2011/03/14

" معا.." قصة قصيرة لهيثم عبدربه السيد

معا
هيثم عبدربه السيدعبدالرحمن*

وقت كهذا كنت أرقبه من بلكونتى الصغيرة وهو جالس على المقهى المواجه لمنزلنا يلعب الدومينو أو الطاولة مع احد أصدقائه ممن لهم تقريبا نفس هيأته..الرأس المشتعلة بالشيب،النظارة الطبية التى تبتلع نصف معالم الوجه،اليدين المعروقتين والجلباب الأبيض المكوى بعناية.
كانت ضحكته تجلجل فى الشارع وهو يطرقع بقطع الدومينوعلى "ترابيزة" المقهى الخارجية واعتدت سماع عبارته
"إلعب ياصليب ..إلعب" كان يطلقها مدوية يكاد يسمعها كل الشارع
كان صليب هو صديقه الأكثر تواجدا معه والأكثر شبها به حتى انى سألت أمى ذات مرة فى صغرى هل عم صليب وعم محمد أقارب فابتسمت وهى تنشر الغسيل فى البلكونةحيث كنت أقف إلى جانبها وأرقبهما على المقهى.
الأسبوع الماضى مات عم صليب فانقطع عم محمد عن المقهى .زرته فى المنزل ..وجدته متكورا على كرسيه فى البلكونة يختلس النظر إلى المقهى والترابيزة الخارجية والكرسيين الجريد حيث كان يسجلس هو وصليب من بعد العصر إلى مابعد المغرب..لايقطعه عنه سوى صلاة المغرب .
بعدها يعود يطلب بأعلى صوته من صبى المقهى "الشاى بالنعناع يالولو" ...كأنه لم يشعر بوجودى ظل ساكنا سكون تلك الدمعات التى لمحتها راكدة فى مقلتيه.تنحنحت وحاولت أن افتتح معه حديثا فقلت:
-البقاء لله ياعم محمد . 
قلتها فى هدوء..
رد فى هدوء مماثل -ونعم بالله
لم يضف على عبارته ولاربع كلمة سوى تنهيدة عميقة تصورتها تخرج من اعماقه.
حاولت مجددا ان أطرق بابا آخر لفتح الكلام فاخبرته ان البشر فانون وان الموت هوالمعادل الطبيعى للحياةوانه لاخلود إلا للخالق ..كررعبارته مرة ثانية دون ان يحرك ساكنا .
طاف بخاطرى ان الوقت غير ملائم وانه لن يتحدث وان انصرف لولا ماكان يضعه على ركبتيه ويستند إليه بساعديه...كان البوما كبيرا للصور.سحبته برفق وانا أسأله مداعبا
-إيه ده ياعم محمد..........ذكريات؟ 
فأجاب بصوت خفيض وهو يرفع عنه ساعديه
-يعنى.... 
كان الألبوم بتصميمه القديم يوحى بأنه كتاب تاريخ لاألبوم صورومازاد ذلك الاحساس فى نفسى تلك العبارة المنقوشة بالخط الكوفى المذهب على غلافه "محمد عبدالرحمن و صليب موريس ..ألبوم خاص"
استأذنته فى فتح الالبوم فأومأ براسه موافقا .
واجهتنى الصورة الاولى ..ابيض واسود لطفلين صغيرين بمرايل مدرسية يلتف ذراع كل منهما حول رقبة الآخر..يأتينى صوت عم محمد كالقادم من الحلم، يخبرنى ان الصورة التقطها والده عند باب المدرسة الابتدائية فى أول يوم دخل فيه المدرسة مع صليب.
الصورة الثانية احدهما يحمل الآخر وهو حاملا لكأس بملعب كرة قدم ، يخبرنى عم محمد انها التقطت فى المدرسة الثانوية .
الصورة الثالثة أميز فيها عم محمد وهوإلى جانب عم صليب ، يخبرنى عم محمد انها التقطت يوم التخرج من الجامعة....
استمر فى تقليب الصور ويستمر صوتعم محمد يصاحبنى "هذه ونحن فى التجنيد" و"هذا فرح عمك صليب"
و "هذه كنا نصطاد فى بركة اكياد" و"هذه عند عودتى من الحج" و"هذا معا على المقهى"
وتنفرط الدمعات من عيني عم محمد ويقول لى وهو يعاود النظر إلى المقهى "انا حاسس انى هاموت وراه"
تترددعبارته فى أذنى بينما أمى تلكزنى فى كتفى وانا مستغرق فى النظر إلى المقهى والترابيزة الخارجية والكرسيين الجريد..
- قوم صلى العصر عشان تلحق جنازة عمك محمد


*فاقوس - الشرقية

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

قصيده جميلة