جوائز الدولة بمصر ولغط كل عام
أحمد طوسون
هناك عبقري سري يكمن في مكان ما خفي بمصرنا الحبيبة يفسد الأشياء التي كان من الممكن أن تصبح جميلة لولا تدخلاته العبقرية .
ومن ضمن هذه الأشياء جوائز الدولة!
فمع إعلان الجوائز كل عام يصاحبها أزمة أو أكثر، ويدور حديث وجدل كبير بين المثقفين عن الفساد الثقافي والمجاملات والمحسوبية وإعلان المقاطعات من جانب أدباء للجوائز لخروجها عن الموضوعية وما تكاد تبرد النار حتى تلسعنا نتائج جوائز عام جديد فتدور دائرة جديدة من الحوارات والملاسنات في السر والعلن.. لكن أظن أن أزمة هذا العام هي الأشد والأكثر وطأة.
ومن منا لا يتفهم الإحباط الذي أصاب طارق إمام بعد إعلان فوزه بتشجيعية الرواية ثم اللغط حول سحبها لفوز (هدوء القتلة) سابقا بجائزة ساويرس، رغم أنه لم يكن قد فاز بالجائزة وقت تقدمه بعمله لجائزة الدولة التشجيعية!
فمن المفترض أن تكون الجائزة مصدر فخر واعتزاز للتقدير المعنوي عن إبداع الكاتب بخلاف المكسب المادي الذي يساعد الكاتب على الاستمرار في مسيرة الأدب وطريقه الوعر الذي يشبه طريق ممهد بالفخاخ التي تجيد صنعها المؤسسة (وبمساعده أحيانا من مريديها وأصحابها ومحبيها)، ويبرع في كيدها العبقري الجالس في مكمنه المجهول.
وفي ذات السياق نظرا لغياب الموضوعية وانتشار المجاملات في الواقع الثقافي وكل ما يخصه (وهي أمور يعرفها القاصي والداني) .. من منا لا يتفهم تمسك البعض ومنهم من تقدم للمجلس بطلب سحب الجائزة من إمام على إعمال اللوائح في ظل تجاوزات لا يستطيعون أمامها إلا أن يمصمصوا شفاههم كالعجزة والثكلى، فيهرعون بإلقاء حفنة تراب كبيرة في وجه المجلس ولجانه، حتى لو كان ضحيتها صديق لهم وكاتب من أبناء جيلهم!
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما أهمية أن تشترط جوائز الدولة التشجيعية ألا يكون العمل قد فاز بجائزة أخرى؟!..
ربما كان الشرط منطقيا في أي جائزة أخرى بخلاف جوائز الدولة التي من المفترض أنها بصبغتها الرسمية فيها تكريم للمبدع أكثر من فكرة الفوز المادي والمعنوي للكاتب.. وهو أمر أشد ما نحتاجه في الجوائز (التشجيعية).
فلا يعقل أن جوائز التفوق والتقديرية ومبارك لا تشترط ذلك الشرط الجائر بالبديهة لأنها تُعطى عن مجمل الأعمال ونضعه أمام شباب (كانوا صغار السن أم كبار السن)! يتطلعون إلى نوافذ أمل وتقدير بمستوى ما على اجتهاداتهم لسنوات وطاقة نور تنير درب المستقبل أمامهم.
ولشد ما أعجب – في جوائز هذا العام- فوز الناقد الكبير المرحوم فاروق عبدالقادر بجائزة التفوق!!! رغم أنه أرفع قدرا من الجائزة ومن كثيرين سُطرت أسماؤهم بجوائز مبارك والتقديرية عبر تاريخ الجائزتين.
وكذلك كثير من مبدعينا البعيدين جسدا أو فكرا أو حميمية عن أعضاء المجلس الأفاضل لم يكن لهم نصيب في جوائز هي في الأصل كانت للإبداع وعن الإبداع ثم صارت في سنواتها الأخيرة أبعد ما تكون عن ذلك!
ومشاكل جوائز الدولة لا تتوقف عند إعلان النتائج بل تبدأ منذ فتح باب الترشيح للجوائز من إعلان لا يعلن عنه مفصلا بالموقع الإلكتروني للمجلس، ثم عناوين يفصلها العبقري الذي لا نعرفه، ولعلنا لا ننسى فرع الرواية التجريبية والذي أثار لغطا بين المثقفين وليومنا هذا لم يعرف أحد من النقاد والأدباء ما المقصود بالرواية التجريبية وإن أعلنوا الفائز بها!..
والوضع الأسوأ في العناوين المختارة للنقد وأدب الطفل والتي تعطيك انطباعا أحيانا أنها تكاد تنطق باسم الفائز بها، إذ يكون هو الوحيد الذي أصدر كتابا بهذا العنوان، أويكون الغرض من العنوان (المستحيل) أن يمتنع المبدعون عن المشاركة بالجوائز ثم تفاجأ بمنح الجائزة لعنوان لا علاقة له بموضوع الجائزة!
أيضا من أكبر العلل في جوائز الدولة نظام الاقتراع لأعضاء اللجان ( وأغلبهم من الموظفين بوزارة الثقافة) وتثبيت تشكيل لجان التحكيم في جوائز الدولة التشجيعية.. ومع احترامي لكثير من الأسماء بلجان المجلس.. لكن هذا النظام منح جوائزه لأسماء كبيرة وشابة وهم أعضاء بلجان المجلس المختلفة وهو أمر لا تستسيغه العقول السوية أو النفوس الطواقة للنزاهة والشفافية مع إقراري بقيمة هؤلاء وأحقيتهم بها وأكثر، لكن المسألة تتعلق بالمبدأ لا بالشخصنة! .
وإذا كان من أمل في إصلاح جوائز الدولة فيكمن في ظني في تشكيل لجان للاختيار من كبار الأدباء والنقاد تتغير كل عام وألا يكون للجان المجلس أي دور في اختياراتها للأعمال الإبداعية والأسماء التي ستمنح الجوائز ، على ألا يتدخل السيد العبقري الخفي في اختيار أعضاء هذه اللجان!
ويمكن الاستفادة من تجربة جائزة الشيخ زايد باشتراط معايير صارمة تضمن عدم المجاملات هنا أو هناك، على أن يعلن أسماء اللجان مع إعلان نتائج منح الجوائز كل عام وتنشر التقارير الخاصة بالجائزة بموقع المجلس الإلكتروني ليكون تحت نظر وبصر الكافة.
ولا عزاء لكم في جائزة!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق