في قصتين حديثتين للأطفال
بقلم : الدكتور منير توما / كفرياسيف
كان الأستاذ سهيل ابراهيم عيساوي قد اصدر في
السنوات الأخيرة عدة كتب للأطفال والناشئة تتضمن قصصاً شائقة ممتعة لجيل الطفولة
والناشئين حيث أهداني مشكوراً كتابين من هذه الكتب صدرا له عام 2016 , الأول
بعنوان " جدِّي يعشق أرضه " , والثاني يحمل عنوان " في ضيافة رجال
الفضاء " , وقد أبدى الأستاذ عيساوي رغبةً في استطلاع رأيي في هذين الكتابين
من خلال كتابة تعليق عليهما يعكس انطباعاتي عمّا ورد فيهما من موضوعات تثير اهتمام
القارئ .
يتمحور موضوع الكتاب الأول " جدي يعشق
أرضه " حول حب جد الراوي لأرضه وتعلّقه بها وبترابها ورفضه القاطع لبيعها رغم
ما عرضه عليه رجل غريب من ثمن مرتفع مُغرٍ لبيعها . وكما هو واضح في هذه القصة ,
فإنَّ الغرض منها بيان مدى تمسّك الإنسان القروي الأصيل المُتّسِم بالعراقة بأرضه
ِ رغم كل المغريات المادية المعروضة ثمناً للأرض العزيزة والغالية على قلب هذا
الجدّ الشيخ الذي يرى في أرضه ِ مصدراً لمعيشته ِ ومعيشة أولاده ِ وأحفاده من بعده
ِ , فهي في نظره ِ جزءٌ لا يتجزأ من حياته وكيانه ووجوده مع عائلته ِ التي سيورثها
هذه الأرض . وقد كان رد الجدّ على جارهُ السمسار عدنان المرافق للشاري خير مثال
على هذا القصد حيث جاء في ردّه ِ : " أعتاش وسوف يعتاش الأبناء والأحفاد من
بركة الأرض "
( ص 11 ) . وهنا يحضرني ما قاله جبران خليل
جبران مبلوراً معاني فضل الأرض على الإنسان وخيراتها على بني البشر بما تمنحه لهم
من كرم وعطاء لا ينضب.
وفي ذلك يقول جبران :
" ما أكرمكِ أيتها الأرض وما أطول أناتك
ِ . نحنُ نُجَدِّف وأنت ِ تباركين , نحن نًنّجِّس وأنت تُطَهِّرين . نحن نهجع ولا
نحلم , وأنت ِ تحلمين في سهرك السرمدي , نحن نكلّم صدرك بالسيوف , وأنتِ تغمرين
كلامنا بالزيت والبلسم . نحن نستودعكِ الجيف , وأنتِ تملئين بيادرنا بالأغمار
ومعاصرنا بالعناقيد " .
وتوحي لنا القصة أنّه على الأبناء والأحفاد أن يتشبّثوا بأرض وتربة آبائهم
وأجدادهم وأن لا يفرِّطوا بها مهما كانت الإغراءات السخيّة مادّياً لأن فيها بركة
الحياة وأرزاق الناس تعطيهم خير الثمار والطعام , وقد ورد في قول النبي العربي
الكريم ( ص) في هذا الصدد : " التمسوا الرزق في خبايا الأرض " .
لقد أراد الكاتب في هذه القصة أن يكون ما ورد
فيها من السرد الحكائي مثالاً طيّباً كي َيحتذي به ِ الناشئة ليتمسكوا بما أورثه
السلف الصالح من أرضٍ وأن لا ينقادوا وراء أهوائهم ببيع الأرض التي تزودهم
بالخيرات وتشكّل سنداً لهم في هذه الحياة على المدى القريب والبعيد ايضاً , وقد
صدق الشاعر أميّة بن أبي الصلت حين قال واصفاً الأرض في هذا الشأن :
هي القرار , فما نبغي لها بدلاً
ما أرحم َ الأرضَ , إلّا أننا كُفُرُ .
وإذا انتقلنا الى قصة الأستاذ عيساوي الثانية
: " في ضيافة رجال الفضاء " نجد أن الكاتب يطرق باب الخيال العلمي ( science
fiction ) كنموذج يستهوي الأطفال
والناشئين حيث يصف رحلة فضائية برفقة مخلوقات فضائية اختطفوا ولداً يافعاً وهو في
طريقه ِ الى مدرسته ِ ليأخذوا عينة ً من دمه وخصلة من شعره ِ وكذلك حقيبته
المدرسية كي يدرسوا لغة وأفكار وكتب الجنس البشري للتواصل مع البشر في المستقبل .
ويخبرنا الولد راوي القصة أنَّ هذه المخلوقات
الفضائية قد أرجعوه في نهاية المطاف سالماً الى الكرة الأرضية والى بيته في اليوم
نفسه ِ .
في هذه القصة , يتوخى الكاتب ويعمد الى
انتقاد أهل الكرة الأرضية بشكل غير مباشر متخذاً وسيلة ً من الرسالة الشفهية التي
حمّلوها للولد المخطوف كي ينقلها لسكان المعمورة , والتي مفادها أنَّ هناك ثلاثة
أمور تؤدّي الى زوال الكرة الأرضية وتثير غضب هذه المخلوقات الفضائية , وهي أصوات
الانفجارات وحروب البشر مما يمنعهم من النوم الهادئ , وكذلك ظلم المستضعفين في
الأرض وصرخات آلامهم , وأخيراً التلوث البيئي .
أنَّ المغزى الذي نستنتجه من أحداث هذهالقصة
يكمن في أن الكاتب يهدف الى انتقاد سلبيات وعيوب المجتمع البشري في هذا العالم من
خلال إيراده ِ لما تضمنته الرسالة الشفهية للمخلوقات الفضائية , مشيراً بالإيحاء
الى أنه قد يكون هناك عوالم أخرى مختلفة عن عالمنا , وربما تكون أكثر علماً
وتطوّراً من العالم أو الكون الذي نعيش فيه , وهذه الإشارة أو الإيماءة الموحية من
الخيال العلمي , تحفِّز الأطفال والأولاد على إعمال خيالهم وفكرهم , والتحليق
فكرياً في تصوّرات علمية تدغدغ حب الاستطلاع فيهم وتعمل على تنمية عنصر الابتكار
الذهني المؤدي الى الرغبة في الاستزادة من قراءة هذه النوعية من القصص بمستوى سردي
يتلاءم مع أعمارهم في المستقبل حين يبلغون سناً يثير فيهم روح التخيّل والإبداع .
مما تقدّم , نستخلص أن الأستاذ سهيل ابراهيم
عيساوي قد أبلى بلاءً حسناً , وأجاد في تقديم هاتين القصتين للأطفال والناشئة بغية
طرح أفكار ومعان ٍ حياتية يستفيد منها القرّاء في هذه الأعمار للوصول الى المغزى
المنشود في كل قصة , مما يدعونا الى الإشارة بالجهد المحمود الذي بذله الكاتب في
صياغة مضمون القصتين , متمنين له دوام التوفيق , والمزيد من
الإبداع والعطاء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق