
الجميع : طبعا ... طبعا
الوزير : كما أتمنى من حكام الأقاليم ، في الجنوب
والشمال أن يبلغوا ملكنا بما وصلت إليه أقاليمهم من رفاهية وأمان ، أليس كذلك يا
سيد " متن " ؟
متن : طبعا .... طبعا يا وزيرنا
الكريم .. اطمئن إن ملكنا سيخرج من هذا الحفل وقد عادت إليه بهجة أيام شبابه وقد عادت
الوزير : كما أتمني أن تشاركنا أيضا يا سيد " رنسي"
رنسي :طبعا.. طبعا فكلنا هنا من أجل إسعاد
الفرعون
الوزير : الفرعون يسعد دائما لحديثك يا سيد
" رنسي"
رنسي : كلنا في خدمة الملك
(يعلن الحارس ببوقه عن وصول الفرعون
، ويتأهب الكل لمقدمه .. يدخل الفرعون ومعه الأميرة " نفرت " ينحني
الجميع لتحيته ولا يعتدلون إلا بعد أن يجلس الملك علي عرشه ، وعلي يمينه ابنته
الأميرة " نفرت " يمسك في يده صولجان الملك ... يتأمل الحاضرين لفترة )
الفرعون : فلتبارك الآلهة جمعكم هذا..
الوزير : إن جمعنا مباركا بحضورك بيننا يا مولاي
الفرعون : أتمني أن يكون موسم الحصاد وفيرا يا سيد
" جدف رع " فلابد أن تتحسن الأحوال ..
الوزير : طبعا يا مولاي طبعا .. لقد كان المحصول
وفيرا هذا العام ببركتك يا مولاي .. لقد احتفل الفلاحون في شمال البلاد وجنوبها
بالخير الذي عم عليهم ويخبرك بذلك يا سيدي حكام الأقاليم ..
الحاضرون : طبعا . طبعا يا مولاي خير وفير ..وفير جدا
الفرعون : أتمني أن يساعدهم ذلك علي السنوات العجاف
التي مروا بها ..
الوزير وسيفيض عن حاجتهم يا مولاي
الفرعون :أتمني ذلك حتى يكفوا عن الصريخ والصياح كل
يوم نحن جائعون.. نحن جائعون
الوزير : لن تسمع يا مولاي لهم صوتا بعد اليوم ..
ومن يفعل ذلك سنقتله ...
الفرعون : بل تتحري عن حالته وإذا كان محتاجا تطعمه
الوزير : ( مستدركا ) سنطعمه طبعا يا مولاي إذا
كان محتاجا .. ولكن يوجد الكثير من الطماعين الذين لا يشبعون ..
( يسمع صوت من خارج لقصر
يتردد بشكل مستمر )
الصوت : يا مولانا نحن جائعون .. يا مولانا نحن
جائعون ... نريد الطعام .. ( يبدو الملك ساهما وكأنه يحاول أن يتأكد من انه هذا
الصياح )
الفرعون : ما هذا يا جدف رع " ؟ أليس هذا صوت
الجائعين
الوزير : ( مرتبكا ) بل صوت الطماعين الحاقدين
عليك يا مولاي ، كيف يكونون جائعين في موسم الحصاد ؟
الفرعون : وعلام صياحهم إذن " يا جدف رع "
؟ اخبروني يا سادة ... إنهم لا يطلبون إلا الطعام .. إنهم لا يطلبون الكثير .
( يسمع الصياح بشكل مستمر )
الأميرة : إنهم كثيرا ما يكونون جائعين فعلا يا
جلالة الملك ...
متن : (يقترب من الفرعون ) إذا سمحت لي
جلالتك بالكلام فإني أري أن يعاقب هؤلاء الغوغاء يا مولاي ...
الفرعون : علام تعاقبهم يا " متن " ؟
متن : عن إزعاجهم لجلالتك يا مولاي ..
الأميرة : ( لمتن) لو كنت جائعا مثلهم ماذا كنت
ستفعل يا سيد ؟ هه .... تكلم
متن : ( منزعجا ) العفو يامولاتي العفو ...
إن كرم مولاي يطعمني ويفيض ..
الأميرة : ولكن الترع تجف قبل إن تصل إلي هؤلاء
الفقراء
( يسمع الصياح بشكل أوضح )
الوزير : أرجو أن تسمح لي يا مولاي بأن اطلب من بعض رجالنا أن
يصرفوهم ..
الفرعون : اصرفهم بالحسنى يا " جدف رع "
الأميرة : ولم لا يعطونهم بعض الطعام ؟..
الوزير : سنجدهم كل يوم يا مولاتي جماعات لا حصر
لها ..
الأميرة : هل أصبح أهل البلد كلهم من الجياع ؟
الوزير : بل من الطامعين يا مولاتي
الأميرة : الطماع لا يطالب بلقمة يأكلها يا جدف
... بل الطماع من يأكل الأموال ويكنزها بلا حق .
الوزير
:وهل مثل هذا اللص يمكن أن يوجد في بلدنا يا مولاتي ؟
الأميرة : ( بسخرية ) رجالك كلهم مخلصون يا سيد
" جدف " .
الوزير : في بلاد يكون فيها مثل هذا الحسن ، لابد
أن تختفي الرذيلة والفساد .. إن نسيم مصر يتفاخر بأنه يداعب هذا الجمال الذي ترعرع
في جنبات الوادي ..
الأميرة : ولكن الأشواك كثيرا ما تنمو بين الورود
..( ثم بتأثر) ألم يمزق "ست" أخاه
"أوزوريس " وهما يعيشان علي ضفاف النيل حابي المبارك .. بل ومزقه
إربا.. إربا وألقي بكل قطعة من جسده في جزء من البلاد.. إنه الحقد والطمع .. وهما
موجودان في كل عصر ..
الوزير : يا لروعة بيانك يا مولاتي .. أين إله
الحكمة " دجحوتي " ؟ أين أنتم يا حكماء البلاد لتشهدوا هذا النبع الصافي
ولتسمعوا هذا البيان الضافي .. فلتحفظها الآلهة لك يا مولاي ولمصر ذخرا
الفرعون : ( ضاحكا ) نفرت ذكية ولبقة يا سيد
"جدف" وستكون ملكة عظيمة
الاميرة : أتمني لك من كل قلبي عمرا مديدا يا أبي
الفرعون :
( يحزن ) الموت علينا حق يا نفرت يا ابنتي وأنا ( يسعل ) وإنا قد أتعبت الزمن
وأتعبني ... ألمه يا ابنتي أن تصوني مصر وعرشها ...
أصوات مختلفة : نحن
فداء ك يا مولاي
الفرعون : لقد كنت أمل أن ارزق بابن ليخلفني في
الحكم ولكن قضت مشيئة الآلهة بغير ذلك وأملي أن نفرت خير من عشرة أبناء ذكور ..
الوزير : كلنا أبناؤك وخدمك يا مولاي
الفرعون : وكم أتمني أن يأتي اليوم الذي أراها فيه
تزف إلي زوجها
الوزير : انه لشرف يرتمي الجميع تحت قدميك يا
مولاي لكي ينالوه ..
الفرعون : ( ينهض فيقف الجميع ) استمتعوا انتم
بحفلكم أما أنا فسأذهب لا ستريح
الوزير : يا مولاي ..إن فرقة الأغاني الملكية
جاهزة لإسعاد جلالتك
الفرعون : ( وهو يسير خارجا ) فلتسعدوا بها يا
" جدف رع " .. أما أنا فأريد أن
أستريح ( يخرج وهو يعتمد علي يد نفرت، يدخل أفراد الفرقة الغنائية ليقدموا
استعراضهم الغنائي )
إظــــــــلام
المشهـد السادس
( نفس المنظر السابق ..لا يوجد سوي
" جدف رع " )
الوزير : (يسير جيئة وذهابا وهو يحدث نفسه ) يا لها
من قاعة تشع بريقا ومهابة من كل أرجائها .. لكم أتمني أن يأتي اليوم الذي اجلس فيه
علي هذا الكرسي المطعم بالذهب والجواهر وأصدر أحكامي فتسري في أرجاء مصر ، من
جنوبها إلي شمالها ، كما تسري النار في الهشيم ( مستدركا ( أو كما تسري مياه
النيل في أرجاء البلاد..اطلب فلا يرد لي مطلب .. أأمر فتكون أوامري أحكاما تنفذ
وأملأ قصري بالجواري وعلي رأسهن تلك الاميرة المتكبرة المتغطرسة .. التي تعاملني
كأحد العبيد .. نعم لابد أن تكون جارية عندي لأسقيها من نفس الكأس التي سقتني منها
..الملك " جدف رع " فرعون مصر المعظم .. اسم يجب أن يعلو علي أسماء مينا
وخوفو وزوسر وسنفرو .. وكل الحكام والفراعنة إلي الأبد .. جدف رع فرعون مصر .. (
يتجه ناحية كرسي العرش ببطء ويجلس عليه بحذر ) .. يا لجلال العرش والحكم وروعة
السلطان أمر ونهي وامتلاك ..( ثم بصوت مرتفع ) فلتشهد كل الآلهة باني فرعون مصر
المعظم " جدف رع " فرعون مصر ..( تدخل الاميرة نفرت في تلك اللحظة ...
تقف جامدة عندما تراه يجلس علي كرسي العرش )
الوزير :
(متلعثما ) كنت .. أري .. كنت أري ما إذا كان الكرسي مريحا لمولانا أم لا .
الاميرة : تقصد مريحا لك أم لا ..
الوزير : فليمد الله لنا في عمر مولانا الفرعون
وابنته الجميلة
الاميرة : أطماعك الشريرة لا تنتهي
الوزير : أطماعي ؟ إنها لكلمة قاسية منك يا مولاتي
لا استحقها .... وفيما أطمع أكثر من هذا النعيم ؟
الاميرة : في هذا الكرسي الذي كنت تجلس عليه الآن ..
الوزير :
وما حاجتي إليه ، رغم علو شأنه , وعندي هذا النعيم ..
الاميرة : أن تجد الفرصة لكل نزعاتك المستبدة
للسيطرة علي البلاد وأهلها وإذلالهم ..
الوزير : يا لها من تهم قاسية يا مولاتي .. أنا
مستبد أريد أن أذل هذا الشعب ؟
الاميرة : نعم هذا الشعب الذي سرقت غلاله وأمواله
واستبد به رجالك الظالمون فبات الناس جياعا وهم في موسم الحصاد ...
الوزير : إنهم لصوص يريدون أن يستولوا علي أموال
أسيادهم وواجبي أن امنعهم
الاميرة : الفلاحين لا يجدون ما يسد رمقهم ويطعم
أولادهم رغم إنهم يعملون ليل نهار
الوزير : هل
صدقت هؤلاء المجانين الذين يصرخون ليل نهار بلا سبب ؟
الاميرة : إنهم يصرخون الم الجوع بينما رجالك ينبهون طعامهم في طول
البلاد وعرضها .. نصبت حراسا لصوصا وقضاه ظالمين وموظفين مرتشين ولا تريد المجاعة
والهلاك للبلاد ؟
الوزير (
بغضب ) لم تتحدثين عني وكأني أنا المسئول الوحيد عن ذلك .. لم لا تقولي ذلك لأبيك
؟ أليس هو ملك البلاد وحاكمها ؟ أم تلومينني أنا العبد المسكين الذي لا يملك سوي
أن يطيع
الأميرة : أبي لم يعد له من أمر البلاد شيئا منذ أن كبر سنه واعتلت صحته
وأصبحت أنت الحاكم الحقيقي المسيطر الذي يعرف كيف ينافق حتى يحصل علي ما يريد
......
الوزير :
وما العيب أن احكم يا مولاتي ؟ أو ليس
أفضل من أن أترك البلاد كسفينة بلا قائد أو كقطيع دون راع . ملك كبر سنه واعتلت
صحته لم لا يترك الملك لغيره
الاميرة : أتقصد لم لا يتركه لك ..
الوزير :
نعم ما دامت لدينا القوة لنحكمها حكما قويا ..
الاميرة : وماذا فعلتم والبلاد في أيديكم الآن ؟ أولم تخربوها وأصبح
أهلها يئنون صباح مساء من الجوع ..
الوزير :
مثل هؤلاء عالة علينا .. الموت أفضل لهم وللبلاد
الاميرة : إنهم يشكلون اغلب الشعب فإذا ماتوا فمن يبقي ليعمر البلاد
ويدافع عنها ؟
الوزير :
السادة .
الاميرة : السادة لا يدافعون إلا عن مصالحهم وهم من قصر النظر بحيث لا
يرون إن مصلحتهم ومصلحة البلاد واحدة
الوزير :
كم سيكون محظوظا من يتزوجك أيتها الاميرة الحكيمة ... لكم سألت نفسي لم لا تجتمع
القوة مع الحكمة لتحكما البلاد سويا
الاميرة : ماذا تقصد بالقوة ؟ قوة من ؟
الوزير : اقصد قوتي .. قوتي وحكمتك .. أم تعتقدين انك ستحكمين البلاد
بكلماتك الرقيقة هذه .. مثل هذا الشعب لا تصلح معه سوي الصرامة والشدة ... دعينا
نأتلف لتمتزج القوة والحكمة فيكون صلاح الملك والبلاد ...
الاميرة : محال أن تتوحد الحكمة مع قوة شريرة ... أي متوحش أنت لا تري
سعادتك إلا بالوطء علي رؤوس الآخرين ..
الوزير :
كم أنت قاسية ... لا أكن لك سوي الحب وتضمرين لي كل الشر ... ما جنايتي؟
الاميرة : أو بعد كل ما يحدث في البلاد بتدبيرك وأمام عينيك لا تعرف
ماذا جنيت ؟
شعب سلبت من شفتيه الابتسامة وزرعت
مكانها الحزن والألم في أعماق قلبه فأصبح بائسا ذليلا لا آمل له في الدنيا سوي
البحث عن لقمة تلهيه عن جوعه أو قطعة من الكتان يستر بها عورته .. إن شعب مصر حزين
بائس في كل جنبات الوادي ... يا ويل مصر منك ومن أمثالك ..
الوزير :
الشعب قطيع من الحيوانات اللاهية إذا ما ترك له الحبل علي غاربة أو أحس بارتخاء
القيود سادت بينه الفوضى وأودي بنفسه إلي الهلاك شعبنا لا يعرف كيف يسير بانتظام
إلا إذا احكم له اللجام
الاميرة :
أو شعب مصر باني الأهرام ومنطق الأحجار الصلبة الصماء بأروع الفنون ومروض النيل
بجبروته ومعلم الشعوب قطيع من الحيوانات ؟ إن أعظم شيء في مصر هو شعبها الطيب الذي
يصبر طويلا ولكن لن يرضي أبدا بالذل والهوان .. لن يرضي بذلك أبدا أيها الوزير.
المشهـد
السابع
(
منزل الفلاح الفصيح .... الأم تجلس علي المصطبة في صمت حزين . تدخل رودوبيس
وبين يديها وعاء )
رودوبيس : وضعت الطعام لكل الطيور
يا أماه
الأم: حفظك الله يابنيتي
رودوبيس :ولكن طعامها علي وشك أن ينفذ
ولن يكفيها سوي اليوم
الأم :ستفرج
يا ابنتي فلا تحملي أي هم
رودوبيس:ولكني أراك حزينة غارقة في
الهموم يا أماه فماذا حدث ؟
الأم: لم يحدث شيء يا ابنتي ولكن غياب
أخيك كل هذه الأيام يقلقني و لم اعد أستطيع أن أتحمل
رودوبيس :لن يحدث إلا كل خير ..
الأم:قلبي يحدثني بأنه وقع لأخيك وحور
مكروه
رودوبيس : لا تخيفيني يا أماه ..
الأم: أيامنا مليئة بالأخطار يا ابنتي
والجو عي في كل مكان والعشرات منهم يموتون كل يوم.. كما انتشر اللصوص في كل طريق
وبلد..
رودوبيس : الله سيحفظهما يا أماه .. فلا تخافي
الأم :
ولكن مدة غيابهما قد طالت هذا العام .. لم يكنا يغيبا كل هذا الوقت في السنوات
السابقة ..
رودوبيس : ربما ... أحبا أن يقضيا بعض
الأيام في المدينة
الأم :
أخوك لا يطيق أن يبعد عنا وعن الأرض يوما واحدا فكيف يقضي كل هذه الأيام بعيدا عنا
؟.
( تسمع دقات قوية علي الباب .. تسرع رودوبيس وتفتح الباب )
رودوبيس : ماذا حدث ؟ هــه .. خبرينا ..
هيا يا ميريت ..
ميريت :
( تبلع ريقها ) دعيني آخذ أنفاسي أولا يا رودوبيس
الأم :
ماذا حدث يا ابنتي ؟ ... ماذا حدث يا ميريت ؟
ميريت :
كنت أملأ الوعاء من الترعة ثم رأيت..
رودوبيس : ماذا رأيتي.. تكلمي ؟
ميريت
: ثم رأيت خون وحور وهما قادمين في
الطريق
الأم و رودوبيس : حقا ؟
ميريت نعم فأنا متأكدة من ذلك .. ولذا أسرعت
لأخبركما ..
الأم : فليبشرك الله بالخير يا ابنتي .
رودوبيس
: سأخرج لأقابلهما ( تخرج مسرعة )
الأم :
لكم أرحني قلبي بهذا الخبر يا ابنتي ..لقد مرت أيام لم تكن يغمض لي فيها جفن من
القلق عليهما
ميريت : وأنا أيضا يا أماه
الأم : ( بسعادة ) حقا يا ميريت
ميريت :
( بخجل ) أظن إنهم وصلا ( تقترب الأم من الباب يدخل خون وحور .. يسلمون علي بعضهم
البعض )
الأم : خبراني .. لماذا تأخرتما كل هذه المدة
يا خون ؟
رودوبيس
: بل خبرني أولا .. أين هديتي يا خون؟
خون : ( لا يتحدث )
الأم :
( بقلق ) ماذا حدث يا بني ؟ مالك لا تتكلم ؟ ( صمت ) ماذا حدث يا حور ؟ (صمت )
مالكما لا تتكلمان ؟ هل حدث مكروه يا بني ؟
خون :( بحزن ) لقد سرق المحصول يا آماه ..
الأم : ماذا يا بني
خون : سرق المحصول منا يا أماه ..سرق كل شيء
الأم : كيف هذا يا بني ؟
خون : خرجت علينا عصابة في الطريق
حور : انه دجحوتي اللعين
رودوبيس
:اسكت حتى نسمع ماذا حدث
خون : ونهب كل
ما معنا .. وذهبنا إلي السيد " متن " ولكن لم يصدقنا
الأم :
يا إلهي .. هذا ما كان قلبي يحدثني به .. كنت اظنها أوهام فإذا هي حقيقة أمام عيني
.
خون : ( بأسي ) وحتى قربانك يا ميريت "
سرق
ميريت : الله هو الذي سيجازي هؤلاء اللصوص
خون : ولم احضر هديتك يا رودوبيس
رودوبيس : يكفي انك عدت إلينا سالما
خون : ( بحسرة ) ضاع كل شيء .. كل شيء
الأم : كفاك يا بني ما لاقيت من عناء في الأيام
السابقة
حور : لعنة الله علي دحجوتي
خون : لا ينبغي أن نظل هنا بعد اليوم يا أماه
الأم : ماذا تقول يا خون ؟
خون : كما سمعت يا أماه متن " لن يتركنا
في حالنا ..
الأم : وبيتنا .. والأرض يا خون .. ؟
خون
: لم يعد البيت بيتنا ولا الأرض أرضنا ..متن سوف يستولي علي كل شيء
الأم : لن يستطيع احد أن ينزعنا من البيت والأرض
التي تربينا فيها مهما حدث
خون :
بل يستطيع ... متن سوف يطردنا من الأرض والبيت بل وهدد بان ..(يتردد ) بان يأخذكما
أنت رودوبيس لتعملا عنده كخادمتين يا أماه ..
الأم :
ماذا ؟ أو لهذا الحد وصلت السفالة بمتن .. يأخذنا كخادمتين
خون :
اجل يا أماه .. لقد اقسم بذلك .. يجب أن نرحل من هنا فورا .. لقد هدد بكل ما قلته
وهو قاس لا تعرف الرحمة إلي قلبه سبيلا ..( ملتفتا لحور ) قل شيئا يا حور أليس
كذلك ؟
نعم :
نعم بل هو أكثر من ذلك يا خون
الأم :
الموت أفضل لنا من أن نتشرد في البلاد
خون :
التشرد خير لنا من المهانة هنا .. "متن" هدد بأخذكما أن لم أرد المحصول
.. ولا أمل في أن أرده أو أن يرجع هو في تهديده وما هي إلا بضعة أيام ونجد رجاله
يحيطون بنا ..
الأم :
سنقاومهم يا بني
خون :
لن نستطيع
الأم :
لن نذهب إلي أي مكان أخر يا بني ..هذا المكان ولدت وعشت فيه وربيتكم هنا ولن نتركه
... أي مكان سنذهب إليه ؟
لقد ضاقت الأرض بالناس وهمومهم .. وأصبح
الألم في كل مكان
خون :
أني اخشي عليكما يا أماه
الأم :
وماذا سيقول الناس إذا هربنا ؟ ألن يكون هذا عار يا خون .. أن مواجهة متن لأخف
عندي من أن يقال عنا شيئا يجرح شرفنا
خون :
لا يهمني ماذا سيقول الناس .. أماه .. اسمعيني .. لا يزال أمامنا أياما يمكننا
فيها أن نرحل إلي مكان بعيد عن متن وأعوانه
الأم : لن ارحل من هنا مهما حدث ..فافعل أنت
ما تريد أما أنا فلن ارحل ..
ميريت : إلا يمكننا أن نجمع له بعض الغلال عوضا له
عن المحصول الذي سرق ؟
حور : ليس الأمر سهلا هكذا الناس يموتون
جوعا من قلة الغلال لان الأغنياء والتجار يملاءون مخازنهم بها حتى يرتفع ثمنها .
الأم :
استريحا الآن عناء ما لاقيتما في سفركما وساعد لكما بعض الطعام
خون : لا تتعبي نفسك يا أماه فليس لدينا شهية
للأكل
الأم : بل يجب أن تأكلا لا يفيد الجوع بشيء
.. هيا يا رودوبيس لتساعديني ( تخرجان )
حور : يا الله ..لم أكن أعلم أن أمنا لها
مثل هذه العزيمة الجبارة لو كانت امرأة
محلها لبكت وولولت .. ولكن يبدو أن شدائد الزمن صقلتها صقلا متينا ..
فليعينها الله ..( يهم بالانصراف )
خون : إلي أين يا حور ؟
خور :
سأذهب إلي كوخي
خون : والطعام ؟
حور : لست جائعا يا
صديقي.. فليعمكم السلام ( يخرج)
خون : مسكين أنت يا حور عانيت ما لا يمكن أن
يتحمله جسدك النحيل ..
ميريت : عانيتما كثيرا ؟
خون : لم تمر بي أيام مثل هذه في حياتي ...
الأمر أشبه بكابوس ولا يريد أن ينتهي
ميريت : فلترأف بنفسك فلا ذنب عليك فيما حدث
خون : ولكني سأتحمل نتائجه وستتحملونها انتم
معي بلا ذنب .. هل ارتكبت ذنوبا كثيرة في حياتي يا ميريت يعاقبني القدر عليها ؟
ميريت : انك لم تفعل دائما إلا كل خير ..
خون : لو كان الأمر كذلك .. فلما كل هذه
المصائب التي تنهال علينا ..
ميريت
: هذا أمر مقدر منذ أن ولدنا .. ولا دخل لنا فيه
خون
: الغريب أن اللصوص هم أكثر الناس يسرا وسعادة في عصرنا الأوضاع كلها مقلوبة ..
ولا أمل في أن تتساوي كفتي الميزان
ميريت :
الله لن يسكت عن الشر أبدا ..
خون :
اسمعي يا ميريت .. لقد كنا نخطط لأشياء وأراد الله غيرها وإنا قادم علي أخطار لا
يعلم نهايتها إلا الله . فأنت في حل مما
بيننا .. لا لوم عليك في شيء
ميريت : ماذا تقصد ؟
خون : أقصد .. انه ليس عليك أن تنتظريني أكثر من ذلك ..
ميريت : ماذا ؟
خون : مثلما سمعت يا ميريت
ميريت : ألم تعد تريدني ؟
خون : يعلم الله إنني لا أريد شيئا سواك يا
ميريت .. ولكن لا أحب أن تتحملي مصائب ومشاكل لا ذنب لك فيها
ميريت : ولكنني لا أخشى أية مشاكل مادامت من
أجلك..
خون :
حــقا يا ميريت؟
ميريت : نعم
خون : لن أتخلى عنك أبدا يا ميريت الحبيبة
ميريت : حقا يا خون؟
خون : حقا؟ - إظـــــــلام –
المشهد الرابع
(طريق زراعي ضيق ،
على حافته شجرة .. وفي خلفية المسرح تبدو الحقول خضراء ممتدة،
وخون و حور يسيران في
إعياء )
حور : ( مشيرا إلي قدميه ) قدماي يا خون ..
أحس أنهما لم يعدا منى ..
خون : تجلد يا حور فلا يزال الطريق أمامنا
طويل .
حور : لم أعد أستطيع أكثر من ذلك وأنا على
هذا الحال فلتسترح قليلا .
خون : نحن بحاجة إلي الطعام أكثر من الراحة
.
حور : ولكن لا سبيل لنا إلي الطعام .. فليس
أقل من أن نجلس لنستريح ( يرتمي تحت
الشجرة ويمد يديه إلي قدميه ) آه ... وكأن طوابير نمل تخرج من قدمي .. اجلس يا خون
فلابد أن قدميك مثل قدمي ..
خون : أخشي إذا جلسنا هنا أن نتهم بجريمة
أخرى ..
حور : يا رجل اجلس فلن يحدث لنا إلا ما قدر
.. ( يرتمي خون بجواره ويمسك قدميه )
خون : آه يا حور .. إنني أحس بان طوابير نمل
تخرج من التشققات الموجودة بقدمي حقا ..
حور : التعب حيوان مفترس ..ما أن يحس بأن
الإنسان قد استرخى إلا ويهجم عليه دفعة واحدة ..
خون : وما نهاية تعبنا يا ترى ؟ .. أيام وأيام ونحن نقطع طريق لا تبدو
له نهاية ولا ندري حتى ماذا بعد كل سيرنا هذا . ( تسود فترة من الصمت الثقيل ) ..
حور : ( ماسكا بطنه ) بدأت أشعر بالجوع .
خون : شد الرباط حول بطنك أكثر .
حور : ( يشير إلي حزامه ) أكثر من ذلك ..
إني أحس أنه يلتف حول عمود ظهري ..
خون : أننا أشبه بحيوانات تهيم في صحراء
مصيرها الموت لا شك ..
حور : ولكن الزرع حولنا من كل ناحية ..
خون : جزء منه لا تأكله إلا الماشية وما
يؤكل ليس لنا ..
حور : لا تحزن ستفرج وسنأكل حتى الشبع ..
خون : ولكن الطعام والماء لن يطفئ النار
المستعرة في قلوبنا والفكر الملتهب في عقولنا .. إن الحزن يحرق الطعام ويضيع كل
فوائده يا حور ..
حور : لأن يحرق الطعام خير من أن يحرقنا
نحن ..
( ينتبه حور إلي سيدة قادمة من
نفس الطريق وعلى رأسها صرة )
انظر ألم اقل لك ستفرج .. سيدة
على رأسها صرة .. ماذا يمكن أن يكون بها ؟ إنه ولا شك طعام ..
خون : لا تحاول أن تعترضها ..
حور : لا تخف .. لا تخف ( تقترب السيدة
أكثر ويعتدل حور في جلسته ) يا أختاه .. يا أختاه
خون
: لا تعترضها .. فلن تجيبك
حور
يا أختاه .. ألا تسمعينني ؟
خون
:إنها تسمعك .. ولكنها تتجاهلك ..
حور :
يا سيدتي الجميلة .. هلا تسمحين ؟
(
تتوقف السيدة .. لازالت في سن الشباب )
السيدة
: .. نعم .. ماذا تريد ؟
حور :
ماذا تحملين فوق هذا الشعر الجميل
السيدة :
وما شأنك ؟ ( وهي تخفي سرورها).
حور أريد
فقط أن اعرف .
السيدة :بعض
الطعام .. وأغصان الشجر .
حور :
حقا ؟
السيدة :حقا
..
حور :وإلي
من يا تري هذا الطعام ؟ لابد انه شخص سعيد الحظ
السيدة :
إلي أبي.
حور :
هل يعمل في الحقل ؟
السيدة :(
بتأثر ) إنه ميت.
حور ميت
؟ .
السيدة : نعم
حور :
نحن أيضا سنموت ( يحدث نفسه ) .. لكن من الجوع .. ولكن قولي لي لماذا لم تضعوا
الطعام داخل القبر عندما دفنتم أباك ؟
السيدة : لقد وضعنا .. ولكني أعتقد أنه لن يكفيه في حياته في العالم
الآخر .. فلابد أنه يحتاج إلي طعام أكثر
..
حور :
أؤكد لك انه شبعان جدا .. ولكني أنا سأموت من الجوع .. والحي أبقى من الميت كما
يقولون ..
السيدة : (مستنكرة) إن أولادي أيضا أرادوا أن يأكلوه ولكنى منعتهم ..
فهم جائعون مثلك ، ولكنى لا أستطيع أن اغضب أبي على وهو ميت
خون :
دعها تنصرف يا حور
حور :
(دون أن يلتفت لخون) أؤكد لك انه شبعان .. شبعان
السيدة : ومن أين عرفت ؟
حور :
انه قادم عنده .. ( مشيرا إلي ملابسه) إلا ترين منظرنا ؟ لقد خرجنا لتونا من
القبور .
السيدة : ( تحدق فيها بفزع ، ترمي الصرة وتجري وهي تصرخ وتصيح ) عفاريت
.. عفاريت .. أرواح ..
(
يضحك حور فيهتز جسمه كله بينما يشاهده وهو يحاول أن يتغلب على الحزن المكبوت بداخله)
حور :
يا لها من مجنونة .. أبناؤها جائعون وتذهب بالطعام لتضعه على قبر أبيها .
خون :
أن ذلك يجعلها راضيه عن نفسها وربما تفعل ذلك من أجل أن يحفظ الله أبنائها..
حور :
تميتهم جوعا من أجل هدية تضعها على قبر رجل لم يعد يتبقى من جسده شيء .. فالكهنة
لا يهتمون بتحنيط مثل هؤلاء الفلاحين .. لقد شاهدت ذلك بنفسي عندما كنت أعمل في
القبور.
خون :
ألا تحب تضع لك هدايا وطعام في القبر؟
حور :
أنا ؟
خون :
( مبتسما) نعم
حور :
إعطها لي الآن لآكلها
خون :
ولكن كيف ستعيش في الحياة الثانية .. الحياة الأبدية ؟
حور :
قد تهتم أنت بذلك ، فلديك أم وأخت وحبيبة ، أما أنا .. فلا أحد لأعيش له حياة أولي
أو ثانية ..
خون :
لكنى لا أحب أن أحيا أبدا حياة ثانية .. لا أريد أن تعود إلي روحي أبدا بعد أن
أموت ..
حور :
حقا ؟
خون :
نعم يا حور .. ما أريده فقط أن أموت .. وان أظل ميتا ولا أحيا أبدا هذا ولو كنت
سأذهب إلي جنة الخلد .
حور :
إلي هذا الحد كرهت الحياة يا خون ؟
خون :
أجل يا حور .. الحياة أينما كانت لن تخلو من المصائب والعذاب
حور :
(وهو يفتح الصرة ) لا تفكر في هذا الآن ..
دعنا نُفرح بطوننا بهذا القربان الشهي ..
خون :
كُلّ أنت يا حور .. فلس لدي رغبة في الأكل ..
حور :
ولكنك جائع
خون :
نعم.. ولكنى أحس إن الطعام سيزيد المرارة الموجودة في فمي ..
حور :
ولكنك هكذا ستموت ..
خون :
إن في الموت لراحة أبدية .. كيف أمي الآن ؟ وكيف رودوبيس ؟ وكيف ميريت؟
حور :
( بأسي ) لاشك إنهن ينتظروننا الآن في قلق .
وخون :
وماذا عسانا أن نقول لهن إذا عدنا ؟
حور :
دعنا نعود أولا يا خون لئلا نموت في الطريق جوعا وحزنا خفف من روعك ..فلابد سنجد
حلا .. الحق لا يضيع هكذا قالت الطبيعة
خون :
إذا كانت سنة الطبيعة هي العدل والاتزان ، فإن الإنسان قد طغى على سنتها بظلمه ..
حور :
ولكن لابد إننا سنجد مخرجا .. لا تيأس ..
خون :
من أين المخرج ؟ إذا كان لا يوجد حاكم يسمع ولا قاضى يحكم بسنة الطبيعة؟
حور :
ولكن ربما لو كنا ذهبنا إلي من هم أعلى مرتبه من " متن " أو من " رنسي " لكانوا انصفونا ..
خون :
مثل من ؟
حور :
مثل الوزير أو حتى الفرعون .
خون :
( ضاحكا بمرارة ) يا حور مثلنا يقابل الفرعون والوزراء .. إن حكامنا يحيطون أنفسهم
بهالة وأبهة من يراها يظن أن هذه البلاد تعيش في يسر ورخاء .. وربما لا يدري أن
هؤلاء الحكام أشبه بصياد يسلخ فريسة ليرتدي فروها ..
حور :
ولكنى سمعت أن فرعوننا طيب
خون :
حتى ولو كان كذلك فما فائدة حاكم معصوب العينين لا يدري شيئا عن أحوال البلاد ..
انظر إلي متن أو غيره ، وحتى "رنسي بن مرو" العادل عندما ذهبنا إليه
تجاهلنا .. إن الفساد في كل ركن وقلوب البؤساء في كل مكان تدمي .. إذا أردت أن تعرف
ما يحدث في قصر الفرعون يا حور ، فتلفت حولك فقط ، أو انظر إلي حالك ، وستعرف كل
شيء .
إظـــــــــلام
المشهــــد الخامس
( بهو واسع في قصر الفرعون .. مجموعة من الرجال يبدو من مظهرهم إنهم من
علية القوم .. يمسكون الكئوس في أيديهم ويتحدثون في صخب وهرج .. يبدو بينهم الوزير
" جدف رع" وهو شخص تبدو عليه
العجرفة والكبرياء ، ويرتدي ملابس أنيقة .. يوجد كذلك مجموعه من مسئولي الدولة ،
وبعض السادة بينهم السيد " متن " والسيد " رنسي بن مرو " يوجد
في الخلفية كرسي العرش .. )
الوزير :أنني أمنيكم بحفل الليلة ، فقد كان موسم الحصاد مثمرا للغاية هذا العام
المسئول المالي :
وينبغي أيضا أن تمني نفسك يا سيد جدف رع " بحفل سعيد ...
الوزير :طبعا .. طبعا فنحن جميعا سنكون في حضرة
مولانا الفرعون وابنته الأميرة
المسئول المالي:وهل
ستحضر الأميرة الحفل ؟
الوزير :طبعا
.. طبعا .. فجلالته يعدها لأن تكون ملكة مصر..
المسئول المالي :ومن سيتزوجها يكون أيضا ملكا .. فرعون
مصر ..
الجميع : (في صوت واحد ) شرف عظيم ..... شرف عظيم
الوزير : وستكون أيامنا المقبلة كلها حفلات
وأفراح
المسئول المالي
:فلتبارك لنا الآلهة في ملكنا وأميرتنا
الجميع :فلتباركه لنا الآلهة أجمعين وتحفظه لنا
الوزير : تعلمون أننا هنا لندخل السعادة والسرور
علي قلب الفرعون
الجميع : طبعا .. بالتأكيد
المسئول المالي :
وعلي قلب أميرتنا الحسناء ، الأميرة " نفرت "
الوزير : ولذلك فيجب أن يبلغ كل منكم الفرعون بما
يسره
الجميع : طبعا ... طبعا
الوزير : كما أتمنى من حكام الأقاليم ، في الجنوب
والشمال أن يبلغوا ملكنا بما وصلت إليه أقاليمهم من رفاهية وأمان ، أليس كذلك يا
سيد " متن " ؟
متن : طبعا .... طبعا يا وزيرنا
الكريم .. اطمئن إن ملكنا سيخرج من هذا الحفل وقد عادت إليه بهجة أيام شبابه وقد عادت
الوزير : كما أتمني أن تشاركنا أيضا يا سيد " رنسي"
رنسي :طبعا.. طبعا فكلنا هنا من أجل إسعاد
الفرعون
الوزير : الفرعون يسعد دائما لحديثك يا سيد
" رنسي"
رنسي : كلنا في خدمة الملك
(يعلن الحارس ببوقه عن وصول الفرعون
، ويتأهب الكل لمقدمه .. يدخل الفرعون ومعه الأميرة " نفرت " ينحني
الجميع لتحيته ولا يعتدلون إلا بعد أن يجلس الملك علي عرشه ، وعلي يمينه ابنته
الأميرة " نفرت " يمسك في يده صولجان الملك ... يتأمل الحاضرين لفترة )
الفرعون : فلتبارك الآلهة جمعكم هذا..
الوزير : إن جمعنا مباركا بحضورك بيننا يا مولاي
الفرعون : أتمني أن يكون موسم الحصاد وفيرا يا سيد
" جدف رع " فلابد أن تتحسن الأحوال ..
الوزير : طبعا يا مولاي طبعا .. لقد كان المحصول
وفيرا هذا العام ببركتك يا مولاي .. لقد احتفل الفلاحون في شمال البلاد وجنوبها
بالخير الذي عم عليهم ويخبرك بذلك يا سيدي حكام الأقاليم ..
الحاضرون : طبعا . طبعا يا مولاي خير وفير ..وفير جدا
الفرعون : أتمني أن يساعدهم ذلك علي السنوات العجاف
التي مروا بها ..
الوزير وسيفيض عن حاجتهم يا مولاي
الفرعون :أتمني ذلك حتى يكفوا عن الصريخ والصياح كل
يوم نحن جائعون.. نحن جائعون
الوزير : لن تسمع يا مولاي لهم صوتا بعد اليوم ..
ومن يفعل ذلك سنقتله ...
الفرعون : بل تتحري عن حالته وإذا كان محتاجا تطعمه
الوزير : ( مستدركا ) سنطعمه طبعا يا مولاي إذا
كان محتاجا .. ولكن يوجد الكثير من الطماعين الذين لا يشبعون ..
( يسمع صوت من خارج لقصر
يتردد بشكل مستمر )
الصوت : يا مولانا نحن جائعون .. يا مولانا نحن
جائعون ... نريد الطعام .. ( يبدو الملك ساهما وكأنه يحاول أن يتأكد من انه هذا
الصياح )
الفرعون : ما هذا يا جدف رع " ؟ أليس هذا صوت
الجائعين
الوزير : ( مرتبكا ) بل صوت الطماعين الحاقدين
عليك يا مولاي ، كيف يكونون جائعين في موسم الحصاد ؟
الفرعون : وعلام صياحهم إذن " يا جدف رع "
؟ اخبروني يا سادة ... إنهم لا يطلبون إلا الطعام .. إنهم لا يطلبون الكثير .
( يسمع الصياح بشكل مستمر )
الأميرة : إنهم كثيرا ما يكونون جائعين فعلا يا
جلالة الملك ...
متن : (يقترب من الفرعون ) إذا سمحت لي
جلالتك بالكلام فإني أري أن يعاقب هؤلاء الغوغاء يا مولاي ...
الفرعون : علام تعاقبهم يا " متن " ؟
متن : عن إزعاجهم لجلالتك يا مولاي ..
الأميرة : ( لمتن) لو كنت جائعا مثلهم ماذا كنت
ستفعل يا سيد ؟ هه .... تكلم
متن : ( منزعجا ) العفو يامولاتي العفو ...
إن كرم مولاي يطعمني ويفيض ..
الأميرة : ولكن الترع تجف قبل إن تصل إلي هؤلاء
الفقراء
( يسمع الصياح بشكل أوضح )
الوزير : أرجو أن تسمح لي يا مولاي بأن اطلب من بعض رجالنا أن
يصرفوهم ..
الفرعون : اصرفهم بالحسنى يا " جدف رع "
الأميرة : ولم لا يعطونهم بعض الطعام ؟..
الوزير : سنجدهم كل يوم يا مولاتي جماعات لا حصر
لها ..
الأميرة : هل أصبح أهل البلد كلهم من الجياع ؟
الوزير : بل من الطامعين يا مولاتي
الأميرة : الطماع لا يطالب بلقمة يأكلها يا جدف
... بل الطماع من يأكل الأموال ويكنزها بلا حق .
الوزير
:وهل مثل هذا اللص يمكن أن يوجد في بلدنا يا مولاتي ؟
الأميرة : ( بسخرية ) رجالك كلهم مخلصون يا سيد
" جدف " .
الوزير : في بلاد يكون فيها مثل هذا الحسن ، لابد
أن تختفي الرذيلة والفساد .. إن نسيم مصر يتفاخر بأنه يداعب هذا الجمال الذي ترعرع
في جنبات الوادي ..
الأميرة : ولكن الأشواك كثيرا ما تنمو بين الورود
..( ثم بتأثر) ألم يمزق "ست" أخاه
"أوزوريس " وهما يعيشان علي ضفاف النيل حابي المبارك .. بل ومزقه
إربا.. إربا وألقي بكل قطعة من جسده في جزء من البلاد.. إنه الحقد والطمع .. وهما
موجودان في كل عصر ..
الوزير : يا لروعة بيانك يا مولاتي .. أين إله
الحكمة " دجحوتي " ؟ أين أنتم يا حكماء البلاد لتشهدوا هذا النبع الصافي
ولتسمعوا هذا البيان الضافي .. فلتحفظها الآلهة لك يا مولاي ولمصر ذخرا
الفرعون : ( ضاحكا ) نفرت ذكية ولبقة يا سيد
"جدف" وستكون ملكة عظيمة
الاميرة : أتمني لك من كل قلبي عمرا مديدا يا أبي
الفرعون :
( يحزن ) الموت علينا حق يا نفرت يا ابنتي وأنا ( يسعل ) وإنا قد أتعبت الزمن
وأتعبني ... ألمه يا ابنتي أن تصوني مصر وعرشها ...
أصوات مختلفة : نحن
فداء ك يا مولاي
الفرعون : لقد كنت أمل أن ارزق بابن ليخلفني في
الحكم ولكن قضت مشيئة الآلهة بغير ذلك وأملي أن نفرت خير من عشرة أبناء ذكور ..
الوزير : كلنا أبناؤك وخدمك يا مولاي
الفرعون : وكم أتمني أن يأتي اليوم الذي أراها فيه
تزف إلي زوجها
الوزير : انه لشرف يرتمي الجميع تحت قدميك يا
مولاي لكي ينالوه ..
الفرعون : ( ينهض فيقف الجميع ) استمتعوا انتم
بحفلكم أما أنا فسأذهب لا ستريح
الوزير : يا مولاي ..إن فرقة الأغاني الملكية
جاهزة لإسعاد جلالتك
الفرعون : ( وهو يسير خارجا ) فلتسعدوا بها يا
" جدف رع " .. أما أنا فأريد أن
أستريح ( يخرج وهو يعتمد علي يد نفرت، يدخل أفراد الفرقة الغنائية ليقدموا
استعراضهم الغنائي )
إظــــــــلام
المشهـد السادس
( نفس المنظر السابق ..لا يوجد سوي
" جدف رع " )
الوزير : (يسير جيئة وذهابا وهو يحدث نفسه ) يا لها
من قاعة تشع بريقا ومهابة من كل أرجائها .. لكم أتمني أن يأتي اليوم الذي اجلس فيه
علي هذا الكرسي المطعم بالذهب والجواهر وأصدر أحكامي فتسري في أرجاء مصر ، من
جنوبها إلي شمالها ، كما تسري النار في الهشيم ( مستدركا ( أو كما تسري مياه
النيل في أرجاء البلاد..اطلب فلا يرد لي مطلب .. أأمر فتكون أوامري أحكاما تنفذ
وأملأ قصري بالجواري وعلي رأسهن تلك الأميرة المتكبرة المتغطرسة .. التي تعاملني
كأحد العبيد .. نعم لابد أن تكون جارية عندي لأسقيها من نفس الكأس التي سقتني منها
..الملك " جدف رع " فرعون مصر المعظم .. اسم يجب أن يعلو علي أسماء مينا
وخوفو وزوسر وسنفرو .. وكل الحكام والفراعنة إلي الأبد .. جدف رع فرعون مصر .. (
يتجه ناحية كرسي العرش ببطء ويجلس عليه بحذر ) .. يا لجلال العرش والحكم وروعة
السلطان أمر ونهي وامتلاك ..( ثم بصوت مرتفع ) فلتشهد كل الآلهة باني فرعون مصر
المعظم " جدف رع " فرعون مصر ..( تدخل الأميرة نفرت في تلك اللحظة ...
تقف جامدة عندما تراه يجلس علي كرسي العرش )
الوزير :
(متلعثما ) كنت .. أري .. كنت أري ما إذا كان الكرسي مريحا لمولانا أم لا .
الأميرة : تقصد مريحا لك أم لا ..
الوزير : فليمد الله لنا في عمر مولانا الفرعون
وابنته الجميلة
الأميرة : أطماعك الشريرة لا تنتهي
الوزير : أطماعي ؟ إنها لكلمة قاسية منك يا مولاتي
لا استحقها .... وفيما أطمع أكثر من هذا النعيم ؟
الأميرة : في هذا الكرسي الذي كنت تجلس عليه الآن ..
الوزير :
وما حاجتي إليه ، رغم علو شأنه , وعندي هذا النعيم ..
الأميرة : أن تجد الفرصة لكل نزعاتك المستبدة
للسيطرة علي البلاد وأهلها وإذلالهم ..
الوزير : يا لها من تهم قاسية يا مولاتي .. أنا
مستبد أريد أن أذل هذا الشعب ؟
الأميرة : نعم هذا الشعب الذي سرقت غلاله وأمواله
واستبد به رجالك الظالمون فبات الناس جياعا وهم في موسم الحصاد ...
الوزير : إنهم لصوص يريدون أن يستولوا علي أموال
أسيادهم وواجبي أن امنعهم
الأميرة : الفلاحين لا يجدون ما يسد رمقهم ويطعم
أولادهم رغم إنهم يعملون ليل نهار
الوزير : هل
صدقت هؤلاء المجانين الذين يصرخون ليل نهار بلا سبب ؟
الأميرة : إنهم يصرخون الم الجوع بينما رجالك ينبهون طعامهم في طول
البلاد وعرضها .. نصبت حراسا لصوصا وقضاه ظالمين وموظفين مرتشين ولا تريد المجاعة
والهلاك للبلاد ؟
الوزير (
بغضب ) لم تتحدثين عني وكأني أنا المسئول الوحيد عن ذلك .. لم لا تقولي ذلك لأبيك
؟ أليس هو ملك البلاد وحاكمها ؟ أم تلومينني أنا العبد المسكين الذي لا يملك سوي
أن يطيع
الأميرة : أبي لم يعد له من أمر البلاد شيئا منذ أن كبر سنه واعتلت صحته
وأصبحت أنت الحاكم الحقيقي المسيطر الذي يعرف كيف ينافق حتى يحصل علي ما يريد
......
الوزير :
وما العيب أن احكم يا مولاتي ؟ أو ليس
أفضل من أن أترك البلاد كسفينة بلا قائد أو كقطيع دون راع . ملك كبر سنه واعتلت
صحته لم لا يترك الملك لغيره
الأميرة : أتقصد لم لا يتركه لك ..
الوزير :
نعم ما دامت لدينا القوة لنحكمها حكما قويا ..
الأميرة : وماذا فعلتم والبلاد في أيديكم الآن ؟ أولم تخربوها وأصبح
أهلها يئنون صباح مساء من الجوع ..
الوزير :
مثل هؤلاء عالة علينا .. الموت أفضل لهم وللبلاد
الأميرة : إنهم يشكلون اغلب الشعب فإذا ماتوا فمن يبقي ليعمر البلاد
ويدافع عنها ؟
الوزير :
السادة .
الأميرة : السادة لا يدافعون إلا عن مصالحهم وهم من قصر النظر بحيث لا
يرون إن مصلحتهم ومصلحة البلاد واحدة
الوزير :
كم سيكون محظوظا من يتزوجك أيتها الأميرة الحكيمة ... لكم سألت نفسي لم لا تجتمع
القوة مع الحكمة لتحكما البلاد سويا
الأميرة : ماذا تقصد بالقوة ؟ قوة من ؟
الوزير : اقصد قوتي .. قوتي وحكمتك .. أم تعتقدين انك ستحكمين البلاد
بكلماتك الرقيقة هذه .. مثل هذا الشعب لا تصلح معه سوي الصرامة والشدة ... دعينا
نأتلف لتمتزج القوة والحكمة فيكون صلاح الملك والبلاد ...
الأميرة : محال أن تتوحد الحكمة مع قوة شريرة ... أي متوحش أنت لا تري
سعادتك إلا بالوطء علي رؤوس الآخرين ..
الوزير :
كم أنت قاسية ... لا أكن لك سوي الحب وتضمرين لي كل الشر ... ما جنايتي؟
الأميرة : أو بعد كل ما يحدث في البلاد بتدبيرك وأمام عينيك لا تعرف
ماذا جنيت ؟
شعب سلبت من شفتيه الابتسامة وزرعت
مكانها الحزن والألم في أعماق قلبه فأصبح بائسا ذليلا لا آمل له في الدنيا سوي
البحث عن لقمة تلهيه عن جوعه أو قطعة من الكتان يستر بها عورته .. إن شعب مصر حزين
بائس في كل جنبات الوادي ... يا ويل مصر منك ومن أمثالك ..
الوزير :
الشعب قطيع من الحيوانات اللاهية إذا ما ترك له الحبل علي غاربة أو أحس بارتخاء
القيود سادت بينه الفوضى وأودي بنفسه إلي الهلاك شعبنا لا يعرف كيف يسير بانتظام
إلا إذا احكم له اللجام
الأميرة :
أو شعب مصر باني الأهرام ومنطق الأحجار الصلبة الصماء بأروع الفنون ومروض النيل
بجبروته ومعلم الشعوب قطيع من الحيوانات ؟ إن أعظم شيء في مصر هو شعبها الطيب الذي
يصبر طويلا ولكن لن يرضي أبدا بالذل والهوان .. لن يرضي بذلك أبدا أيها الوزير.
المشهـد
السابع
(
منزل الفلاح الفصيح .... الأم تجلس علي المصطبة في صمت حزين . تدخل رودوبيس
وبين يديها وعاء )
رودوبيس : وضعت الطعام لكل الطيور
يا أماه
الأم: حفظك الله يابنيتي
رودوبيس :ولكن طعامها علي وشك أن ينفذ
ولن يكفيها سوي اليوم
الأم :ستفرج
يا ابنتي فلا تحملي أي هم
رودوبيس:ولكني أراك حزينة غارقة في
الهموم يا أماه فماذا حدث ؟
الأم: لم يحدث شيء يا ابنتي ولكن غياب
أخيك كل هذه الأيام يقلقني و لم اعد أستطيع أن أتحمل
رودوبيس :لن يحدث إلا كل خير ..
الأم:قلبي يحدثني بأنه وقع لأخيك وحور
مكروه
رودوبيس : لا تخيفيني يا أماه ..
الأم: أيامنا مليئة بالأخطار يا ابنتي
والجو عي في كل مكان والعشرات منهم يموتون كل يوم.. كما انتشر اللصوص في كل طريق
وبلد..
رودوبيس : الله سيحفظهما يا أماه .. فلا تخافي
الأم :
ولكن مدة غيابهما قد طالت هذا العام .. لم يكنا يغيبا كل هذا الوقت في السنوات
السابقة ..
رودوبيس : ربما ... أحبا أن يقضيا بعض
الأيام في المدينة
الأم :
أخوك لا يطيق أن يبعد عنا وعن الأرض يوما واحدا فكيف يقضي كل هذه الأيام بعيدا عنا
؟.
( تسمع دقات قوية علي الباب .. تسرع رودوبيس وتفتح الباب )
رودوبيس : ماذا حدث ؟ هــه .. خبرينا ..
هيا يا ميريت ..
ميريت :
( تبلع ريقها ) دعيني آخذ أنفاسي أولا يا رودوبيس
الأم :
ماذا حدث يا ابنتي ؟ ... ماذا حدث يا ميريت ؟
ميريت :
كنت أملأ الوعاء من الترعة ثم رأيت..
رودوبيس : ماذا رأيتي.. تكلمي ؟
ميريت
: ثم رأيت خون وحور وهما قادمين في
الطريق
الأم و رودوبيس : حقا ؟
ميريت نعم فأنا متأكدة من ذلك .. ولذا أسرعت
لأخبركما ..
الأم : فليبشرك الله بالخير يا ابنتي .
رودوبيس
: سأخرج لأقابلهما ( تخرج مسرعة )
الأم :
لكم أرحني قلبي بهذا الخبر يا ابنتي ..لقد مرت أيام لم تكن يغمض لي فيها جفن من
القلق عليهما
ميريت : وأنا أيضا يا أماه
الأم : ( بسعادة ) حقا يا ميريت
ميريت :
( بخجل ) أظن إنهم وصلا ( تقترب الأم من الباب يدخل خون وحور .. يسلمون علي بعضهم
البعض )
الأم : خبراني .. لماذا تأخرتما كل هذه المدة
يا خون ؟
رودوبيس
: بل خبرني أولا .. أين هديتي يا خون؟
خون : ( لا يتحدث )
الأم :
( بقلق ) ماذا حدث يا بني ؟ مالك لا تتكلم ؟ ( صمت ) ماذا حدث يا حور ؟ (صمت )
مالكما لا تتكلمان ؟ هل حدث مكروه يا بني ؟
خون :( بحزن ) لقد سرق المحصول يا آماه ..
الأم : ماذا يا بني
خون : سرق المحصول منا يا أماه ..سرق كل شيء
الأم : كيف هذا يا بني ؟
خون : خرجت علينا عصابة في الطريق
حور : انه دجحوتي اللعين
رودوبيس
:اسكت حتى نسمع ماذا حدث
خون : ونهب كل
ما معنا .. وذهبنا إلي السيد " متن " ولكن لم يصدقنا
الأم :
يا إلهي .. هذا ما كان قلبي يحدثني به .. كنت اظنها أوهام فإذا هي حقيقة أمام عيني
.
خون : ( بأسي ) وحتى قربانك يا ميريت "
سرق
ميريت : الله هو الذي سيجازي هؤلاء اللصوص
خون : ولم احضر هديتك يا رودوبيس
رودوبيس : يكفي انك عدت إلينا سالما
خون : ( بحسرة ) ضاع كل شيء .. كل شيء
الأم : كفاك يا بني ما لاقيت من عناء في الأيام
السابقة
حور : لعنة الله علي دحجوتي
خون : لا ينبغي أن نظل هنا بعد اليوم يا أماه
الأم : ماذا تقول يا خون ؟
خون : كما سمعت يا أماه متن " لن يتركنا
في حالنا ..
الأم : وبيتنا .. والأرض يا خون .. ؟
خون
: لم يعد البيت بيتنا ولا الأرض أرضنا ..متن سوف يستولي علي كل شيء
الأم : لن يستطيع احد أن ينزعنا من البيت والأرض
التي تربينا فيها مهما حدث
خون :
بل يستطيع ... متن سوف يطردنا من الأرض والبيت بل وهدد بان ..(يتردد ) بان يأخذكما
أنت رودوبيس لتعملا عنده كخادمتين يا أماه ..
الأم :
ماذا ؟ أو لهذا الحد وصلت السفالة بمتن .. يأخذنا كخادمتين
خون :
اجل يا أماه .. لقد اقسم بذلك .. يجب أن نرحل من هنا فورا .. لقد هدد بكل ما قلته
وهو قاس لا تعرف الرحمة إلي قلبه سبيلا ..( ملتفتا لحور ) قل شيئا يا حور أليس
كذلك ؟
نعم :
نعم بل هو أكثر من ذلك يا خون
الأم :
الموت أفضل لنا من أن نتشرد في البلاد
خون :
التشرد خير لنا من المهانة هنا .. "متن" هدد بأخذكما أن لم أرد المحصول
.. ولا أمل في أن أرده أو أن يرجع هو في تهديده وما هي إلا بضعة أيام ونجد رجاله
يحيطون بنا ..
الأم :
سنقاومهم يا بني
خون :
لن نستطيع
الأم :
لن نذهب إلي أي مكان أخر يا بني ..هذا المكان ولدت وعشت فيه وربيتكم هنا ولن نتركه
... أي مكان سنذهب إليه ؟
لقد ضاقت الأرض بالناس وهمومهم .. وأصبح
الألم في كل مكان
خون :
أني اخشي عليكما يا أماه
الأم :
وماذا سيقول الناس إذا هربنا ؟ ألن يكون هذا عار يا خون .. أن مواجهة متن لأخف
عندي من أن يقال عنا شيئا يجرح شرفنا
خون :
لا يهمني ماذا سيقول الناس .. أماه .. اسمعيني .. لا يزال أمامنا أياما يمكننا
فيها أن نرحل إلي مكان بعيد عن متن وأعوانه
الأم : لن ارحل من هنا مهما حدث ..فافعل أنت
ما تريد أما أنا فلن ارحل ..
ميريت : إلا يمكننا أن نجمع له بعض الغلال عوضا له
عن المحصول الذي سرق ؟
حور : ليس الأمر سهلا هكذا الناس يموتون
جوعا من قلة الغلال لان الأغنياء والتجار يملأون مخازنهم بها حتى يرتفع ثمنها .
الأم :
استريحا الآن عناء ما لاقيتما في سفركما وساعد لكما بعض الطعام
خون : لا تتعبي نفسك يا أماه فليس لدينا شهية
للأكل
الأم : بل يجب أن تأكلا لا يفيد الجوع بشيء
.. هيا يا رودوبيس لتساعديني ( تخرجان )
حور : يا الله ..لم أكن أعلم أن أمنا لها
مثل هذه العزيمة الجبارة لو كانت امرأة
محلها لبكت وولولت .. ولكن يبدو أن شدائد الزمن صقلتها صقلا متينا ..
فليعينها الله ..( يهم بالانصراف )
خون : إلي أين يا حور ؟
خور :
سأذهب إلي كوخي
خون : والطعام ؟
حور : لست جائعا يا
صديقي.. فليعمكم السلام ( يخرج)
خون : مسكين أنت يا حور عانيت ما لا يمكن أن
يتحمله جسدك النحيل ..
ميريت : عانيتما كثيرا ؟
خون : لم تمر بي أيام مثل هذه في حياتي ...
الأمر أشبه بكابوس ولا يريد أن ينتهي
ميريت : فلترأف بنفسك فلا ذنب عليك فيما حدث
خون : ولكني سأتحمل نتائجه وستتحملونها انتم
معي بلا ذنب .. هل ارتكبت ذنوبا كثيرة في حياتي يا ميريت يعاقبني القدر عليها ؟
ميريت : انك لم تفعل دائما إلا كل خير ..
خون : لو كان الأمر كذلك .. فلما كل هذه
المصائب التي تنهال علينا ..
ميريت
: هذا أمر مقدر منذ أن ولدنا .. ولا دخل لنا فيه
خون
: الغريب أن اللصوص هم أكثر الناس يسرا وسعادة في عصرنا الأوضاع كلها مقلوبة ..
ولا أمل في أن تتساوي كفتي الميزان
ميريت :
الله لن يسكت عن الشر أبدا ..
خون :
اسمعي يا ميريت .. لقد كنا نخطط لأشياء وأراد الله غيرها وإنا قادم علي أخطار لا
يعلم نهايتها إلا الله . فأنت في حل مما
بيننا .. لا لوم عليك في شيء
ميريت : ماذا تقصد ؟
خون : أقصد .. انه ليس عليك أن تنتظريني أكثر من ذلك ..
ميريت : ماذا ؟
خون : مثلما سمعت يا ميريت
ميريت : ألم تعد تريدني ؟
خون : يعلم الله إنني لا أريد شيئا سواك يا
ميريت .. ولكن لا أحب أن تتحملي مصائب ومشاكل لا ذنب لك فيها
ميريت : ولكنني لا أخشى أية مشاكل مادامت من
أجلك..
خون :
حــقا يا ميريت؟
ميريت : نعم
خون : لن أتخلى عنك أبدا يا ميريت الحبيبة
ميريت : حقا يا خون؟
خون : حقا؟
-
إظـــــــلام –
المشهــــد الثامن
(نفس المنظر السابق ..
بعد بضعة أيــام)
(
تدخل الأم من الجانب الأيمن للمسرح ..تجلس وتحدث نفسها )
الأم :
يا أيتها الآلهة المباركة فلتلطفي بنا وترحمينا من الأحزان التي لا تنتهي .. جففي
دموع الثكالى الحزانى الجائعين .. ولتفرجي عنا كربنا ومصيبتنا , فنحن لم نرتكب
ذنبا يستحق كل هذا العذاب .. ألطف بنا يا الله واملأ قلب متن بالرحمة .. أنت تعلم
يا الله كم نحن بسطاء مساكين .. أن خون ولد صالح طيب .. رودوبيس نعم رودوبيس ..
إنها فتاة فلتصنها يا الله .. إنني لا اطلب منك شيء يا الله سوى أن تحمي رودوبيس
فهي بنت لا حول لها ولا قوة .. ألطف بها وبنا يا الله
(تجهش
بالبكاء , وتدخل رودوبيس)
رودوبيس :
حياك الله يا أماه؟!
الأم :
رودوبيس .. تعالي يا ابنتي .. لقد كنت أفكر فيك..
رودوبيس : فيّ أنا يا أماه ؟!
الأم :
نعم يا ابنتي..
رودوبيس : وفيما كنت تفكرين يا ترى ؟
لابد انه أمر هام ..
الأم :
بالطبع يا حبيبتي .. فأنت تعرفين كم أنت عزيزة عليّ
رودوبيس : ماذا هناك يا أماه ؟ لقد بدأت أخاف.
الأم :
(تجهش بالبكاء ) يعلم الله يا ابنتي كم أنت عزيزة علي وعلى أخيك خون .. ولكن هذه
مشيئة الله ليس ذنب أخيك يا ابنتي أن يسرق منه المحصول .. فماذا كان بوسعه إن يفعل
ضد عصابة مسلحة.. أخاك يحبك يا رودوبيس ولا يريد أبدا أن يمسك أي أذى ..
رودوبيس : خون أخي يا أماه .. وأنا لست صغيره إلي هذا الحد حتى ألقى بمصيبة
رمانا بها لك أبدا أي أذي .. فليحفظك الله يا ابنتي اعلمي يا أماه
الأم :
( باكية ) لم نكن نود لك أبدا أذي .. فليحفظك الله يا ابنتي
رودوبيس : اعلم ذلك يا أماه..
الأم :
إن متن قاس جدا يا ابنتي .. لماذا لا ترحلي أنت وخون من هنا .. دعاني أنا ورجاله
.. فليس بوسعهم أن يفعلوا ضدي أي شيء .. ارحلي أنت يا رودوبيس .. ارحلي يا حبيبتي
مع أخيك..
رودوبيس : ونتخلى عنك يا أمي بعد أن وهبتي لنا كل
حياتك .. أبدا يا حبيبتي ( يتعانقان بحرارة)
الأم :
آه يا حبيبتي .. لم أكن اعلم انك عظيمة هكذا .. كنت أظنك طفلة صغيرة مدللة , ستبكي
وتصرخ من اقل وابسط الآلام .. فإذا بي أجدك شابة عاقلة صلبة .. لقد كبرت حقا يا
رودوبيس .. فليحمك الله يا ابنتي ..
(يدخل خون )
خون :
حياكم الله
الأم :
حياك الله يا بني
خون :
يبدو انه لم يعد أمامنا أمل سوى أن نترك هذه البلاد إلى بلاد أخرى بعيدة .. ضاقت
بي كل السبل .. ذهبت إلى كل الناس في البلد لأطلب مساعدتهم , ولكن الجميع يعيشون
في بؤس شديد
الأم :
فليلطف بنا الله يا بني وبالناس أجمعين .. المجاعة تحصد العشرات كل يوم..
خون :
لازالت أمامنا فرصة لكي ننجو من متن اللعين .. ما رأيك يا أماه لو ذهبت أنت ورودوبيس إلى أقربائنا في الشمال
.. شمال البلاد بعيد جدا عن إهناسيا وهناك لن تصل يد "متن" إليكم
أبدا..
الأم :
ذراع "متن" أطول مما تتصور يا بني .. انه أقوى من الحكومة وله أعوان في
كل مكان ..
خون :
ولكن في الرحيل أمل في النجاة .. بينما البقاء مذلة محققة..
الأم :
ليس الهرب هو الحل يا بني .. سنواجه مصيرنا كما قدر لنا .. ولن يتخلى الله عنا
أبدا ..
(يسود المسرح جو من السكون .. تسمع موسيقى توحي بمرور الزمن.. يدخل حور
لاهثا)
حور :
رجال "متن" قادمون إلى البلدة.. ويضربون كل من يقابلهم بالسياط ..
فاهربي يا أمنا أو اختبئي في أي دار .. إنهم لا يرحمون
الأم :
لم يعد ينفع كل هذا يا بني .. فلنواجه قدرنا..
خون :
الويل لي .. الويل لي .. أنا سبب كل هذا..
الأم :
ارحم نفسك يا بني .. فلا ذنب لك..
خون :
بل الذنب ذنبي أنا .. كان يجب أن أقاوم اللصوص حتى الموت .. نعم كان يجب .. ولكني
استسلمت لهم بكل سهولة .. استسلمت وأنتن تدفعن ثمن جبني .. فلتخسف بي الأرض أو
لأقطع أشلاء تنثر على كل ارض الوادي
الأم :
ما كان بوسعك أن تفعل شيئا يابني ولم تفعله..
حور :
اغفري لنا يا أماه .. ما ارتكبناه في حقك , ذنب لا يمحى..
(تنفجر رودوبيس في البكاء)
خون :
لا تبكي يا رودوبيس العزيزة .. لن أدعهم يأخذوك بدا..
رودوبيس : لا عليك يا أخي..
(تدخل مجموعة من الرجال ومعهم السياط .. يقترب واحد منهم من الواقفين )
الرجل :
هل أنت الفلاح خون ؟
خون :
نعم يا سيدي .. أنا الفلاح خون ..
الرجل :
وأنت الذي سرقت المحصول ؟
خون :
لا يا سيدي .. اقسم لك إنني لم اسرقه بل سُرق مني وأنا في الطريق
الرجل :
كل هذا لا يهمنا .. هل جمعت غيره لتعيده للسيد "متن" ؟
خون :
من أين يا سيدي والقحط في كل مكان ؟
الرج :
إذن ليس لديك ما تعوض به السيد "متن" وليس أمامنا إلا أن ننفذ ما امرنا
به ..
خون :
الرفق يا سيدي .. اقسم لك إنني لم اسرقه
الرجل :
كل هذا لا يهم ( مشيرا بيده لرجاله ) أيها الرجال .. اقبضوا على هاتين السيدتين..
خون :
يا سيدي أنهما لا ذنب لهما فيما حدث .. فلماذا تأخذونهما أنا المجرم الذي ينبغي أن
يعاقب..
الرجل :
وماذا نصنع بك ؟ أنت جبان لص .. لا تصلح لشيء..
خون :
لكن أمي وأختي لا ذنب لهما..
الرجل :
(صائحا) افعلوا ما أمرتكم به أيها الرجال .. ولا تترددوا هيا..
(ينقض الرجال ويقبضون على الأم
ورودوبيس.... يمتزج الصراخ بالصياح وتسود حالة من الفوضى ويدخل بعض الأهالي
ويتجمعون حول الرجال في صمت ووجوم)
خون :
أيها الناس .. إن أمي وأختي لا ذنب لهما فيما حدث .. ساعدوني ..لا تتركوا هؤلاء
المجرمين يأخذونهما.. (لا يتحرك أحد ..
يطيح رجال "متن" به ضربا... يدافع عن نفسه ) لماذا لا تتحركون ؟
أويرضيكم أن يحدث مثل هذا لأهلكم ..؟ متى ستنطقون يا قوم ؟متى ستتحركون ؟ إلى متى
ستظلون هكذا خرس متصلبين في أماكنكم..( ينكس الواقفون رؤوسهم ولا يتحركون .. يسحب
الرجال الأم ورودوبيس إلى الخارج ..يسقط خون مغشيا عليه ).
ـ
إظـــــــــــلام –
المشهد
التاسع
(
نفس المنظر السابق .. بعد بضعة أيام .. خون وحيدا )
خون :
أي لعنة من السماء حلت على ؟ إنني لم ارتكب ذنبا عظيما في حياتي حتى أعاقب هكذا
أين أنت يا رودوبيس ؟ وكيف حالك يا أماه جنيتما شرا لم تزرعاه .. وذقتما الأم
لأقبل لكما بها .. أين عدلك يا الله ؟
ليتني
ما جئت إلي هذه الدنيا .. ليت الأرض تميد بي .. أين أنت يا أبي ؟ فليرحمك الله
وليلطف بنا ..
ليس
هناك بعد اليوم إلا التشرد والألم والوحدة .. إن للظلم مرارة لا تمحوها حلاوة
فاكهة الدنيا ولا توالى الأيام والشهور..
أيا
نهر النيل ، حابي العظيم لم تجري مياهك فيشرب منها الفاسدون ؟ لم تترعرع على
جانبيك الزروع فيأكل منها من لا يستحق ؟
اغسل
بمياهك شرور الناس وطهر قلوبهم من الحقد والظلم .. والفساد
ستــــــار
الفصل الثاني المشهد الأول
في
حديقة قصر السيد رنسي بن مرو .. السيد رنسي وخادمه
رنسي : هل رويت أشجار الحديقة ؟
الخادم : نعم يا سيدي .. رويتها جميعا
رنسي : اسمع .. لا أريد أن يزعجني أي شخص فعندي
قضايا كثيرة يجب أن أدرسها قبل أن اذهب إلي دار العدالة ..
الخادم : أمرك يا سيدي .. حفظتك آلهة العدالة من كل
سوء .
رنسي : ( متحدثا لنفسه ) كم أن أمر هذه الدنيا
غريب حقا .. لا تخلو حياة أحد فيها من المشاكل والهموم .. كلها تصب في مكان واحد
اسمه دار العدل .. كم أن القضاء حمل ثقيل على ذوي القلوب الرحيمة .
(
يدخل الفلاح الفصيح " خون" فجأة )
خون : إن قلبك هو أرحم القلوب يا سيدي القاضي ،
فلتحفظك آلهة العدل لنا جميعا ..
رنسي : من أنت أيها الرجل ؟ وكيف دخلت إلي هنا ؟
خون : أنا خون أنوب يا سيدي جئت إلي عظمتك من قبل وشكوت لك همي
ولكن يبدو إنني لم أوفق في أن أعرض لك مشكلتي يا سيدي .. أنا عبد ضعيف رمي بي
الزمن ببلية لا قبل لي بها .. وأنا لا أعترض على حكم القدر يا سيدي ولكنى فقط اطلب
الرحمة .. ولن تسود الرحمة إلا بالعدل ، وأنت يد العدل .. أنت من تجعل الميزان لا
يحيد عن الحق وتنصر المظلوم إذا ما استبد به الظالم .. أن همي كبير يا سيدي ..
أفلا تزيل همي ؟
رنسي : ماذا تريد أيها الفلاح؟
خون : أريد العدل يا سيدي .
رنسي : ومن ظلمك ؟ ولماذا لا تذهب تشكو قضيتك في
دار العدل
خون :
ولكن من ظلمنى هم رجالك يا سيدي .
رنسي : رجالي أنا ؟
خون : نعم يا سيدي أنا أعلم أنك لا ذنب لك فيما
اقترفوه ، ولم تسمع حتى به ، ولكنها الحقيقة " يا سيدي " .. إن رجالك
سرقوا منى محصولي ..
رنسي : رجالي أنا ؟ سرقوا محصولك أنت ؟
خون :
نعم يا سيدي .. اقسم لك .. انه دجحوتي اللعين .. انه لا يستحق أن يعمل عندك يا
حامي العدالة وناصر المظلومين ..
رنسي : وماذا يسرق رجالي من شخص مثلك ؟
خون :
سرقوا المحصول يا سيدي بينما كنت أمر بجوار مزرعتك خرج دجحوتي ورجاله وسرقوا كل ما
معي .. كما سرقوا دوابي واتهمني سيدي بأنني سرقته وقبض على أمي واختى ليعملا عنده
كخادمتين أو يرضيك هذا يا صاحب العدل .. ؟
رنسي : يبدو أن واحد من النصابين ، جاء ليبتز
أموالى ..
خون : أبدا يا سيدي اقسم لك .. الموت أرحم عندي
من أن أسرق أو أكذب .. ولكن السيد الذي أعمل عنده ظالم لا يرحم .. ولكنك تملك قلبا
رحيما لذا لجأت إليك..
رنسي : ومن السيد الذي تعمل عنده ..؟
خون : انه السيد " متن " يا سيدي
رنسي : من ؟!
خون : السيد " متن " يا سيدي .
رنسي : متن اللعين ؟!
خون : إنه هو يا سيدي .. ليس هناك على وجه
الأرض من هو ألعن منه ..
رنسي : أنه اكبر اللصوص وأكثر المجرمين فسادا في
البلاد
خون : نعم يا سيدي .. إنه كذلك .
رنسي : أنت تعمل عنده ؟
خون : نعم يا سيدي
رنسي : كيف تعمل عند مثل هذا الخنزير ؟
جون : لقمة العيش يا سيدي .
رنسي : لقمة العيش أم انك مجرم مثله ؟
خون : تعلم الآلهة أني برئ من كل ذلك يا سيدي .
رنسي : ولكن متن لص وسرق مني الكثير والكثير ، ثم
تأتي أنت تطالبني بشئ تافه أخذه منك عاملي
..
خون :
ولكن أمي واختى ضاعتا بسبب هذا الشئ التافه يا سيدي .. أنت ذو قلب رحيم
، ولا يرضيك أن أكون مظلوما .
رنسي :
ولكن متن لعين وهو يستحق أن تسرق منه عيناه ، وليس محصوله فقط ولن أرد له جزء تافه
سلب مني أضعافه .
خون : ولكنك القاضي يا سيدي ، ولا ترضى أن
أعاقب بدلا منه .. ليس هذا من العدل يا سيدي .
رنسي : أتعلمني العدل أيها الفلاح ؟
خون : لا يا سيدي .. ولكن الإنسان يعرف العدل
بفطرته .. انه كنور الشمس في منتصف النهار ، واضح جلي ، لا ينكره إلا من كانت على
عينيه غشاوة .. العدل طريق مستقيم لا التواء فيه ..
رنسي : إني أحذرك أن تتمادي في الكلام أيها
الفلاح؟
خون : وهل تريد أن تسلب من فمي الكلام ، بعد أن
سلب رجالك محصولي ؟
رنسي : (
غاضبا ) أني أستطيع أن اقطع لسانك ، لا أن أكممه فقط ...
خون :
ولكنك لن تستطيع أن تجعل الباطل حقا ، والظلم عدلا ، أن المعدن النقي يحتفظ
بلمعانه مهما مرت السنون وتراكمت عليه الأتربة .. إذا كنت قاضيا ظالما فماذا بقي
في هذه الدنيا ليحيا من اجله الناس ؟ الأغنياء أصبحوا كأفراس النهر بينما يموت
الفلاحون بالمئات كل يوم من الجوع .. انظر ...هذه الملابس النظيفة التي تريديها هي
من عرق شعب جائع سلمك مقاليده لكي تنشر العدل في البلاد .. أين أنت يا صاحب العدل
والأطفال يئنون ويموتون من شدة الجوع ..
ونسي : أيها الفلاح لقد تماديت في الكلام ،
فانصرف وإلا رميتك في النهر
خون :
يا ليتك تفعل يا سيدي حتى لا تري عيناي كل يوم ما تراه من
الآلام لا التي تنتهي .. أنت تغضب لأني أقول الحقيقة بالرغم من أن عملك هو الحق
..ز ماذا ستقول يوم الحساب ؟ الله أعطاك عينين لتري بهما وعقل لتفكر به وقل لتحس
به ولسان لتنطق به .. فماذا الذي يمنعك من قول الحقيقة؟إن مصر عظيمة الخيرات يا
سيدي ولكنها كثيرة اللصوص .. النيل حابي العظيم .. وفير المياه ميمون البركات ،
لكنه يجف عندما ينتشر الظلم في البلاد ..
رنسي :
لقد أوجعت رأسي بثرثرتك الساذجة أيها الفلاح .. فأغرب عن وجهي
خون :
نعم يا سيدي .... لن أظل هنا إلي الأبد ولكن الحق سيظل هو الحق إلي الأبد ..
اللعنات لا تتوقف عن الظالم مهما طالت الدهور .. لماذا يسرق رجالك المحصول ؟ أنت
لست فقير .. أنت تلبس أفخم الثياب وتعيش في أفخم القصور وتأكل أجود الطعام .. ألا
يهدأ للغني بال وتكمل سعادته ... إلا إذا تألم الفقير ؟ تنبه يا سيدي فان الإله
العادل موجود
رنسي : أنت تحذرني أيها الساذج ؟
خون :
أنا لا أحذرك .. ولكنني أوقظك فقط من غفلتك .. ماذا يفعل فلاح مثلي ...إذا كان
القاضي ظالما ..والحارس لصا .. والشريف
ملوثا .. والكل يسير إلي هاوية ... لا يعرف لها مستقر..لن اسكت وسأظل أشكو في كل
مكان .. لم يعد هناك امل للضعيف إلا الكلمة .. الكلمة فقط يا سيدي ..( ينصرف خون
ويظل القاضي واقفا في مكانه مندهشا ).
المشهد
الثاني
(كوخ
في حديقة قصر السيد متن - الأم ورودوبيس
علي الأرض .. بينما تجلس أمها بجانبها .. تستيقظ رودوبيس )
رودوبيس : الم تنامي بعد يا آماه ؟!
الأم :
لا تقلقي أنت يا حبيبتي
رودوبيس : ولكن حياتنا كلها أصبحت قلق وعذاب يا أماه
الأم : لكل شيء نهاية يا ابنتي
رودوبيس :
لا يبدو أن لأسانا نهاية ... الحياة قاسية حقا يا أماه أنني أتمني الموت كل يوم ..
بل كل لحظة
الأم :ماذا
تقولين يا ابنتي؟ حفظك الله من كل شر ..
أنت لازلت في ريعان شبابك والحياة أمامك
واسعة يا حبيبتي .,. الشر لا يدوم ولابد أن تنزاح الغمة
رودوبيس : ولكنه اشد من إن نتحمله .. إلا ترين حالتنا يا
أماه : لقد شردنا الزمان وفرق شملنا .. أننا لا ندري حتى أين " خون "
وكيف يعيش .. ونحن خدم .. بل عبيد عند " متن " في النهار ثم مساجين في
هذا الكوخ ليلا ..
الأم : أن قلقي علي خون ليتضاءل بجانب خوفي عليك
يا ابنتي من " متن "
رودوبيس : لا تخافي علي يا أماه .. لن يستطيع أن يمس احد
شعرة واحدة مني
الأم : ( وهي تبكي ) أين أنت يا خون ؟ آه يا ولدي ..
لابد أن قلبك انشطر من العذاب ( يسمع صوت دقات علي الباب )
الأم :
انهضي يا ابنتي وافتحي الباب .. ( تفتح رودوبيس الباب .. يدخل خادم وهو يحمل بعض
الطعام ) باركك الله يا بني
الخادم :
هذا بعض الطعام الذي استطعت أن احضره من داخل القصر ...
الأم : حفظك الإله يا بني
الخادم : هذه هي أحوال الدنيا .. نتعب نحن ونشقي ..
ولا نتذوق من الطعام الذي نعده ، إلا الفتات أو لا شيء علي الإطلاق ..
الأم :
الأحوال تتحول إلي الأسوأ كل يوم أكثر مما قبله والموتى يزداد عددهم بسبب الجوع
... والثوار يهتفون ليل نهار .. نريد الطعام .. نريد الطعام .. ولا يتركهم الحراس
يشكون آلامهم بل يصلون أجسامهم بالسياط والعصي
الخادم : لم يعد المرء يأمن علي نفسه من أخيه أو صديقه ... قلبت المجاعة
كل الموازين ..
الأم : فليحفظنا الله جميعنا يا بني ..إنها شدة
لا تلبث أن تزول ويفيض النيل حابي العظيم ... بخيراته
الخادم : ليست المشكلة هي النيل ؟ ما الفائدة أن
يفيض النيل ولا يجني البائسون شيئا مما يفيض به ؟ أفراس النهر لا تطيق أن يأكل
غيرها حتى الشبع ... إنهم يريدون فقط أن يتضخموا .. وتزداد ثروتهم ..
الأم : فليسامحهم الله يا بني
الخادم : لا .. أبدا لن يسامحهم علي ما ارتكبوه من بشائع .. الجائعون لن
يظلوا مكممي الأفواه سيثورون ويطيحون بكل المستبدين .. يجب أن يشربوا من نفس الكأس
التي يشرب منها البائسون .. لقد تشبع الناس بالثورة ، ولابد أن ينتقموا مما حاق
بهم وبذويهم من ظلم ..لابد لهذا الظلام أن يزول وان يعود ميزان العدل إلي نصابه
الصحي ... سأنصرف أنا يا أماه لأترككم
لتتناولا العشاء ..( يلتفت إلي رودوبيس ) لماذا أنت حزينة هكذا يا رودوبيس ؟( ثم
للام ) لقد كانت تقول إنها تريد إن تموت
الأم : فليحفظها ويحفظك الله يا بني .
الخادم : ( ضاحكا بحزن ) هموم الحياة أثقل من أن يحملها الإنسان يا
رودوبيس فوق كاهله خاصة في عصرنا هذا فالق بهمومك وراء ظهرك الحياة لا تستحق أن
يعاني الإنسان من اجلها .. ولكن يجب علينا أن نعيشها ..(يتجه الخادم ناحية الباب
وينصرف )
إظـــلام
المشهــــــد
الثالـــــــث
(
بهو في قصر الفرعون ......الفرعون والوزير وجمع من رجال الدولة )
الوزير :
أن نحاول حل الأمور بقدر ما نستطيع يا مولاي ....وقد حققنا إنجازات عظيمة في هذا
المجال
الفرعون : أن الناس لا يزالون يموتون من الجوع
الوزير :
مجرد شائعات يا مولاي لكي تحط من شان
الجهود التي بذلناها في حل المشكلة
الفرعون : إلا يوجد غلال في مخازن الدولة والتجار يا جدف ؟
الوزير :لقد
تبرع التجار والملاك بما في صوامعهم لحل الأزمة يا مولاي حبا في عظمتك وبذلت
الدولة الغلال بالمجان لمن يحتاجون
الفرعون : أتمني أن يكون موسم الحصاد القادم وفيرا .. حتى تزول الأزمة
الوزير :
سوف يكون وفيرا ببركتك يا مولاي ....
الفرعون : وما أخبار سائر البلاد يا جدف ؟
الوزير : الأمن مستتب في كل مكان يا مولاي ، وبشائر
الرخاء بدأت تهب علي مصر
الفرعون : أتمني أن يعود الرخاء للناس والبلاد مرة أخري ... أن صحتي لم تعتد
تحتمل أن أواجه المزيد من ألازمات ....
الوزير :
لا تحمل نفسك آية هموم يا مولاي ... فالبلاد أمنه وبخير ..
( يسمع صوت الجائعين وهم يصيحون
بالخارج )
الصوت :
يا مولاي نحن جائعون ... يا مولاي نحن جائعون نريد الطعام ....
( يبدو الوزير ورجاله مذعورين )
الفرعون : ( مندهشا ) ما هذا يا جدف رع ؟ هل هناك صياح بالخارج ؟
الوزير : لا يا مولاي ... يبدوا أن الحراس يقومون
ببعض التريبات في الخارج ( يهمس الوزير إلي من بجواره فينصرف مسرعا للخارج )
الفرعون : لقد حسبته صياح الجائعين
الوزير : ( مرتبكا ) لا يا مولاي .. اطمئن ..
الصوت : يا مولاي نحن جائعون ..... نحن جائعون
...نريد الطعام .. نريد الطعام
الفرعون : ( يهب وافقا) انه صوت الجائعين يا جدف رع
الم تقل إن ألازمة قد حلت ؟
الوزير : لابد إنهم بعض المشاغبين يا مولاي ...
سنتولي أمرهم فلا تقلق يا مولاي ..
الصوت : ( يسمع بوضوح ) يا مولاي نحن جائعون ..
..... نحن جائعون ...نريد الطعام .. نريد الطعام
الفرعون : الثوار يقتربون يا جدف رع
الوزير : سنصرفهم يا مولاي
( يتحدث الوزير مع
بعض الحاضرين فينصرفون مسرعين إلي الخارج يدخل احد القادة مرتبكا )
الوزير : ماذا هناك أيها القائد ؟
القائد : الثوار يا سيدي ... الثوار في كل مكان ...
الوزير : ماذا .؟ ماذا تقصد بأنهم في كل مكان ؟
القائد : لقد انتشرت الثورة في كل أرجاء البلاد ...
وسيطر الثوار علي الأقاليم وطردوا حكامها منها بل وانقضوا علي مخازن الغلال التي
يمتلكها التجار نهبوها عن أخرها..
الوزير : ماذا تقول ؟
القائد : ولم يقف الأمر عند هذا الحد يا سيدي بل
أنهم تعدوا علي دار القضاء ونهبوها والقوا بكل ما فيها من أوراق وداسوها بإقدامهم
( يبدو الفرعون
منهارا من اثر وقع هذه الإنباء علي نفسه )
الوزير : وكيف تركتم كل هذا يحدث ؟أين كنتم ؟
القائد : الثورة تيار جارف في أنحاء البلاد يا سيدي
منذ عدة أيام ولم تصلنا الأخبار إلا اليوم لقد هب الفلاحون في كل مكان وتحولوا من
نفوس هادئة إلي أرواح شريرة تثير الرعب أينما حلت .. لقد نهبوا المعابد نفسها يا
سيدي
الفرعون :
يا للكارثة .. يا للكارثة .. انهارت البلاد
الصوت : ( بوضوح أكثر ) يا مولاي نحن جائعون .. نحن
جائعون ..نريد الطعام .. نريد الطعام ..
الفرعون : لقد أصبح الناس يطلبون الطعام بالدم يا جدف
رع " وهيهات أن تهدأ الأمور في البلاد بعد اليوم ..
الوزير : لا تقلق يا مولاي ... لا تقلق ... ستهدأ
الأمور .... إنهم مجموعة من الغوغاء وسنفرقهم بسرعة يا مولاي ...
الفرعون : لا أريد المزيد من سفك الدماء يا " جدف
رع "
الوزير : لن تسال قطرة دم واحدة يا مولاي ... ( ثم
للقائد ) انصرف أيها القائد واصرف كل هؤلاء الناس بالسرعة
القائد : ( مترددا ) لن ينصرف الناس يا سيدي
الوزير : ( صائحا ) ماذا ؟
القائد :
لن ينصرف الناس أن لم نلب مطالبهم .. لقد ملوا وعودنا لهم حتى انفجرت الأمور هكذا
... ولن تهدأ حتى نلبي ما يطلبون
الصوت : ( يسمح بوضوح أكثر )
الوزير :
المشاغبون يقتربون .. مر الجنود أن يقاتلونهم أيها القائد لابد أن نحمي عرش
الفرعون من أن يدنسه مثل هؤلاء الرعاع .
الفرعون : سفك الدماء سيزيد الأمور اشتعالا
القائد :
( للوزير) لا يستطيع الجنود أن يقاتلونهم لأنهم سيل جارف لا نهاية له ولن تكون
المواجهة حميدة العواقب لنا .. ( تدخل الأميرة
نفرت منزعجة )
الأميرة : ماذا هناك يا أبي ؟ ماذا حدث في البلاد ؟
لماذا الشعب ثائرا ؟
الوزير : إنهم الغوغاء يا مولاتي وسنقضي عليهم
الفرعون : لقد ثار الشعب يا نفرت
الصوت : ( يسمع بوضوح أكثر ، يدخل قائد أخر يتوجه
إلي الوزير )
القائد2 : يا سيدي الأمور تكاد تفلت من أيدينا فبماذا
تشير علينا أن نفعل ؟
الوزير : إلا تستطيعون أن تصرفوا هؤلاء الرعاع ؟
القائد : انه الشعب يا سيدي انه الشعب ولا يمكن
لأحد أن يقاوم كل هؤلاء
الوزير : ألا تستطيعوا أن تلهوهم ببعض الطعام ؟
القائد : لقد نهبوا كل شيء يا سيدي .. يبدوا أن
طلبهم ليس الطعام فقط .. أن الطعام شعارهم منذ البداية ولكنه ليس الآن هو كل هدفهم
الوزير : وماذا يريدون غير ذلك ؟
القائد :
يقولون إنهم يريدون أن يقضوا علي الفساد المنتشر في البلاد ..
الوزير : الفساد ؟ وأي فساد أكثر مما ارتكبوه هم ؟
القضاء علي الفساد من مهام الحكومة
الأميرة : ولكن ماذا يفعل الشعب إذا كانت الحكومة هي
الفاسدة يا سيادة الوزير ؟
الوزير : مولاتي ... الأمور من السوء بحيث لا تحتمل
أن توجهي النقد إليّ .. إن البلاد علي شفا هاوية
الأميرة : أنت ورجالك السبب وراء كل ما حدث من مصائب
للبلاد ...
الصوت : ( يسمع بقوة أكثر عدة مرات
القائد : الشعب يريد أن يخاطب الفرعون أو أن يشكو
له كما يقول بعض أفراده فهل يسمح لهم مولاي الفرعون بذلك ؟
الوزير : يخرج الفرعون بكل قداسته
ويخاطب هؤلاء الرعاع ما هم إلا عبيد إحسان الفرعون .. هل انهارت القدسية من البلاد
.؟
القائد : لم يعد الناس يؤمنون بشيء يا سيدي .. هذه
هي الحقيقة ..
الفرعون : ( يقف في إعياء ) .. سوف أتحدث مع شعبي ما دام هذا مطلبه ..
الوزير : هذا سيزيد من مطامعهم يا مولاي.
الفرعون : لابد أن أواجه الشعب يا جدف رع .. شعبي من الطيبة بحيث إنه لا يمكن أن يفكر في أي أذي لي .. ساعديني يا
نفرت .. واسمحوا للشعب أن يدخل إلي حديقة القصر
( ينصرف القائد بينما يسمع هتاف الجائعين في الخارج ، والذي يسمع بصورة
واضح .. يتجة فرعون ناحية الشرفة يظهر بعض الثوار على جانب المسرح)
الأميرة : أبي يجب أن تكون واضحا وصريحا مع الشعب ..
الفرعون : لا ينفع الآن سوى الوضوح والصراحة يا ابنتي
..
الأميرة : إن الناس معذورون في النهاية لآن أحوالهم
أصبحت في غاية السوء
الفرعون : أعلم ذلك يا ابنتي.. ( يصل الفرعون إلي حافة
الشرفة وعندما يراه الثائرون يسود الصمت والهدوء بينهم )
الفرعون : أيها الشعب النبيل .. ليس عهدي بكم أن
تثوروا هكذا .. طيبتكم يضرب بها المثل في كل مكان ..فلماذا هذا الشغب ؟
احد الثوار : لقد طفح الكيل يا مولانا .. لقد طفح الكيل
الفرعون : وماذا يريد الشعب ؟
صوت : يا مولانا نريد العدل
صوت : نريد الحق
صوت : نريد الأمن
صوت : نريد الطعام
الفرعون : وهل غاب كل هذا من البلاد ؟ أوليست بلادي
تنعم بالعدل والأمن والطعام ؟
صوت : البلاد ليس فيها إلا الظلم والخوف والجوع
( ثم يصيحون ) فليسقط الظالمون .. فليسقط الظالمون ..
الوزير : ( هامسا )يا مولاي كن حازما معهم وإلا
سيفلت زمام الأمور أكثر وأكثر من أيدينا ..
( يحاول الفرعون أن يستمر في الحديث لكنه يغرق في السعال ..تأخذ الأميرة نفرت زمام المبادرة لإنقاذ
الموقف وتتحدث )
الأميرة : أيها الشعب النبيل .. إنني اعلم مدي المعاناة التي تعيشونها كل
يوم .. واعلم أنكم لا تجدون الطعام .. وتنامون في العراء وتكدون في لهيب الشمس ..
ولا تحصلون إلا على العرق الذي يتصبب من جباهكم .. ولكن الاضطراب لن يزيد الأمور
إلا سوءا .. فلن يحل شيئا ولذا أعاهدكم بان نعمل علي حل الأمور بالعقل ولن يتحقق
ذلك إلا إذا وضعتم أيديكم في يدي لنقضي علي الفساد ....والفاسدين وتعود البلاد إلي
الأمن والرخاء ...
صوت : لقد شبعنا من الوعود يا مولاتي
صوت : لم نجن من وراء وعودكم إلا موت أطفالنا
الأميرة هذه أول مرة أعدكم فيها بشيء .. إنني لا أحاول أن أخدعكم لأنني
اعلم أن البلاد قد وصلت إلي درجة من الدمار بحيث لا يمكن إصلاحها إلا بمصارحتكم
ومساعدتكم لنا .. هذه بلادنا وبلادكم وعلينا أن نعيد بنائها جميعا
صوت : فلتحيا الأميرة " نفرت " فلتحيا
الأميرة " نفرت " ... فليسقط الظالمون .. فليسقط الظالمون
الوزير : ما هذا الذي تقولين يا مولاتي ؟
الأميرة : لابد أن نواجه الشعب بالحقيقة يا سيد " جدف " الرياء
لا يمكن أن يكون هو السبيل لحكم الشعوب ... الشعب يعرف الحقيقة في النهاية
الفرعون : هذا هو عين الصواب يا ابنتي ... حفظتك
الآلهة أجمعين ...
صوت :
فلتحيا الأميرة " نفرت " فلتحيا الأميرة " نفرت " فليسقط
الفساد والفاسدون
الأميرة : أبناء الشعب النبيل ... لابد أن تساعدونني حتى ننهض بالبلاد
لذلك لابد أن تقضي علي الفساد والاضطراب المنتشر في البلاد ... لنبني علي أساس
متين
صوت : فلتحيا الأميرة نفرت أميرة البلاد وليسقط
الفساد والفاسدون ( يردد الآخرون نفس الهتاف )
الأميرة : إن لشعب مصر كرامة لابد أن تحفظ ولابد أن
يسود القانون مرة أخري في كل ركن من مصر .. لابد من نصرة الضعفاء .. ليس عليكم إلا
أن تكفوا عن إثارة الاضطراب .. وان تنظم صفوفنا ونعيد بناء البلاد
صوت : فلتحيا الأميرة " نفرت " أميرة
البلاد .. ليحيا الحق .. ويموت الفساد ( يردد الآخرون نفس الهتاف )
إظـــــلام
المشهد
الرابع
(
بهو في قصر الفرعون )
(
الفرعون ورجاله والأميرة)
الفرعون : حفظك الله يا ابنتي حتى تجلسي علي عرش هذه البلاد .. لم يخفف من
الغم والحزن الذي أصابني عندما رأيت منظر شعبي إلا قوة بيانك وحكمتك الرشيدة التي
ستكون ذخرا للبلاد ..
الأميرة : حفظك الله يا أبي لتري الرخاء يعود مرة أخرى علي ضفاف النيل ...
الفرعون : أن البؤس يبدو قاسيا علي وجه شعبي .. لم أكن
أعلم أن الحال وصلت إلي هذا القدر من السوء.....
( يدخل أحد القادة )
القائد :
مولاي .. هناك فلاح يقول إن الناس قد فوضوه ليتحدث عنهم وهو يريد أن يقابل مولانا الفرعون .. فهل أسمح له بالدخول ..؟
الوزير : أي فلاح هذا الذي يقابل الفرعون ؟... إن
لم ينصرف اجلدوه .
القائد : لقد حاولنا معه يا سيدي ولكنه لم ينصرف ويقول إنه يتحدث باسم
الشعب
الوزير : اقتلوه إذن .
الأميرة : لا ... لقد وعدت شعبي بأن نضع أيدينا في
أياديه لنحل مشاكل البلاد .. ولن أخلف وعدي معه .. فلتسمحوا له بأن يدخل إذا سمح
بذلك الفرعون ..
الفرعون : لك ما تريدين " يا نفرت " الحبيبة
.
الوزير : يا مولاتي للفرعون قداسة لا يجب أن تنتهك
.. كيف نسمح لفلاح قذر بأن يقابل الفرعون ويحدثه ؟
الأميرة : الفلاح إنسان مثل كل البشر أيها الوزير .. وكما قال القائد لم يعد الناس يؤمنون بشيء .
الوزير :
الفلاح أقل الناس في البلاد مرتبة .. إنه يتساوى مع الحيوانات في قلة العقل وقذارة
المظهر
الأميرة : إن معظم شعبنا من الفلاحين .. فهل نحن نحكم حيوانات ؟ لابد أن
نعيد للشعب عزته وكرامته ...
( يفتح الباب ويدخل الفلاح الفصيح
" خون " يتجه ناحية العرش حيث يجلس الفرعون .. يخر ساجدا للفرعون ولا يقف إلا عندما يسمع
الفرعون يتحدث إليه)
الفرعون : هل صحيح أنك تتحدث باسم الشعب ؟
خون : نعم يا مولاي .
الفرعون : وماذا تطلبون ؟
خون : نطلب العدل يا مولاي .
الفرعون : ومن ظلمك ؟
خون :
لست أشكو مظلمة تخصني يا مولاي فقط .. إنما جئت لأشكو لجلالتك الظلم الذي ساد في
طول البلاد وعرضها ..
الوزير : ( صائحا بغضب ) من أنت حتى تهتم بأمر البلاد
وتتحدث باسمها ؟ مالك أنت والبلاد ؟ هل أنت الحاكم ؟
خون :
أنا لست سوي واحد من المظلومين يا سيدي .. ولكن من كان في رأسه ذرة من عقل وفي
قلبه ذرة من رحمة ... يستطيع أن يدرك ويحس بما تمر به البلاد ..
الأميرة : أفصح عما تريد بالتحديد .
خون :
لقد قلت يا مولاتي إن ما أريده هو العدل ... لست أريد سوي أن أري الأمن والعدل
يسودان البلاد ..
الوزير :
انتم أيها الرعاع الذين تسببتم في كل هذا الشغب ثم تطالبون بالأمن والعدل
خون : الم تسال نفسك لماذا ثار الشعب يا سيادة
الوزير ؟
الوزير :
وهل من ثاروا هم الشعب ؟ إنهم مجموعة من الغوغاء واللصوص والمجرمين؟
خون :
هل كل هؤلاء لصوص ؟ فمن يكون قد بقي شريفا في البلاد ؟ متي ستحترمون الإنسان ؟ أو
ليس للشعب كرامة يجب أن تصان ؟ يا مولاي انظر حولك وستري ما يعانية الشعب ...لا
تسمع لبطانة السوء ...فإنهم لا يهمهم سوي مصلحتهم فقط ... الشعب جائع ... بينما
صوامع التجار والحكام والمعابد مليئة بالغلال
الوزير : لقد نهبنا اللصوص وأنت منهم ...
خون :
نهبوها لأنها حقهم الذي تعبوا في مقابله وعرقوا ثم تمنعوها انتم وتبيعونها بأعلى
الأسعار ... الناس يموتون من الجوع ... بينما أجسامكم تترهل ... لقد أصبح الأخ
يقتل أخاه .. والأب لا يعرف ابنه .. والأم تبكي أبنائها الذين ماتوا وتشردوا ..
الشعب كله في هم وكرب ورجالك يا مولاي يصورون لك الأمور علي خير وجه .. لقد أصبح
الحاكم ناهبا وأصبح الحارس لصا والشريف فاسدا .. لقد انقلبت كل الموازين في البلاد
يامولاى .. فمتي تنصلح الأمور ؟ الشعب يموت من شدة الهزال .. الحكام يشيدون القصور
.. والفقراء لا يجدون الأكواخ والأثرياء يلبسون أجود الثياب بينما لا يجد معظم
الناس رقعة يسترون بها أجسادهم ..السفينة تغرق والقبطان غارق مشغول .. لا يهمه من
علي ظهرها لأنه يعرف كيف يعوم عند الغرق .. أما الآخرون فليذهبوا إلي الجحيم ...
رجال الدولة هم أكثر الناس نقمة علي البلاد ......... فكأنهم كلاب انقضت علي فريسة
يلتهمونها لا يهم كل واحد منهم إلا أن يخرج بأكبر نصيب ... صولجان الملك نفسه في
خطر ... فهلا خلصت البلاد مما هي فيه قبل أن تغرق يا مولاي ؟
الوزير : ( بغضب ) أنت حيوان مخرف لا تصدق شيء مما
يقول يا مولاي أيها الحراس .. القوا به في الخارج ..
الفرعون : انتظر يا جدف راع ..انتظر انه يتمتع بعقل
رائع ..
الأميرة : أو ليست هذه الحقيقة أيها الوزير ؟
الوزير : هذا لا يعرف شيئا ولا يفهم ما يتفوه به
..انه فلاح مجنون ..
خون : إنني أقولها بصراحة يا سيادة الوزير
..أنت وأعوانك السبب في كل ما يحدث للبلاد ..
الوزير : ( يهب واقفا ) ماذا تقول أيها القذر ؟
خون :
إنا لا أقول سوي الحقيقة التي يعرفها الشعب كله أيها الوزير من أين بنيت كل قصورك
..وجمعت كل أمولك ومزارعك ؟ يا مولاي البلاد تموج بالفاسدين ..لم يبقوا علي قيمة
أو مبدأ أو أساس .. انحط كل شيء وتهدم كل ما بنيناه علي عصور .. لقد انتشرت الثورة
في كل مكان من اجل أن تخلص البلاد مما هي فيه .. أن لم تبادر الإصلاح يا مولاي
...... فسيأتي الثوار علي كل شيء .. أطلق سراح المسجونين الذين يعتقلهم رجالك بلا
سبب أو جريمة الحرية لا تنتقص ولا يجب أن تداس القوانين .. لقد داسها الناس
بأقدامهم لأنهم رأوها أصبحت غير ذات قيمة .. اعد للقضاء حرمته وهيبته .. اعد
للحارس نزاهته .. اعد للشريف نبله وأخلاقه .. اعد للحاكم حب العدل .. طهر البلاد
من الفاسدين ... طهر حاشيتك من المنافقين إن مصر أصبحت فريسة بين فكي حيوان متوحش
.. الخطر في كل مكان .. من الداخل ومن الخارج .. الآسيويون يتسللون إلي شمال
البلاد ..اهتم بالحدود الشرقية يا مولاي.. امن البلاد من الداخل ومن الخارج
الوزير : ( بعصبية ) مولاي .. أن لم تطرد هذا
الفلاح .. فسأنصرف أنا ...
الفرعون : اجلس يا جدف رع
الوزير : لن اجلس يا مولاي بعد كل ما سمعته من
إهانات واسمح لي بالانصراف
( ينصرف بعصبية ويتبعه عدد من رجاله )
الفرعون : لقد غضب الوزير أيها الفلاح .
خون : ليت قلبه ينفجر في ثورة غضبه هذه فتتخلص
البلاد من الآلام التي تعيشها
الفرعون : وهل الوزير هو سبب ما يحدث في البلاد ؟
خون :
نعم انه الرأس المسمومة وإذا ما قطعت مات سائر الجسد وزال الخطر
الأميرة :
ولكن لماذا يهاجموا دور القضاء والمعابد وينهبوها اعلم أنهم عانوا كثيرا
ولكن الهدم ليس هو السبيل للإصلاح ..
خون :
لك الحق فيما تقولين يا مولاتي .. ولكن الناس لم تعد تؤمن بشيء علي الإطلاق إن رجال الدين يكنزون
الثروات والغلال ويكدسونها في المعابد وإذا ما ذهب إليهم جائع وطلب لقمة يسد بها
رمقه لم يعطوه سوي الخطب الفارغة عن ثواب التحمل والصبر بينما هو يشرف علي الموت
..لماذا يرون الفساد ويصمتوا بل ويشاركوا فيه .. الدين مهمته الإصلاح بل ولابد أن
يكون رجاله هم القدوة و إلا فمن الأفضل اجتثاثهم من علي الأرض .. يا مولاتي أن البلاد ثكلي حزينة والدم
والألم في كل مكان ..
الفرعون : وماذا يريد الثوار أيها الفلاح الفصيح .
خون :
أن الناس لا تريد سوي الأمن والعدل يا مولاي ... لابد أن تهتم بهموم الناس
ومشاكلهم بنفسك .. لابد أن يحاكم الفاسدون مهما كانت مناصبهم .. لابد أن نحمي
الفقراء من أن يزدادوا فقرا وان نحسن من أحوالهم .. ليس من العدل أن تذهب ثروات
البلاد لقلة والأغلبية جائعون .. الناس ترغب في أن تعيش في حرية .. إنهم يطالبون
بالمساواة العادلة بين الجميع يا مولاي .. الثوار لا يريدون شيء سوي هذا ..
الأميرة : هذا ابسط قواعد العدل
والحقوق أيها الفلاح .. أن كل مطالبهم تتلاءم مع طبيعة الإنسان العاقل الخير ..
خون : حفظتك الآلهة يا مولاتي
الفرعون : ولكن كيف يتحقق ذلك ؟ انه أمر جد عسير
خون :
لابد أن يقبض علي المجرمين و أن يحاسبوا علي جرائمهم ..هذا هو أساس الإصلاح ..
والثوار يصرون علي ذلك .. لقد حاق بهم الم عظيم ولابد أن يحاكم من سبب لهم هذا
الألم
الأميرة : سيتم أيها الفلاح الطيب ..
فلتطمئن ولتطمئن كل الناس .. والمهم أن تقفوا بجانبنا لان أعدائنا علي قدر
من القوة التي لا يجب أن تستهين بها
الفرعون : ولكن لابد أن لك مشكلة خاصة بك أيها الفلاح
هي التي دفعتك لان تفعل كل هذا
خون : ( بحزم ) مشكلتي ما كانت لتوجد لولا ما
يسود البلاد من ظلم وفساد فإذا ما عاد العدل فان مشكلتي وغيرها لن يصبح لها وجود
..فالعلاج لابد أن يكون شاملا يا مولاي
ستار
المشهد الخامس
(بهو
في قصر الفرعون الأميرة نفرت ووصيفتها )
الوصيفة : مولاتي .. إلي متى سترفضين تناول طعامك ؟ إن
جسدك أصبح ضعيفا هزيلا .
الأميرة : قلت لا شهية عندي لتناول الطعام .
الوصيفة : ولكنك تعذبين نفسك ، ولن يجدي ذلك شيئا في
إصلاح الأمور..
الأميرة : الشعب يعاني من الجوع ، بينما عندنا أصناف الطعام .. ولكن لن
يكون للطعام مذاق .. إلا إذا أصبح الشعب هانئا .. وزعي كل ما لدينا من طعام
للجائعين ..
الوصيفة : ولكن الجوع سيزيدك ضعفا .. والبلاد تحتاج إليك قوية .. لتساعدي
مولاي الفرعون بعد أن تدهور صحته وساءت أحوال البلاد .
الأميرة : ولكني لا أستطيع أن أتذوق أي طعام .. ارفعي هذا الطعام من أمامي
.
( ترفع الوصيفة الطعام يسمع صوت دقات
على باب .. تضع الوصيفة الطعام وتفتح الباب .. يدخل احد الحراس )
الحارس : مولاتي
.. لقد حضر الفلاح الذي أمرتي بان ندخله عندما يحضر .. فهل يسمح له بالدخول
؟
الأميرة : نعم .. دعه يدخل ( يدخل خون)
خون ( ينحني لتحية الأميرة ) حياك الإله يا
مولاتي .
الأميرة : أشكرك أيها الفلاح النبيل .. هل يضايقك أن
تحضر إلي هنا ؟
خون : ( متأملا فيما حوله ) .. ما كنت احلم بان
أكون في مثل هذا القصر يا مولاتي في أي يوم من الأيام وأخاطب جلالتك .
الأميرة : لقد أعجبني عرضك وفهمك لمشاكل البلاد بهذه
الدقة والفصاحة
خون : فلتحفظك الآلهة يا مولاتي .
الأميرة : أين تعلمت القراءة والكتابة يا سيد "
خون " ؟
خون : (مندهشا) ماذا يا مولاتي ؟
الأميرة : أين تعلمت القراءة والكتابة . ؟
خون : لم أتعلم القراءة أو الكتابة يا
مولاتي ، التعليم للأغنياء فقط ..
الأميرة : ولكنك تجيد التحدث .. وهذا لا يأتي إلا بالتعليم ..
خون : لقد تعلمت من الحياة يا مولاتي .. الحياة
هي أعظم معلم .. لقد صهرتني الحياة بمشاكلها صهرا ولم أكن املك من القوة إلا
الكلام والشكوى وحتى هذا أراد أن يمنعوني منه ولكن لا أحد يستطيع أن يكمم أفواه
الآخرين إلي الأبد .. أن الكلمة الصادقة لا تموت أبدا يا مولاتي ..
الأميرة : ألهذا الحد عانيت أيها الفلاح المسكين ؟
خون :
نعم يا مولاتي .. لقد سرقوا منى المحصول .. مع انه ليس محصولي ثم عاقبوني على انه
سرق مني .. فأخذوا أمي وأختي أسيرتين وسلبوا منى أرضى وبيتي .. وأصبحت شريدا وحيدا
هائما في البلاد .. فكان لابد أن أتكلم ، الكلام هو السلاح الوحيد الذي بقى معي
وتحدثت كثيرا ولكن العدل كان قد مات منذ زمن طويل ، فلم يسمعني أحد .. فجئت إلي
إهناسيا حيث الفرعون والحكومة لعلي أجد حلا .. ولكني أدركت أن مشكلتي هي جزء من
مشكله كبيرة تعاني منها البلاد لذا فلابد أن نتكاتف لحلها ..
الأميرة : سوف نحلها يا سيد خون .. أو سوف نحلها أيها
الفلاح الفصيح
خون : ولكنى لا أستحق هذا اللقب يا مولاتي ..
الأميرة : بل تستحقه يا خون .. إنك تستحق أكثر من ذلك .. لأنك نسيت مشكلتك
وانشغلت بمشكلة الناس والبلاد كافة .. لابد أن نتضافر يا خون من اجل أن نطهر مصر من المفسدين..
خون :
نعم يا مولاتي .. فلقد تضخم الخطر حتى لم يعد يصلح سوى الاستئصال من الجذور ..
الأميرة : ولكن كيف ترى ذلك يا خون ؟
خون :
كما قلت يا مولاتي .. لابد أن نحاكم هؤلاء المجرمين .. وان نعيد بناء البلاد على
أساس من العدل .. لا سبيل غير ذلك لحل المشكلة .. إن " جدف رع
" وأعوانه يتآمرون على البلاد مع الآسيويين ، لكي يحافظوا على نفوذهم ، فلابد
أن نسرع يا مولاتي بالقبض عليهم ، وأن نحاكمهم عما ارتكبوه من ظلم في حق الشعب ..
وهذا ما اتفق عليه الثوار وكلفوني بالعمل على تنفيذه
الأميرة : ولكني أخشى أن يأخذ الثوار في ثورة غضبهم
من لا ذنب له ..
خون :
لا يا مولاتي .. أن من تذوق طعم الظلم .. يأبى أن يتجرعه غيره
الأميرة : ولكن الظلم قد يكون عصابة على عيني المظلوم فيندفع للانتقام وهو
لا يرى الحقيقة ..
خون :
لقد عزم الثوار على السير في طريق العدل ولن يحيدوا عنه ..
(
تدخل الوصيفة وخلفها خادمة تحمل كوبا على صينية ..يبدو الارتباك على الخادمة عندما
ترى خون )
الوصيفة : تفضل مشروبك يا سيدي ..
خون : ينتبه إلي الخادمة وهي تقترب منه ..
يتأملها بدهشة يتحدث إلي نفسه ) يا إلهي أنها تشبه ميريت تماما ..
الوصيفة : هل قلت شيئا يا سيدي ؟
خون : أبدا يا سيدي .. أبدا ولكن هذه الفتاة
تشبه ميريت تماما
الأميرة : إن اسمها ميريت فعلا يا خون .. ( تربتك
الخادمة أكثر عندما تسمع اسم خون )
خون : ميريت ؟ يا إلهي .. هل اسمها ميريت يا
مولاتي ؟ ( للخادمة ) هل تعرفيني ؟(ترتبك الخادمة )
الأميرة : هل تعرفينه يا ميريت ؟
ميريت : نعم يا مولاتي .. إنه خون .
خون : ( بفرح ) حقا أنت ميريت ؟ لا اصدق أنك
ميريت التى أعرفها .
ميريت : بل أنا ميريت فعلا يا خون ..
خون : وكيف جئت إلي هنا .. ؟
ميريت : ( تبكي ) لقد ذهبت أبحث عنك يا خون في كل
مكان حتى وقعت في يد مجموعة من اللصوص الذي باعوني ثم أتيت إلي هنا..
خون : ( مغتما ) وأين والدك ؟
ميريت : ( تبكي ) ترحمه الآلهة .
خون :
( بحزن ) فلتلطف بك الآلهة يا ميريت .. لابد أنك تعذبني كثيرا
ميريت : هل وجدت أمي و" رودوبيس " ؟
خون :
للأسف لم أجدهما يا ميريت .. لا أدري أين أخفاهما متن اللعين
الأميرة : هل أنتما من بلدة واحدة
خون :
نعم يا مولاتي .. كانت ميريت ستصبح زوجتي ، لولا أن فرقنا القدر
الأمير : ولكنة جمعكما من جديد
خون :
حمدا لله يا مولاتي
الأميرة : ولن تفترقا إلي الأبد يا خون .. ولكن ميريت ستظل هنا الآن في
أمان وستذهب معك عندما تهدأ الأمور في البلاد .
خون :
كما ترين يا مولاتي .. هل تسمحي لي أن انصرف الآن يا مولاتي لأبلغ الثوار بما
اتفقنا عليه .
الأميرة : كما تشاء يا خون .. ( ينصرف خون)
الوصيفة : لميريت اذهبي لعملك الآن يا ميريت ..
ميريت : أمرك يا سيدتي ( تنصرف )
الوصيفة : هل تنوين حقا أن تعطيها لهذا الفلاح يا
مولاتي ؟
الأميرة : نعم ..
فقد كانت ستصبح زوجته .
الوصيفة : ولكنها وصيفة جيدة وجميلة وقد علمناها كل شيء
الأميرة : لدينا غيرها كثيرات .. أما هو فليس لدية
سواها ، ولا تصلح غيرها في مكانها ..
( تجلس الأميرة مستغرقة في التفكير )
الوصيفة : مولاتي .. هل هناك ما يقلقك ؟
الأميرة : ( منتبهة ) وماذا يدعو للراحة في هذه
الحياة ؟
الوصيفة : سوف تهدأ الأمور يا مولاتي
الأميرة : وماذا بعد أن تهدأ الأمور ؟ نعود مره أخرى إلي مشاكل لا تنتهي ،
هكذا تتقلب الأيام والليالي ، بينما نحن نسير إلي الضعف والذبول ، مثل الورود التى
انقطعت عنها المياه .. ( صمت) ... هل تعرفين ماذا أتمنى من الحياة ؟ أتمنى أن أكون فتاة بسيطة مثل ميريت تجد شخصا مخلصا
، تحبه ويحبها ويتزوجا ويعيشان في حب وسعادة ..
الوصيفة : كثيرون يتمنون أن يتزوجوك يا مولاتي .. وما عليك إلا أن تختاري من
تشائين ..
الأميرة : الحب الحقيقي لا يدخل قصور الحكم ، وإذا دخلها فسرعان ما يموت
الحب الصادق هو الذي لا يغلفه مال ولا سلطان .
الوصيفة : ولكن للحكم جلاله وروعته يا مولاتي .
الأمير :
إنها روعة ظاهرية يا وصيفتي العزيزة .. إنني أحس أني أنام .. فوق غابة من الأشواك
.. الحكم عبء ثقيل وهم لا ينتهي .
إظــــــــــــلام
المشهد
السادس
( قاعة دار العدل يقف خلف القضبان
مجموعة من المتهمين منهم " جدف رع " و" متن" وقادة وتجار )
احد الحاضرين : الموت
للخونة .
الحاضرون : الموت للخونة
آخر : فليسقط الفساد
الحاضرون : فليسقط الفساد
الحارس : الصمت .. القضاة قادمون ( يسود الصمت حيث
يدخل القضاة الثلاثة يظهر من بينهم السيد رنسي يجلس رنسي في الوسط .)
رنسي : أريد أن استمع إلي الاتهامات التي يوجهها
الشعب إلي هؤلاء المتهمين .. فهل يمكن أن يتحدث واحد منكم ..؟
الحاضرون : سيتحدث عنا الفلاح الفصيح .."خون أنوب
"؟
احد الحاضرين : تحدث يا خون واخبر
السادة القضاة بما أحدثه هؤلاء .. المتهمين بالبلاد (يقف خون ويتقدم للأمام ..
يندهش القاضي .. " رنسي" عندما يراه)
خون :
سيدي القاضى .. يا كبير القضاة يا من تمسك ميزان العدالة في البلاد ، ما جزاء من
خان الشعب وظلمه ؟ لا شك أنه مذنب ذنبا لا يغتفر يا سيدي .. إن الحاكم إذا خان ،
فإنه لا يخون فردا وإنما يخون أمة بأكملها .. انظر يا سيدي حولك .. ستجد آلهة
العدالة حزينة على ضفاف النيل .. لقد أصبحت البلاد أشبه بقرية شب فيها حريق فأمست
خرابا تنعق فيها البوم .. انظر إلي هؤلاء الناس يا سيدي ( يشير إلي الحاضرين ) لن
تري على وجوههم سوى البؤس والحزن ، ولو تعمقت في قلوبهم لوجدتها تنـزف ألما وحسره
ولابد انك تسأل نفسك يا سيدي ، ما سبب هذا البؤس كله ؟.. هل هو جفاف النيل "
حابي " العظيم ؟ ليس هذا هو السبب يا سيدي فمصر مليئة بالخيرات التى تكفي
أهلها وتفيض ، ولكن السبب هم هؤلاء الفاسدون وأمثالهم الذي يأكلون من لحم هؤلاء
البائسين .. ويشربون دمائهم ويسكنون قصور تشيد على جثثهم .. إنهم يكنزون الأموال
والمحاصيل .. لا لسبب .. إلا للجشع الذي تمكن من
قلوبهم ..
الحاضرون : فليسقط الفاسدون .. فليحاكم الخونة .. الموت
للخونة ..
خون :
إن السيد " جدف رع " وزير البلاد .. من كان ينبغي أن يكون اكبر الناس
حرصا على البلاد ، كان يركز كل همه في نهبها .. إنه يتآمر مع الأجانب ليساعدوه علي
تثبيت حكمه في البلاد .. وكل هؤلاء القادة الذين يقفون بجواره .. ساعدوه على ذلك .. جنوده هم الذين اخبرونا وبعضهم
هنا ويمكن أن يشهدوا بذلك .. أن كل الحاضرين هنا يا سيدي لهم شكاوى فهل استمعت إلي
بعضها ..؟ ( يحدث قلق بين الحاضرين ) ..
احد الحاضرين : لقد
سرقوا منى محصولي الذي تعبت فيه شهورا يا سيدي ..
ثاني :
وأنا سخرت لسنوات بلا أجر وكنت أنام في الحظائر وآكل الفتات .
الثالث :وأنا قتلوا ابني بعد أن تعبت لسنوات طوال في
تنشئته ..
رابع : لقد سرقوا بناتي وباعوهن كعبيد يا سيدي
وماتت زوجتي حسرة عليهن ..
عجوز : ( تقف بصعوبة ) لقد قتل كل أبنائي يا سيدي
.. وأصبحت وحيدة في هذه الحياة ، لا أهل لي ولا بيت
بعض الحاضرين : فليسقط الخونة .. فليسقط
الفساد .. الموت للخونة .. الموت للخونة فلنطهر البلاد منهم .
خون :
هل رأيت يا سيدي ما تحمله قلوب البائسين من آلام .. أن من بقى حيا .. يتمنى لو كان
قد مات قبل أن يري كل هذا العذاب أما
السيد " متن " يا سيدي ( يشير إلي متن ) فانه مثال جيد لظلم الفلاحين
وتعذيبهم .. لقد كان يعلم السادة أمثاله كيف يذلوا الفلاحين ويمتصوا دمائهم .
لقد
كان والدي يعمل في أرضه بكل إخلاص وأمانة ثم خلفته أنا بنفس الطريقة ولكن ما حدث
عند جنى المحصول السابق .. أن خرج على مجموعة من اللصوص وأنا أسير في الطريق إلي
قصره حاملا المحصول ونهبوا كل ما معي كان دحجوتي الذي يعمل عندك يا سيدي القاضي ..
( يرتبك القاضي عندما يشير إليه خون ) يتربص لي عند مزرعتك وسلبني المحصول والحمير
وحتى القربان وضربنا ضربا مبرحا ، كل هذا في مزرعتك يا سيدي وأنت حامي العدالة (
يرتبك القاضي بدرجة اكبر)
الحارس : تحدث عن مشكلتك أيها الفلاح .. لا شأن لك
بسيادة القاضي..
بعض الحاضرين: فلسقط
الخونة .. فليسقط الفساد
خون :
( مواصلا كلامه) وعندما حكيت ذلك للسيد " متن " لم يصدقني وضربني ضربا
مبرحا أنا وزميلي " حور" الذي
لا أعرف أين ذهب هذا الصديق الطيب المسكين .. ( يقف حور من وسط الحاضرين )
حور :
أنا هنا يا صديقي .. أنا هنا فلتحفظك الآلهة أجمعين .. استمر يا خون .. خذ لنا
حقنا من " متن " ودجحوتي " اللعين .. جاء يومك يا " متن
" .. استمر يا خون .. استمر يا خون فإنك لا تقل سوى الحق ..
خون : حمدا لله إنك هنا يا حور
الحارس : لا تخرج عن القضية ..
خون :
ثم هددني السيد " متن " بأنه سيأخذ أمي وأختي كأسيرتين إن لم أرد
المحصول لم يصدق انه سرق منى .. وعندما ذهبت لأشكو لك يا سيدي القاضي لم تسمعني
واعتبرت أن عاملك دجحوتي انتقم لك من
السيد " متن ".. وأصبحت أنا الضحية يا سيدي بلا ذنب اقترفته لماذا تصفون
خلافاتكم على حسابنا نحن الضعفاء .. ؟!
بعض الحاضرين :فليسقط
الخونة .. فليسقط الفساد
خون :
أنا عندي كلمة صغيره أريد أن أقولها لكم يا حضرات القضاة أين كنتم بينما كل هذا
يحدث في البلاد ؟ لماذا التزمتم الصمت والفساد حولكم ؟ لماذا كنتم ترون الخونة
يزورون الحقائق للفرعون وتصمتون ؟ أولستم حماة العدالة والحق ؟ لقد كنتم تعلمون أن
هناك المئات في السجون دون أن يحاكموا ولم تنطقوا بكلمة واحدة .. إننا نسألكم بعد
أن تحاكموا هؤلاء الفاسدين بكل الشرائع التى درستوها أن تحاسبوا أنفسكم أيها
السادة .. فأنتم أقوى بصيرة ..
الحاضرون : نعم .. نعم لابد أن يحاسب كل مسئول نفسه .. لابد أن نطهر البلاد ..
رنسي :
( مغتما ) إنني أعدكم أيها السادة بأن نحاكم كل المذنبين وان نحاسب أنفسنا ، ولكني
أناشدكم بألا تثيروا أي قلق في البلاد ، وسوف يعود العدل إلي نصابة الصحيح ..
بعض الحاضرين :
فليحيا العدل دوما في البلاد .. فليحيا العدل دوما في البلاد فليحيا الفلاح الفصيح
.. فليحيا الفلاح الفصيح ..
إظــــــــلام
المشهد
السابع
(
بهو في قصر الفرعون .. تدخل الأميرة ووصيفتها )
الوصيفة : الحمد الله يامولاتي .. لقد هدأت الأمور في
البلاد كلها
الأميرة : الأمور هدأت ولكن هناك جراح لا زالت تدمي
الوصيفة : يا مولاتي هناك جراح لا يداويها إلا الزمن
الأميرة : كم أتمنى لو استطعت أن اغسل كل قلب حزين ليعود إليه صفائه
وسعادته ..
الوصيفة : أن هذا يفوق قدرة البشر يا مولاتي .. أن الأيمان جدير بأن يعيد
للناس صفائهم وسعادتهم ..
الأميرة : الإيمان ؟ الإيمان بأي شيء أيتها الوصيفة العزيزة ؟ لقد اتضح أن الكهنة أنفسهم كانوا
متورطين في الفساد وهم من يجب أن يكونوا اطهر الناس .. لقد كان منظر الكهنة وهم يذهبون
إلي المحكمة .. من تلقاء أنفسهم منظر يشيب منه الولدان ، ولقد صدم الناس بما
سمعوه من كهنتهم وانهار إيمانهم بكل شيء
في الحياة
الوصيفة : عزيمة الشعوب أقوى من ذلك بكثير يا مولاتي .. شعبنا يسترد قوته
بسرعة لأنه اعتاد المحن العظيمة التي تزلزله زلزالا ..
الأميرة : كم أتمنى ذلك .. لكم أتمنى أن يدور الزمن بسرعة ، ليعود كل شيء
أفضل مما كان ..
الوصيفة : الصبر يا مولاتي الصبر .. وسيتحسن كل شيء
..( تدخل ميريت وهي تحمل صينية عليها بعض الطعام)
لابد أن تتناولى شيئا يا مولاتي .
الأميرة : ( منتبهه لميريت ) ميريت ؟ كيف حالك يا ميريت.. هل تحبين أن ترى خون ؟
ميريت :
( مرتبكة ) وأين هو يا مولاتي ؟ هل هو هنا ؟
الأميرة : سوف يأتي يا ميريت ، لقد أرسلت في طلبه وسيأتي .. وهل تحبين أن
ترى "رودوبيس " أخت خون ؟
ميريت :
ماذا يا مولاتي ؟ رودوبيس ؟ هل هي هنا حقا ؟
الأميرة : نعم يا ميريت ، ولكنك لن تريها قبل أن
يراها خون ..
ميريت : وهل أمي معها ؟
الأميرة : الأم ؟ لا يا ميريت .. لقد ماتت الأم ..
للأسف الشديد من كثرة ما لاقته من ألام وتعب لا يمكنها تحملها ..
ميريت : ( تبكي ) فلترحمك الآلهة يا أمنا العزيزة ..
الحارس : مولاتي .. الفلاح "خون " بالباب
لأميرة : دعه يدخل .. ( يدخل خون )
خون (
ينحني ) حيتك الآلهة يا مولاتي .. ( ثم للوصيفة ) حيتك الآلهة يا سيدتي العزيزة ..
( ثم لميريت ) كيف حالك يا ميريت ؟
ميريت : بخير يا خون
خون : ولماذا تبكين :
ميريت : لا يوجد شيء .. لا تشغل نفسك ..
الأميرة : هل انتهت المحاكمات يا
خون ؟
خون :
نعم يا مولاتي .. انتهت اليوم .. ونستطيع الآن أن نقول إننا طهرنا البلاد من معظم
الفاسدين يا مولاتي .. لقد نفي البعض وسجن آخرون وصودرت أموالهم التي نهبوها من الشعب .. حتى الكهنة يا
مولاتي .. اعترفوا بما فعلوه في حق الشعب ثم حاسب القضاة أنفسهم لقد حاكم كبير
القضاة السيد رنسي نفسه فقد حكم بان تصادر معظم أمواله وان يتخلى عن منصبه في
القضاء .. وكذلك حاكم باقي القضاة ..لقد كان منظرا مهيبا حقا يا مولاتي .. لقد كان
لدي الناس رغبة حقيقة أن يبدأوا عصرا جديدا ولابد أن يبدأ الآن بعد أن لاقى
المجرمون عقابهم ..
الأميرة : هذه نهاية كل مجرم يرتكب
إثما في حق شعبه ..
وخون :
نعم يا مولاتي .. لقد بدأ الخير يعود للبلاد .. ويقول الناس أن النيل سيكون فيضانه
مباركا هذا العام ..
الأميرة : أتمني ذلك يا خون .. فيضان النيل سيغسل قلوب الناس من الحزن
والألم .. (صمت ) ولكن ما ستفعل الآن يا خون ..
خون :
أنا يا مولاتي ؟
الأميرة : نعم
خون : (بحزن )
أمامي رحلة طويلة يا مولاتي من البحث والعناء لأجد أمي وأختي .. لأني لم
اعثر لهما على اثر حتى الآن وبعد أن تجدهما ؟
خون : سأعود لأزرع أرضي يا مولاتي
الأميرة : ولكنك تملك قدرات تتيح لك أن تشغل منصبا هاما في الحكومة يا خون
..
خون :
أنا يا مولاتي ؟
الأميرة : نعم يا خون فلديك عقلا راجح ولسانا فصيح ..
خون : كل أملى أن اعثر على أمي وأختي ، ثم أعود إلي ارضي
التي تربيت عليها ومن ثمارها ..
الأميرة : ولكن ماذا لو قلت لك أن "رودوبيس " هنا ؟
خون :
حقا يا مولاتي .. ( تشير الأميرة بيدها .. فيفتح الباب وتدخل رودوبيس ..تسلم على
خون بحرارة .. يلتفت خون ناحية الباب منتظرا دخول أمه ) أين أمك يا رودوبيس ؟
رودوبيس : ( تبكي ولا تتكلم) ..
خون : ( بفزع
) أين أمنا يا " رودوبيس" ؟
الأميرة :
إنها في دار الخلود يا "خون
"
خون : ماذا
هل ماتت أمي ؟ هل ماتت أمنا .. يا رودوبيس ؟
رودوبيس : ( وهي تبكي ) لم تتحمل ما واجهناه من عناء
خون أللعنة عليك يا " متن " أينما كنت ..
لو كنت اعلم لسلبت روحك الخبيثة وألقيتك نهبا للطير ..
الأميرة : لقد نال جزاءه يا خون فاهدأ الآن ، ولتحمد الآلهة أن رودوبيس و ميريت بخير ..
وستصبح ميريت زوجة عظيمة لك ..
خون : زوجة ؟
الأميرة :
نعم يا خون .. ميريت تكن لك حبا عظيما ..
خون :
يا للبؤساء .. إلا يمكن أن تكون رقصة
الفرح إلا ودموع الحزن تنهمر من أعيننا .. هل كتبت الآلهة علينا ذلك إلي الأبد
..آه فلترحمك الآلهة يا أمنا العزيزة ..
أينما حلت روحك المباركة .. (يدخل حور
متكئا على عصا )
حور :
لا تحزن يا صديقي العزيز .. لا تحزن .. أن للحياة الكريمة ثمنا لابد أن يؤديه كل
إنسان فاضل .. لقد تحملت ألام والآلام بصبر وجلد ويعجز عقنهما الكثيرون .. وهي الآن في دار الخلود تعيش في
سعادة ونعيم .. فلتلطف بنفسك أيها الفلاح الفصيح .. فإن الأرض تنتظرك لتصبح سيدها
وتعيد إليها الخضرة والنماء .. من جديد ..
"
تمـــــــــت "
الفيوم
ـ 1996
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق