2015/05/09

طيف حنين قصة قصيرة بقلم: أسامة منصور



 يمر العمر أسكنها... وتسكننى
وتبدو كالظلال تطوف خافتة
على القلب الحزين...
منذ انشطرنا والمدى حولى يضيق
وكل شىء بعدها... عمر ضنين
صارت مع الأيام طيفا
لا يغيب... ولا يبين
طيفا نسميه الحنين...
 فاروق جويدة
طيف حنين
أسامة منصور
بقفزة مفاجئة جاثمًا على صدرى.. أحسست وكأنى أصارع وحشًا كاسرًا أطبق بكلتا يديه على رقبتى انخلعت روحى هكذا مرة واحدة بانسيابية حتى وصلت إلى الحلقوم... أحاول أن أنخلع ولا حيلة... لا مفر... عندها جثم بركبتيه الغليظتين على بطنى... إلا أن إحداها وأعتقد عن دون قصد منه. أحاط ضاغطا على عضوى كدت أموت لحظتها، أحس هو بذلك فرفعها بسرعة.. أيقنت وقتها أنه لا يريد موتى.. فقط يريد تعذيبى.. لماذا...؟! لا أدرى...
كل ما أعرفه لحظتها عن هيئته.. لا بالطويل ولا بالقصير حتى أنى لا أراه أصلاً فقط أحس به.. أتألم.. أصرخ ألمًا بداية كل وصلة تعذيب إلى ما قبل الفجر بقليل عندها يغادرنى مسرعًا بلا اكتراث.. لا أعرف من هو؟! ماذا يريد من نوبة التعذيب اليومى المتواصل؟! لا أدرى.. هو فقط كمن يشير برسالة ما!!
بالقطع لا يريد موتى.. فقط رسالة.. ما المغزى؟! ما الهدف؟!
لا أعلم...
كاد يصيبنى مرة بالجنون.. حتى بات الموت لى أمنية عزيزة المنال!!
- لماذا كل هذا؟! انت مين؟! لصالح مين؟! أنا عملت لك ايه؟!
- ابعد لا تقبل!!
قالها بصوت ولهجة غير مألوفة لدىّ: ابعد لا تقبل. فقط ما فهمته منه بصعوبة والباقى لم أفهمه..
- هلاوس سمعية... اضطرابات نفسيه نتيجة ضغوط لا أكثر ولا أقل!!
هكذا بكل بساطة كانت تحليلات د. مجدى لحالتى.
- ايه مجنون يعنى؟! والا على وشك !!
- لا... لا... راحة يومين تلاته بعيد عن ضغوط العمل وهتكون زى الفل.
قالها مجدى بكل ثقة... ولا أدرى على أى شىء يستند!!
ازداد الأمر تعقيدًا وبعد آخر زيارة... لم تكن وصلة تعذيب بدنى من الوحش الكاسر بل هى... هى فيهاء!! هكذا نطقت اسمها بلغة ولهجة الوحش ولكنها عذبة رقراقة مصحوبة بموسيقى وعذوبة لم أعتدها من قبل! تمنيت من صوتها ورقتها أن أحدثها عن قرب.. ولكنها...
غادرتنى بسرعة.
- ليس بعد.. آسفة لما حدث لك بسببى أوعدك لن يحدث مرة أخرى. عندها غادرنى صوتها... انقطعت موسيقاها.. انزاح عطر نرجسى مكث لفترة بغرفتى... وبعدها غاب كل شىء من حينها حتى الآن!!
- نعم... بتقول ايه.. انت لا اما... لا اما...
- مش مصدقنى يا دكتور مجدى؟! ده احنا حتى أصدقاء.
- انت بتتعاطى حاجه؟! صارحنى.. إحنا أصدقاء!! وهاعالجك.
- صدقنى دا اللى حصل مش هلاوس.
- وبعدين؟!
قالها ولم يستطع أن يخفى ابتسامة ماكرة أعرف معناها. هو متأكد من جنونى الآن أكثر من أى وقت مضى... بدأ يخاطبنى بحديث العاقل لمجنون بدأ يخاطبنى كطبيب للأمراض العصبية بمستشفى العباسية عنبر الحالات الخطرة!!
بت ليلتى يومها أتساءل لماذا اختفت فجأة؟! ولم جاءت أصلاً ومن قبلها من هذا الشبح؟! ولماذا عذبنى؟! ولماذا اختفى فجأة!!
أيكون مجدى على حق؟! كثير من الأسئلة.. بلا إجابة! أكاد أجن بل جننت فعلا. يا...!! أين أنت؟! أنا حتى لا أتذكر اسمها...
- فيهاء... اسمى فيهاء يا محمود!! ألم أقل لك ليس الآن.. بل فى الوقت المناسب...
- إذن هو الوقت المناسب الآن ...؟!
- نعم.. ولكن قبلها... قل كيف تحب أن ترانى!! أقصد بصورة من تحب أن ترانى تسارعت لحظتها الأفكار والأشكال... دارت حول رأسى الكثير والكثير من صور الجميلات حتى اخترت إحداها... ولكن أيمكنك هذا؟!
- لا تتعجل بالأسئلة!! لا تضيع الوقت.
وما هى إلا ثوان وكما ظهرت فجأة اختفت فجأة لم يتبعها إلا وعيد بابتسامة ماكرة. أعرفها...
تمددت بعدها ولفترة أحسبها طويلة ممددًا على سريرى على أمل أن تداهمه بين لحظة وأخرى وقد كان...
هى كما تصورتها أو بالأحرى كما طلبت بمخيلتى: نجمة الجماهير.. جميلة الجميلات بشحمها ولحمها بين يدى.
هبطت علىّ من حافة السرير كشلال هادر خمرى، بعينين لوزيتين وفستان أبيض شفاف مشقوق من الأمام من أعلى فخديها وحتى القدمين أظهر الشق ما بين حجرها من وردة حمراء مشعة تتحلى بلا خجل بلا اكتراث بمفتاح الحياة الذهبى..
- أحبك حتى قبل أن أراك.. أكاد أجن.
سوف أستثمر فيها الآن كل هذه الأيام الطويلة التى قضيتها معها فى خيالى.. فى خيال المراهق وخيالى كرجل. الآن بين يدى جميلة الجميلات ولن أضيعها من يدى أبدًا.
بدأنا نتجاذب... أحاول ترويضها... صارت مع الوقت أكثر جرأة تفتح أزرارًا ونوافذَ تجرِّدنى دون أن تحدثنى... هى أيضًا وفجأة لا يغطيها شىء إلا شعرها الغجرى الطويل.. صاخبة.. هائجة ناضجة.
بلا مقدمات.. ساعدتنى فى لمحة أن أسد جميع نوافذها الموغلة فى التفتح والاحمرار بلا إنهاك.. مرات ومرات فى تلك الليلة الطويلة باتت أصابعها تتخلل شعرى المبلل طوال الليل تعبث وتدلل.
انتصارات.. هزائم.. بتنا يومها ليلاً مركبًا معقدًا لأقصى مدى. غابت... ظهرت!! بليل و نهار!! صارت الأيام أكثر مراهقة أكثر خيالا! ولا أعرف متى حضرت؟! متى اختفت ولكن أحسها... أستشعرها نسيمًا.. طيفًا خياليًا.. موغلاً فى السحر الملهم... فقط ما علىّ إلا الاستلقاء وفقط وهى تقوم بكل شىء يخصها ويخصنى أيضا فالارتواء لعبتها... الاحتواء مهارة.. وهى الأكثر مهارة... الأكثر إثارة... دوما لها ذلك.. فيهاء.
جزيرتى.. محبسى الاختيارى.. بعيدًا إلا من قربها.. إلا من زهراتها المتفتحة نوافذها وفقط تحبسنى عن العالم الخارجى بالأيام.. الأسابيع..
صارت من يومها عالمى.. فيهاء.. عالم بلا حدود.. بلا حواجز. أحبك أكاد أجن.
- لا.. ده أنت فعلا اتجننت.. بكره تشرفنى فى العياده واللا اقول لك خليها المستشفى أفضل يمكن أحجزك.
بعد كل الأسفار عبر الزمن... بعد طول انتظار إلى أن وجدتك ماذا يريدون منى؟! أن يأخذوك.. يبعدوك!! لا.. لا تذهب إليه حبيبى... كن هنا.. معى بين ضفائرى الغجرية أغلق عليك وبك نوافذى.. نسيمى الغجرى!! وقد كان. لحظتها خلعت كل شىء على أرض جزيرتى العشبيه اختطفتنى.. افترستنى. يومها كانت أشبه بلبؤة هائجة إذا ما فكر أحد فى اختطاف فريستها منها كان همها الأول والأخير الاحتفاظ بفريستها. ازداد لحظتها الدبيب.. اللهيب أكثر فأكثر.
لأول مره تمتطينى وأسمع رجفتها صاخبة ممتدة تتأرجح فوقى بقوة لم أعهدها على هذا الحال من قبل حتى أنى شممت رائحة بللها.. عرقها الأنثوى الهادر.
بعد تأوهات محشرجه لم أعهدها.. وربما بعض الكلمات بصوت خافت يمتلئ بما يشبه الدموع.
محمود! منذ خمسمائة عام تمت خطبتى على شال ابن عمى من دون رغبة منى ولكن ضغط عائلى وطقوس عائلية وعقائدية لن تفهمها ومنذ الأمس فقط حينما ولدت محمود.. أحببتك حتى قبل أن تولد.. أحببتك وأنت لى وفقط وكان القرار..
- الأمس.. ولدت؟! أنا ولدت منذ ثلاثين عامًا.. ثم أىُّ قرار؟!
لم تمهلنى.. لا فوارق زمنية.. لا شال.. لا مجدى...
لن يأخدك أحد منى اليوم ولا الغد.
عندها ازداد اللهيب متأرجحًا.. بت فى حاجة للمزيد اعتلاء يتبدل.. نوافذ هائجة...
كومتنى حانية... لملمتنى... عنفتنى عندها فقط تركت الأمس ورحلت!! لماذا؟!
لم أعرف يومها.. ذلك كان الخطأ!! كان الرهان عليك يومها ومن يومها أعلم أنى قد خسرت الرهان.. لذلك اليوم أنا هنا أحاول لملمتك... أحاول استعادتك ولكن... ما زال الطريق طويلاً لاستعادتك اليوم.
بين لذة الخيال فى أوقات تمثلها لى وبين لذة لقاء صحيح صريح بت ليلتى أستجدى الأمرين.. فيهاء!! فيهاء..
 كيف قطعت المسافات فى أقرب زمن؟! كيف اهتدت إلى مضجعى بهذه السهولة واليسر؟! ماذا فعلت بى بلا هوادة... بلا تحريم؟!
هاج ما هاج من شوق... إلا أنه بالآخر كان سرابًا لامعًا.. كما ظهر فجأة اختفى فجأة.. ساعتها تذكرت قولها:
- إذا لم تشرق الشمس فسيطول الليل... وعندها يموت كل شىء ولا يمكن عندها التنبؤ بما يحدث لى ولك بالحياة الأبدية.
فيهاء... ما زلتُ فى انتظارك اليوم... وكل يوم.

ليست هناك تعليقات: