د. محمد القضاة ، والروائي صبحي فحماوي في المكتبة الوطنية: رواية (الإسكندرية 2050) تنبأت بالثورة المصرية الأخيرة !
في حديثه في المكتبة الوطنية مساء الأحد الماضي عن رواية صبحي فحماوي (الإسكندرية 2050) قال د. محمد القضاة، أستاذ النقد والأدب الحديث في الجامعة الأردنية وجامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا تحت عنوان(الاسكندرية 2050 نبواءات تسبق الثورة): يقف المتلقي لرواية صبحي فحماوي "الاسكندرية 2050" أمام نموذج روائي أردني متقدم في أطروحاته وحواراته ورؤيته واستشرافه لآفاق عربية الملامح قومية الفكر، نموذج حيّ في التفاصيل والتوصيف لا تترك للقارئ مجالاً دون التدقيق في عبقرية ذلك الزمن.
تنقل رواية "الاسكندرية 2050" رؤيا خيالية جديدة في عالم الرواية العربية وقد تزامنت مع ظروف عربية وسياسية واجتماعية متناقضة، أوصلت الإنسان العربي إلى اتخاذ الأسئلة وسيلة للبحث عن المستقبل والتنبؤ بالتغيير ، والروائي يتوقع هذه التغيرات ، وهو ما يؤكده في الرواية بقوله:" إن انهيار عالم عتيق وشيك بالفعل ، إن شيئاً سيحدث على نطاق واسع، العالم يريد أن يجدد نفسه"، ومن يقرأ عناوين محتوى الرواية يجد نفسه أمام مشاهد تتجاوز (37) مشهداً كلها تشتعل برائحة مصر وأهلها الطيبين وقد أضاء فيها عالم المدينة الغرائبي والواقعي بمشاهد ساخنة تُطل فيها على دعابات السكندريين وأرواحهم الوقادة، مشاهد تخرج من بحر الاسكندرية إلى بيوتها وناسها وشوارعها تعيش معهم لحظة لحظة.
تتكئ هذه الرواية على ماضي الأسكندرية وتاريخها العريق المليء بالقصص والحكايات وتجد الراوي العليم يتسلل في حواريها وأزقتها، يقول في واحدة من شهاداته:" لقد صورت الرواية مجتمعها بكل تشظياته وصراعاته الطبقية والفكرية وقصص الحب والغرام السكندري، وغاصت في قيعان بحرها ومينائها الشرقي، حيث مدينة كليوبترا الغارقة تحت البحر، لتصور في ربوعها معالم الإنسان والحيوان الأخضر الذي سيسود "حسب الخيال العلمي للرواية"، وينهي الصراع الحيواني على سطح الكرة الأرضية ، ذلك الصراع الذي أدى إلى تلوث البيئة، وإذا استمر فلن يهدأ حتى يحقق دمارها..
لقد طاف خيال الكاتب باجواء المستقبل بعد أن طاف مخياله في أيام الاسكندرية ووظفها بشكل غير مسبوق حين نقرأ عن الاسكندرية:" يا إلهي ما أبهاك أيتها البجعة البيضاء الجميلة، الطافية فوق بحر أزرق، أيتها الجنّة المضطجعة على رمال شاطىء من ذهب! ما أشهاك يا أجمل الجميلات، وقد ضمّخك عطر البرتقال، حتى لقد تُيِّمت بحبك النسمات."
لقد أبدع الراوي في رسم الخيال العلمي الذي رافق الأحداث كافة بما ورد فيها من عجائبية وغرائبية في تقنياتها السردية التي توزعت بين المذكرات والاسترجاع والتداعي بلغة مطهمة بين الفصيحة واليومية مع بعض الألفاظ العامية فضلاً عن توظيفه لبعض الأمثال الشعبية والتراث وحكايات ألف ليلة وليلة وأشعار أحمد فؤاد نجم وأغاني الشيخ إمام والأدب الشعبي والنكات التي تزخر بها الرواية. ومن يقرأ الرواية يجد المؤلف يُخضع الأحداث وفقا لتكوينه الثقافي والمعرفي وجملة من المعارف العلمية والهندسية والثقافات العالمية التي حازها من تجاربه الحياتية الواسعة ومن خبراته المتراكمة ومن شغفه بالزراعة ولونها الأخضر، وهذا ما انعكس بشكل تلقائي ومقصود في الرواية، ولعل السياحة في هذا العمل تمتع وتجيب عن اسئلة الراهن والمستقبل.
وقال الروائي صبحي فحماوي:
لقد تحسست بهذه الرواية آلام الشعب المصري، ورسمت آماله وطموحاته، وتوقعت أن تنهار تلك المنظومة التي كانت تحكمه، فتفضي إلى عالم جديد تحكمه الحكمة والرّويّة، وتوجه شعبه إلى سواء السبيل . وكانت رواية (الإسكندرية 2050) قد استشرفت مستقبل المياه في مصر، إذ لم يكن أحد يتصور أن مصر صاحبة بحر النيل، وصاحبة السد العالي، ستعطش في يوم من الأيام! ولكنها عطشت، وصارت المياه عزيزة. وقبل أسبوع قرأت عن تأسيس أكبر سد في العالم، بين أثيوبيا والسودان، ليحتجز 17 مليار متر مكعب من المياه، وبعده سيتم إنشاء 7 سدود عملاقة أخرى.. وهذا بالتأكيد سيحجب المياه عن مصر بنسبة مذهلة! وتصف الرواية المياه التي كانت تغمر الأراضي أيام الفراعنة، فتصل حتى أقدام تمثال أبو الهول، ثم يزرعون القمح ، فتعتبر مصر سلة العالم الغذائية! بينما تركها المسؤولون المنهارون تتصحر خلال الأربعين سنة التي مضت، ويذوي زرعها، ويجوع أهلها، فيثورون على الحاكم ويعزلوه.
كل شيء في مصر كان يتراجع إلى الوراء، وتغرق سفن بحمولاتها من الحجاج الذين يقدر عددهم بضعف حمولة سفينة تايتنك التي ما يزال يهتز لها التاريخ، دون أن يحاكِم المتسببين في غرق المصريين أحد! ولقد بيعت الأراضي والمباني كلها لجهة أجنبية بثمن بخس، فاختفت كل الكليات وإدارتها الجامعية التي كانت تشع من الشاطبي، وتنشر الحضارة في ربوع الوطن، وجُرفت عن بكرة أبيها. باعوها فزرعتها الشركة "الاستراتيجية" بهذه الأبراج الناطحات السحاب".وأنت في الحقيقة لا تفهم سبب حشرهم لكلمة "استيرتيجية" التي يخوفوننا بها.
وتخيلت الرواية عُمال التراحيل الذين كانوا في يشغلونهم في الستينات بأعمال البناء، كي يمتصوا البطالة، فيأكلون هم وعائلاتهم عيش وحلاوة، وأما في العهد البائد، فلقد حصل العكس، حيث امتصت البطالةُ عمال التراحيل، ونقلتهم إلى مناطق بعيدة، ثم حرقتهم بجاز!
كانت رواية (الإسكندرية 2050) سباقة لنشر هذا الغسيل الوسخ، فقرأها المثقفون من أفراد الشعب، ولكن الحكومة لم تقرأها، ولو قرأتها، فهي لن تتعظ، فكانت هذه هي نتيجتها!
ولهذا فإنني أعتقد أنه من الأفضل للحكومات العربية أن لا تُهمش الأدب الجاد والملتزم بقضايا الوطن، بل أن تدفعه إلى الصفحة الأولى من الثقافة الوطنية، ذلك لأن هذا الأدب المنتمي إلى وطنه، يقدم النصيحة لبقائه مستقراً هناءً رخاءً لحكامه ولشعوبه، التي لا تريد أن تثور لمجرد الثورة، بل لتكون كرامتها الشخصية محفوظة، وسياجها الوطني محمياً، ولتحصل على خبزها، كفاف يومها!
وفي النهاية تقدم الرواية حلاً لهذا التخلف الحضاري، فتقول: ومنذ انضمام مصر إلى اتحاد الولايات العربية مؤخراً، اطمأنت الشعوب العربية إلى مستقبلهاً الذي أبقى الزعماء العرب، كُلاً في موقعه، ولكنه بدأ بفتح الاقتصاد دون توقف في الحدود ، مثلما بدأت الوحدة الأوروبية. خاصة بعد أن انطلقت القطارات السريعة، عبر شبكة خطوط ربطت ربوع الوطن العربي من موريتانيا إلى البحرين فكركوك فحلب، ومع تركيا، المرتبطة أصلاً مع أوروبا.. لقد سرّع الشعب المصري الوصول إلى حل يحقق ذاته في 25 يناير 2011، لتتم النهضة الحضارية التي توقعتها الرواية في حلول عام 2050 ، وربما قبلها بكثير!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق