2010/06/23

الجوائز الأدبية العربية صارت الأسوأ سمعة



الجوائز الأدبية العربية صارت الأسوأ سمعة

عزة حسين
الجوائز الأدبية العربية بين سياسة الحكومات وتسلق الأثرياء الجوائز الأدبية ترقيع مرتعش لثوب مهترئ الجوائزالأدبية محنة التنويم الثقافى الجوائز الأدبية والاقتراب من الهاوية الجوائز الأدبية كوميديا سوداء الجوائز الأدبية.. الندرة وعدم التخصص منح الجوائز الأدبية والأوسمة للمسئولين قمقم المارد فى الجوائز الأدبية الجوائز الأدبية كالقراء.. تستلزم بعض التنازلات، والحرب على نظام منح الجوائز الأدبية.
هذه العبارات هى بعض من كثيرٍ من عناوين المقالات والمعالجات الصحفية التى تناولت مسألة الجوائز الأدبية العربية فى الصحف والمواقع الإلكترونية العربية على مدار الثلاثة أعوام الماضية، والتى اشتد خلالها الجدل حول جدوى ومصداقية هذه الجوائز التى ازداد عددها مؤخرا بشكلٍ كبير، وازداد معه الصراع الذى يكاد يمتد طوال العام، سواء بين مبدعى ونقاد البلد الواحد، أو بين المبدعين والنقاد من مختلف الأقطار العربية مع بعضهم أو مع الجهة المانحة، لكن العام المنصرم كان الأكثر صخبا على الإطلاق فيما يتعلق بمسألة الجوائز الأدبية، حيث شهدت مجمل الجوائز سواء الرسمية منها أو الأهلية جدلا طاحنا قبيل وبعد إعلان نتائجها بشكلٍ جعلها قضية العام 2009 دون منازع، متفوقة بذلك على قضايا التطبيع الثقافى، وعودة التوازن للأجناس الأدبية، والصراع بين الجماعات الأدبية والمؤسسة الرسمية، والرعاية الصحية للأدباء وغيرها من القضايا التى تبادلت الصدارة على الساحة الثقافية العربية هذا العام.

تاريخ الجوائز
ولهذه الكلمة التى باتت الأسوأ سمعة من بين كل الأحداث والفاعليات المرتبطة بالإبداع الأدبى تاريخ طويل، ربما يؤدى استدعاؤه الآن إلى تأكيد دوافع الإدانة التى صارت بديهية عند كل مرة نسمع فيها كلمة جائزة أدبية.
فهذه الجوائز التى تمنحها الحكومات وبعض المؤسسات الأهلية للأعمال الأدبية، تعد امتدادا للجوائز التى كان يحظى بها الشعراء والأدباء والعلماء فى عصور الأدب الزاهية، حيث كان لهذه الجوائز والعطايا إسهام واضح فى نهضة الشعر وإشعال المنافسة بين الشعراء بغرض الإبداع والتجويد، لكن الأدب وقتها لم يكن غاية فى ذاته قدر ما كان وسيلة للتكسب واستدرار منح وعطايا الأمراء والحكام منذ العصر الجاهلى، قبل أن يزدهر ذلك فى العصرين الأموى والعباسى وما بعدهما، وقتها كانت تبلغ قيمة هذه العطايا مبالغ طائلة، ربما لا تدركها أى جائزة من الجوائز الحالية بما فيها نوبل، لذا كان بديهيا أن يشعر الشاعر الذى يفتر تجاهه حاكم ما بأنه مطرودٌ من الجنة.
لكل رئيس جائزة
الآن ونحن فى منتصف الألفية الهجرية الثانية، أى بعد مرور 15 قرنا على هذا الميراث الجدلى، مازالت الكثير من الجوائز للأسف تحكمها نفس المعايير، وبقليل من البحث ربما نكتشف أن لكل رئيسٍ أو حاكمٍ عربيٍ جائزة باسمه، جائزة لا يخجل من أن يخصصها مثلا لحقوق الإنسان بينما القمع هو الاتفاق الضمنى بينه وبين شعبه، وشعار مرحلته التى عادة ما تطول، هذا فضلا عن المؤسسات الأهلية التى رغم استقلاليتها المفترضة مكبلٌ أكثرها بنفس أمراض الجوائز الحكومية أو جوائز الحكام.
فى التقرير العربى الأول للتنمية الثقافية، الصادر عن مؤسسة الفكر العربى عام 2008، حصر التقرير مفهوم الجوائز الأدبية فى كونها المكافآت التى تعطى للمترشح عن أثر مكتوب فى المجالات الأدبية والعلمية والفكرية، وحدد التقرير ستة معايير قال إنه من المفترض اجتماعها فى أى جائزة تبغى المصداقية وإظهار الموضوعية ومنها:
الشفافية.
الالتزام بالمعايير
لكن التقرير قال إن مجمل الجوائز العربية لا يسير على هذا النحو، مشيرا إلى غياب المعايير فى هذه الجوائز بشكلٍ يجعلها «لا تكاد تخرج عن إطار المجاملات والاجتهادات الشخصية»، موضحا أن هذا يحرم المجتمع من القيمة الحقيقية لهذه الجوائز التى «لا تخلو من الانحياز والتأثر العاطفى والإقليمى فى اختيار الفائزين».
التقرير الذى قدم حصرا بالجوائز الثقافية العربية التى تمنح فى كل بلدٍ على حدة ومجالاتها، والجهة المانحة، أشار إلى أن المملكة العربية السعودية تتفوق على كل البلدان العربية من حيث عدد الجوائز الرسمية والأهلية التى تمنحها فى هذا المجال، والتى يبلغ عددها 20 جائزة، تليها فى ذلك كلٌ من الإمارات والأردن بـ15 جائزة، تليهما مصر وتونس بـ11 جائزة لكلٍ منهما.
وتوقع التقرير الذى قسم جهات منح الجوائز إلى جهات رسمية وجهات أهلية وجهات خاصة، انتشار وغلبة النوع الأخير من الجوائز فى المستقبل، أى الجوائز التى تمنحها الجهات الخاصة، والذى يمثل حتى الآن 32,5% من مجمل الجوائز بينما تمثل الجهات الأهلية 30,9%، وتمثل الجهات الرسمية 36,5% من الجوائز الممنوحة، مشيرا إلى أن الغلبة الرسمية للجوائز فى أغلب الدول العربية الآن دليل على الدور التقليدى المركزى لهذه الدول فى الحياة الثقافية، كما هو الحال فى كل المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها.
هذه النظرة على الجوائز العربية الثقافية، الكثيرة والمتزايدة، والإسهامات المادية والمعنوية المرصودة لها، تشير إلى أن نهضة ثقافية حقيقية كان يجب أن تكون، وأن تقديرا وتكريما حقيقيين تسمح الظروف المتاحة بإيصالهما إلى كل مستحقيهما، فلماذا كل هذا الجدل؟ ولماذا كل هذه الاتهامات والتظلمات؟ والشكاوى من كل أو مجمل جوائز العرب بشكلٍ عام والثقافية بشكلٍ خاص؟
أسئلة طرحت سابقا ويتجدد طرحها مع كل إعلان لجائزة جديدة، يتدحرج على إثرها مجمل أمراض الجوائز مثل: تكرار لجان تحكيم أغلب الجوائز، هذا إذا تم إعلان هذه الأسماء أصلا ــ تسريب أسماء الفائزين قبل مدةٍ طويلةٍ من إعلان النتائج والذى يؤدى فى أغلب الأحوال إلى تغيير النتائج المتفق بشأنها ويضرب المصداقية ــ الإخلال بشروط منح الجوائز كالعمر، وزمن إصدار العمل أو الأعمال وغيرها، وذلك فضلا عن التركيز على الأبعاد الجغرافية عند منح الجوائز، ومنحها للأسماء ومكانتها وليس لأعمالهم وغيرها.
كل هذا حدث ويحدث وتم التعقيب عليه، لكن الاشتعال الذى انتاب الوسط الثقافى منذ منتصف العام الماضى وحتى الربع الأول من العام الحالى قبل أن يتجدد ثانيا قبيل إعلان جوائز الدولة، كان الأشد من نوعه على مدار التاريخ للحديث عن الجوائز، وبهذه المناسبة تعيد «الشروق» فتح هذا الملف الشائك مع مجموعة من المبدعين والنقاد الكبار.
نهضة الجوائز
تعليقا على هذا، أكد الناقد الكبير د. جابر عصفور أنه لا توجد جائزة عربية خالية من العيوب، متفقا بذلك مع مجمل ما جاء بالتقرير السابق من عدم التزام أغلب الجوائز العربية بمعايير الشفافية والنزاهة المفترضة فيها، لكنه لفت إلى وجود تمايزات نسبية بين كل جائزة وأخرى.
واعتبر عصفور جائزة «سلطان العويس» النموذج الأكثر تميزا من بين كل الجوائز العربية، من حيث موضوعية شروطها، ونزاهة لجان تحكيمها، وحجم وقيمة الأسماء التى حصلت عليها، وإن كانت رغم ذلك لا تخلو فى رأيه من انتقادات.
فيما اعتبر الناقد جائزة البوكر العربية فى دورتها الأخيرة هى الأكثر جدلا وصخبا هذا العام، مرجعا ذلك إلى ما وصفه بضعف شخصية رئيس لجنة تحكيمها الأديب الكويتى «بدر الرفاعى»، وموضحا اشتمالها على الكثير من العيوب والمشاكل، التى قال إنها هوت بسمعة الجائزة التى اكتسبتها على مدار الدورتين السابقتين، ووضعتها فى مأزق عليها محاولة الخروج منه.
عصفور، أبدى الكثير من التفاؤل بشأن زيادة عدد الجوائز العربية الرسمية والأهلية، معتبرا ذلك أمرا صحيا، لكنه رفض الربط بين هذه الجوائز وما ينفق عليها من موارد ضخمة وبين إحداث نهضة ثقافية حقيقية، وأوضح قائلا: «لا يمكن للجوائز أن تصنع نهضة، لأنه لا دليل لدينا على وصول هذه الجوائز لمستحقيها، وبالتالى دعم الموهوبين وتحفيزهم على الإسهام وإثراء الثقافة العربية والإنسانية».
وأضاف: «جميع الجوائز تفتقد الموضوعية، وهذا أمر لا يمكن ضبطه إلا من خلال الضمير، وقدرة وتمكين الرأى العام على الرقابة».
من ناحية أخرى رفض عصفور الانتقادات الموجهة للجوائز الرسمية، خصوصا التى تحمل أسماء حكامٍ أو رؤساء، وتعجب قائلا: «ما الخطأ فى ذلك؟، إن إحدى الجوائز التى يسمونها نفطية هى الأكثر احتراما، ما المشكلة فى أن تحمل الجائزة اسم مبارك، أو الملك فيصل، أو حتى القذافى؟، مادامت ستكون موضوعية؟!».
وتوقع عصفور الذى ترأس، وشارك فى لجان تحكيم عشرات الجوائز، مستقبلا جيدا للجوائز الثقافية العربية، لكنه اشترط لذلك عددا من المعايير أهمها: حسن اختيار رؤساء لجان تحكيم هذه الجوائز، بحيث يكونون من الشخصيات المرموقة، التى عليها إجماع من حيث النزاهة والشفافية والإسهام العلمى، ونفس الأمر بالنسبة لبقية الأعضاء، وعدم تكرار أسماء بعينها فى لجان التحكيم، بحيث تتغير سنويا، بينما تتغير اللجان التنفيذية للجوائز كل ثلاث سنوات.
شلة الاحتكار
الناقد الكبير د. عبدالمنعم تليمة أحد أبرز الوجوه فى لجان تحكيم الجوائز الثقافية خصوصا فى مصر، قال إن تشجيع الإبداع أمر موجود فى كل المجتمعات فى كل الأزمنة، وأضاف أن عصر النهضة شهد وجود جوائز، حظيت باحترامٍ وتقديرٍ واسعين، سواء كانت جوائز حكومية كجائزة مجمع اللغة التى منحت لأسماء كنجيب محفوظ ومحمد عبدالحليم عبدالله وغيرهما، أو حتى جوائز الأفراد والآحاد كجائزة الأميرة شويكار، وتابع أن جوائز هذه المرحلة توافرت فيها وقتها معايير مهمة، كالجدية، والاحترام، وسلامة التحكيم، قبل أن يأتى التاريخ ويصادق على أنها كانت فى محلها.
واستطرد قائلا إن المشكلة فى وقتنا الراهن أن هذه الجوائز قد دخلت أفقا فى غاية الغرابة، لأن جهات المنح صارت أكثر التصاقا بالحكومات الشمولية التى تمثلها فانعزلت عن الشارع الثقافى والمثقفين.
وأوضح أن هذا لا يعنى أنه يتم الضغط على محكمى هذه الجوائز لأنهم فى الغالب أسماء كبيرة ومعروفة، لكنهم يلمحون اتجاه الريح ويسيرون وراءها، وبذلك تسخر النصيب الأوفى من الجوائز لأغراض الجهات الحكومية.
رغم ذلك قال الناقد إنه يحيى ويرحب بالمال العربى فى الثقافة، بل ويطلب المزيد لأن هذا معناه إضافة الجديد فى مجال النشر والمؤتمرات ومنح الموهوبين من الشباب وغيرها، لكنه يرى أن هذا المال قد دخل إلى مجال الجوائز دون خبرة مؤسسية فوقع على مجموعة من الأساتذة والنقاد، الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، كونوا شلة احتكرت أمر هذه الجوائز، وبالطبع بدأت بنفسها، فليس من بينهم من لم يأخذ الجائزة الأولى.
غسيل أموال
من ناحيته لخص الناقد د. سيد البحراوى أسباب ما وصفه بفساد أغلب الجوائز العربية، فى استمرار النظر إليها باعتبارها منحا وعطايا، مبديا إعجابه بالنتائج التى توصل إليها التقرير العربى للتنمية الثقافية.

وأشار الناقد إلى مفهوم الجوائز فى المجتمع الرأسمالى، موضحا أنه يقوم على الفردية، والتميز، والتنافسية، والإنجاز العام، وهو ما يغيب عن مجتمعنا العربى الذى لا يمكن اعتباره رأسماليا ولا اشتراكيا.
وأوضح الناقد الارتباط بين مفهوم الجوائز العربية وسياسة رجال الأعمال المصريين، واصفا إياهم بالسماسرة، ووكلاء الشركات الأجنبية، ومعتبرا ما يقومون به من أنشطة للعلم والثقافة، ونوعا من غسيل الأموال الواضح.
الشاعر الكبير عبدالمنعم رمضان اتفق مع مجمل ما جاء بالتحقيق، لكنه رفض اعتبار الجوائز كارثة فى حد ذاتها، وإنما عرض من أعراض الفساد فى الحياة الثقافية، موضحا أن الكارثة الأكبر تكمن فى فساد الحياة عموما.

وقال رمضان إن كل السلطات العربية على مر تاريخها الحديث اعتادت بدرجةٍ أو بأخرى على الفساد، لكن الجديد فى الربع قرن الأخير أو أكثر قليلا، أنها فطنت إلى أنها لكى تكون فاسدة ومحمية فلن يحميها إلا فساد الجميع، فانشغلت لا بفسادها فقط بل بإفسادنا جميعا، مؤكدا أنها بالفعل نجحت فى ذلك.

وأضاف أن الثقافة باعتبارها طليعة فى كل مجتمعٍ، فإن المثقفين يركبون العربة الأولى فى القطار، فإذا كان القطار يتجه إلى الفساد كان المثقفون أول الفاسدين، وإذا كان يتجه إلى الازدهار والنمو كانوا دعاة الازدهار.
الآن نشعر أن القطار متجه إلى أسفل يواصل الشاعر والعربة الأولى تمتلئ بالمثقفين الفاسدين.
ويردف قائلا: أما الجوائز فمجرد عرضٍ من أعراض فسادهم.

نقلا عن الشروق

ليست هناك تعليقات: