2015/05/16

الولايات الانثوية المتحدة بقلم: د.ماجدة غضبان

الولايات الانثوية المتحدة
د.ماجدة غضبان
غالبا ما أقف مذهولا امام مدرس التأريخ.. هذه الحصة تثير في القلق، و اكثر ما اكرهه فيها هو الحديث عما كان يجري في غابر الازمان، لانني اعده فاصلا بين الخيال و الواقع، و كل الاساطير التي يظنها مدرس التأريخ حقائق لا تقبل نقيضا لها، تجعلني اغزل منها الاف من علامات الاستفهام.. نحن نذم علنا، و سرا تلك الولايات.. غير ان كل ما في اسواقنا مستورد منها، معظم نسائنا يحلمن بالعبور نحوها، و تمنعهن امومتهن عن اجتياز الحدود المتوجة بقبة عاطفة الامومة لحماية الولايات من اي هجوم نووي نحوها.. و النووي هذا جعلني اظن ان كل ما يقال عن حياة من سبقونا هو ضرب من الخيال.. صحيح ان المدرسة نظمت عدة رحلات نحو متاحف الاسلحة القديمة، و زيارات للمعارض الفوتوغرافية التي تصف بربرية القرن الحادي و العشرين، و ما سبقه من قرون، غير اني عجزت تماما عن رسم صورة كاملة لأجدادنا القتلة.. هم في بعض الاحيان يشبهوننا، و في احيان كثيرة لا يختلفون عن الحيوانات المفترسة في غابة لم تعبث بها يد انسان، كما ان الجثث المحنطة لضحايا الكتابة المسمارية قد اتلفت، و لم يعد لها من وجود سوى ما يحيطها من اسرار و كتمان.. و تسريبات تثير القشعريرة و الخوف في جسد اي رجل.. جدتي هي اكثر النساء تحمسا للحديث عن مدينة نهداد، رغم ذاكرتها المعطوبة.. سمعتها في طفولتي و هي تروي الحكايات عن واد جميل، كان يوما ما ساحة حرب لم تنته الا بظهور غريب لعصابات نسوية بدت شديدة القسوة مع خصومها الرجال.. استولت على مساحات شاسعة من الاراضي الجرداء بعد حرب ذكورية دامت قرنا من الزمان، انهته تلك النسوة بتعليق الرجال من اعضائهم التناسلية في الشوارع و الساحات، و ظن العالم ان هاته التجمعات المجنونة ستتحول الى قبائل من آكلات لحوم البشر مع كمية سلاح تكفي لمسح كل اثر للحياة خارج البقع التي وضعن ايديهن عليها ، و بلغ الخوف من وحشية مصير من يقرب منهن حدا لا يجرؤ على اجتيازه اي رجل، فهن لا يقتلن الرجال كما كن يفعلن في بداية ثورتهن، بل يقطعن الاعضاء الذكرية، و يعدن ارسال الضحايا من حيث اتوا، و بين افخاذهم بقعة ملساء حفرت عليها بالمسامير رسائل مرعبة.. ثم انقطعت اخبار تلك العصابات، و لم تتوفر الشجاعة لدى اي رجل لدخول دولة البتر و الكتابة المسمارية على مواضع فحولتهم.. غير ان النسوة في مختلف انحاء العالم لم ينقطعن عن زيارة بلد عصابات لا تعاملهن الا بود، و تكرمهن ايما اكرام لقاء نشر دعوتهن لانضمام المزيد من النساء اليهن دون شرط سوى عدم اصطحاب ذكور.. و مر زمن كان الرجال فيه يلقون بقنابلهم النووية فوق ذاك الوادي المرعب دون ان يسمعوا دوي انفجار، انما يعقب ذلك جفاف كل عضو تناسلي ذكري مع خصيتيه، و تحوله الى ما يشبه قطع من خشب آيل للسقوط.. و سنة فأخرى لم يعد الرجال يفكرون سوى بحماية انفسهم من الانقراض، يتنازلون عن كل شيء للولايات في صفقات غير عادلة لقاء ان تظل اعضاؤهم حيث هي، تعمل دون عطب مفاجيء.. و يعد الاسلاف تحطيم مصانع السلاح، و اتلاف كل اداة قتل اكبر هزيمة للولايات المختلطة امام الولايات الانثوية المتحدة.. و بعد زمن صمت ينذر بخطر مباغت، تتالت اخبار الاختراعات، و الاكتشافات التي تبث من خلال محطات انثوية عالمية، لتجعل من البقاع التي سيطرت عليها تلك النسوة محصنة تحصينا كاملا ضد اي سلاح صنعه الرجل يوما ما.. تتذكر جدتي ان مواسم حصد البنات الرضع كان عيدا وطنيا لتلك الولايات الخالية من الذكور تماما وفق ما سمعته من والدتها يوما.. تقطف فيه البنات الصغار من اشجار تشبه رحم المرأة، ثم توضع في احضان الامهات اللواتي يرضعنهن طوعا من خلال حلمات دافئة تسحب حليها من خزان المدينة الكبير.. لم تتسع تلك الرقعة الغريبة المحتشدة باسرارها الا سلميا، كانت النساء تتجه من كل انحاء العالم صوب ذاك البلد الساحر، و هن يضمن ما بحوزتهن من اراض لوطن خاص بالانوثة وحدها بعد طرد الذكور منها.. و جدتي تضحك حين تذكر ان موضعا معروفا يطلقون عليه اسم (العلاوي) في العاصمة (نهداد) اصبح محل انطلاق الباصات الفضائية التي ترحل حسب جداول زمنية نحو جنات النعيم في زحل و الزهرة و المريخ و كواكب اخرى في مجرات لا يعرف عنها شيئا اي فرد من البلدان المختلطة الجنسين، اي التي مازالت تقر بحق الذكور في التواجد مع النساء. و يقال ان هنالك متحف يسمونه متحف العهد الذكوري، فيه الكثير من الرجال المحنطين.. تحدثت عنه امرأة مسنة قبل وفاتها امام حشد متظاهرات يطالبن بحقوق كالتي يسمع عنها في الولايات الانثوية، و قد اعربت عن اسفها اذ لم يسعها الالتحاق بعصابات النسوة المتمردات على حروب حصدت الملايين بسبب اولادها الذكور الذين لم تستطع تركهم صغارا.. و قد تضمن خطابها توضيح لما حدث حين قرر رجل انتحاري اجتياز الحدود الفاصلة بين الولايات المختلطة و الولايات الانثوية المتحدة.. قالت انه دخل دونما صعوبة، و كأن الحدود قد فرشت له زهورا، ربما لاصطياده، و جعله عبرة لغيره، و انه قد تزحلق من الحدود حتى قلب العاصمة نهداد دون ان يدري كيف، كان كل شيء متموجا و زلقا.. و الشوارع اشبه ببطون الكواعب الملساء، اما البيوت فنهود منتصبة بابواب تشبه الحلمات، و السيارات نهود اخرى تنزلق كأنها جحافل من حيامن تناضل لبلوغ بويضة انثى.. لم يكن هنالك من دخان، و لا غبار، و الاريج يفوح في المكان حتى يخال المرء انه في قلب زهرة، و ليس في مدينة.. الالوان اصابت عينيه بغشاوة، و خدر لذيذ سيطر عليه و هو يسير تائها بخطاه بين اجساد لم تسترها قطعة قماش.. علام القماش و الازياء و الاحذية؟؟؟، هكذا تساءلت المرأة العجوز، نحن نلبسها هنا اما بسبب مفردتي العيب و الحرام ضمن القاموس الذكوري سيء الصيت، او لنثير الرجال باظهار بعض الجسد كي يصاب بالجنون ليرى ما خفي منه... طاف الانتحاري كشبح، لا امرأة تلتفت اليه، فجميعهن ينزلقن كأجنة في بطون لا تعرف الم ولادة، يسبحن دون نقل الاقدام في بحر زلق السواحل، لا يشعر من يبلغه الا و كأنه الطير محلقا في سمائه.. معظم الروايات تتفق على انه قد مات بالسكتة الانتصابية، فقد عانى من انتصاب لا يتوقف منذ اول خطوة له نحو الحدود و حتى الملعب المسمى بلحظة الابداع... و الملعب هذا فيه سر تفوق الحضارة الانثوية على المختلطة، فهنالك ينهمر الحب كمطر ربيع يخضل الاجساد الطرية المشدودة، و النهود المنتصبة التي لم تتجشم عناء الارضاع، و البطون المستوية التي تجهل الحمل و الترهل.. كل امرأة مع الاف من خليلاتها يعشن زمن النشوة الجماعي، كل الشفاه الناعمة تقبل غيرها، و كل الانامل الرقيقة تداعب ما تعثر عليه حولها من عطايا الاجساد العارية، و تتحد الاف من التنهدات كموسيقى عارمة يهتز لها الفضاء، و تجعل من السيول المتدفقة لذة محيطا زبده خمر دنان كواعب لم يعرفن المشيب، يقطعنه عوما نحو قمم الطاقة الذهنية... و عند تلك القمم تصنع المعجزات، و تشع من العقول شموسا لا عهد لنا بها، تغير من كيميائية الخلايا العصبية، و تدفعها الى العمل باقصى قدراتها، ليغدو اينشتاين بعبقريته مجرد غبي احمق في المختبرات التي تمتليء بالنسوة المبتهجات بعد انقضاء لحظة الابداع.. تنبلج الحياة من بين ذراعي كل انثى، و تلج الاقدام الحافية المترفة المجرات من ممراتها المفتوحة دونما حصون، تلد شبكيات العيون اقواس قوس قزح تتردد في رحابها صدى ملايين من الضحكات الانثوية الشبيهة بالسيمفونيات، و تبنى المدن في رمشة عين، و تزرع الالاف من الزهور، و تحبو الملايين من الرضيعات على ارض من حرير.. لا يشكو احد فقرا و لا جورا، لا تعرف الكراهية، و لا الحقد.. المدارس سفوح جنات تمنح لطالباتها القدرة على التواصل مع كائنات اخرى عبر الفضاء.. و التلميذة لا تحصل على شهادة نجاح ان لم تقدم لمجتمعها الانثوي اختراعا جديدا يضيف سببا جديدا للسعادة.. الرجل الانتحاري ظل ينزلق بين ملاعب، و مسابح، و ورشات عمل اشبه بقصور من ماس و ذهب، و هو يكابد انتصابه حتى توقف قلبه مرهقا، و تم تحنيطه و عرضه في المتحف.. استاذ التأريخ يصف لنا بشاعة الاجداد، و حروبهم، و كيف تم تحطيم كل معامل السلاح بعد ثورات لم تتوقف من قبل الامهات، و كيف اصبح الرجل يسير برقة فراشة تحط على زهرة ربيع، و يتكلم بصوت اشبه بالكمان و هو يحاول ان يرضي زوجته بعد ان قررت المغادرة صوب نهداد.. قال اننا مررنا بفترة خشينا فيها من الانقراض، و لازلنا نخشى ذلك، فالنساء في نهداد يقطفن البنات من اشجار المحبة، لسن بحاجة لنا، و النساء هنا يرغبن في الهروب نحوهن، اصبح كل مائة رجل يخطبون ود واحدة فحسب، جميلة كانت ام قبيحة، فقط كي لا يظل احدهم وحيدا، و ان اغضبها غادرته دون اسف صوب من هو افضل منه ليقضي بقية عمره متحسرا على ذكريات حضن امرأة.. قال ايضا ان المثليين حوربوا بشدة، فهم يقللون من قدراتنا على انجاب المزيد من الرجال.. و قد قتل كل من ابدى ميولا شاذة قتلة شنيعة.. زرت المتاحف مرارا لافهم دوافع الحروب، و القتل التي جعلت من اجدادنا عبيدا للموت، و لم استطع تخيل ذاك العالم الاحمق.. و لولا خوفي من السكتة الانتصابية لزرت تلك الولايات و اعلنت ولائي المطلق لها.. في المدرسة لقحوني بلقاح مضاد للاغتصاب، رغم اني لم افهم كيف يطلب الرجل من المرأة شيئا دون رضاها.. كل ما كان، يبدو لي في منتهى الوحشية، قد تغير عالمنا و اصبح اشد هدوءا مقارنة بتأريخ الدم، و الاغتصاب، و الفقر، و المعاناة، رغم ذلك مازالت الولايات الانثوية تمنع دخول الذكور.. انهن ببساطة لا يشعرن بحاجة لتواجدهم، بل يرين في شعر اجسادهم ما يخز الشوارع المورقة بنعومة، و في شواربهم ما ينتأ بقبحه في حدائق تزهو بالجمال المنبسط امام الاعين.. تمنيت لو انني اصبح بنتا لمدة يوم واحد يسمح لي فيه ان اعيش في تلك الدنيا التي لا تعرف ليلها من نهارها.. فالشموس الصناعية بلا عدد.. و النهود التي اتمنى النوم في ظلالها هي بيوت و اشجار.. قبلت امي صباحا و انا اقول لها: انني اعلم حجم تضحيتك اذ لا تلتقحين بالنسوة هناك.. لا عجب انهن غيرن مسار البشرية من الحماقة نحو التواصل مع سكان مجرات لم نرهم يوما.. و قد صنعن جنات فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطرت على قلب بشر.. هن كما انت، لا تعرفين سوى ان تمنحيني كل ما بحوزتك من حياة...

ليست هناك تعليقات: