2018/10/25

رسالة الشعر في مجموعة «هديل الحمام»


رسالة الشعر في مجموعة «هديل الحمام»
عمّان-
رغم أن أكثر الشعراء في زمننا هاجروا في شعرهم بحور الخليل بن أحمد المعروفة، إلا أن بعضهم ما زال يتمسك بتلك البحور، ويكتب على أوزانها، ويرفض ما دون ذلك، ويخرجه من دائرة الشعر الرصين، أحد هؤلاء هو الشاعر الفلسطيني أحمد غسان عمر في مجموعته الشعرية «هديل الحمام» الصادرة مؤخرًا عن الآن ناشرون وموزعون في عمّان.
فها هو الشاعر يحمل همّ الشعر، ويأسى من كثرة الزاعمين أنهم شعراء، وأئمة للشعر، ينسبون لأنفسهم مكانة لا يستحقونها، ويعاتب الشعر على قبوله دخولهم في رحابه، وكأنه وردة لا تردّ مفتونًا يشمها، وذلك تجلّى في قصيدته «من يضمك» التي يقول فيها:
يا شِعْرُ قُلْ لِي مَنْ يَضُمُّكْ
 
وَمَنِ الَّذِي حَقَّاً يَؤُمُّكْ؟
  
يا شِعْرُ هَلْ أَنْصَفْتَنَا
 
أَمْ كَثْرَةُ الشُّعَرَاءِ هَمُّكْ
  
أَغَدَوْتَ مِثْلَ الوَرْدِ
 
لَسْتَ تَرُدُّ مَفْتُونَاً يَشُمُّكْ؟
  
فَأَجَابَنِي مَاذَا يَهُمُّكَ
 
يا فَتَى! مَاذَا يَهُمُّكْ؟
  
وَأَنَا أَبُوكَ وثُمَّ
 
أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكْ

  
و في نهاية مقطوعته ينتزع من الشعر اعترافه به شاعرًا، يمتلك موهبة حقة.
 تتسم أفكار قصائد المجموعة الشعرية بالتنوّع والشمولية، إذ يتناول الشاعر فيها موضوعات مختلفة، بعاطفة صادقة وحس مرهف، متطرقًا لقيم أخلاقية سامية، تجمع بين الناس، وتنظّم العلاقات في ما بينهم، كالأخوة والصداقة التي احتلت مكانة سامية في نفس الشاعر وفي مجموعته الشعرية، ومن ذلك ما ورد في قصيدته «يا صديقي» التي يقول فيها:
يَا صَدِيقِي أَنْتَ خِلِّي
 
أَنْتَ مِرْآتِي وَظِلِّي
  
أَنْتَ سَاعَاتُ التَّصَافِي
 
أَنْتَ أَوْقَاتُ التَّجَلِّي
  
قَدْ يَغِيبُ المَرْءُ يَوْمَاً
 
لَيْسَ فِي هَذَا تَبَلِّ
  
إِنَّمَا ذِكْرَاهُ تَبْقَى
 
فِي قُلُوبٍ لا تُوَلِّي

  
رَبِّ وَاجْعَلْهُمْ رِفَاقَاً
 
فِي الفِنَاءِ المُسْتَظَلِّ

  
وفيها يبدو الصديق متسمًا بصفات صادقة سامية كالود والوفاء، ومهما غاب تبقى ذكراه حاضرة في القلب لا تغيب، وهو كما أحب صديقه في الحياة الدنيا أراد أن يجمعه الله به في الحياة الآخرة.
ولأهمية الصداقة في حياة الشاعر، أفرد لها أكثر من قصيدة في مجموعته منها قصيدة أخرى بعنوان «الخل النزيه»، التي ينشد فيها الصفات التي يتمنى أن يجدها في الصديق.
وللأخوة مكانة أيضًا في نفس الشاعر وبين سطوره، كما جاء في قصيدته «واسمع أخي» التي دعا فيها لأخيه قائلًا:
يا رَبِّ بَارِكْ يَوْمَهُ وشُهُورَهُ
 
وامْنَحْهُ مِنْ عدَدِ السِّنِينِ مَزِيدَا
  
واخْتِمْ لَهُ بالصَّالِحَاتِ خَوَاتِمَاً
 
واكْتُبْ لَهُ فِي الجَنَّتَيْنِ خُلُودَا
أما في قصيدته «هديل الحمام»، التي تحمل عنوان المجموعة الشعرية، ففيها يرقّ قلب الشاعر في وصف صوت محبوبته المثير الفاتن، الذي يبعث في نفسه المسرة والحبور، إذ يقول فيها:
أَهَدِيلُ الحَمَامِ طَافَ أَثِيرَا
 
أَمْ سَرَى حَيْثُ كُنْتُ مِنْهُ سَمِيرَا
  
كَمْ تَرَانِي فَرِحْت حِينَ شَدَتْنِي
 
مَنْ بَدَا صَوْتُهَا إِلَيَّ مُثِيرَا
  
فَتَنَتْنِي ولَوَّعَتْنِي غَرَامَاً
 
وَكَسَتْنِي  مَسَرَّةً  وحُبُورَا
تت

  
وفيها يصف لقاءه بها في ظلّ وغدير، بين الزهور  الندية الفائحات، في مكان يشبه الجنة رونقًا وعبيرًا، طالبًا قربها ووصالها. ولهذه القصيدة عند الشاعر قيمة كبيرة، حيث عنون مجموعته الشعرية باسمها، وجاءت أطول قصائد المجموعة.
وكما يفخر الشاعر بنفسه وموهبته، يفخر أيضًا بعائلته بني عمر في قصيدته «بنو عمر» التي مطلعها:
بَنُو عُمَرٍ أَعَزُّ النَّاسِ دَارَا
 
وَأَجْوَدُهُمْ، وَخَيْرُ الخَلْقِ جَارَا
  
كِرَامُ الطَّبْعِ مِنْ نَسْلٍ كَرِيمٍ
 
عِظَامُ الشَّأْنِ قَدْرَاً وَاعْتِبَارَا



  
وفيها يفتخر الشاعر بمجد أسرته، وطيب أصلها، وعلو مكانتها.
وخلال استعراض مقطوعات المجموعة الشعرية وقصائدها، نجد أن الشاعر مؤمن بالقيم الإنسانية العالية التي تجمع بين الناس، ويرى أن للأدب والشعر رسالة ووظيفة في تعزيز العلاقات والقيم الأخلاقية والاجتماعية.
يذكر أن الشاعر أحمد غسان عمر من مواليد قرية فرعون 1978، محافظة طولكرم في فلسطين، حائز على شهادة الهندسة المدنية من جامعة بيرزيت- رام الله عام 2001، يقيم في مدينة دبي منذ عام 2001، وعمل مهندسًا في كثير من الشركات الرائدة في القطاع العقاري في الإمارة.


ليست هناك تعليقات: