2011/03/17

"اللعنة الزرقاء تحت الجلد" قصة قصيرة لإبراهيم حسين

اللعنة الزرقاء تحت الجلد
إبراهيم حسين مصطفى
(الجحيم هو الآخر)
أقنعتك لدرجة أنك علقتها على الحائط , وعندما تريح القلم بين أصابعك تنظر إليها .. ثم تعاود الكتابة .
ينتهي النص ولا ينتهي قلقك .. تكتبه مرة أخرى, لا تذكر أبدا أنك وصلت لدرجة الرضا, عندما ترجع لدائرة الوقت تجد إن ساعتك الرقمية تسرع بشدة.. تقوم .. تأخذ بصعوبة مكانك بين الأسبتة المليئة بنتاج الأرض , يختلط بأنفك رائحة عرقهم برائحة الجبن والنعناع
عند أول مطبات الطريق ترتكز المرأة التي بجوارك عليك بجسدها ( لا مؤاخذه يا أستاذ )
لا تلتفت .. تعاود القراءة في كتابك وفي الطريق الموازي للمستشفى العام تنظر للوجوه المسرعة إلى دفتر الحضور .. تبحث عن وجه ذي ملامح صغيرة .. هي الوحيدة التي تحمل لك على راحتيها إناء الفرح والتحنان, ولكنها عندما تأخذ نصوصك لتقرؤها تترك كل الصور التي حسبتها مدهشة وترجعها إليك وقد وضعت خطوطا تحت أسماء الإناث, عندما لا تجدها ترجع لكتابك هذه المرة بدون تركيز
تدخل .. تقابل رئيسة القسم .. تنظر في ساعتها رغم أنها تعرف الوقت جيدا.. فقط تحاول لفت انتباهك أنك متأخر, وعندما تجد الكتاب المكور في يدك كأنه عصفور مذعور..
تقول ( صباحاتك تأخير .. يمكنك الجلوس بالبيت إن كان العمل لا يعجبك)
يجذب صوتها زملائك وعمال النظافة ..
تبتلع انفعالك, يوم آخر من العمل المكرور, في نهاية يومك تسرع, لماذا لا تسمعني وتعرف أن هذا لاشيء ؟ لا شيء على الإطلاق ! , في المدخل أطفال يلعبون.. بنات يلبسون (الدرتي) , ويضحكون بصوت عال, على السلم تقابلك مشاهد أكثر تعقيداً , من بعيد تسمع صوت عبد المعطي المشبع برائحة النيكوتين , نفس رهبة مرتك الأولى .. تكاد تتعثر في السجاد القديم تختار مكانك عشوائيا.. تحاول السيطرة على أنفاسك, اسمك الآن يكتب.. وعندما يحين دورك..
تتمنى لو نظرت لوجوههم لتعرف وقع كلماتك..
قال عبد المعطي ( إن قراءتك سيئة )
يكرر جمال ( بأن النحو معتدى عليه )
أما مهدي فيقول بكلماته المنتقاة بشدة ( أن لا ضرورة للأنثى في كل نص)..
آخرون يتكلمون .. تتداخل برأسك الكلمات .. تحس بثقل في أطرافك .. ترسم ابتسامة بلهاء .. تتصنع الفهم والقبول لكل ما يقولون ,تتراءى لعينيك أشياء لم تكن تراها .. السيجارة التي تعبر فوق رأسك .. دخان يتكاثف أمامك.. مزيد من الإحساس بالاختناق .. تقوم تفكر أن تلقى بالكتاب الذي بيديك من أعلى.. تستمتع بمشهده وهو يهوي .. عملية الصلح مع نفسك تأخذ وقتا أطول .. لا ترضى بالكلمات المعتادة .. التجربة .. البداية
المدينة المزدحمة لا تتسع لخطواتك.. عيناك تعبت من قراءة ماركات السيارات ولمبات النيون.. رائحة الشواء لم تعد تثير شهيتك , وفي الطريق المستقيم المؤدى لمنشأة عبد الله , تنقل قدميك ببطء , تعرف معنى أن تمشي بلا هدف , رحل رجل المرور , ورحل أيضا العاشقين ومعهم بائعي الترمس والفول , تطأ قدميك أوراق الشجر الجافة .. صوتها يثير أعصابك , تتشكل الكلمات من جديد وتعيد نفسها
( لا ضرورة للأنثى في كل نص ) ولكنها موجودة ولا تستطيع الإفلات من تأثيرها
ترى مجموعات الشباب .. يحمل إليك الهواء رائحة البانجو والتبغ (الراوي العليم بكل شيء ) , الموسيقى الصاخبة المنبعثة من السيارة تقلق العصافير القابعة في ذعر داخل أشجار الفيقس
( النحو , الأنثى , الحدث )
أصوات حشرات الليل تصنع خط مستقيم من الأزيز يمر برأسك , أحلامك جثث ملقاة على الإسفلت , تمر فوقها عجلات السيارات وعربات الكارو..
هل ستقضي ليلك كله ماشيا ؟!
سب الكتابة والكتب ومن يكتبون
أقسم أنك لن تعود..
بعثر الكتب حول فراشك
أركلها بقدميك
أيام لا تنظر إليها
اعرف أنك في اليوم الثالث
ستعود.. لتكتب ما كان


ليست هناك تعليقات: