لقاء
تلاميذ مدرسة
الشهيد
اللواء نبيل فراج الابتدائية بالجيزة
صباح الخميس
15 /12 / 2016
مع رائد أدب الأطفال
: أ . يعقوب الشارونى
( 1 ) فى البداية أود أن أسأل حضرتك ، أنه بعد
دراستك للقانون وتقلدك العديد من المناصب القضائية.. بعد هذا المشوار الطويل فى القضاء،
كيف كان القرار للانتقال إلى الكتابة للأطفال ؟
أنا
لم أنتقل من القانون إلى الكتابة للأطفال ، بل ظهرت موهبتى فى الكتابة منذ مرحلة الدراسة الابتدائية ،
عندما شجعنى أستاذ اللغة العربية وأنا فى الثالثة الابتدائية ، بعد أن عرف أنى
أكتب ما كنت أطلق عليه اسم " رواية " .
وعندما كنت أختار الكلية التى ألتحق بها ، رأيت
أن عمل المحامى من أقرب الأعمال إلى عمل المؤلف الروائى ، لأنه يتطلب معرفة بالنفس
البشرية وبدوافع الإنسان وأساليب سلوكه .
كما أننى تصورت أنه من السهل أن يجمع الإنسان
بين عمل المحامى والتأليف الروائى ، وكان
مَثَلى فى ذلك كاتبنا الكبير " توفيق الحكيم " الذى درس القانون واشتغل
وكيلاً للنيابة ، ومع ذلك أصبح أشهر وأهم الأدباء فى مصر ،
قبل أن يرتفع نجم نجيب محفوظ .
ومما زاد
اقترابى من توفيق الحكيم ، أنه تخصص فى كتابة المسرح ، بينما كانت هوايتى منذ
المرحلة الثانوية هى الكتابة للمسرح والمشاركة فى التمثيل والإخراج مع جماعات
التمثيل من الهواة ، التى قَدَّمْتُ من خلالها عددًا كبيرًا من المسرحيات التى
كتبتها ، وهو ما هيأنى عام ( 1959 / 1960 ) إلى
الحصول على جائزة الدولة الخاصة عن مسرحية "أبطال بلدنا" ، وهى الجائزة
التى تسلمتها من يد الرئيس جمال عبد الناصر فى احتفال كبير يوم 7 مايو 1960 .
* لكن
عندما وجدت أن عملى القانونى يشغلنى كثيرًا عن عملى الأدبى ، رأيت ضرورة التفرغ له
، فطلبت من الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة ، عام 1967 ، انتدابى ، ثم نقلى من عملى
القضائى كمحامٍ ثم مستشار فى هيئة قضايا الدولة ، لأعمل فى وزارة الثقافة مديرًا
عامًّا للثقافة فى محافظة بنى سويف ، وبعدها رئيسًا للمركز القومى لثقافة الطفل بدرجة
وكيل وزارة .
لقد كنت أكتب قصصًا للأطفال بجوار كتاباتى
المسرحية ، لكن خلال العامين اللذين قضيتهما فى بنى سويف ، اكتشف الأطفال موهبتى فى
حكى القصة لهم والتفاعل الثقافى بينى وبينهم ، وذلك من خلال حفل للأطفال
اهتممت بإقامته صباح كل يوم جمعة من الساعة 9 إلى 11 صباحًا ، كنت أحكى فيه
بمشاركة الأطفال أشهر حكايات الأطفال العالمية عن طريق عروض الفانوس السحرى أو
البروجيكتور . وكان الأطفال يشاركوننى فى الحكى وهم يتأملون كل صورة من صور القصة
التى أعرضها مكبرة على شاشة السينما .
لذلك فإن هذه الحفلات التى بدأت بــ ( 100 ) طفل ، انتهت
بانتظام حوالى ( 1500 ) طفل فى
حضورها أسبوعيًّا . وذات مرة سألتُ إحدى الأمهات : " لماذا
تحضرين هذه الحفلات مع ابنك ؟ " قالت : " ابنى يذهب إلى المدرسة ستة
أيام فى الأسبوع ، لكنه لا يتحدث بكلمة واحدة عما يتلقاه فى المدرسة . بينما يأتى
إليك ساعتين فى الأسبوع ، لكنه لا يكف طوال الأسبوع عن الحديث عما سمع ، وعما قال
بتشجيع منك ، وعن تشجيعك له كلما وقف على المسرح ليشارك فى حكى الحكاية ، أو ليحكى
ما عنده هو من حكايات " .
لذلك أقول دائمًا إن الأطفال هم الذين
اختارونى لأكتب لهم .
( 2 ) أطفال اليوم غير أطفال الأمس... فهم متقدمون تكنولوجيًّا ولكن متأخرون قرائيًّا...
فكيف لنا أن نشجع الأطفال للعودة إلى القراءة مرة أخرى؟
استخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعى وإرسالهم
الرسائل للأصدقاء وتلقى رسائل منهم ، جعل كل الأطفال يكتبون ويقرءون خارج الفصل
الدراسى ، وكذلك يقرءون عددًا كبيرًا من الموضوعات السريعة والهامشية التى تظهر
على الشاشات ، مع التحفظ طبعًا على أخطاء اللغة التى يقعون فيها .
لكن هذا كله جعلهم ينصرفون عن قراءة الكتب الثقافية والعلمية
والقصصية ودوائر المعارف . ذلك أن الأسرة يجب أن تقدم القدوة
الأساسية لأبنائها فى مجال حب القراءة والاهتمام بالكتاب منذ مرحلة الطفولة
المبكرة ، فتقرأ يوميًّا لأبنائها حتى لو كان ذلك من الصحيفة اليومية ، وتستمع
إليهم وهم يقرءون ، وتخصص مكانًا لكتب الأطفال حتى لو كان هذا المكان مجرد صندوق
صغير أو رفًّا محدودًا ، وتأخذهم إلى معارض الكتب وإلى المكتبات، إلى أن يتعودوا
على الذهاب وحدهم إلى مكتبات الأطفال العامة وفى قصور الثقافة أو التابعة لمكتبات
مصر أو مكتبات جمعية مصر للثقافة وتنمية المجتمع.
كذلك يجب أن نعيد الاهتمام بحصة
المكتبة فى المدرسة ، ونستفيد بما فى مكتبة المدرسة من كتب
وأوعية معرفة مختلفة ، ونربط المنهج الدراسى بكتب المكتبة المدرسية .
( 3 ) قصور الثقافة فى
الوقت الراهن تقلص دورها كثيرًا ، فلماذا لا يفكر المسئولون
عنها خارج الصندوق ، مثل الوصول للأطفال فى المدارس والبيوت ، حتى إن المكتبات المتنقلة
أوشكت على الاختفاء من شوارعنا؟
قصور الثقافة ومكتباتها تبلغ حوالى ( 600 ) قصر وبيت ثقافة
ومكتبة للأطفال والكبار فى كل أنحاء مصر . وعندما كنت مديرًا للثقافة فى بنى سويف
ثم فى بنها والقليوبية ، كانت سيارة القافلة تذهب يوميًّا إلى عدد
كبير من القرى ومراكز الشباب لتقديم عروض السينما مع المكتبة المتنقلة ، وعقد
الندوات الثقافية والدينية .
كما أن أطفال المدارس كانوا يحضرون إلى قصر
الثقافة
لمشاهدة عروض الأفلام والمسرحيات الخاصة بهم ، والمشاركة فى أنشطة
نوادى الأطفال ، وعلى وجه خاص القراءة ، ونشاط ندوات المكتبة والرسم ، وكتابة ورسم
صحيفة الحائط . لكن هذه السيارات أصبحت الآن مستهلكة وغير صالحة للعمل . ومع ذلك لا تزال معظم قصور
الثقافة تقوم بهذا الدور المهم .
لكننى
أطالب بتنظيم زيارات دورية من المدارس لنوادى الأطفال بقصور الثقافة ومكتباتها ، والاشتراك
فيما تقيمه من مسابقات فى كتابة القصة والمقال والرسوم .. فلابد من تعاون المدارس
مع قصور الثقافة ، لأن الجمهور الحقيقى لقصور الثقافة هم تلاميذ المدارس .
( 4 ) فى عام 2008 قامت
280 مدرسة إيطالية بعمل ورش ثقافية وفنية للطلبة
حول روايتك " كنز جزيرة عروس البحر " بعد ترجمتها إلى الإيطالية ونشرها . فلماذا لا تعمم مثل هذه
التجارب فى مصر؟
الإدارة العامة للمكتبات بوزارة التربية
التعليم أقامت أكثر من مرة مسابقات حول بعض رواياتى ، مثل رواية " تائه فى
القناة " التى تحكى عن مشاركة صبى صغير فى حفر قناة السويس . وفى سنة
أخرى كانت المسابقة حول روايتى " حسناء والثعبان الملكى " التى تحكى عن فتاة
واجهت وحدها أخطار السيول فى مناطق البحر
الأحمر ، واشترك فى هذه المسابقات حوالى ( 3000 ) تلميذ وتلميذه من جميع المدارس
فى مختلف المحافظات .
وحاليًّا تقيم الإدارة العامة للمكتبات
بوزارة التربية والتعليم مسابقة حول القراءة ، لجميع مراحل التعليم ، تصل جوائزها
إلى أكثر من ( 50 ) ألف جنيه . وعلى الطلبة أن يسألوا أمين مكتبة المدرسة عن هذه
المسابقات ، وأن يشتركوا فيها .
وأذكر على وجه الخصوص مسابقة مستمرة حتى الآن (
18 سنة ) ، هى مسابقة " عمر الفاروق لكتابة القصة القصيرة " ، يشترك فيها كل عام
حوالى خمسة الاف طالب من جميع المراحل ، ويتم نشر العشرين
قصة الفائزة فى كتاب يتم توزيعه على مكتبات المدارس ، مع جوائز مالية للفائزين .
( 5 ) أستاذ يعقوب... حضرتك ساهمت كثيرًا فى إضاءة الفكر، فتجربتك فى منشأة ناصر تدعو الكثيرين لإعادة التفكير فى أدوارهم
الاجتماعية... نريد أن نسمع منك المزيد حول
هذه التجربة الرائدة؟
على المؤلف أن يعيش ما يشغل مجتمعه ، لذلك اهتممت
طويلاً أن يتعرف الأطفال على الصحراء وإمكانياتها ، وأن يتعرفوا على شواطئ البحار
التى تحيط بمصر وطولها أكثر من (2400) كيلو متر ، وأن يتعرفوا أيضًا على مشكلات
وقضايا محو الأمية وحماية البيئة وقبول الآخر وحقوق ذوى الاحتياجات الخاصة ، وتأكيد دور الفتاة والمرأة
فى التنمية ، وأيضًا التعرف على حياة سكان المناطق العشوائية .
كانت وسيلتى للتعرف عليهم ، أن أذهب إلى تلك
المناطق لأشارك فى أنشطة الجمعيات الأهلية ، التى تركز اهتمامها على تنمية هذه
المناطق ، وتعمل على الارتفاع بمستوى من يعيشون فيها .
كنت أذهب لألتقى بالأمهات لأحدثهن عن ضرورة الاهتمام
بانتظام أبنائهن فى المدارس . وهناك كانت تجتمع حولى الأمهات مع
الأبناء وهم يجلسون على الأرض ، ولم أكن أجد مقعدًا أجلس عليه ، لذلك كانوا
يُحْضِرون لى صندوق مشروبات غازية ( كوكاولا ) لأجلس عليه وأنا أتحاور معهم.
وعن طريق هذه اللقاءات ، عرفت بطريق مباشر كثيرًا من
حقائق الحياة عن تلك المناطق، وعن إيجابيات من يعيشون فيها ، مثل التعاون الوثيق
الذى يربط بينهم ، والحرص على مستقبل الأبناء ، والكفاح لتدبير نفقات المعيشة . وكان
طبيعيًّا أن ينتهى هذا بأن أكتب عنهم رواية " ليلة النار " ، التى فازت
هذا العام 2016 بجائزة المجلس العالمى
لكتب الأطفال بسويسرا ، كواحدة من أفضل الكتب فى العالم للأطفال والشباب الصغير .
( 6 ) لك العديد من الروايات
التى تم تحويلها الى مسرحيات ، مثل "أمير الخيال" و"البير العجيب" و"نخلتين فى العلالى" وهى من قصص كتابك " أجمل
الحكايات الشعبية " الذى فاز سنة (2002) بجائزة أفضل كتاب للأطفال على مستوى
العالم ، من معرض بولونيا الدولى لكتب الأطفال بإيطاليا . لكن لم يعد الإقبال حاليًّا
على المسرح كالسابق، فلماذا لا يتم عرض هذه المسرحيات داخل المدارس خاصة وأنه
أصبح هناك مادة مخصصة للمسرح؟
الاهتمام بالمسرح المدرسى من أهم
الوسائل التى تشجع الأطفال على الاهتمام بالمسرح فى مستقبل حياتهم . ولجنة ثقافة الطفل
بالمجلس الأعلى للثقافة تنظم حاليًّا مؤتمرًا حول مسرح الطفل ، تطالب فيه بزيادة
الاهتمام بالمسرح المدرسى .. وبتحويل الروايات المقررة على كل سنة دراسية إلى
مسرحيات . كما تطالب بأن يشمل المنهج الدراسى نصوصًا مسرحية مثل " أهل الكهف
" لتوفيق الحكيم وغيره من كبار الكتاب . وكذلك الاهتمام بأن
يكون التمثيل إحدى وسائل العملية التعليمية ، التى يستخدمها المُدرس مع كل المواد
، لأنها تجعل التلميذ مشاركًا فى عملية التعلم .
( 7 ) لماذا لا يتم التعاون
المشترك بين وزارتى الثقافة والتعليم لنشر الثقافة بين أطفال مصر؟ ما رأيك فى تبنى هذه الفكرة من جانبك؟
أعتقد أن إجاباتى عن الأسئلة السابقة تبين بعض أوجه
التعاون بين وزارتى التربية والتعليم والثقافة ، مثل التعاون فى
المسرح وفى قصور الثقافة وفى مكتبات القرى التى يقيمها صندوق التنمية الثقافية التابع
لوزارة الثقافة والتى أصبحت قريبة من المدارس فى عدد كبير من القرى .
كذلك
إصدارات مكتبة الأسرة المتميزة من كتب الأطفال، والتى تباع بأسعار رمزية، وتوضع فى مكتبات
المدارس ، ويمكن أن يشتريها التلميذ بغير تكلفة كبيرة .
لكن لا شك أن
هناك صورًا متعددة كثيرة أخرى يجب الاهتمام بها ، مثل
الاهتمام بانتقال عروض المسرح القومى للطفل ومسرح العرائس من القاهرة إلى مسارح
قصور الثقافة فى مختلف محافظات مصر ، لكى يتمكن تلاميذ كل مدارس
مصر من رؤية عروض هذه المسرحيات.
وكذلك الاهتمام بإنتاج أفلام سينمائية
للأطفال سواء بَشَرِية ورسوم متحركة ، تعرض فى قصور الثقافة ، مع
دعوة كل تلاميذ المدارس لمشاهدتها .
( 8 ) أستاذ شارونى .. هل اكتفيت بدورك نحو الطفل ، أم ما زال هناك الكثير لدى رائد أدب الأطفال يعقوب الشارونى ؟
منذ أيام صدر لى كتاب بعنوان " أبناء
أكثر نجاحًا " ضمن سلسلة " اقرأ " الشهيرة التى تصدر عن
" دار المعارف " . ويتضمن هذا الكتاب ( 82 ) حكاية تساعد
الآباء والأمهات على تصحيح أساليب تعاملهم مع أبنائهم ، وترشدهم
إلى كيفية تنمية مواهبهم وقدراتهم .
ومنذ أسبوعين تعاونت مع مركز توثيق وبحوث أدب
الأطفال التابع لدار الكتب القومية ، فى إقامة أهم مؤتمر فى الخمس سنوات
الأخيرة حول " أدب الأطفال وتحديات العصر " .
وبعد
المؤتمر تم إنشاء " رابطة أدباء ومبدعى أدب الأطفال " ، لتنشيط حركة النقد فى مجال أدب الأطفال ، وللارتقاء
بمستوى أدب الأطفال ، وللعناية بشباب المؤلفين والرسامين للأطفال .
هذا بالإضافة إلى أن لى ثلاث روايات
تحت الطبع ، وأكتب رواية جديدة تدور حول الحياة على نهر النيل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق