2015/05/30

الحــــــــــــــــلم قصة بقلم: سيد عبد النبي




الحــــــــــــــــلم
  سيد عبد النبي   
ــــ منك لله ياعم محمود خليت الناس تجري ورانا وتقول بركاتك ياشيخ محمود كنتِ جالسا
علي قاعة الطريق – تضرب الناس بالطوب والحجارة وتلعن كل من يقترب منك 00 تلعن القادم والمغادر إلي المسجد الصغير الكائن في شارع الحافظية عندما يعلو صوت القارئ لصلاة الجمعة من الميكروفون الذي تم تركيبة أمام محل الكهرباء الذى تمتلكة 0 وتهلل بصوت عال متهكما علي الشيخ ( الله الله ياشيخ قرد ) أثناء قراءة القرآن قبل الصلاة 00 لم تعرف قدماك طريقهما إلي المسجد ولم تحتضن جبهتك المصليه في يوم من الأيام 00 كل حياتك كانت علي المفتوح 00 متاجرة في المخدرات والحشيش 0عيني عينك  لكن لقول الحق كنت أول من يتسابق علي أداء الواجب لأهل المنطقة أو الشارع أول من يتواجد للعزاء ومد يد العون لأهل المتوفي من فراشة وإجراءات الدفن وخلافة 0 وأول من يساعد الفقراء في مصاريف الداء والدواء 00 الناس تقول عليه أنه راجل في المواقف 0 شيخ في المعاملة معلهش الدين المعاملة 00 وأول من يحضر ويساهم في الأفراح ويعرف الواجب 
أم سيد الغلبانة ذات الأربع بنات والتي توفي زوجها منذ زمن بعيد والتي تجلس في الشارع بعد دكانك تبيع الخضروات هي وبناتها الأربع وإبنها  في الدكان الصغير المتهالك الذي يقبع في حضن البيت القديم كثعبان ميت 00 كنت الإنسان الوحيد الذي يعطف عليها ويساعدها وتأكل كل من يقترب منها وبناتها 00 كنت تقول قولتك الشهيرة ( اللي هايرش أم سيد بالمية هاأرشه بالدم )
كنت تحبنى جدا بدون سبب كان يقابلنى قائلا أنا بحبك ياعم سيد علشان ابوك راجل طيب ولست أعرف لماذا كان يناديني بعم سيد رغم انني كنت وقتها زميل لإبنة رضوان بالثانوية العامة وكان يقول لي تعرف ياعم- ( سيد انا نفسى رضوان يطلع محامى كبير او ظابط شرطة)00كان ابنة رضوان شخصية محترمة جدا ومتدين الي ابعد الحدود و يحزن لعمل ابية ودائما مايختلف معه حتى انه كان قليل التواجد بالمنطقة لهذا السبب
ذات يوم وأثناء توجهنا لأداء صلاة الجمعة دخلت عليه وهو جالس علي الكرسي بجانب الميكروفون الضخم الذي كان يعلو بالقرآن من المسجد الصغير بالشارع الجانبي  ( ياعم محمود ما تيجى تصلي معانا الجمعة ) تردد قليلا وقال ( ما أعرفش )- مددت يدى اليه (علشان خاطري ) إحتضن يدي بين يديه ( خاطرك كبير عندي) وقام معي- سار بجانبي كطفل صغير يتحسس بقدمية الطريق كأنة يخطو للمرة الأولى 0 تأبطت زراعة وعرجت معه الطريق الي المسجد الصغير- دخلت باب المسجد وسط ذهول الجميع- مددت يدى اخلع نعلية أسرع( استغفر الله يابني ليه كده) دخلنا الى الميضة للوضوء إهتزت فرائضة بجانبي عيناه تحومان في المكان وقف كالمذهول يتفرس وجوه المحيطين يداة ترتعشان 0 مال علي (أعمل إيه ) قلت ( شوفنى بأعمل إيه 00وأعمل زيي ) إبتسم كحمل صغير وليس كذئب بشري قوي مرددا (طيب)- مددت يدي لأتوضأ 0 فعل مثلي- إنسابت حبات الماء  من بين يديه وتلألأت علي جبهته ولحيتة ولأول مره في حياتي اشاهد عم محمود بهذه الوداعه والهدوء – شفتاة المبتسمتان وجبهته العريضه وعيناه الواسعتان كانوا ذات ملامح غريبه عن ذي قبل  - أمسكت بيده – دخلت به الى صحن المسجد – الناس جميعها تنظر بإستغراب – ماذا يحدث تاجر المخدرات العربيد الذى ملأ الأرض فسادا داخل المسجد – سرت به من بين الصفوف – تعمدت أن أجلس معه في الصف الأول – يسير معي خائفا ترتعد فرائضه كلما اخترقت صفا أو تقدمت به آخر – سبحان الله الأسد القوي بالخارج تسطك أسنانه خوفا ورهبه بالداخل – إنتظمت وقفتنا بعد أن أفسح الحاضرون المكان ربما خوفا منه أو بعدا عنه – بصوت مرتعش – عم سيد أعمل إيه – بص ياعم محمود إحنا هانصلي ركعتعين مع بعض تقرا الفاتحه وسوره صغيرة إنت حافظ الفاتحه ياعم محمود – قال ايوه وزادت ثقته بنفسه – رفعت يدى ناويا الصلاه – رفع يده مثلي تماما اكملنا الصلاه – جلس بجانبي بعد الصلاه مددت له يدي فأحتضنها بلهفه يداه باردتان كالثلج جسمه يرتعش ربّْت علي يديه مبتسما – قلت له متخفش خليك مع الله انت دلوقت في بيت الكريم – قال طيب – بس أنا خايف قلت له ليه ياعم محمود – قال أنا وحش نسيت ربنا  قلت له ربنا غفار وستار قال ذنوبى كثيره قلت له ولو كانت مثل زبد البحر قال صحيح قلت له أيوه – بكت عيناه – رفع يديه مثلي إلي أعلي قائلا يارب
جلسنا نستمع لخطبة الجمعه – جسده الهزيل الملتصق بي يهتز أحسست به ينتحب مع كل  ذكر لآيه من القرآن يقولها الخطيب -  الإنسان القوى الذي لا يعرف المستحيل خارج باب المسجد ضعيف ذليل بعد أن مر بالباب الي الداخل مال برأسه علي – لسه كتير قلت له – ليه قال أنا تعبان قلت له من إيه قال مش عارف قلت له الصبر طيب ركعتان بعد الخطبه ونّروح ياعم محمود وتبقي عريس قال طيب
زادت إرتعاشته وزاد صوت إحتكاك أسنانه ببعضها قلت له وبعدين ياعم محمود قال أنا صابر أهه بس إدعيلى – قلت له ربنا قبلك فى بيته الصبر طيب إنت في ضيافة الغفور إبتسم ومد يده امسك بيدى وضعها علي جبهته – العرق يتصبب منها بغزاره ولكنها بارده – قلت له في أيه ياعم محمود قال عايز أنام – انتهت خطبة الجمعه – قمنا الى الصلاة أوقفته بجانبي وهو يترنح أمسكت به وهو يرتعش – رأيته يبكي – ارتفع نحيبه أثناء الصلاه صوته يعلو صوت الخطيب ضغطت بيدي علي يدة  أخذ يهتز رافعا صوته يارب – يارب ترنح أمسكت به جسده كله ينتفض بشده لففت زراعي حول وسطه أسندته نظر إلي دموعه غزيره يداه مرتعشتان – يستغيث بي من شئ ما – ثقل جسده بين يدى – أجلسته علي أرض المسجد خر مغشيا عليه ممدا بين الصفوف – أكملنا الصلاة وعندما انتهينا توجه الجميع اليه أمسكت بيده – أحسست به مبتسما سعيدا يداه ساخنتان جسده مستريح نائما علي ظهره قسمات الوجه تغيرت مغمض العينين – ياعم محمود يالا نروْح – لم يرد
سبحان الله الراجل ده فيه بركه – فاسد وختم حياته بالصلاه – توجه الجميع اليه رفعوه الي وسط المجلس وتم الصلاه عليه بأكبر حشد من المصلين في يوم من اشرف الأيام ليوم الجمعه
سبحان الله دخل المسجد ولم يخرج منه – الزغاريد بدأت تنساب في جميع أركان الحاره  - إزدادت الجموع الغفيرة التى أتت لتلقي النظره وتأخذ البركه – في سويعات قليله تحول من شقى إلي تقي له كرامات – حملوه – جروا به في انحاء المنطقة التي كان يعيش فيها – بركاتك يا شيخ محمود
رفعت يدى باكيا – سبحان الله – ماذا حدث في لحظات – تحول المشهد – أنزلتهما ونظرت بجانبي مندهشا لأجدني أمام عم محمود في الحاره قائلا لي فيه إيه ياعم سيد إنت إتجننت ولا إيه وصوت الميكروفون يعلو بآذان الجمعه

ليست هناك تعليقات: