2010/06/18

رحيل الروائي البرتغالي خوسيه ساراماغو



رحيل الروائي البرتغالي خوسيه ساراماغو


غيّب الموت أمس الروائي البرتغالي خوسيه ساراماغو عن 87 عاماً، وكان ساراماغو قد حاز جائزة نوبل للأدب في العام ،1998 بدأ حياته شاعراً فقد أصدر في العام 1966 ديوان شعر بعنوان “قصائد ممكنة”، وفي العام 1970 أصدر ديواناً آخر بعنوان “ربما فرح” ويبدو أنه بعد ذلك قد اتجه إلى الرواية التي كتبها في وقت متأخر من حياته، حيث كان يمارس صناعة الأقفال منحدراً من عائلة تمارس بعض المهن الحرفية، وفي العام 1947 نشر روايته الأولى “أرض الخطيئة” وتقول سيرته الذاتية إنه “ . . ظل مصرّاً على عدم نشر أي من أعماله حتى استعادت بلاده الديمقراطية” .
في العام 1982 نشر روايته “مذكرة الدير” التي وضعته على أول دروب الشهرة، ومن المعروف عن ساراماغو توقفه لسنوات طويلة عن النشر، إلاّ أن الموضوعات الروائية والشعرية التي تدور في فلك كتاباته وضعته في طليعة كتّاب العالم، ومن أشهر أعماله الروائية “العمى”، ثم أصدر “عام موت ريكاردو”، و”الانجيل حسب المسيح”، و”قصة حصار لشبونة”، و”موجز الرسم والخط”، و”دفاتر لانزاروثي”، و”طوف حجر”، و”كل الأسماء”، و”المغارة”، و”الرجل المنسوخ”، و”بحث حول الوضوح”، و”انقطاعات الموت”، وله مجموعة قصصية بعنوان “شيء تقريباً” صدرت في العام 1978 .



في الحادية عشرة من عمره مارس ساراماغو مهنة الحدادة والميكانيكا واشتغل في الترجمة والنشر قبل أن يصبح كاتباً، وهناك مصادر تقول إنه بدأ ممارسة الكتابة وهو في الستين من عمره، ويذكر الكاتب أحمد الدوسري أن ساراماغو “ . . لا يحب السلطة: ولا الإفراط كذلك بالتنظيم، فهو رجل مفارقة حادة، عضو في الحزب الاشتراكي البرتغالي، ذلك الحزب الذي لم يكن يوماً نموذجاً للهدوء السياسي أو النعومة الأيديولوجية لا يؤمن إلا بالفرد هذا العقلاني المقتنع لا يمكنه أن يتصور أسباباً أخرى للعالم من ضمنها على سبيل المثال: الحب” .
وفي مارس/آذار 2002 زار ساراماغو الأراضي الفلسطينية المحتلة ضمن وفد يضم مجموعة من المثقفين والأدباء منهم وول سوينكا، من أجل مساندة الفلسطينيين أثناء فترة الحصار الشاروني الشامل، والتقى خلال هذه الزيارة بالراحلين ياسر عرفات ومحمود درويش .
وفي مقاله المهم الذي يحمل عنوان “من أحجار داوود إلى دبابات جوليات” المنشور في مجلة الكرمل، يعيد ساراماغو النظر بشكل ساخر ولاذع في قصة داوود والعملاق الفلسطيني جوليات، وقد قال في مقام آخر إن اليهود لم يعودوا يستحقون تفهم المعاناة التي كابدوها إبان الهولوكوست، وإن عيشهم في ظل المحرقة وانتظار غفران كل ما يقترفون، بسبب تلك المعاناة، هو مبالغة في التوقعات، وأضاف أنه ظاهر للعيان أنهم لم يتعلموا أي شيء من آلام آبائهم وأجدادهم، هذه التصريحات وغيرها جرّت عليه نقمة وغضب اليهود واللوبي الصهيوني خاصة عصبة مناهضة اللاسامية في شخص رئيسها إبراهام فوكسمان، الذي قال إن ساراماغو يظهر جهلاً واضحاً في ما يتعلق بالحجج التي يسوقها لكي يدعم أحكامه المسبقة عن اليهود، وقد رد ساراماغو على تصريحات فوكسمان قائلاً إن انتقاداته موجهة بالأساس إلى دولة “إسرائيل” وسلوكها ضد الفلسطينيين، وإنها، أي “إسرائيل”، لا يمكنها أن تعتبر نفسها الممثل الوحيد للديانة اليهودية في العالم واستعمالها تهمة معاداة السامية هو من أجل تقزيم وتبخيس كل الانتقادات التي توجه إلى سياساتها غير المبررة في حق الشعب الفلسطيني، لكن كل هذه الهجومات التي يتعرض لها لم تثنه عن مواصلة وقوفه إلى جانب القضية الفلسطينية العادلة، وهكذا كان ضمن الموقعين على الرسالة التي أدانت الحرب “الإسرائيلية” على لبنان سنة ،2006 متهمين الغرب باستعمال سياسة الكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية وكان من الموقعين عليها بالإضافة إلى ساراماغو كل من نعوم تشومسكي، جون بيرغر، غور فيدال وهارد ولد بينتز .
ومما قاله في ذكرى رحيل محمود درويش الأولى: مر عام على رحيل محمود درويش، الشاعر الفلسطيني الكبير، لو أن عالمنا كان أكثر حساسية وأكثر ذكاء، لو كان أكثر انتباهاً للعظمة، التي تكاد تبلغ درجة التنزه لبعض الحيوانات التي تعبره، لكان اليوم اسمه معروفاً ومحل تقدير مثلما كان اسم بابلو نيرودا، خلال حياته، أشعار درويش متجذرة في الحياة، في عذابات الشعب الفلسطيني، وآماله الخالدة، ولها جمال شكلي يلامس، في أغلب الأحيان، سموا معجزا مع بساطة في الكلمات، إنها مثل يوميات تسجل، خطوة خطوة، دمعة دمعة، الكوارث، لكن أيضاً أشكال الحرمان، علاوة على الأفراح العميقة، لشعب، رغم مرور ستين عاماً لا يبدو أن ثمة استعداداً للإعلان عن نهاية لآلامه .
أن تقرأ محمود درويش - بالإضافة إلى أن ذلك يمثل تجربة جمالية من المستحيل نسيانها- يعني القيام بجولة أليمة على خطى الظلم والعار اللذين كان ضحيتهما الشعب الفلسطيني على يد “إسرائيل”، هذا الجلاد الذي قال عنه الكاتب “الإسرائيلي” ديفيد غروسمان، في لحظة صدق، إنه لا يعرف الرحمة .
اليوم في المكتبة، قرأت بعض أشعار محمود درويش وذلك من أجل إنجاز شريط وثائقي سيتم عرضه في رام الله بمناسبة الذكرى السنوية لوفاته، لقد
دعونى لكي أذهب إلى هناك، سنرى إذا كان ممكناً القيام بهذا السفر، الذي لن يكون، بكل تأكيد، محل ترحيب من طرف البوليس “الإسرائيلي”، أحب أن أذّكر، بالعناق الأخوي الذي تبادلناه، أنا ومحمود درويش، في ذلك المكان بالذات، قبل ست سنوات، والكلمات التي توجهنا بها لبعضنا والتي لن يكون بإمكاننا العودة إلى تبادلها، في بعض الأحيان تنتزع منك الحياة بيد ما تمنحك إياه باليد الأخرى، هذا ما حصل لي مع محمود درويش .

نقلا عن الخليج

ليست هناك تعليقات: