انفجار شعري رهيب في مدينة عزبة البرج:
* الفنان الأصيل أحمد اسماعيل يشعل نار المقاومة غناء !
* في المقهى طلب الناس أغاني محمد عبدالمطلب .
* سحر النيل في نداوة الساعات الأولى من الصباح.
* رسالة شكر لصديق شهم اسمه أحمد راضي.
* في جماعة " حالة " شعراء شبان موهوبون بحق.
* على الدمايطة أن يستمعوا للشعر أكثر مما يلقوه!
رؤية : سمير الفيل
* الندوة الشهرية التي تنظمها مجموعة أدباء مدينة عزبة البرج في مبنى " جمعية كفالة اليتيم " صارت من العلامات المميزة لمحافظة دمياط ؛ فالشاعر أحمد راضي اللاوندي بشبكة علاقاته القوية وحضوره الشعري الجميل ، يتقدم خطوة بعد خطوة نحو ذيوع وانتشار الندوة واتساع قاعدتها الجماهيرية ، والعقيد محمد بيصر رئيس كجلس إدارة الجمعية يتعهد الأمسيات بالحضور والإنصات والرعاية .
المشكلة الكبرى التي أصادفها في كل ندوة هو عدد الشعراء المشاركين الذي يحول ندوة ثقافية نحاول أن نتلمس من خلالها بعض المشاعر الدافئة إلى فاصل طويل من الإنشاد المرهق الذي يصل لدرجة التنكيل بالحضور، أو حسب مقولة شيخنا الشاعر الراحل طاهر أبوفاشا : " لقد أوسعتمونا شعرا! " .
ما معنى أن يشارك في ندوة واحدة 53 شاعرا وشاعرة ؟!
ما ضرورة أن يصمم الجميع على قول الشعر وكأنه فرض عين؟!
وما حتمية أن يختار بعض الشعراء في هذه " الدربكة الشعرية " أكثر من قصيدة ؟!
ولماذا لا يتم الاتفاق على المشاركة بالتبادل فمرة تقول مجموعة من الشعراء ومرة أخرى مجموعة أخرى ، وهكذا .. وأخص هنا أبناء جلدتي " الدمايطة " ....
الحسنة الوحيدة التي يمكن أن أسجلها في هذه الفعالية هو حضور الملحن أحمد اسماعيل من القاهرة والمشاركة بعوده في تقديم أغنيات رائعة لعدد من كبار الشعراء المصريين ، منهم عمنا فؤاد حداد.
جاءت جماعة " حالة " بأتوبيس كامل من الأسكندرية ومعها حوالي 23 شاعرا وشاعرة . ونحن نرحب بكل الأصوات الجديدة لكن في المقابل كان يمكن الاستماع إليهم وحدهم مع الضيوف القادمين من المنصورة وبورسعيد وكفر الشيخ والإسماعيلية والقاهرة والفيوم ، وترك الفرصة لعدد أقل من دمياط ليحدث التجاوب المطلوب . لكن خشية غضب الزملاء يجعل هذا الحل مستحيلا . وقد سبق أن طبقته بنفسي وتعرضت لحملة عداء غير مسبوقة تحملتها لأن رؤيتي وتقديري للأمور كان أقرب للصواب. .
الندوة التي بدأت الساعة التاسعة مساء انتهت في الثالثة صباحا . وهو وقت توقفت فيه وسائل المواصلات . حاولت أن أستقل أي وسيلة مواصلات لمدينتي دمياط فلم اعثر على " ميكروباس " او " تاكسي " .
أشار لي اللاوندي أن أنضم إلى المجموعة لنشرب الشاي ـ على حسابه طبعا ـ وكانت محلات الفول والطعمية قد أغلقت أبوابها ، فتصرف مصيفنا الكريم بإحضار بعض سندويتشات الجبن وأطباق الطرشي .
أهم ما في جلسة المقهى أن الفنان أحمد اسماعيل الذي كان يجاورني تماما وافق الأصدقاء على غناء بعض الأغنيات الجميلة لسيد درويش وزكريا أحمد ومحمد فوزي وله شخصيا. ومالبث جمهور المقهى أن طلبوه بالداخل وحيوه وقدم أحدهم له باقة ورد وطلبوا منه أغنيات محمد عبدالمطلب فردد العود ألحان قديمة بصوت رخيم : " ودع هواك " ، " ساكن في حي السيدة " ، " شفت حبيبي " .
ولأن أبواب السهر قد فتحت فقد طلب بعض الضيوف من اللاوندي وسعد أغا وخالد البراوي أن يقوموا بجولة في نهر النيل والفجر يشقشق .
في الرابعة والنصف تحرك الركب ، ولا أعرف كيف أمكن لهم إحضار لنش حمل الشعراء على صفحة الماء وكانت جولة رائعة اتجهت إلى اللسان ثم عادت لتحاذي قرى قريبة منها الشيخ ضرعام وغيرها.
وزع الملحن احمد اسماعيل " سيد يهات " على الأصدقاء ، ووضع الربان أسطوانة رافقت الرحلة في سيرها المتهادي مع نسائم الصباح الرقيق . رحلة انتهت حوالي السابعة صباحا على مرسى صغير برأس البر.
* الندوة الأساسية التي قارب زمنها على سبع ساعات حضرها كتاب قصة منهم فكري داود من دمياط وسمية الألفي من بورسعيد ، وحضرها بعض الضيوف مثل شادي التوارجي ومحمد الشطوري من رواد صالون " التوارجي الثقافي " مرافقين لأحمد اسماعيل مغني الحركة الوطنية المصرية، كما حضرها زملاء آخرين منهم ماهر الشيال .
لقد تعذبت فعلا لهذا الكم من دخان السجائر الخانق حيث يكفي وجود ثلاثين سيجارة مشتعلة بصفة مستمرة لطلوع الروح ، وقد حاولت الهرب من الجو الخانق بالوقوف من وقت لآخر في النافذة القريبة من المنصة فوجدت المقابر ملاصقة لمبنى . لم أخف الموت وخشيت الدخان.
* شعراء جماعة " حالة " جاءوا بيافطة صغيرة علقوها وراء المنصة وفي كل مرة يقدم أحمد الشربيني ـ مدير الجلسة ـ شعراءهم على أنهم شعراء جماعة " إضافة " يصححون له المعلومة : جماعة " حالــــــــــــــــة " .
شعراء الجماعة في أغلبهم شباب ويتميز أعضاء المجموعة بالاتجاه لقصيدة العامية المصرية باستثناءات قليلة. الموضوع الأساسي هو نقد السلطة من منظور رفض الفساد ومقاومة الافتئات وهذا ليس مرفوضا شريطة أن يكون في إطار جمالي متماسك وهو ما حققه بعض الشباب الواعد . لكن شاعرا عاميا مثل مصباح المهدي ( المنصورة ) كان أكثر اقترابا من استحضار عنفوان النص في تفاعله مع هموم الجماعة ،وانكساراتها ، وهو ما حققه شاعر فصحى آخر هو محمد عبدالوهاب في قصائد تعلن عن موهبة أصيلة ( أهدى الشاعر قصائده لصديقه أشرف البشبيشي الحائز على جائزة الدولة التشجيعية في شعر الفصحى) .
أعجبتني أصوات مقتحمة ـ بتعبير فاروق شوشة ـ في " حالة " منها الشاعرة أمينة شامة ، رغم نبرتها العالية جدا ، وعمر زيتون في معالحة الفكرة ، وفؤاد ابراهيم في مطلع قصيدته ، ومحمد هلال في ولوجه لقلب النص بتشكيل مختلف ، والطفلة مريم فؤاد التي أعتقد أن لها حضور قوي ومستقبل مبشر أما نور الدين الشريف ( قلبك مشبوك في الفستان ! ) فهو شاعر نادر في مفرداته البهيجة عكس السائد في الندوة من فضاءات معتمة ، مثقلة بالأحزان ربما تعكس تحولات المرحلة .
* بعض شعراء دمياط ما زالوا يعتزون بالقصيدة ال" درة " فيلقونها في كل مناسبة وكل محفل . هذا ضد طبيعة الشعر الذي هو مغامر ، مراوغ ولا يسلم نفسه بسهولة.
* أعجبني عبد الناصر حجازي الذي جاء من بورسعيد واختار أن يلقي رباعية فقط لأن المطلوب هنا ليس استعراض القيمة أو الإنجازبقدر ما يكون الهدف هو التعارف على أصوات جديدة ونقل الخبرة في آن . ورغم سماعي لقصائد شاعر بورسعيد محمد عبدالرؤوف أكثر من مرة فهو ما زال يدهشني ببساطته وقدرته على التسلل لمناطق الشجن في الوجدان الشعبي.
* رجاء أبوعيد قدمها الشربيني على أنها أول عضو نسائي في جماعة رواد الأدبية في دمياط وقد جاءت من بورسعيد ، محل إقامتها الحالي ـ ومعها قصائد ببصمة الستينيات ، وقد وجدت تقى المرسي تتقدم في نصوصها الأخيرة مقدمة تشكيلا جماليا بديعا وجدناه في " معراج لسماء تحترق" .
* عم مأمون كامل قدم من الزقازيق وألقى نصا محملا برؤى سياسية احتجاجية فكأن التمرد لم يعد سمة خاصة بالشباب وحده أو لصيق فترة عمرية معينة .
* قدمت المنصة الشاعر على عبد العزيز بأنه " جيفارا الشعر" ، وهو يقترب من حدود الاحتجاج بالشعر على ممارسات قمعية لكن نفس المنصة قدمت الشاعر محمد علي بأنه زار أكثر من دولة أوربية ، وهذا التقديم لم يكن مفيدا للشاعرولا لنا ؛ فما يهمنا هو النص ذاته. قد يكون التقديم مهما في حالة واحدة وأقصد بها التعريف بجوانب غائبة لجمهور الحضور.
* يعجبني الوفاء للغائبين وهو ما قدمه الشاعر صلاح بدران الذي أهدى نصه لشقيقه الشاعر الراحل محمود بدران. لكن صلاح قدم ملاحظتين هامتين .
الملاحظة الأولى اتفق فيها معه وهو أن تترفع المنصة عن إلقاء الشعر ، وذلك لإتاحة الفرصة لبقية المشاركين .
الملاحظة الثانية هي اعتراضه على تزاوج الشعر مع الكلمة الملحنة وكان يقصد هنا وجود أحمد اسماعيل ، وحسب قناعاتي فإن هذا التطعيم مقصود ولولاه لكانت الندوة أكثر عتامة وسوادا. يكفي أن نستمع لكلمات تقول " أنا اللي عامل تسالي .. بالمزاج والقهر.. باقول بلادي .. كما يقول الهلال الشهر " للرائع فؤاد حداد أو أن يغني للمقاومة الفلسطينية أو لمفهوم المقاومة باللحن الشفيف المبهج " مفيش في الأغاني.. كده ومش كده.. يقربنا من بعض بالشكل ده" ، أو " ياطوبة خضرة .. وطوبة حمرا .. وطوبة.. البنا يضرب فيها بالموال " .. يا سلام ع الجمال والروقان.
* وعلى ذكر الروقان فقد كانت الرحلة النهرية كما يقول شاعر الفيوم محمد ربيع ذكرى لا تنسى وهو ما تراه الشاعرة نجوى سالم التي كانت قصيدتها الأخيرة بالفصحى رائقة ومتعددة الأوجه والمستويات .
* أهدى أحمد الشربيني لعدد من الحضور الإصدار الأول لمنتدى أبناء طيبة " بعنوان " سيمفونية البوح" وهو يطرح نماذج بالفصحى والعامية لعدد كبير من أعضاء المنتدى.
* لكننا نعود للندوة الشعرية ذاتها فنجدها قد سارت كالموج بنص يصعد للذروة وآخر يهبط للسفح وهذا طبيعي حيث تفرض القصيدة جمالياتها في تفاعل تلقائي مع الجمهوربدون وساطة أو مجاملة .. ما زلت اذكر كلمات عبدالرحمن الأبنودي حين قابلته شتاء سنة 1969 بدمياط فنصحني أن أنصت لصوت الناس كي تصلهم القصيدة. وهذا مطلوب في الشعر والسرد وكل الفنون.
* يعجبني طموح أحمد راضي اللاوندي فقد حول مدينته الصغيرة والساحلية إلى مكان لالتقاء المبدعين وهو ما يستتبع تحية صادقة للعقيد محمد بيصر الذي يحب الشعر ويبتهج ليحصل أبناء مدينته على فرصتهم في الاحتكاك بكبار المبدعين. أما راضي فقد صار مديرا لمدرسة الشعر في عزبة البرج فوجدنا أصوات لكل من سعد الأغا ( الذي قاد اللنش لفترة طويلة بحرفة واقتدار ) ، وخالد البراوي وعبدالله شتا ومحمد موسى وحسن العدوي، وأمل البرمبالي ، والوجه الجديد محمد الزكي ( ليس شاعر دمياط الكبير محمد الزكي صاحب ديوان " المنتخب من أحوال الرعية" ، بل زميل آخر).
* من شعراء الامسية حضر شعبان التوني من الإسماعيلية ، وهو يذكرني في سمته بشاعر كفر البطيخ في الستينيات عم عبدالقادر السالوس ، ونزار بيومي من بورسعيد ، وأشرف الشناوي من الدقهلية ، وعبدالله الهادي من الإسماعيلية ( وهو شاعر عامية مميز جدا ) ، وأشرف الغرباوي من الأسكندرية ، وسماء عبدالرؤوف من بورسعيد ( وهي شاعرة رقيقة في القائها واختيار موضوعاتها ) ، وسعد الشرقاوي من كفر الشيح ، وغيرهم.
هنأ محمد عبدالرؤوف من بورسعيد صديقه الشاعر ابراهيم راجح لزفاف كريمته الأديبة نورا راجح ، كما ألقت زميلتها الشاعرة أمل يوسف قصيدتها. . .
* من الغربية ألقى علاء الأشعل عملا جديدا ، أما شعراء كفر سعد الذين شاركوا فهم: أحمد فوزي ، ومحمد الزهداني وصلاح بدران. من فارسكور استمعت لصوت نهى زرد ، ومن نفس المدينة القى عبدالناصر أبوالنور قصائده ( قالت أحبك فاستتر ) وهو قليل المشاركة في الندوات الجماهيرية وكان زميل غرفة معي في مؤتمر أدباء مصر الدورة 24 بالأسكندرية العام الماضي . ولم يكن الخميس 24 يونيو 2010 يوم أبوالخير بدر الذي نسى شعره ولم تسعفه الذاكرة . لعل السبب يرجع لوجوده بلجان تصحيح الثانوية العامة أو لبدء إلقاء قصيدته في الثالثة صباحا والديك يوشك أن يؤذن . وتلك جناية قول الناس كلهم شعرا . وكأن الدنيا ستهرب !
* سمير الفيل الذي اعتذر عن إلقاء الشعر لإتاحة الفرصة للضيوف قدم مدير الندوة أحمد الشربيني .مسترشدا بكلمات لسمير عبدالباقي والدكتور عزت جاد والسيد النماس . وعلى نفس المنصة جلس شاعران من " حالة" هما : سامي عقل ، حمدي موسى.
* رغم جمال صوت شاب سكندري قدم فقرة من الإنشاد الديني، هو عمر سيف النصر، فإنني أرى أن هذا ليس مكان هذه الفقرة .
* من شعراء جماعة حالة غير ما ذكرنا : محمد رشوان ، محمد السيد ، علي مهران ، السيد زيدان ، محمد ممدوح ، محمد فودة ، محمد عبدالعزيز ، حنان ابراهيم ، فؤاد ابراهيم ، عادل مصطفى ، علاء عامر ، محمود عبدالمجيد النحاس ، ندا محمد السيد ، أحمد حمدي موسى . كما استمتعنا بصوت أحمد حمدي في الغناء .
* وقد حضر عدد من أعضاء المنتديات الادبية ومنهم الشاعر أيمن عثمان من جماعة " التكية " بالقاهرة. وكما أشار الشربيني فهناك شعراء من منتديات " أهل الحارة " و" صحاب " و" أسمار " وغيرها. ومن الشعراء نذكر كذلك الأصوات التالية : هند رمضان ، وسارة بيصر ( التي اعتذرت ) ، وآخرين .
* في طريق عودتي للبيت ظل صوت العود الجميل للفنان أحمد اسماعيل يرافقني بصوته المؤثر : " أزرع كل الأرض مقاومة " .. يا ترى بعد أن صار قتل الأبرياء في الشوارع مسألة عادية ، أيمكن أن تكون هناك مكانة للكلمة المقاومة واللحن المدجج بالنور!!
ربما...................
دمياط مساء الجمعة 25/6/2010..
نقلا عن منتدى القصة العربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق