2018/10/21

قضايا الأدب الإماراتي من خلال كتاب: «الأدب في الـخليج العربي» لوليد مـحمود خالص بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بـوفـلاقــــة


قضايا الأدب الإماراتي
من خلال كتاب: «الأدب في الـخليج العربي» لوليد مـحمود خالص
بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بـوفـلاقــــة 
        يندرج كتاب« الأدب في الخليج العربي» لوليد محمود خالص في إطار الكتابات الجادة التي تراهن على المقاربة النقدية العميقة والموضوعية كخيار منهجي لدراسة وفهم عوالم الأدب الخليجي،ورصد خصائصه الفنية،فالهدف الرئيس الذي يرمي إليه الدكتور وليد محمود خالص؛الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس من تأليف هذا الكتاب-كما يذكر- هو« المشاركة الجادة في درس الأدب الخليجي بما يضعه في مكانته التي يستحقها من حيث كونه جزءاً أصيلاً من الأدب العربي سواءً في قديم ذلك الأدب،أم حديثه» )1(.

            يضم الكتاب بين طياته مجموعة من الدراسات والمباحث التي تتطرق إلى جملة من  قضايا الأدب الإماراتي لم يسبق دراستها،وقد حفل بملاحظات دقيقة،ومتابعات شائقة،ورؤى نقدية متميزة،وهذا ما يجعله جديراً بالبحث   والتأمل والوقوف مع مختلف المباحث والدراسات التي قدمت من خلاله،فورقتنا هذه تسعى إلى تسليط الضوء على قضايا الأدب الإماراتي التي أثارها الدكتور وليد محمود خالص،فقد خصص الجزء الأول من الكتاب للأدب في دولة الإمارات العربية المتحدة،حيث يضم بين دفتيه-وفق وصف المؤلف-« أربع دراسات اثنتان منها عن قاصين هما من أهم من كتب القصة بدولة الإمارات هما:عبد الحميد أحمد ومحمد المر،وجاءت الدراسة الأولى بعنوان(المدينة في قصص عبد الحميد أحمد دراسة في البيئة المكانية)،أما الثانية فتحمل عنوان(محمد المر والقصة القصيرة،دراسة في المضمون والبناء)،وقد حاول الباحث فيها دراسة مجموعة من القضايا التي برزت في قصصهما باعتبارهما نموذجين متقدمين لكتّاب القصة القصيرة بدولة الإمارات،أما الدراسة الثالثة فتوقفت عند مجلة(شؤون أدبية)وهي من المجلات الأدبية المتجددة التي عرَّفت بالأدب العربي في دولة الإمارات خصوصاً،والأدب في الخليج العربي عموماً بالإضافة إلى اهتماماتها المتنوعة الخصبة،وهي ما تزال تصدر حتى الآن واثقة من نفسها،ومؤدية دورها الثقافي في المنطقة،واختارت الدراسة جانب(نقد الشعر في مجلة شؤون أدبية،دراسة في المادة والمنهج)،وسيرى قارئ هذا البحث غزارة وثراء ما قدمته(شؤون أدبية) للحركة النقدية بشكل عام معتمدة على النظرة الشمولية لمناهج النقد،ومتيحة لكتَّابها مساحة واسعة من الحرية والانفتاح مكنتهم من مناقشة الكثير من القضايا المهمة.
    أما الدراسة الأخيرة فهي(جدلية المرأة والطبيعة في شعر سلطان العويس،تجليات الرؤيا وآفاق التصوير)،وكم لسلطان العويس تغمده الله برحمته من أيادٍ على المناخ الثقافي بدولة الإمارات،ولا أريد الجائزة التي تحمل اسمه وحدها،فهذا قليل من كثير،بل أقصد تلك الحركة التي أحدثها،واستقطبت أدباء ومفكرين من سائر أقطار الوطن العربي،ناهيك عن كونه شاعراً من مقدَّمي شعراء دولة الإمارات،وهو ما أولته الدراسة عنايتها،سابرة غور نقطة في شعره رأت أنها المحور الذي دار عليه ذلك الشعر،إذ رصدتها وفسرت الشعر وفق تلك الجدلية وطرفيها:المرأة والطبيعة» )2(.
        كما أكد الدكتور خالص على أن هذا السفر هو« ثمرة علاقة مستمرة بالأدب في الخليج العربي لمدة طويلة زادت على العشرين سنة،وتأتت تلك العلاقة من اقتراب الباحث عن كثب من الحركة الأدبية في الخليج قديمها وحديثها،وهو لذلك يضم بين دفتيه دراسات ونصوصاً عالجت مفاصل مهمة من الأدب في هذه المنطقة الحيوية،وإن أولت هذه الدراسات والنصوص الأدب الحديث اهتمامها فقد رنت بعيون قديمة إلى الأدب القديم في محاولة لربط هذا الحديث الواعد بذلك القديم الباذخ،وما يزال الباحث يطور تلك العلاقة من خلال المتابعة الجادة لمشاغل الأدب في الخليج،وقراءة إنتاج أبنائه راصداً ذلك التطور الكبير الذي أحرزه على مدى السنوات العشرين المنصرمة» )3(.
      وأشار إلى أن منهجه في كتابة هذه الدراسات يقوم على الحرص الشديد على الالتزام بالمنهج العلمي في البحث المتسم بالموضوعية،والاعتماد على التوثيق ونسبة الآراء إلى أصحابها،والابتعاد عن التعجل والإثارة،كما ينأى بجنبه عن كل ما هو بعيد عن التحلي بالأخلاق العلمية.
  الـمدينة في قصص عبد الحميد أحمد-دراسة في البيئة المكانية-
       في المبحث الأول من الكتاب المعنون ب« المدينة في قصص عبد الحميد أحمد-دراسة في البيئة المكانية-»درس الدكتور وليد محمود خالص البيئة المكانية في قصص الأديب عبد الحميد أحمد،حيث ركز اهتمامه على نظرة القاص إلى المدينة وموقفه منها،ولفت الانتباه في البداية إلى أن«معالجة قضية ما ومنها المدينة في قصة قصيرة لن يكتب لها النجاح في قصة هابطة لم تستكمل أدواتها الفنية،فالقصة الهابطة ربما طرحت الموضوع نفسه وفيها من العيوب ما يجعلها تسطح المشاكل وتلبسها ثوباً رثاً غير آبهة بالتوتر والقلق أو بالأبعاد الخطيرة التي تُعالج من خلال المدينة مثلاً وهي تتحرك داخل القصة، و لا عبرة بهذا الفصل المبتسر بين الشكل والمضمون،فلن تتحقق الجودة للقصة إلا بجودة الاثنين معاً،ومصطلح العملة ذات الوجهين الذي شاع كثيراً يصلح هنا،فلا نجاح لطرف بمعزل عن  نجاح الآخر،فكلاهما يعمل في منطقة واحدة ويسعى لغاية مثلى، فكأن النتيجة لما تقدم هي أننا حين نحاول الدخول إلى عالم المدينة في قصص عبد الحميد أحمد سنتعامل مع قصص ناجحة تكاملت أدواتها وارتقت بأسلوبها،وامتلك صاحبها ناصية تقترب كثيراً من الإبداع والتوتر الحقيقيين،وهذه النتيجة تقترب إلى حد كبير من واقع النصوص التي بأيدينا بعيداً عن إضفاء النعوت والعبارات التي تحمل وجوهاً مختلفة،فالنص وحده هو المتحدث الرئيسي في هذا المقام،وبقية الأصوات صدى لا قيمة لها،ولولا هذه النصوص وما أخذت به نفسها من التجويد والتكامل ومن السعي الحثيث للوصول،لما استطعنا كشف المدينة والوصول إلى نتائج ذات بال» )4(.
    ومن أبرز ما لا حظه في وصف عبد الحميد أحمد للمدينة، أنه في وصفه المجرد لم يستطع أن يتخلص من انحيازه إلى الضد منها،حيث تند عبارة هنا وتقفز كلمة هناك التي تشير إلى الضيق بالمدينة وزحمتها وضوضائها،وهذا ما يعيق التأمل الهادئ ويمنع التفكير المنساب،كما أن النهر الهادئ فيها يأبى إلا أن يجرف كل شيء أمامه:الأحلام والطموح والأشياء الصغيرة،وكل شيء فيها يتسم بالسرعة والتلاحق المضطرب،وقد بدت هذه الظاهرة كذلك في الشعر الحديث الذي لم يستطع الشاعر أن يخفي موقفه من المدينة وهو يصفها،وقد استشهد المؤلف بمقطوعتين للشاعرين:أحمد عبد المعطي حجازي وعلي السبتي،تؤكدان تقارب رؤيتهما مع رؤية القاص عبد الحميد أحمد،  إضافة إلى شيوع ألفاظ الضيق والتبرم شيوعاً واضحاً خلال وصف الأديب للمدينة،ومن بين هذه الألفاظ التي مثل بها المؤلف:العذاب،القهر،الجو الخانق،الحزن،الغثيان،الأسى،فهي ألفاظ تعبر عن القلق المأزوم،وتضاف لها اللغة التصويرية التي لجأ القاص إليها لتعميق تلك الألفاظ وإكسابها دلالات متعاقبة نامية.
  والمفارقة التي ألح القاص عليها وحاول إبرازها من خلال الوصف تؤدي بالنتيجة إلى ضعف مركز المدينة،وتتيح له أن يعبر من خلالها عن المكنون الذي يريده.
      ووفق رؤية الدكتور خالص فالوصف لا يقصد هنا لذاته،بقدر ما يراد به التعبير عن مواقف أخرى تالية من بينها:الناس(الشخصيات)وعلاقاتهم وما أحدثته هذه المدينة بهم.
        فالقلق والضياع يميزان الشخصيات التي أبدعها القاص لتتحرك في شوارع المدينة وتتعامل مع معالمها المتعددة الضخمة،فقد تعمد رسم هذه الشخصيات في ظل التغير الكبير الذي أصاب المدينة،فلم يستطع بعضهم التكيف مع التغيرات فقبع في مكانه، وبعضهم حاول التكيف ولكنه لم يمتلك الأدوات فهرب من الميدان مذعوراً،وبعض الشخصيات تغيرت ولكنه تغير خارجي فقط لم ينفذ إلى الأعماق،وقد ظل عنصر المفارقة مهيمناً ويفتح آفاقاً واسعة لفهم الشخصيات،ويتركها تؤدي أدوارها بدقة وتأثير.
       وقد خلص الدكتور وليد محمود خالص إلى أن صورة المدينة وشخصياتها تلتقيان عند نقطة تكاد تكون واحدة القتامة والقلق و الانسحاق تحت وطأة العجلة المسرعة.
         وطرح تساؤلاًت مهمة في   ختام هذا البحث عبر عنها بقوله«وتبقى القضية المهمة التي تقتضي وقوفاً وهي هل رفض عبد الحميد أحمد المدينة بكل ما فيها من بناء وناس وقيم؟وهل حاول بعد هذا إيجاد مدينة وهمية أو خيالية يلجأ إليها؟أم ود العودة إلى الطبيعة:القرية أو الصحراء؟ »
        وفي إجابته عن هذه التساؤلات يرى المؤلف أن القاص قابل بين المدينة والقرية،فأشار إلى محاسن القرية:الوفاء، العلاقات الاجتماعية الصافية،ولكن للقرية مساوئها هي الأخرى،فليس هناك من خير صاف وشر محض« كما أن للمدينة نظامها وقانونها الخاص بها، ولذلك جاء اختلافها عن القرية،وليس من الضروري أن يكون هذا القانون برمته شراً كله،وعلى هذا فإنه من المخالف لطبيعة التطور أن تكون إدانة المدينة عامة،وإلا كان المفهوم المخالف لهذه الإدانة هو طلب العودة إلى الحياة السابقة بكل طيبتها ونقائها،وكل عنائها وشقائها أيضاً،فهو يرى من خلال تلك النظرة النافذة جوانب مختلفة وربما بدت متناقضة،الخير إلى جانب الشر،والقبح مقروناً بالجمال،تلك هي النظرة الواقعية لتجمع حوى هذه المتناقضات...فكما وجد في المدينة مظاهر للشر،وجد فيها مظاهر للخير أيضاً،كما أن الإحساس الذي يشع من وصف المدينة هو إحساس الملتصق بها،الخائف عليها،إنها مدينته مهما فعلت أو أظهرت شراً أو كشرت عن ناب.
        إن الشعور بالأمل يكاد يومض بين السطور،فالشر يكمن في تلك المظاهر المجتلبة،أما الجوهر فما يزال فيه الكثير من النقاء والخير.وقد أبدع القاص في تصوير كليهما،فكان شاهداً على ما يحدث،ومصوراً أميناً للفن الذي هو غايته،وفي هذا كفاية ويزيد» )5(.
    مـحمد الـمر والقصة القصيرة-دراسة في الـمضمون والبناء-
        في المبحث الثاني من الكتاب ركز الدكتور وليد خالص على دراسة المضمون والبناء في أدب محمد المر القصصي،وانطلق في بحثه هذا من التأكيد على أن القاص محمد المر يعد ظاهرة في الحركة القصصية الإماراتية تختلف عن غيره من القصاصين،وهذا الأمر يرجع إلى جملة من الأسباب من أبرزها«غزارة الإنتاج:إذ أصدر المر حتى الآن ثماني مجموعات قصصية هي:حب من نوع آخر سنة:1982م،الفرصة الأخيرة سنة:1983م،صداقة سنة:1984م،المفاجأة سنة:1985م،شيء من الحنان سنة:1985م، ياسمين سنة:1986م،نصيب سنة:1986م،حبوبة سنة:1987م،وهذا الرقم أي ثمانية يدل بوضوح على هذه الغزارة،وهي مسألة نسبية ولكنها لو قيست إلى غيره من القصاصين وإلى بدايات ممارسة الكتابة القصصية سنة(1982م)لبدت هذه النسبة عالية.ويرجع السبب الثاني إلى المثابرة والدأب اللذين يتميز بهما في الكتابة،إذ نلاحظ أنه يصدر في العام الواحد مجموعة واحدة ويرتفع هذا إلى أربع مجموعات في عامين متتاليين،إن الاستمرار في الكتابة يعني من ضمن ما يعنيه اهتمام الكاتب بفنه وقناعته به والتصاقه الدائم معه،ويشير أيضاً إلى محاولته تطوير هذا الفن ودفعه إلى الأمام وهو أمر مطلوب لا من القاص وحده بل من جميع الذين يزاولون الكتابة الأدبية،لأن الانقطاع عن الكتابة يبتر الصلة بين الأديب وما يزاوله من عمل أدبي،وقد وجدنا ظاهرة الاستمرار عند كثير من الأدباء الكبار أو من الذين يطمحون إلى الوصول والارتقاء بفنهم،أما السبب الثالث فهو ذلك الخيط الرفيع الذي ينتظم قصصه والمضامين المتعددة ضمن بيئة واحدة مما يستلفت نظر القارئ حقا،ولا شك أن تجاوز المتشابهات يشكل ظاهرة ينبغي الوقوف عندها» )6(.
            فيما يتعلق بالمنهج الذي سلكه الدكتور وليد خالص لدراسة إنتاج محمد المر،فقد تطرق إليه من خلال تساؤله عن كيفية التعامل مع إنتاج محمد المر،وقد أجاب بقوله« ولعل هذا السؤال يثير شيئاً من الاستغراب.وتحمل هذه الدراسة طرفاً من الإجابة،ولكن السؤال يشير بقوة إلى المنهج الذي يدرس إنتاج المر في ضوئه،وكانت المشكلة ستصبح أسهل حلاً فيما لو أن المر اختار لنفسه ما يسمى التقنية القصصية الحديثة،وهو أسلوب أقل ما يقال فيه إنه خرج على الأسس الكلاسيكية التي تقوم عليها القصة القصيرة وكتب بموجبها أولئك الرواد الكبار الذين وقفنا عندهم قليلاً،وعمد إلى كسر الوحدات الثلاث وهي البداية،الوسط،لحظة التنوير أو النهاية واستخدام أساليب جديدة مثل:تداخل الأزمنة وتعدد مستويات الفهم والبناء داخل التجربة الواحدة واستعمال أسلوب التداعي والحوار الداخلي والاتجاه إلى الرمز بدلاً من التصريح والتعبير المباشر،ولكن المر ارتضى لنفسه حتى الآن،وأتحرز لنفسي بهذا القيد،فهو ما يزال يكتب وربما اختار طريقاً جديداً في المستقبل،أقول إن المر ارتضى لنفسه الهيكل القديم للقصة القصيرة وإن لم يوفق فيه تماماً من حيث قيامها على الخبر ذي التأثير الكلي الذي يحوي الوحدات الثلاث ودلالة القصة على معنى يجمع نسيجها المكون من اللغة والحوار والوصف والسرد،وتتضافر هذه الأجزاء جميعاً في إيجاد قصة قصيرة مكتملة في جوانبها جميعاً،مما هو ذائع في كتب النقد النظري...،هل نعتبر محمد المر- حتى الآن-غير آخذ بالأسلوب الحديث للقصة القصيرة،ومن ثم ننظر إلى ما قدمه بمفهوم من تخلف عن متابعة الجديد وأن هذا الفن قد تجاوزه بزمن غير قصير،أم نتعامل معه وفق منظور البدايات الأولى للقصة القصيرة في الإمارات،حيث يشكل المر جزءاً فاعلاً فيها،ولابد للبداية-أية بداية-من أخطاء التجريب واكتشاف النفس وقتل القديم والحديث فهماً،وهذا محتاج إلى وقت.
       إن النقد الحقيقي الذي يقيم جسوراً من الفهم والاحترام بين المبدع والمتلقي والناقد يشير إلى الأخذ بالرأي الثاني،فليس يكفينا أن نصف المر أو غيره من الكتاب بعدم متابعة الجديد والتخلف عنه،وغير مجد أن نقف من هذا الإنتاج وقفة العداء،شاهرين السيوف،بل إن النظرة المتأنية الهادئة هي المطلوبة في هذا الموقف،خاصة ونحن نتكئ على تراث مهم يشبه ما يكتب به المر في بعض الأحيان...،ولذلك فسوف نقرأ قصص المر بعيون القواعد التي قررت والأسس التي رست عليها القصة القصيرة قبل أن يخرج عليها من خرج،مع إشارتنا في هذا الموضع إلى أن بعض القصاصين في الإمارات قد بدأ يرتاد مجال القصة الحديثة-إن جاز التعبير-ويعبر عنها بشكل جيد،مما يدل على أن محاولات التطوير والاقتراب من الجديد موجودة هنا وهناك في بعض هذه القصص وإن كان المر لم يأخذ بها حتى الآن» )7(.
          وفي رصده لمضامين قصص محمد المر،سجل المؤلف أن المضامين هي التي تشكل الجانب المهم في بناء القصة عنده،فهو يعالج مضامين متعددة ذات علاقة وثقى بواقعه الذي يعيش،ويتميز بأنه لا يحصر هذا الواقع في بيئة محددة لا يخرج عنها في دبي التي تعتبر هاجساً مستديماً يعيش مع المر في قصصه،بخورها ومناطقها وأهلها ومساجدها وأسواقها ومدارسها،فقد أخلص لهذه القضية إخلاصاً عجيباً،وحيثما جلت في قصصه القديمة والحديثة فلن تجد سوى دبي المدينة والناس،وإلحاحه على مدينة دبي فسح له المجال واسعاً للحديث عن موضوعات متعددة.
       وقد شكل المضمون الاجتماعي السمة الغالبة في قصص المر كما يرى الدكتور وليد خالص،حيث يعرض جوانب من واقع دبي معتمداً على تشخيصه الذاتي لها،وأهم المضامين الاجتماعية التي تستوقف القارئ هي العلاقات الأسرية بعد النفط والعمالة الوافدة،وقد تعرض لها في الكثير من قصصه وأبدع في تصوير العلاقات الجديدة.
       كما لاحظ وليد خالص أن محمد المر يعتمد الواقعية التسجيلية في قصصه،وهي التي منحتها  نكهة خاصة وقيمة متميزة،وتمكن بفضل اتباعه لهذا الأسلوب من الاقتراب من مجتمعه ورصد الكثير من مظاهره.
       وبالنسبة إلى توظيف الشخصيات في قصص محمد المر،فالدكتور خالص يرى أن توظيف الشخصيات في قصصه يتسم بالتباين والتنوع،حيث يقول عن هذا الموضوع:« وظف المر الكثير من الشخصيات المتباينة في قصصه،ونستطيع ملاحظة نماذج من هذه الشخصيات،فهناك الشخصيات المهمة الثرية من تجار وموظفين كبار،وهناك شخصيات عادية من طلاب وموظفين صغار وعاطلين عن العمل،وهناك شخصية المرأة من حيث كونها موظفة أو طالبة أو عاطلة أو باحثة عن وسائل لقتل الوقت أو ربة بيت منجبة للأطفال،ومن الملاحظ أيضاً أن المر قد اختار لشخصياته أسماء مثل:خليفة،سلطان،سيف،حمد،خلفان،حصة،شمسة،حمدة،وكأنه يؤكد بذلك انتماء هذه الشخصيات إلى تلك البيئة التي أخلص لها وظل يذكرها في قصصه» )8(.
           في ختام  هذا البحث أكد الدكتور وليد خالص على أن القاص محمد المر قدم قصصاً تتفاوت فيما بينها من حيث الجودة أو الابتعاد عنها،وهو خلال مجموعاته الثماني سلك طريقاً واحداً يقترب من التسجيل الواقعي للحوادث والشخصيات،وقد نجح نجاحاً كبيراً في رسم بيئته وتوظيف شخصيات تعيش في هذه البيئة وتتفاعل معها،وهذا مما يحسب له في إطار البدايات للقصة القصيرة في الإمارات.
        نقد الشعر في مـجلة شؤون أدبية-دراسة في الـمادة والـمنهج-
        خصص الدكتور وليد خالص البحث الثالث من الكتاب لمعالجة موضوع« نقد الشعر في مجلة شؤون أدبية»من خلال دراسة المادة والمنهج.
        ولا يختلف اثنان في أن مجلة شؤون أدبية هي واحدة من المجلات الرائدة التي أسهمت إسهاماً كبيراً في إثراء الحركة الأدبية في دولة الإمارات العربية المتحدة،وكما وصفها في مستهل بحثه هذا فهي تقف متفردة،وتتميز بالكثير من الخصائص منها«أنها مجلة تعنى بالشؤون الأدبية:المحلية والعربية والعالمية،فهي أقرب إلى أن تكون مجلة متخصصة بهذا اللون من النشاط الثقافي،وهي معنية بالجانب النقدي الذي تراه أمراً ملازماً لأية حركة أدبية.وهي إلى جانب ذلك متعددة الاهتمامات،لا تكتفي بالإبداع العربي وحده،بل يطل قارئها من خلالها على إبداع أمم متباعدة،شرقية وغربية،لتتواصل مع العالم المتجدد الذي يموج بالسرعة والحركة،وهي مرة ثالثة تختط لنفسها خطاً لم تحد عنه وهو الاستقلالية في التفكير،والديمقراطية في النشر،وهي مستمرة في   الصدور و مداومة على تطوير الذات» )9(.
           فيما يتعلق بمنهج المجلة،فقد أوضحت هذا الأمر فيما يشبه البيان الثقافي-كما يذكر د.خالص-في مقدمة العدد التاسع سنة:1989م،«و يمكن اعتبار تلك المقدمة،أو ذلك البيان بمثابة الأصوات التي يهتدي بها المتتبع من جهة،ومقاييس يحتكم إليها لتظهر مدى ملاءمة ما قرره البيان،وما ينشر في المجلة من جهة أخرى،ولا يعني هذا أن المجلة لم تكن تمتلك رؤية واضحة لعملها خلال الأعداد السابقة،ولكن تلك المقدمة كانت شاملة مستفيضة،مزجت الماضي بالحاضر،مع استشراف المستقبل في بوتقة تضع الأمور في مواضعها،وتحاول جاهدة التعبير عن نفسها بثقة ووضوح(تنهج المجلة في تحريرها نهجاً ديمقراطياً يتيح لكافة الآراء،والمعتقدات أن تلتقي فوق صفحاتها في حدود القوانين المعمول بها في الدولة)،تبين هذه العبارة نهج المجلة،وخطتها في النشر،وتزيدها أيضاً بقولها(حرصت شؤون أدبية على أن تكون ملتقى لكل الجهود الإبداعية الطيبة محلياً،ولكل تيارات الإبداع عربية الوجه،واللسان،واليد إقليمياً،وحرصت على الانطلاق إلى آفاق أرحب تستشرف الجديد،والخلاق والأصيل عالمياً)،ولذلك فهي تضطلع بنشر(نتاجات الكتاب والأدباء في الدولة وآرائهم..والانفتاح على الكتاب والأدباء العرب والأجانب عبر نشر نتاجاتهم وآرائهم لتوثيق العلاقات بهم) » )10(.
        قسم الدكتور خالص دراسته إلى محورين اثنين:نظري وتطبيقي،ونبه إلى وفرة المقالات في المحورين،وهذا يدل على تيقن المجلة من أهمية القسمين،وعدم تغليب واحد منهما على الآخر،فقد عالجت المقالات النظرية جملة من القضايا الجوهرية التي تتعلق بالشعر،وتوقفت مع بعض الإشكاليات التي تواجه الشعر العربي الحديث،مثل:الحداثة،وقصيدة النثر،والصورة الشعرية،وغيرها.
         واتجهت بعض المقالات نحو التعريف ببعض أدباء الخليج العربي،مثل:مقال الأستاذ عبد الغفار حسين عن (الشيخ عبد الله بن حميد السالمي العماني)في العدد الثاني،ومقال(الشيخ صقر بن سلطان القاسمي)في العدد الثالث،ومقال(ابن شيخان العماني)في العدد الرابع،ومقال الأستاذ محمد سامي علي عن الشاعر(سالم بن علي العويس)في العدد الثاني.
      ومن بين المقالات التي عالجت الإشكاليات السابقة مقال(الفن والشعر)للأستاذ أسعد محمد علي،ومقال(في قيمة النقد الأدبي)للأستاذ عادل الفريجات،ومقال(تشكيل الصورة الشعرية،دراسة في الشعر العراقي الحديث)للأستاذ قيس كاظم الجنابي،ومقال(الغموض في الشعر العربي المعاصر)للأستاذ عبد الله رضوان،ومقال(الشاعر الأردني وشروط الإبداع الفني)للدكتور عبد الرحمن ياغي.
       يقصد الدكتور وليد خالص بالقسم التطبيقي تلك المقالات التي توقفت عند قصيدة واحدة،أو مجموعة شعرية،وحاولت تحليلها وتقديم صورة عنها من خلال استخدام منهج معين،أو قراءة حرة،ومن بين هذه المقالات(شهادة أولى في قصائد من الإمارات)للدكتور عدنان حسين قاسم،وقد وصف الدكتور خالص هذا المقال بأنه وقفة متأنية مع قصائد من الإمارات،مع محاولة تقسيمها إلى ثلاثة أقسام وفق مضامينها،وهي:الرؤية الإسلامية والنزعة القومية والوطنية وتيار الوجدان الفردي،وقد استثمر الدكتور عدنان قاسم الأدوات النقدية وزاوج بين ثمار البلاغة العربية والدراسات الأسلوبية الحديثة،ولم ينس عنصراً مهماً وهو الذوق.
         وفي العدد الخامس كتب الأستاذ محمد العبد الله مقالة بعنوان(قراءات في أدب الإمارات،استمرار الكلاسيكي وتعايش الأشكال) وقد شغل اهتمامه  بكتاب(قصائد من الإمارات) الصادر عن اتحاد كتاب الإمارات أكثر من نصف المقالة،و ركز على مضامين القصائد،وتوقف عند شاعرة واحدة وثلاثة شعراء هم:ظبية خميس وناصر جبران وعارف الخاجة وحبيب الصايغ.
        وقد ذكر الدكتور خالص أنه ختم مقاله برأي جدير بالتوقف هو« الشعر غزير وكثير،وكأن الأدباء في الإمارات يحاولون إحراق المراحل التي فاتتهم، أمواج كتابية فيها الكثير من الحصى والأصداف،وأيضاً الكثير من اللؤلؤ شعر خارجي،إذا صح التعبير،مهجوس بالمسألة القومية،والموضوعة السياسية،لا نستطيع من خلاله أن نقرأ بوضوح الواقع الحضاري الجديد،والأزمات القائمة في مجتمع كمجتمع الإمارات،وينبغي لكي نقرأ هذا الواقع أن نتجه على ما يبدو نحو النثر نحو القصة والرواية».
         قدم الدكتور وليد محمود خالص في ختام بحثه هذا مجموعة من النتائج التي توصل إليها، وهي على النحو الآتي:      
« -تمتعت المجلة بقدر عال من الالتزام بما كانت قد اختطته لنفسها،من حيث الديمقراطية والنشر،ونوعية المنشور وتنوعه.
-قدم النقد النظري دراسات عن إشكاليات مهمة في النقد الحديث،واقترب من مناطق مثيرة للنقاش،مثل:قصيدة النثر والمعنى،والصورة الشعرية.
-رافق النقد النظري النقد التطبيقي، وواكب ذلك التنظير واستطاع أن يقدم نماذج طيبة،مما يعد تميزاً في المجلة،لما هو معروف عن صعوبة النقد التطبيقي وابتعاد الجمهرة من المنظرين عنه.
- تميزت أغلب المقالات بقسميها،بمقاربتها الحداثة ونشر مفاهيمها والدعوة لها...
-تفاوتت المقالات فيما بينها قوة،أو ضعفاً،من حيث الالتزام بمنهج البحث،وكيفية عرض المشكلة،ومناقشتها للوصول إلى نتيجة معينة،وهذا راجع إلى طبيعة الدارسين أنفسهم وتباين ثقافتهم وأساليب معالجتهم.
-استطاعت المجلة أن تضم بين جناحيها كتاباً من أغلب الأقطار العربية،مثل:الإمارات،السعودية،الكويت،البحرين،قطر،مصر،سوريا،العراق،تونس،المغرب،لبنان.
-نفخت النقطة السابقة في المجلة روحاً متجددة،وجعلتها منفتحة على تجارب نقدية مختلفة،ووصلت القارئ بنشاط نقدي ما كان أن يصل إليه لولا ذلك الانفتاح.
-تلاحظ قلة في المقالات التي تناولت الحركة الشعرية في دولة الإمارات بالقياس إلى عدد المقالات المتوافر بين أيدينا وكذلك ندرة المشاركين من كتاب الإمارات في القسمين على السواء.
-تأسيساً على النقطة السابقة نستطيع القول إن الحركة الشعرية في الإمارات لم تفرز حتى الآن ناقدها المنتظر،ذلك الناقد الذي يتمتع باستكماله الأدوات النقدية:الذوق المدرب،والثقافة الواسعة،مع المتابعة المستمرة لحركة الإبداع وإضاءته وتقويمه.ونحن-لاشك-ننتظر هذا الناقد بلهفة بعد أن استوت الحركة الأدبية في الإمارات على ساقها وأصبح لها شعراؤها وكتابها المتميزون-تجدر الإشارة إلى أن هذا الرأي صادر سنة:1425هــ/2004م-»)11(.


 جدلية المرأة والطبيعة في شعر سلطان العويس-تجليات الرؤيا وآفاق التصوير-
        في البحث الرابع والأخير من الأبحاث التي تعنى بقضايا الأدب الإماراتي، سعى الدكتور خالص إلى الوقوف مع تجليات الرؤيا وآفاق التصوير من خلال دراسة جدلية المرأة والطبيعة في شعر سلطان العويس،فقد لاحظ أن الطبيعة تتحرك في شعر سلطان العويس على مستويين: الأول خارجي والثاني داخلي.
     ويؤكد الناقد وليد خالص على أن شعر سلطان العويس يحوي الكثير من عناصر الطبيعة،حيث عبر عن حضورها المكثف في إبداعاته بقوله« أنى قلب القارئ بصره في شعر سلطان العويس فلا بد من أن تصدمه الطبيعة بمفرداتها المتعددة،وتفصيلاتها الدقيقة فهي حاضرة مشعة،تلون الشعر بلونها الخاص،وتضفي عليه من الصور والألوان ما يحيل هذا الشعر إلى مهرجان من مظاهر هذه الطبيعة التي أولع بها وراح يوظفها في شعره»)12(.
          وقد لفت انتباه الدكتور خالص أن الشاعر سلطان العويس يستفيد من الموروث الشعري العربي القديم  الذي طالما وقف أمام الحيوان واصفاً،ومستمداً من طبائعه الدلالات مثل الناقة والفرس والذئب والأسد،فسلطان العويس يفيد من الموروث الشعري ليعيد تشكيله من جديد متناغماً مع نظرته الخاصة،وتوجهه المتميز،وخلص في الأخير إلى أن الشاعر سلطان العويس استطاع من خلال الجدل أن يثير جمهرة من الإشكالات والرؤى الخاصة،وكان الجدل وفياً له إذ قدم له من الإمكانيات التعبيرية والتصويرية الشيء الكثير،فكأن هناك جدلاً من نوع خاص بين الشاعر والجدل نفسه،كل يعطي لصاحبه ما عنده،الجدل يعطي طاقاته وثراءه،والشاعر يمنحه فنه وشعره،فيقع ذلك التلاقي النادر بينهما،وبذلك يتحقق الشعر الحقّ.
   الـهوامش:
(1)د.وليد محمود خالص: الأدب في الخليج العربي-دراسات ونصوص-،منشورات المجمع الثقافي،أبو ظبي،الإمارات العربية المتحدة،2004م،ص:07.
(2)د.وليد محمود خالص: الأدب في الخليج العربي-دراسات ونصوص-،ص:05 وما بعدها.
(3) المصدر نفسه،ص:05.
(4) المصدر نفسه،ص:15-16.  
 (5)المصدر نفسه،ص:29-30.
(6)المصدر نفسه،ص:38-39.
(7)المصدر نفسه،ص:39-40.
(8)المصدر نفسه،ص:46.
(9)المصدر نفسه،ص:62.
(10)المصدر نفسه،ص:63.
(11)المصدر نفسه،ص:84-85.
(12)المصدر نفسه،ص:96.

  

ليست هناك تعليقات: