حلم إغفاءة ..للبيع
بقلم: محمد الكامل بن زيد- باعوها ...
...صمت ...
الصدى يتجدد ثم يتبدد :
- باعوها ....
نشوة كانت تعتريني ..سرقت مني ..أخذها الصدى ومضى ..
تساءلت في مرارة :
- كم مضى من الوقت ..لا أدري ؟..
ساعتي وجدتها قد تعطلت ..هاتفي النقال ..وجدته أيضا في وضـــع " الصامت"..وكم هائل من الرسائل تعلمني بأرقام المتصلين بي أثناء غفوتي ..نشوتي.....
- أكيد ..لم أكن هنا ؟
...صمت ...
- أكيد ..في حلم من أحلامي الجائعة ..
أسئلة رحت أحاور بها نفسي بعد أن استفقت من نشوتي ..من غفوتي ..ففوق هاته الربوة المنسية المطلة على بلدتي بسكرة من ناحية جبال الأوراس ..على غير عادتي..نسيت نفسي مرميا فوق ترابها بعد أن أرهقتني مشاغل عمل شهر كامل ..أبحرت في صفاء السماء فوقي ..صفاء لا يفوقه صفاء .. حدقت طويلا إلى حيث الأشجار الخضراء والنخيل الباسقة تعانق سفوح الوادي الأبيض المار على بلدة مشونش ..هواء نظيف يرسلني إلى فضاءات حالمة ..فلحظات مثل هاته بالكاد أغتنمها ..فلم أبال ولم انتبه إلى عجلات سيارتي وهي تقتادني إلى هنا بعد صلاة الجمعة ...كنت أحن لمثل هاته الخلوة ..و كنت أظن أني سأعشقها وتعشقني
غير أن ذلك لم يدم طويلا ..فالصدى أيقظني عنوة سالبا مني هاته اللحظات ..ثم أن هناك غبار يتصاعد قادم من بعيد أحدثته سيارات الدرك القادمة نحوي ..
ابتسمت ابتسامة بلهاء ..مرددا في قرارتي :
- ليس لدي ما أبيعه ؟
ظننتهم في دورية عادية ..فالحال هاته الأيام لا تعجب أحداً ..والخوف من تسلل مريب لجيش داعش فعل فعلته ..فالاستنفار الشديد خيّم على الجميع ..
ثم خطرت في بالي فكرة جعلتني أبتسم مرة أخرى :
- ربما خافوا علي ..فأنا شاعر معروف ..
ثم استغربت الأمر حين شاهدت والدي العجوز رفقة إمام المسجد يتقدمهم ..هالة عظيمة من الذعر تصاحب خطواته ..بالكاد يجر عصاه ويضرب كفه بقوة وأسى ..أميّز عبر حركات يديه أنه يرجوهم الرفق بي..وأحس بشفتيه تنطقان بهاته الجمل :
- قد حدث ما كنت أخشاه ..فلعنة الكتابة والشعر أخذت به مأخذا ..الولد ..ركبه الجن ..ألا ترونه الآن هائما في هذا الوادي
صعقت من هول ما يجري أمامي ..لم أنبس ببنت شفة .اختزلت ما سيحدث لاحقا وتقدمت نحوهم مسالما إجلالا لوالدي العجوز فالربوة المنسية مرتفعة جدا ..وكان لا بد أن أنزل إليهم ..فقد عرفت أن المشهد أقوى مني ..من والدي..من الإمام ..من رجال الدرك ..
لحظات بعد انطلاقي معهم لحقني صوت الصدى الذي عاد يتجدد من بعيد ..أسمعه بوضوح تام هاته المرة وأكيد أنهم أيضا سمعوه معي ..
- قلنا لكم ..لقد باعوها ..
صبيحة يوم السبت الموافق لـ 16 أفريل 2016
على الساعة الرابعة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق