2016/04/02

نفر من الجن ...خروج عن المألوف ..واستقراء إلى ما بعد المستقبل.....بقلم: رولا حسينات

نفر من الجن ...خروج عن المألوف ..واستقراء إلى ما بعد المستقبل....
بقلم: رولا حسينات
"قرأ السورة كاملة وأنا أردد خلفه آية آية..ثم انتحى جانبا ونظر إلي متحديا ونظر إلي متحديا ومتشوقا في الآن نفسه: "هه..والآن هل يمكنك أن تعيدها كاملة"."46
 عندما تذوبك النسائم الحارقة لتلفحك أخرى باردة، فتتمثل بين كفيها تمثالا شمعيا بلا حراك.. وثم تسوقك انهيارات من تلك الأوتاد المعانقة جباهها البيوت المتدلية من السماء.. فتصير لزجا تارة متهشما تارات.. وأنت أنت ما زلت غير مدرك لما أنت كائن فيه.. نحو الجرف كان انحدارك دون أن تتصاعد أنفاسك المحترقة.. والوهج مازال ينظر إليك بعين ثاقبة..فأنت حينئذ بطل في ملحمة.. في فن الهزيمة ولعبة الحرب ..
ففي لعبة الحرب دوما هناك خاسر، وفي اللعبة ذاتها يحق للمنتصر أن يدون كل شيء بلغته ووجهة نظره ومن حقه أن يستخدم ما يشاء من أسلحة محرمة، لأن الحرب لا شريعة لها ولا قوانين، فهي اعتداء صريح على حياة إنسان مسالم  أعزل وسيطرة على مساحات من الأرض بطور جديد من الاغتصاب...وبين الضدين أضداد كثيرة وتجار كثر ممن تصيدوا فن الطيبة لبناء أسطورة الظلم والجبروت، مهما كلفهم الثمن و لو تحالفوا مع الشيطان بذاته أو مع تلامذته من الجن الكفرة....... إنها رواية نفر من الجن..
وهاهي نفر من الجن تدون رواية فريدة بأبوابها الثلاث.. لتنقلنا ببراعة من نص إلى فهم إلى إدراك وتصور واستقراء إلى ما بعد المستقبل ...فهل يبقى الصراع محدودا بين فرق تجاوزت عالم الإنس، أم بين الأضداد جميعهم، ليبسط أحد الفريقين سيطرته على البسيطة.
 الروائي أيمن العتوم و قبضته الساحرة أفردها فنا روائيا غريبا في سطور، كل منها يمثل عالما فريدا ضمن شروط ومنهجية..فهل كانت آسيار هي من تحالفت مع عابد ومن ثم اقتادت مسعود؟ هل كانت الجن لتحكم شرورها وقبضتها لتتصدر مسارات الرواية؟؟ لأن الشر حقيقته وحش ضارٍ كلما ذاق الدم اشتهى المزيد، ولما تتبين النفس التواقة للفجور معنى شهوة الدم تُغيّب كل المبادئ فلا يصير غير الشهوة عنوانا، ولها صور عديدة فإن كان عابد ذاك الشيخ الذي تواطأ مع آسيار من عالم الجن، شهوته للنساء والسلطة، فلا لشهوة النساء رادع، أتمها مسعود مشتهيا للسلاح وللسيطرة ..للقوة.. للذة القتل والتدمير.. كل من شخصيات الرواية لها شهوتها التي لا تجد وازعا أخلاقيا ليردعها. وآسيار بحد ذاتها كانت شهوتها الانتقام..
فعن أيِّة عفة وطهارة نبحث بعد هذا كله...؟؟
 إنه (رضى) الذي عاهدته الجن المؤمنون ليحرر الأرض من  براثن الشر وسواقيه ومنابعه.. ولكنه في لحظة انتشاء ووحدة مع الخالق، يضيع فرصة النورانية لجميع شعوب الأرض التواقة للطهارة ..ليتعهدها لمسعود الذي يتم نور الضلالة والبؤس والفجور والشقاء..
وهل صراع القوة الأرضية بأنسها وجنها من كفر منهم ومن آمن يكفل السيادة والسلطة لتقضي في أمر من وطئت قدمه على البسيطة واستقام؟؟ وأين  الكلمة الإلهية من هذا كله؟؟ ..لمن الملك اليوم قل لله...
" من بعيد بدت الجبال تلبي نداء المشيئة الإلهية، تدحرجت قممها أشلاء أجساد أو بقايا أسلحة كل ما على القمم أزيل، كأن قبضة جبارة هرستها ثم رمتها بعيدا، وردمت فوقها كل شيء. هل كان هذا غضبا أم رحمة؟ لا بد أن ظاهره الغضب وباطنه الرحمة، إنها مرحلة جديدة من الحياة تنتظرنا" (هكذا هتف زوبعة في نفسه."ص390..
 لم يكن بيان العتوم لشخصياته إلا بيانا جليا وقد جعل لكل منها صعيدا من البلاء، فعابد على سبيل المثال، ما كان الجنس والعهر إلا عنوانا واضحا لحياته كلها، وكانت هذه انعطافة جديدة في النص الروائي للعتوم بحذاقته الروائية، التي بنى فيها مشهدا كاملا لا كلاما مشكوكا بالشهوة وحسب، العتوم بعد أن كان للحب ناسكا يفرض الحب الروحاني في أجمل تصاويره، وفي نفر من الجن جاء بالصورة الكاملة التي لا تتحقق دونها، وبذلك كان تميزه، فمتاريس الفناء الروائية لمفهوم الجنس و الشهوة والإسراف فيها نصا إباحيا لا جدل فيه، كان كتابا نقيا أبيحت فيه الشهوة لبيان الصورة واستقراء حقيقتها.."استرخى وراح يحلم مفتوح العينين، أخذته ذكريات الأيام العصيبة، تذكر كيف أنقذت آسيار حياة القافلة، عاد إلى طعم القبلة الأولى غاص في تخيلاته، فجأة تناهى إلى سمعه" الشهوة فخ الشياطين." جاءه صوت أخيه. رد عليه دون أن ينبس بحرف: تركت لك طهر الملائكة، هل من الضروري أن نكون متشابهين!!" .96
" ستجد أن عدد الرايات مئة، ادخل ذوات الرايات غرفة.. غرفة، وعاشر الحسناء التي تتلوى على سرير الشوق فيها وفي الغرفة المئة، ستكون فرات بانتظارك "95..
"صدقت آسيار هذه الرايات الحمراء كما قالت تتدلى من فوق الأبواب وهي تقطر شهوة، مشى الفحل واثق الخطى ودخل الغرفة الأولى، فوجد المحظية قد نضت ملابسها وهي تدعوه إليها بشغف، ضاجع تسعا وتسعين امرأة!! 97..
وهل كان كل هذا السخاء دون شروط، إنها اللعبة الكبرى التي لم تعد نصوصها غائبة عن الأذهان سنكون بجهلنا مباركين، لم تكن لعبة عايد وآسيار فقد ولم تكن حكرا على مسعود وآسيار وبلعام فقط، إنها لعبة الدول والحكام والقياصرة، إنها لعبة الواقع المرير، الذي ما رهانه إلا على الشعوب الميتة..
" لنرى ما شرطك..أعرف أنك تقدمين القبول بالشروط على بنود الاتفاق.."
ولكن الشروط وقتما يستفحل الأمر تصبح تقليدا وتكون نتيجتها صفقات مشبوهة، وحبل المشنقة متدلٍ من علٍ.. على المشتهي فقط أن يحكم لفه على عنقه .." صدقت.. ولكن عهد الشروط ولى..سأعرض أنا عليك الصفقة فإن أعجبتك نفذت الشروط"118
ولا يكون الثمن إلا من أعز ما لديك وأقرب إلى شرايين قلبك.. لكي لا يفيدك الندم عندما لا تجد طوق نجاة..وهو الواقع في الاختلاف الكبير بين الشيخ صالح وبين الشيخ عايد كل له قبلة هو موليها، فاستبق الشيخ صالح الخيرات واستبق عايد الخطيئة، فإن لم تنفع الشيخ صالح تلك في نجاته من قتل أخيه له.."أخي الشيخ صالح ما باله..؟!! (رد وهو يبتلع ريقه من الخوف مما سيأتي) تلقي به في البئر التي ألقيتني فيه عندما كنت آسيا..!! 119
وتسول له نفسه قتل أخيه.." تحسدني !! لا شك أن قلبك يأكل بعضه كالنار من الغل."128..
ليكون رد أخيه.."المجد لا يبنى على أكتاف الآخرين يا أخي!!...خدعتك الشياطين يا مسكين حين تهب الريح على كل هذا الذي تسميه ملكا لا يزول، ماذا سيتبقى منك او لك؟ لن يبقى لك من المرء إلا الذكر الطيب."128
أتراها تجارة الطيبين هي الخاسرة؟؟ القلب الطيب والذكر الطيب.. والشر مفتاحه بسيط أن تكسر طوق البراءة..القواعد..القوانين..التقاليد، لتكون اللذة عارمة.. فليس صالح ولا شروف ولا رضى هم المقصودين بحد ذاتهم، لكن بما يمثلونه من منظومة قيمية بمقدورها أن تستحوذ على التقديس والقبول المجتمعي، وبقتلهم يكون بناء إمبراطورية الشيطان أكثر جدوى، بعد إفناء المسميات.. ويكون التأريخ حينذاك بقلاع وقصور وامتداد في البر والبحر، إلى  أن يجاوز ما وراء الأفق، إلى البعيد البعيد.. حيث لا تغيب الشمس عن الملك.. ملك في رمال تبنيه الجن.
" العفاريت تشق الأنهار وتسقي الأرض البوار، الجان يبني الأسوار والمردة القلاع ..أريد أن أرى أعظم مملكة، تبنى خلال ستة أيام لا يصل إليها أوسع خيال بشري.."122
ومن أشد من هؤلاء كفرا ؟؟ من يريد أن يشابه خلق الله..وإطفاء نوره.. ،بإتباعهم الطاغوت ولكن الله هو مالك الأكوان ومن فيها، وقد سبقت كلمته.." بعد ستة أيام انتشرنا في الأرض وسرنا في مناكبها، نبحث عن رزقنا وعن تحقيق آمالنا، بعضها قد بدا عصيا على التفسير ...وبعضه كان جديدا أوحت لنا به نفوسنا القارة بين جنبينا."391
وهل يكفي ما فعله عايد من انصياع تام لمطالب آسيار لتطمئن وتركن ساكنة في قلعة نارها..؟؟ "سأجعلك تنفرد بحكم هذه المملكة وحين تظن أنك قادر على كل شيء، سيأتيك البأس من كل مكان..وهو عذاب لا ينتهي" .."37
هل كان الخوف ما يكفيه؟! لكن الخوف يمكن تجنبه، إلا إذا كان مصدر الخوف هو جلد الذات وضريبته العقاب .."على أحدنا أن يموت من أجل أن يولد الآخر" 37."
إنها لعبة السياسة وانصياع ساستها في تمثيليتهم لسيناريو الصالونات الاستعمارية..ليتحركوا كدمى على مسرح جلُّ مشاهديه جوعى...
"ما الخطيئة التي تستوجب كل هذا المد المتتابع من اللعناتِ!!.."99
"أكله الجرب في البداية فصار يحك جلده، حتى تفسخ وسال الدم منه ...يضع القطران الأسود على جلده المتفسخ فيها قليلا...صار القيح ينفر من جسده سيلا يملأ أنفه وعينيه....."100
".... بهيئة كلب أسود مألوف المنظر..كان الشيخ إذا رآه يستكين، ولا يستطيع أن يفعل شيئا، يعرف أن المقاومة لا فائدة منها ..يقضم الكلب إصبعا من أصابع الشيخ يلوكها ثم يقذف ما تبقى منها في وجهه...ذعر الشيخ عندما رأى عضوه قد أصابه ما أصاب جسده، ذهبت فحولته في لحظة غادرة بكى مسح دمعه..هجرته النساء.."101
لم يكن مسعود ليبقي لذة الانتقام في صدره، الانتقام لجسد أمه الذي امتهن العهر لعايد ليعيش الولد على حسابه، ترضى الأم البائسة بأن تكون عاهرة لترتحل فوق الأمواج بابنها الصغير ثم ترضى أن تكون واحدة من محظيات عايد..أوليس لكل هذا ثمن في نفس مسعود التواقة لقتل الماضي بل ودثره..؟؟ " ..بعد ثلاث سنوات رآها (عايد) في إحدى جولاته على المزارع فخطفت قلبه، كان في تلك الأيام مغرما حد الهوس والجنون بالحبشيات، كان مستعدا ليركع أمام جسد يلمع سواده على ضوء غرفة خافتة تمارس فيها كل الرذائل"..116 لتستعطف الأم لابنها.."قالت الأم: وابني يا سيدي؟! "ما شأنه؟! لن أتركه هنا أجابته.." وابنك معك يا أميرتي" نظر إليها وعيناه تقطران بالشهوة."116
 فيصبح ابن العاهرة إلها يحي ويميت، ليشهد كل من حبا على أربع أنه إله قادر على أن يفني كل شيء بقولة منه وحسب..
نفر من الجن جين قرآني فالاستناد للرؤية القرآنية تميزت بمشهده  .." وكان مسعود يقول : لقد أوى إلى أحد الكهوف ليناجي السماء وسيعود بعد أربعين يوما.".100.." من غرائزهم لما هبطوا من عليائهم"!!125..."أترى هذا الملك العظيم؟ ما أظن أن يبيد هذا أبدا.128".."و حدد يوم الزينة.." 76..."لم يخلُّ عالم الجن من التكنولوجيا والتفوق النوعي...ويحتاج المصراع الواحد منه إلى عصبة من الرجال الإنس ليفتحوه، ولكنه كان يفتح بالبصمة..124"... "الأسماء كلها.."..156.."وقال لي اقرأ فقرأت خلفه، قال لي: هذه الكلمة السر من قرأ انكشف له السر لم اقرأ إلا ما قال لي.." 158 .."تعلمنا منطق الإنس والجن والملائكة والحيوان.." 161. " صهل الحصان وتحرك من تحت قائده..: لم ينج من الرحيل أحد.." 163 ..."نحن محتاجون إلى أربعين ليلة مثل تلك الليلة، لنتعلم العلم الكافي لمواجهته.." 161 "أن تتخذ لك حواريين.." 180
وقد جاوز النص المنظور البشري ليرتقي إلى أسلوب الأسطورة.." قيل أن روحا بعد شهر خرجت من ذلك الوادي، وهي تنشد كلمات على إيقاع حزين ترثي بها ما آل إليه الحال في المملكة، وتستنهض الملك الغائب أن يعود ..وترفع الروح بالنشيد ثم ترفع صوتها حتى يتوافد الجن، فيجلسوا في صفوف متراصة على طرفي الوادي يلقون بهاماتهم على صدورهم وهم يبكون لما يسمعون.."134.."خارت بصوت الزعيق وأسلمت الروح، لكن دون قطرة دم واحدة." ...136
الأرواح التي ودعت الحياة أدركت في لحظة الفراق، أن كلمة إيمان واحدة قادرة على أن تخلصهم من هذه النقم.." .141
ولم تكن نفر من الجن لتخلو من قانون الجهل وهو قانون الخزعبلات.." بعض النساء هوين على قدميه يقبلانهما التماسا للبركة، أخريات مددن أيديهن إلى جيوبهن وأخرجن بعض الأقط لتزداد كف الإمام مسحا على ابنها فتزداد البركة، رأيت الإمام اللعين يمسح بتلك اليد اللعينة على رأس الصبي وتهوي لتصل إلى صدر أمه ناظرا نحوها بعينين تبرقان شهوة ..55"..والقضية الأشد خطورة هي تدين الملاعين الذين يتخللون الصفوف بنصوص وتعاليم يحرفونها بأيديهم ليشغلوا الناس بشائكة الفتاوى، بل ويلعبون دورها هاما في تجيش جيل غض بمفاهيم متطرفة وإرهابية تزعزع ثقتهم بأوطانهم..فيميلون كل الميل لإزهاق الرواح وإقامة دولة العدل التي ما أقيمت إلا على كذب وهراء..ومثل هؤلاء أشد فتكا بنسيج الأمة من غيرهم من أعدائها.. "في صلاة الفجر الأولى صلى خلفه ثلاثة، أحدهم (علام) قرأ الفاتحة فلحن في كل آية، ثم بدأ بالقصار من بعد، فلم يتم آيتين من سورة الناس حتى ارتُج عليه..هذا ليس بإمام ...لو صلى بنا (رضى) لأتقن الصلاة أكثر منه... يا سيدي لو صلينا خلف شيطان لربما قبل الله صلاتنا أكثر من صلاتنا خلف هذا المعتوه56.."
وأين رضى من هذا كله؟؟؟ طفل فقير رث الحال، طاهر القلب، صافي الذهن، أسئلته البريئة بدأت منذ نعومة أظفاره :" لماذا يركب التيس العنزة؟ تساءلت مندهشا.. وهذا الديك أيضا يفعل هذا من أجل أن تستمر الحياة ؟"38.. "والرجل هل هو للذكر من الجن والإنس والمرأة هل هي للأنثى من الجن والإنس؟" .. ثم تطور مفهوم الأسئلة فقد أصبحت أكثر جدية وشائكية " ألن نستخدم الصواريخ العابرة للكواكب أو الحرب الالكترونية أو الحرب  الجرثومية ... والصواريخ العابرة للكوكب استخدمها الجن قبل ملايين السنين.." 180
"كانت الأم مازالت تراقب المشهد، رأيت دموعها تسيل من عينيها، انحفرت الصورة في ذهني، ولم أتخلص منها طوال حياتي..".42 .. "من يدلني عليكي شروف حيث لا نور إلا نور الواهب.."51.. "حفظتها من أول مرة قاطعتهما ...أنت جني، غير معقول أن تكون بشرا.."61..وفي كل ثانية من حياته يكون اغترابه وذاته التائهة ..هو من وابن من؟؟؟.. ليجيء الاعتراف من أم سليم..".إنها ابنة ملك يبرين الكبرى وجدتك إحدى ملكات الجن.." 144 .."هل أبي حي أم ميت ..؟ غاب أبوك عن البيت فجأة، الناجي قال: أن الشيخ عايد قد طلب أن يلتقيه في مكان بعيد.." ...144
 ..إنه ابن الشيخ الورع صالح ..وهو على العكس تماما من سرمد ولد عايد.. الذي كانت كل الخطايا من أجل أن يكون الوارث لملك قد بنته الجن فينتهي.. أمره بأمر الجن ..وهذه هي الحقيقة..."  سأسميه سرمد حتى لا يموت.."107
"ولم تنل عصا المقرئ من أحد كما نالت من قدمي سرمد، لم يكن يحفظ آية واحدة من كتب الله ولا بيتا يتيما من الشعر.." 24..." ازدادت رجفته وراح يهتز كورقة في مهب ريح عاصف، فتح فمه على اتساعه وصرخ صرخة انشق لها سكون الفضاء.." 28..."..لينتهي أمره على يديّ الإمام .." جاؤوا بالولد موثقا ..بزغ من الأرض جذع نخلة جرداء...همهم الإمام بكلمات غير مفهومة من جديد ..السحر والسحرة" هيز امرا هوه...بدأت صرخات الولد ..صاح ..استنجد...نزلت الأفاعي من العصا ..دخلت من منخره وخرجت من آخر، راح القيح يخرج  من آذانه وانسكب القطران من عينيه،  بعد ثلاثة أيام شاهد الصبية سرمد مشنوقا تتدلى رقبته من إحدى النخلات عند البئر العذبة..." 65-70..
لقد داعب العتوم مشاعرنا وعقولنا بما ألفته نفوسنا من حقائق، وأرفقها بصور فنية رائعة ضمنها السكينة في المبادئ.. كالحجر الأسود وماهيته.." اقتربت من الحجر الأسود درت حوله دورة كاملة، قبل أن أتوقف من جديد، نظرت إليه مليا مسحت على جانبه الأملس ففاحت رائحة مألوفة بالنسبة لي..."47....." في أحد الأضلاع المثمنة ويضع حجرا أسود.. لم يكن يعرف سر الحجر غير (آصر) هذا و(آسيار). حجر لا يدري أحد من أين جاء، ولا كيف تشكل.."124..
في القسم الأول تميز العتوم ببراعته الروائية، ببراعة ونصية روائية متفوقة، كما برع فيها العتوم مهندسا معماريا يحسب بدقائق الأمور.. " كل عمود بارتفاع 12نخلة وبقطر ثلاث.." ..122..
"..وطول القطر والنسبة الرياضية باي ..قلعة ثمانية الأضلاع بزوايا منفرجة متساوية كل ضلع تمتد مترين عرضا وستين مترا ارتفاعا.." ..123..
وجاء القسم الثاني كنقلة نوعية، تنحى منحى جديدا وهو التبيان والاستقراء لواقعين..واقع البشر الذي تفوق بعد مئات الآف من السنين.. ببعض ما قد آل إليهم من عالم الجن، الذي تميز بتفوقه التكنولوجي والمعرفي، ومدى الانجاز عندهم والعبقرية.. فكان اختيار (رضى) الذي تميز عن البشر بذكائه الفكري النوعي الغير بشري، وتميزه بأن أخواله من الجن، فكان كتلميذ نجيب تتلمذ على أصول الدين والتفكر بالملكوت والتفرد في البحث، وهو عبور للفكر الأرضي روحا وجسدا، إلى الروحانية السماوية والتفكر بسنن الأولين..واقع التفوق التكنولوجي لعالم الجن.." مررت بالآف النجوم أو الملايين، وأنىّ لي أن أدري وأنا أسبح في الفضاء المذهل.." 155..
"امتدت الجدران معها امتداد السماء السابعة.." 157.... وقد أفرد لنا تصورا لماهية التسابق البشري إلا وهو ..الوقوف أمام الموت.. فيما يسرده اللوح من قصص ومثلات من أقوام، قد سلفوا واتوا بسجال عقيم مع الموت رغم التطور التكنولوجي، وهي الرغبة في الخلود بعد الفناء أو الإفناء وهو الهروب من الموت حتى لو كان صناعة الحياة.. "كل من عليها فان.." 167"
.."واختلطت الألوان كلها فتشكلت ككتلة إهليجية كثيفة من النجوم ذات الألوان البديعة الممزوجة من كل لون.." 176  ولكن مهما امتدت قدرتنا لتتجاوز السماء، فلن نتحايل على الموت فالموت حقيقة، شئنا أم أبينا هو السبيل إلى نهاية أكثر عدالة.. " مساكين هؤلاء البشر إن أكثر اختراعاتهم تطورا، هي التي تخلينا عنها نحن لرداءتها أو لبطأها منذ الآف السنين.."
التتلمذ على التعليم الإلهي المنزه عن الماديات والشهوات والزهد لتستقيم النفس وتعيش أوج روحانيتها وإحساسها بمهمتها في الأرض...
"تغير العالم بعيني بعدما تعلمته أصبح لكل شيء روح، هذه الروح تستتر عن البشر في عالمهم المحجوب، نصفي الجني ساعدني على أن أخترق هذه الحجب، وأن أرى روح الكلمات!..."160
وللتتلمذ الإلهي قوانين وخطوات ليصل إلى أعلى مستويات الزهد والقبول وتحمل المسؤولية فكانت.." لا حرمان إلا بعد استعجال"..161..." تجرد من أنسيتك لتكون مؤهلا لتلقي المزيد.."...161.." .." الرحلة إلى الله.." ما فائدة قيام هذا البيت على أربع إن كان بيتك الداخلي مهدما خربا .."...169..إنه فن التصالح مع الذات بعيدا عن الهزيمة وأطوارها .
ومن ثم وحدانية الأديان.." على العمود الأول نقش القرآن بحروف لا يمكن أن تمحى مهما تقادم الزمن، ومهما تغيرت ظروف الطبيعة وأحوالها، وعلى الثاني نقشت التوراة كما في الألواح وعلى الثالث نقش الإنجيل كما في التعاليم السماوية، وعلى الرابع نقش الزبور كما في المزامير هل الكتب السماوية موجودة  قبل وجود أنبيائها؟؟!!."171.. "التجرد أول أبواب العلم .."171
والقرينين..لحمايته.." راضي قريني من الجن ورضوان قريني من ملائكة.."172 ..والحواريون أجناد الله في أرضه..وهي حقيقة تحقيق الوصول إلى الهدف المقدس "كانوا اثني عشر حواريا" 180 بكامل جهوزيتهم العلمية والعملية وتسليحهم..
ثم تأتي الحقيقة أن لكل منا غاية يُتم تنفيذها في خدمة الله وليس السر المقدس هو الشرط الرئيس في تحقيقها من عدمه..."بمقدور الإنسان أن يخدم الله حتى وإن لم يكن صاحب سر مقدس، وخدم الله هم أولياؤه.." 172...
 طقوس من الروحانية بعيدا عن الحقد بعيدا عن الضياع في عالم الغفلة، حيث تضيع الحقوق ومن ثم يضيع كل شيء.. " حين تسمو الروح سمو النور الأعظم الموجود في اللوح المحفوظ كان القرين الملائكي يأتيني بلحم الطير المشوي من جنات الخلد.." 173 .."تلك العذابات التي يغرسها الشيطان الأكبر فيه بالحسد أو الحقد أو الكبر أو الغرور أو الكذب.." 175 ..
كلها أبواب الشياطين.. فمن أيٍّ منها سيكون ولوجنا أو مسعانا للخروج، وكلها باتت معجونة بمائنا فأنى لنا من فرار.."أعطني ما يدلني عليك يا آخذا بناصية كل شيء حرر ناصيتي من يد الشيطان الأكبر.." 177
ثم يأتي الروائي بفرز الأزمات العالمية وكقضايا الأمن والأمن الغذائي  والأمن البيئي العالمي.. كالاحتباس الحراري وأزمة الطاقة والنفايات الالكترونية، القنابل النووية وتشوهات الجنس البشري..بأسلوب مبتكر..فلم يكتفي بالتعداد بل بحث أبجديات الحل..بناء على حقيقة أن العلم والحضارة، الحروب وويلاتها ومخلفات الثورة التكنولوجية قد تسبب فيها البشر أنفسهم ولم تكن دخيلة عليهم ..."النفايات الالكترونية تزداد سنة بعد سنة وهي مخلفات تراكمية، أصبحت تحتوي على ما هو أخطر من القنبلة النووية في عرف البشر أو الذرية بمئات المرات، إنها تحتوي على الرصاص والكروم والكاديوم والزئبق والبولي فينيل كلوريد .."..وبين مخاطرها .." فهي تتسبب في السرطانات التي لم يعرفها البشر من قبل، وتتسبب في تلف المخ وأمراض الكلى إضافة إلى التشوهات الخلقية وهي عبارة عن قنابل موقوتة.." 178... " لدرجة أننا ظننا أن الأرض لنا وحدنا، ونسينا أنه يقاسمنا الحياة فوقها ملايين الأنواع الحية، وما نحن إلا نوع واحد منها..." 179..كما عرض مشاكل الكساد العالمي والتضخم الاقتصادي مع انخفاض المستوى المعيشي ومعدلات الدخل الفردي، وتزايد حجم الإنفاق وتزايد المديونية ووضع حلا منطقيا.... " في نهاية كل شهر كان النظام يقضي بتخفيض قيمة كل سلعة إلى النصف من أجل تمكين ذوي الدخل المحدود، من شراء ما يحتاجون، كان هذا  يحدث في آخر كل سبت من كل شهر ولمدة ست ساعات.." ..236.. .. فقط المشكلة تكمن في تحديد التوقيت كحل منطقي، لكن المعضلة المعهودة تكمن في رجعية وتزمت الحكومات، فأنصاف الحلول لا تأتي بأكلها إلا في خلق حالة من الفوضى و الهيجان والضوضاء وهي فرضية سلوك الجماعة..وفرضية الخيانة التي ليس لها حل إلا بمكافحتها وإباحة تجريمها وقتلها.."نحن الآن أمام متجر البركة في القاهرة والساعة الآن هي العاشرة وقد احتشد أمام المتجر، قرابة أربعة الآف مواطن بدؤوا بالتوافد منذ ساعات الفجر الأولى.." 238. " وبدا أن التذمر سيد الموقف .. "..سنموت من الجوع أيها التجار الذين تمتصون دماء الناس: الرحمة.."238 .." وبعد ثلاث ساعات  تم السيطرة على الموقف، ولكن بفقدان أرواح عشرين آخرين.." ..239 فيبقى البلاء سيد المشهد فهل يكفي الدعاء عند الابتلاء.." يا رب كلمتك مصباح لخطانا ونور سبيلنا فلا تحرمنا خيرك.." 240..
والقضية الحثيثة التي تعتبر قضية القرن الثالث، الاحتباس الحراري وفي ذوبان القطبين وغرق الكوكب بما فيه..ليفجر لنا العتوم حلا نموذجيا لم نخبره من قبل.. " سيبتلعنا الطوفان القادم من الشمال.. إذا( أجبته باستسلام) ..كلا إنه عهد الخيرات هذا الذوبان الجليدي الذي سببه الإحترار.. سيكون خيرا على البشرية وليس وبالا عليها.. كما صورته وسائل الإعلام الكاذبة، وإن الاحتباس الحراري الذي دأب العلماء على تخويف الناس من نتائجه الكارثية.. سيكون ذا فوائد تفوق التصور إن أحسن استثماره .."241-242.. كان الحل في استثمار الفيضانات من القطب الشمالي في : ملء خزانات هائلة بالمياه وسحبها للمناطق الأكثر جفافا، من ناحية علمية لا يبدو هذا الأمر مستحيلا مع التطور التكنولوجي الذي وصل إليه راسمو خرائط السياسة العالمية، أما بالنسبة للأرض الجرداء المنحسرة عنها المياه فهي أرض خصبة مع .."..إمكانية تفتيت صخورها ...يحولها إلى أماكن زراعية خصبة.." 244... لتصبح ملجأ لساكنين جدد وإمدادا لمخزون الغذاء العالمي، أما بالنسبة لقضية الحيوانات القطبية فكان الحل .."قرر زوبعة أن يبقي على بعض قطع الثلج على هيئة لوح منبسط بسمك 25 سنتيمترا لتكون مركبا أو قاربا تتمتع الدببة بالانتقال فوقه من مكان إلى آخر في المحيط، ولكي يحافظ على بقاء هذا النوع الأبيض الجميل من هذه الدببة، حقن هذه المراكب الثلجية ببعض المواد الكيماوية التي تحافظ على كتلتها دون الذوبان، حتى لو ارتفعت درجة الحرارة هناك إلى 20 أو 25 درجة!!.." 245
إن ما وثقته نفر من الجن  في فرضية: أن الوحشية والدمار مسكنها نفر من الجن بذاتهم المنفردة أو متواطئة مع مردة من الإنس ...هي حقيقة أن الإنسان بطبيعته يحمل جين الشهوة للسلطة والجسد..وهذه حقيقية لا يمكن إنكارها وقد بينها الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه.
فأما عن حقيقة تعاونهم مع الجن بغض النظر عن كونها مجرد فرضية أم  في جعلها إدعاء..فإن ما نقرؤه من كتاب نوعي، بين أيدينا في أن شياطين الإنس لم يتركوا لشياطين الجن شيئا ليتعلموه في عوالم من الصراعات والقتل والتدمير والاغتصاب وهتك أستار مسالمة..
ونأتي على المفردة التي وضعت تساؤلا كبيرا.. هل الهوة في العلاقات تشمل العلاقات النورانية؟؟" رغما عن أن (رضى) يعرف تمام المعرفة الحواريين.. " هل هذا أنموذج حقيقي لتمكن مردة الإنس من طمس البصيرة بالسماح لمسعود بأن يلج بينهم فيفرقهم وكأنه تعلم ما أنزل على الملكين هاروت وماروت .." لقد استرقت السمع أنهم يذكرونها في صلواتهم الطيبات كل ليلة تقريبا، ويعدون العدة ويسألون الله الشهادة فيها لأنها أرض البركة والملحمة الكبرى.. كانت هذه أول مرة أتيقن فيها من أن مهمة الحواريين في هبوطهم معي، تنحصر ربما في الإعداد لهذه المعركة الفاصلة.." 236..قد نعتبر هذا منطقي لمن جبل بطينة الأرض ولكن لمن تتلمذ إلهيا ففيه قول آخر..
وفي القسم الثالث كان التأكيد على استقراء ما بعد المستقبل و رسم المعركة الحاسمة، موقعا وتعبية وجهوزية.. تلك المعركة الحاسمة..
إن فلسطين هي أرض الميعاد.." قال: إنها أرض الملحمة، وإنني أمرت أن أبني فيها كهفا واسعا ذا غور تضل الأعين منتهاه !"245 ..وكانت قيمة الكهف في مرحلة الإنقاذ فيما بعد . " توجه أحدها غربا باتجاه جبل كنعان والثاني باتجاه المنصورة والثالث باتجاه جبل الجرمق واثنان بقيا في المحيط الضيق لمدينة صفد ..."357
إن ما سلط العتوم عليه الضوء هي ماهية الحروب..ولعل من أهم أسبابها الجفاف والرغبة في امتلاك منابع المياه والسعي للسيطرة عليها، ولكن بما أن الحل كان باستغلال المياه الذائبة من القطب الشمالي، فقد انتفت الحاجة لتوفير مخزون عادل من المياه لكل دولة من دول العالم وبالأخص الدول الأقل حظا فيها، ولكن عندما يتملك الشر زمام الأمور وينفخ الشيطان في قرب الهلاك تكون الطامة الكبرى، والمعضلة الكبرى في تخلي المخلص عن مسؤوليته واختياره الرهبنة على القيادة راغبا في التنزه عن الماديات، وتولية الأمر لمن لم يعرف سرائرهم تكون النهاية بقيادة الشيطان نفسه، من المؤسف عدم إيلاء (رضى) عدم  موافقة الأستاذ وابتعاد الحواريين عنه أهمية.. " وكنت أرى في مسعود بطبيعته القيادية شخصية جديرة بهذا المنصب.."248..  ألم يشكل ذلك مفصلا خطيرا ليرجع عن قراره؟؟؟  "انصرف الحواريون إلى شؤون حياتهم وغادروا جميعا.." 248 .. ويتشابه مفهوم الإبادة عند كليهما مع الاختلاف في الغاية، فأما نظرة مسعود للحرب إبادة الطرف الآخر..لسيطرة الشيطان .."هذا مصير كل خائن، الحرب الكونية لا تتسع للخونة.." 360.." أمر (رضى) قائد كل سرب أن يبدأ بتمشيط المناطق الجنوبية من مدينة صفد وألا يرحم أحدا.." 360
إذا هل عشر سنوات كافية لتنسلخ يا إنسان من ماهيتك ...؟؟!
ومن القضايا المهمة هو تضارب العقيدة الإيمانية ما بين التوجه العقلي والتوجه المادي، يكون التنافس غير المشروع واللعب بالأوراق..فليس في انتصار الجانب الروحي تنصلا عن الجانب المادي.. مادامت المهمة سعادة البشرية ..فلم تكن لأطماع مسعود في بناء دولة حدودا أو نهايات أو أطماع مشروعة..بل كانت بلا سقف يوقفها فلها أديانها وأشياعها وعقائدها المتحررة فكريا مع حرية التملك والتصرف، وكانت بذلك بداية لتقويض سلطة (رضى) الصورية وانتقالها إلى مسعود بشكل راديكالي بانقلاب عسكري ضمني ...
كان تبرير رضى واهنا حينذاك" كان قراري بتفويض سلطاتي لمسعود سببه أن قلبي لا يتسع لأعباء السياسة وتوابعها.." 253.. على الرغم من أن.. "غير  أن سامع ظل من أمر مسعود في خيفه ولم يرتح في يوم من الأيام لما يحدث "253
 فهل يكتفي القائد بهكذا تصور؟؟ وقد بلغ رسالة سماوية تتلمذ عليها عشرات السنين من منظور التعداد البشري للزمن.،..هل يكون ملجؤه الدعاء وهو صاحب الرسالة في نشر المحبة ونبذ الظلم والشر.. " لا بد أن أدع إلى الخير والمحبة وأبشر الناس بكلمة الله.."254..
وقد تناول العتوم ملف البطانة الفاسدة وهي أشد وبالا على الأمة وملوكها،  ناهيك عن كونها أساس فساد الملوك وسقوط الحضارات.." وهؤلاء ما امتدت أيديهم إلى طعام إلا أفسدته.." 59 هل يمكن لحبات الرمل أن تخون؟؟ قد يكون لتفكك حباتها دور في خيانتها ولكن على النقيض من ذلك فقد امتنعت عن النكران وترفعت عن الخيانة رغما عن تفكك حباتها.. " الرمل صديق من يعرف مجازي وحاضر طول العشرة معه تمنعه أن يخون.." 63
 أين هي عين اليقين عند اختيار البطانة... عندما تجاوز مسعود حدود الشرائع بزراعة والاتجار بالمخدرات وصنوفها والأسلحة على اختلاف أشكالها من كيميائية إلى بيولوجية وجرثومية ثم اختلاط الأجناس والانحلال الخلقي والحرية الجنسية وتجويع البشر، ليكونوا وحوشا بلا رحمة.. فلم  يكن هذا النجاح ليكون لولا تحالف مع الجن الكفرة الممثل بآسيار وبلعام... فخلق وحوش السلطة ينمى بإعطائهم العنان وإغفال الرقابة عنهم وتصديقهم فيما يقولون...فليس ذنب القاتل أو السارق فعلته بل يتحمل المسؤول جزءا كبيرا منه.. "قال له بلعام: هذا سلاح جرثومي فتاك كل قطرة واحدة منه تحوي عشرة ملايين جرثومة كل جرثومة قادرة على قتل نفس بشرية يمكن زرعه في القذائف والقنابل الجرثومية266.." انه التحالف مع الشيطان..
فهل يكفي رضى الندم؟؟
 فما كان من رضى إلا الندم حين لا ينفعه..." لقد هلكت وأهلكت مزمجرا لمسعود وراغبا في سحب البساط من تحت قدميه، ولكن رد مسعود: لم يعد مرحبا بك بعد اليوم في مملكتي، أخرج من هنا فريدا شريدا.." 270 ..
ولتفشل بذلك أول مواجهة بين نفر من الجن الكفرة ونفر من الجن المؤمنين، بين رضى وسامع والحواريين مسعود وآسيار وبلعام.. وثمن التفريط بالمسؤولية عظيم" ها أنذا أدفع الثمن ليتني أدفعه وحدي، يبدو أن البشرية ستدفعه معي..." 271..
إن ما قدمه العتوم هو نقلة نوعية نحو استقراء المستقبل ومصير البشرية وهو الفناء وما كان الاقتتال على منابع الثروات والتسارع النوعي في التسلح إلا تباشير لنهاية عظيمة، مع ظهور مسميات الدين السياسي وأئمة الساسة والنفاق السياسي، والأفكار المتحررة من الدين كالعلمانية والانقلابات السياسية كطموح محرم مبعثه النزعة التطرفية.
 وماذا بعد التقدم التكنولوجي؟؟ هل هي ثورة الأشباه على مفردات الطبيعة؟؟ وأن للمعركة لها ما يبررها والأبرياء أرخص سلعة لديها هو الإنسان..
 لقد اكتشف النفط في مرحلة متأخرة جدا، وقد سبقها سباق هائل في التسلح حتى وصل إلى السلاح الجرثومي، فكانت مهمة الذهب الأسود مجرد احتياطي للوقود عالمي، وشتان بين الواقع وبين النص الروائي.. " وأنه سيقوم بتشغيل كل المعدات الحربية بدلا من الغاز فضلا عن تشغيله لآليات الإنتاج الغذائي في المصانع الكبرى .."280
وأين الغلابة من هذا كله؟ أين هي الطبقات المسحوقة؟ أين الفقر والجوع والمهانة للغالبية العظمى لشعوب الأرض؟؟.. إنها ثورة الجياع "أريدك أن تهيأ لثورة قادمة هي ثورة الجياع الذين سلب حقوقهم على حساب شهوته الفظيعة للقتل والاستبداد.." 319 وأيهما أشد بلاء الحرب أم الجوع ؟ وأين المفر ..؟؟ التعويل على قدرة فائقة لنيل الحرية دوما البحث عن قائد وإذا انعدم القادة هل يكون الموت؟؟
ويبقى السؤال في مخيلة العصاة ..هل هناك من إله غيري..؟ .."أجابه وزير البيئة: يد الله لا ترد وإذا بطش كان الهول أكبر من أن تحتمله عقول البشر وقلوبهم مجتمعين.." 296
ولكن السؤال الأكثر جدلا..
"ألأن عصر الأنبياء قد انتهى فقد انتهى معه عصر التبشير بها.." 281 ..هل يكفي الشر بأن يكون على شكل صيغة التقاعس عن عمل الخير، وازدواجية الشعور بين الرغبة وتجنبها ؟؟..
"لا بد أن يكن غلاما نبويا أو فتى مطهرا هو وحده من سيكون مهيأ لتحمل تبعات التغيير وأثقال المواجهة.." 337
 ويمكننا أن نحصد من هذا كله أنه لا أصل لما يبرر فكرة القتل.. وعلينا استنكار مسمياته: القتل الرحيم.. أو عدم الإسراف في استخدام القوة.. فالقتل هو القتل مهما تعددت أسبابه وأغراضه يبقى قتلا فما مبرره؟؟..وهو يزهق الأرواح جزافا.. .." ليست الجيوش بمسمياتها إلا لكونها جيشا للحق لا لفئة ولا لطائفة وليست لشعب إنما للأرض .. "339
..ولكنه يسوغ لصاحبه بأن يفعل السوء فيما يشاء وقتما يشاء دون أن تكون لأحد سيطرة عليه والرفض للدين هو أول بوادر الهيمنة، فنزعة الإلوهية والتفرد منذ الأزل للمردة من الإنس.. فهو المحي والمميت .."جيء (بخير الله) إلى الغاشية رفع عاريا على الصليب وسطها، ودقت كل يد على خشبة من الخشبتين الممتدتين بمسامير كبيرة..." "تعالوا اسجدوا عند قدمي .." ..ولم تكن للآلهة طريقة واحدة للتعذيب بل جعل التعذيب فنا لا يضاهيه فيه أحد " " بل للخالق أن يأمر بما يشاء أليس كل الكون عبيدا له..وأنا الذي أحيي وأميت.." 295 وقد تفوقت فنونه في أكل اللحم البشري ناضجا "وقال لآسيار: أشهى وجبة يقدمها إلي السيد الكريم هذا العام .."316
تبقى الأسطورة سيدة المشهد ليبعث مزيدا من الخوف.. إنها ملح السفهاء .."ظل مسعود يتفنن في وسائل التنكيل بمعارضيه حتى دارت حوله الأساطير، لكن النتيجة أنها ذنوب البشر اجتمعت في مخلوق ما فتشكلت على هيئة هذا الذي يسمى مسعودا.." 333
"أكان استدراج الإنسان الأول للقتل سببه حسد الشيطان إذ رأى غريمه .."
ناهيك عن قتل الرموز الدينية والتنكيل بها .." فيقتطع اللحم وسرحان ينظر إلى الكلاب تتناهبه وهو يبتسم ودماؤه تثعب من كل جزء منه.." 321 .."وهو يرى جسد القديس يتلاشى بين أفواه الكلاب الجائعة.." ...322..
الخطورة تكمن في احتكار السلطة، عندما يسيطر الطمع وإعدام الرأي الآخر والاستهانة بالحقوق وزوال العدل والبطانة الفاحشة المتكالبة على المصالح، يكون المشهد السياسي الذي لا مفر منه .. "إنها عقيدة العسكر التي تظن أن السلاح وحده قادر على أن يحسم الموقف لصالحه، وأن أي قوة أخرى للفكر أو المنهج أو إرادة الناس، يجب أن تتراجع أمامه.." 326
..غير أن الحياة بعد هذا كله..ليست هدوءا أو ركونا للتعبد، وهو مدعاة للدعة والتخلي عن الرسالة والتسليم بالقدر، هذا ليس قدرا بقدر ما هو خيانة للأمانة، بل صدعا في صورة الحق ودعامة للباطل، وهي ليست اعتزالا للشر والفتنة بل محاولة للقضاء على مفهوم الإنسانية.. فليس الدين تعبدا وتبتلا ونسكا فلا تميتوا علينا ديننا..
لقد كشف العتوم عن حقيقتين، فقد خلص إلى حقيقة ثابتة في أن العلم هو أساس كل شيء وهو الركيزة الأساسية للبناء والتعمير..
والثانية هي أن المعارضة موجودة بحقيقة ثابتة..فلتكن لغير غاية المعارضة وحسب، فدون إيجاد البدائل أو المساهمة في البحث عن الحلول، يكونون عبئا على الهوية الوطنية.. وهي ظاهرة قد تفشت في مجتمعاتنا فكانت سببا في هزالة التطبيق للمشاريع الإصلاحية.. و من الخطورة تأيدها أو دعمها أو الترويج لها لغايات ومصالح شخصية، فإن كان لا بد من دعمها كدلالة على صحة المجتمعات فلتتخذ مسارا أكثر جدة وأكثر إثراء ومنهجية لتصبح رديفا في العملية التنموية والإصلاحية"..إن حياتنا ليست بيدك، وأن قرارنا ليس مرهونا بإرادتك.." 379
 2222 إيذان ببداية المعركة ..
"كان يوم السابع من تموز في العام ،2222 بعد ميلاد السيد المسيح إيذانا إلاهيا بانطلاق العاصفة.. 355" معركة بأبعادها التفوقية.. الالكترونية والميكانيكية والجرثومية.من العدة والعتاد ..
"..مع بزوغ خيوط الفجر الأولى بعد الليلة الدامية كانت آليات رضى تعسكر على ضفاف بحيرة طبريا.." 361..وقد اعتبرت الحرب المعلوماتية هي أساس الحرب الكونية "..فمن لا يملك المعلومة لا يملك القوة ومن يفقد الصورة يفقد القدرة على القتال.."363 ..وتكون النهاية باستخدام الأسلحة الجرثومية.."بدت أجساد المؤمنين تذوب وبعضها يتفسخ والبعيد عن مركز الاستهداف يختنق370.." ..وكان الكهف هو مأوى المؤمنين من الهزيمة.."الكهف..إلى الكهف أيها المؤمنون اتبعوني إلى الكهف..إنه لم يبق من الصالحين غير هؤلاء، فإن تهلك فإن الشيطان سيعبد من دونك، فأي مصير سينتظر البشرية حينئذ؟! "374.. وكانت معركة اختبار الصبر والنفس المؤمنة.. صبر الخمسين يوما..
 الخمسون العجاف بل الخمسون.. المقاطعة ..الخمسون بداية لعصر جديد .." ..الموت البطيء يعني الموت في كل لحظة، لم يعد هناك من فرق كبير بين الموتين.." 381
وكأنها سفينة نوح تتلاطمها الأمواج ..ليجيء أمر الله و يحق الحق بكلماته ويقيم العدل وينسف الظلم، ليخسف بالأرض أمما ويحي أخرى "..كانت السماء كلها مغطاة بطيور سوداء في حجم العقاب ..لم يدر أحد من أهل الأرض يومها من أين جاءت، أنها جاءت وحسب.." 385 .."ظلت السماء تبكي على المخلوقات فوق الأرض ليلة كاملة.." 390.." من بعيد بدت الجبال تلبي نداء المشيئة الإلهية، تدحرجت من قممها أشلاء أجساد أو بقايا أسلحة.." 390
..لتصحو الأرض على هيئة جديدة من بداية التكوين وكانت بداية الخلق بوجود امرأة حبلى تحت الشجرة برمزية على استمرارية الحياة بولادة طفلة لتكون أولى النطف لخلق اختير ليستخلف في الأرض وليحمل رسالة البناء والاعمار....
ومع هذا كله فالمعركة الأخيرة ....." المعركة الأخيرة لم تأت بعد !! "391
المعركة التي لا ظلم بعدها وسيقودها المسيح بنفسه " إنما علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ..."392
عبر392( صفحة) من الورق المتوسط، كنا مع العتوم كروائي وباحث في المنظومة العلمية والبيئية والثقافية، وكنا معه فيما بعد المستقبل، استقراء في نص من أروع النصوص..

 نفر من الجن...
 لم تكن البشرية بحاجة لهم للتدمير بقدر ما كانوا بحاجة لنفر من الجن المصدقين...
 في نص أكثر من رواية تفوق فيها العتوم على نفسه، ليستحق لقب (روائي القرن) بما أتحف الأجيال به من بداية جديدة للتفكير الإبداعي والقيمي من حقائق وأفكار، بعقلانية وحيادية ومنطقية وشمولية لحقيقة الحال ورسم المآل ...

ليست هناك تعليقات: