قضيّة رؤوس مقاومة الزعاطشة
الموجودة بمتحف باريس
عبد الله لالــــــــــي
تمرّ بنا خلال هذه الأيّام ــــ 26 نوفمبر ــــ ذكرى
أليمة وقاسيّة جدا على الجزائريين ، ذكرى مقاومة الزعاطشة الشهيرة خلال عام 1849 ، التي
أبانت عن إباء وأنفة الجزائري ورفضه للظلم والقهر ، كما عرّت بشاعة وسادية
الاحتلال الفرنسي ، هذه المعركة كان من آثارها جريمة لازالت باقية إلى اليوم ،
إنّها جريمة مؤلمة وقاسية جدّا في حقّ الشعب الجزائري وحقّ الإنسانيّة عموما، إذ
قامت قوّات الاحتلال البغيض بعد اقتحامها قرية الزعاطشة ـــ التي تبعد عن مدينة
بسكرة بحوالي 30 كلم
ـــ بقطع رؤوس زعماء المقاومة بعد إخمادها ، وتعليقها أيّاما في بسكرة ترهيبا
للسكان ، ثمّ تمّ نقلها إلى متحف باريس ، حيث تمّ تحنيطها هناك وعرضها للفرجة إلى
يومنا هذا .. !
وحتى ننسب إلى أهل الفضل فضلهم ولا نغمطهم حقّهم،
فإننا نشير إلى أنّ أوّل من أثار هذه القضيّة ، ولفت الأنظار إليها من خلال وسائل
الإعلام وفي مناسبات مختلفة ، هو الأستاذ
المؤرّخ فوزي مصمودي رئيس الجمعية الخلدونية للأبحاث والدراسات التاريخية لولاية
بسكرة سابقا ، ومدير المتحف الجهوي للمجاهد الولاية التاريخية السادسة سابقا ، ومدير
المجاهدين ببشار حاليا ، وقد دعا في مرّات
عديدة ، وفي محطات مختلفة إلى استرجاع هذه الرؤوس ، ردا لكرامة الشعب الجزائري ،
ولتدفن في مستقرّها الطبيعي بالجزائر.
وللذكرى فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين فإنّ الأستاذ
المؤرّخ فوزي مصمودي أثار هذه القضيّة في مقال مستقل لأوّل مرّة ، بعنوان ( بعد
مرور 146 سنة على ثورة الزعاطشة ببسكرة .. متى تُسترجع رؤوس بوزيان ورفاقه من
اللوفر ؟ نشره في
أسبوعيّة ( الأوراس الكبير ) العدد 08
بتاريخ 30 أكتوبر 1995 ، في حوالي صفحة
كاملة ، مدعّما بصورة للرؤوس الثلاثة وهي مقطوعة .
ولم يكتفِ بذلك بل كتب مقالا ثانيا بعد ستّ سنوات في
يومية ( الشروق اليومي ) العدد 330 بتاريخ
03 ديسمبر 2001 م ، بعنوان ( أما آن لنا أن نسترجع رؤوس زعماء ثورة الزعاطشة من
متحف باريس ؟ ) يثير المسألة من جديد ويذكّر بها ، وذلك في الذكرى 152 لهذه الملحمة
، وهذا تزامنا مع زيارة مسؤول فرنسي كبير إلى الجزائر ، بل في اليوم الذي وصل فيه إلى
بلادنا.
وفي ندوة وطنيّة حول ثورة الزعاطشة في ذكراها ألـ 160
، من تنظيم الجمعية الخلدونية التي كان يرأسها آنداك ، والتي عقدت يومي 07 و08 ماي
2009 بالمتحف الجهوي للمجاهد ( العقيد محمّد
شعباني بسكرة )، وبإشراف ومتابعة الأستاذ فوزي مصمودي وبحضور جمع من الباحثين والمؤرخين
والأساتذة ، وكان من أبرزهم الصحفي الكبير
الأستاذ محمد نذير بولقرون المدير العام ليومية ( صوت الأحرار ) ، الذي ألقى كلمة بالمناسبة ؛ وكانت النّقطة الوحيدة التي أعلنت في
التوصيّات هي المطالبة باسترجاع رؤوس زعماء مقاومة الزّعاطشة ؛ الشيخ بوزيان وابنه
، والشيخ موسى الدرقاوي ، ورؤوس غيرهم من شهداء المقاومة الشعبية بالجزائر المجيدة
؛ على غرار محمد الأمجد بن عبد المالك الشهير
بـ ( الشريف بوبغلة ) ومساعده عيسى الحمادي ، وسي مختار بن قويدر التيطراوي
بالمدية ، ومحمد بن علال بن مبارك مساعد الأمير عبد القادر ، ويحي بن سعيد .. وغيرهم من الرؤوس التي
تُقدّر بالعشرات !
وفي إذاعة بسكرة كان الأستاذ فوزي مصمودي لا يترك
مناسبة إلا ويذكّر بالقضيّة من جديد خلال الفترة التي عمل فيها بالإذاعة كمتعاون
منتج لعديد البرامج التاريخية والثقافية ،
والتي امتدّت من عام 1999 م إلى غاية شهر أفريل 2015 م ، تاريخ تعيينه مديرا
للمجاهدين بولاية بشار ، وفي غيرها من
المنابر الإعلامية المكتوبة والسمعية ، والسمعية البصرية والإلكترونية التي تتيح
له فرصة إثارة هذه القضية .
وفي الآونة الأخيرة سمعنا أصواتا جادّة من مؤرخين
وباحثين وجمعيات بدأت تهتمّ بالأمر وتطالب فرنسا باسترجاع هذه الرؤوس الشريفة ،
وتمنّينا لو أنّ هذه الجهات أشركت معها الجمعيّة الخلدونيّة في مسعاها هذا، على
الأقل اعترافا بفضل السّبق وأوليّة طرح الموضوع على السّاحة الإعلاميّة ،
وللاستفادة من تجربة هذه الجمعيّة وعلى رأسها رئيسها السابق المؤرّخ فوزي مصمودي ،
الذي ما فتئ يحيي الموضوع ، ويذكّر به في كلّ مناسبة ويطرحه بقوّة إلى أن وجدت
آذانا صاغية ، وقلوبا واعية تبنّت الطّرح ، وحملت عبء القضيّة المأساوية .. لكن لا
ينبغي أن ننسى لأهل الفضل فضلهم ..
ونحن من هذا المنبر ندعو إلى تكثيف الجهود وتكاتفها
لاسترجاع الكرامة المهدورة بإبقاء هذه الرؤوس ـــ في جريمة ضدّ الإنسانيّة ـــ
معروضة للفرجة كما تعرض الحيوانات المنقرضة والكائنات التاريخيّة البائدة .. !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق